أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!















المزيد.....

كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3227 - 2010 / 12 / 26 - 17:23
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


لم استطع ان اضع خطا فاصلا بين حقيقتين ، لا اعرف بالضبط ، أي منهما هي الاكثر مدعاة للشعور بالمراره .. الاولى هي تنكر الاوطان في عالمنا المبتلى بشتى صنوف التردي ، لابنائها البررة من حملة مشاعل العلم والفنون .. والثانية هي تمسك شعوبنا المبتلاة هي الاخرى بما يحيطها من سخام حياتها المتدنية ، بان تنسى ما وسعها ذلك ، جميع المبدعين الحاضرين لتكتفي بلوك امجاد السالفين منهم ، والى حدود الشعور بالغثيان .
رافد صبحي اديب .. جراح عراقي فذ ، كنت اسمع وانا لم ازل في عهد الصبا ، قصصا عنه جعلتني اقف يوما عند باب عيادته في ساحة الطيران وسط بغداد ، لأتمثل كيف كان هذا الرجل تجسيدا لمظاهر الاقدام والتفاني .. وقد سحرني فيه انه لم يتوقف عن تفانيه المجرد من أية أنانية سواء كانت من اصل كينونته كبشر ، او تلك المكتسبة من خلال محيط التربية العامة والخاصه .. حيث علمت بانه وقف متحديا لنقابة الاطباء العراقيين ، حين قرر ان تكون اجورفحصه للمرضى لا تتعدى الدرهم الواحد ، والدرهم هو جزء من عشرين جزء للدينار العراقي .. في الوقت الذي كان بقية الاطباء لا يتنازلون عن العشرة دنانير كثمن للكشف ..
رافد صبحي اديب ايها الاخوة ، هو طبيب مختص بجراحة القلب ، من العراق ، كردي الاصل .. كان ضابطا في الجيش العراقي ابان الحكم الجمهوري الاول بزعامة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم .. وحين قامت شلة من شذاذ الآفاق ، من أذناب المد القومي والديني عام 1963 باغتيال ذلك الحكم وزعيمه ضمن اسوء هجمة رجعية لا زال شعب العراق يعاني من آثارها السوداء ، ادخل الدكتور رافد مع المئات من الضباط الاحرار الى السجن رقم واحد في العاصمة بغداد .. وقد قرر الطغاة بعد حين ، تصفيتهم وبطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في معاقل النازية المعروفه .. فلم يقرروا اعدامهم بالطرق الاعتياديه .. ولم تصل حدود الشيزوفرينيا البشرية الى ان يعدموا رميا بالرصاص كعسكريين ، وانما قرروا قتلهم على الطريقة العربية ، حيث طغت معالم التطبع بطباع رعاة الهمجية عبر التاريخ العربي المملوء بشتى صور التشفي بالخصوم ..
لقد قررت قيادة الحكم الجائر حينذاك ، ان يتم جمع اولئك الضباط ، في محطة السكك الحديد الرئيسية في بغداد ليلا ، وتم إعداد احدى القطارات المخصصة لنقل البضائع ، وهي عبارة عن عربات مقفلة ، لا يدخلها الهواء الا عبر فتحات بسيطة تفصل الابواب عن جسد العربه الحديدية .. وتم توجيه الاوامر للسائق بان يسير بابطأ سرعة ممكنه لنقل بضاعة لم يكن يعلم عن ماهيتها شيء .. في حين قامت مجموعة من الحراس بمصاحبته لغرض مراقبة التزامه بالتوجيهات .
الوقت كان في تموز وهو اكثر الاشهر حرارة في العراق ، وارضية تلك العربات من الداخل كانت مطلية بمادة القار ، مما زاد في حرارة الجو المحيط بالضحايا .. وسارت العربات على مهلها متوجهة صوب مدينة البصره ..
يروي الناجون من ذلك الشبح الذي سمي فيما بعد بقطار الموت ، بان العديد من الضباط ومعهم جمع اخر من المدنيين ، كانوا قد اغمي عليهم في بداية الرحله .. وكان رافد صبحي اديب كالذئب الجريح ، يغالب الموت ، فيتحرك داخل العربة التي هو فيها ، يمسك بهذا ويتفحص ذاك .. يوجه نصائحه الطبية للجميع ، ينفخ في افواه البعض ، ويصيح بالاخر كي يستفيق ولا يدخل في الغيبوبة المميته ، حتى وصل القطار الى محطة مدينة السماوه .. وكان عليه ان يتوقف حسب نظام سير القطارات وتنظيم حركتها اليوميه ..
كانت شكوك سائق القطار تزحف على عقله وهو يتطلع الى مرافقيه وحرصهم على التباطؤ في السير .. واستطاع بعد توقفه المؤقت ان يتحسس بضاعته السريه ، وحين علم بانه يحمل اجسادا آدمية حية ، عاد الى مقصورته فورا وانطلق بالقطار مسرعا تاركا مرافقيه من الحراس في المحطه .. سار باسرع طاقة ما كينته دون ان يلتفت لوقت مرور اي قطار في الاتجاه المقابل ، لقد راهن على استباق الزمن ، وجاهد في سبيل الوصول الى المحطة القادمه خلال اقصر وقت ممكن ..
وصل قطار الموت الى محطة القطار العمومية في مدينة العماره .. وهبط السائق الشهم يصرخ بجموع الموجودين في المحطه .. معلنا عن وجود رجال داخل عربات القطار محكوم عليهم بالموت .. هبت النساء والرجال والاطفال .. من الذين كانوا ينتظرون قاطرات السفر ، واولئك الفقراء باعة البضائع المتجولين .. هبوا ناحية العربات المقفله .. وسرعان ما قامت الجماهير بفتح الاقفال الموصدة باحكام ..
خرت الاجساد خارج العربات ، بين مغمى عليه ومن هو قريب من الموت .. ومن احدى العربات .. قفز مارد يرتدي بجامة النوم ، ليتوسط الجماهير معلنا بانه طبيب وعلى الجموع ان تقتدي باوامره .. لا تسقوا احدا الماء .. اخلطوا الماء بالملح اولا .. لا تضعوا قطع الثلج فورا على الاجساد ..
كانت الساحة واسعة لا تكفي ان يوصل الطبيب الشهم تعليماته للجميع حرصا على ان لا يقع خطأ مميت ، فكان يجري كالبرق بين الجموع .. اسرعوا ولا تتوقفوا .. السلطة قد تكون في الطريق ..
وبحس الفقراء المجرد من أي تبعات سياسية معقده .. راهنت الجماهير على ما لديها من قدرات ، واحتوت اكبر عدد ممكن من الرجال المقيدين لبعضهم البعض لتنقلهم الى بر الامان ..
ويذكر التاريخ ايها الاخوة .. ان رافد صبحي اديب بابان ، الجراح العراقي الفذ .. قام بعدئذ باجراء عملية لاستئصال الزائدة الدودية لاحد سجناء قطار الموت ، مستخدما شفرة حلاقة عاديه ، ولم يكن لديه حينذاك اية مواد للتخدير ..
مرت السنون العجاف على بلاد الرافدين ، واختفى رافد صبحي اديب كما اختفى نخيل العراق وشتلات الرز العنبر المميزة ، وقد علمت بانه كان مرحبا به كطبيب جراح يرأس قسما مهما في احدى مستشفيات مدينة ليدز البريطانيه ..
لم يغادره العراق .. وكان في حديثه للمقربين من اصدقائه يصر على انتمائه الوطني .. في حين نسيه العراق ولم يدرج له اسم في صفحات سجل المضحين ..
سميت ابني البكر باسمه دون ان اراه .. فقد اوحت لي بذلك كل خطوة كان يخطوها وهو يقاوم حبات العرق على جبينه يوم كان يهتف بالجماهير ، أسدا جريحا لينقذ ابناء وطنه في قطار الموت ..
لم يكن عربيا ، بل عراقيا كرديا .. حيث يوصم اسمه وانتمائه العرقي جميع الذين يقفون اليوم للضرب على هامات البشر بتقسيمهم على اساس الدين والمذهب والهويه ..
وفي الثاني والعشرين من شهر ديسمبر الحالي .. ظهرت اخبار تقول .. بان الدكتور رافد صبحي اديب ، قد توفي على سريره في بيته بمدينة ليدز البريطانيه .. ولم تحمل تلك الانباء ، غير دعوات يملؤها الحياء ، لحضور حفل تأبين الفقيد ، حينما يعلن عنه بعد قيام اسرته باتمام مراسم الدفن .
ليس لدي ايها الطبيب الفقيد غير انني سميت باكورة ابنائي باسمك .. ولا استطيع التعبير عن ما احمله من أسى لفقدك ابعد من تحسس الأسى الذي نحن فيه .. نم قرير العين ايها الفارس .. وكن على يقين بان اصول الوطن بمن ضحوا لاجله .. وانت واحد منهم ..
وداعا رافد صبحي اديب .. ولتتقبل اسرتك المفجوعة اصدق التعازي ، من غريب لا زال يحوم حول تربة بلاده من بعيد ..



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفودكا .. واختراق الحصار ..
- دعوة نصوح .. كي يموت فينا الضد السيء .
- أمريكا تحتفل بافضل راقصيها..
- للحقيقة .. إتجاه واحد .
- لمصلحة من يجري التحامل على التجربة السوفيتيه ؟؟ .
- كيف السبيل لإرضاء شركاء الدم ؟
- هيبة القانون ، أم هيبة الدوله ؟
- متى يصار إلى النطق بالحقائق ؟
- ألشيطان رجل .. ( قصة قصيره )
- رافقوني إلى القاع .. فذلك أجدى لمعايشة الحقيقه .
- اليسار في بلادنا ، وتخلفه عن ريادة الحركة الشعبيه .
- رمضان .. شهر الفقراء
- حينما تؤمن أمة ، بأن سكينا تنطق !! .
- مصير كادت أن تقرره حبة تمر
- إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
- للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
- لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
- تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
- يوم في دار العداله
- أللهم لا شماته ....


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!