الحرب هي النواة الإشكالية لأهم المعارك الجيوسياسية بين القوى الدولية الصاعدة


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 06:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

مقدمة
تُشكّل الحرب، كظاهرة تاريخية واجتماعية، نواة إشكالية مركزية في دراسة المعارك الجيوسياسية، خاصة مع صعود قوى دولية جديدة تتحدى النظام العالمي القائم. يُعيد كارل فون كلاوزفيتز في في الحرب (1832) تعريف الحرب كـ"استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، مما يجعلها أداة استراتيجية لإعادة توزيع القوة. في الحقبة المعاصرة ، تتجلى هذه النواة في تنافس القوى الصاعدة مثل الصين، روسيا، الهند، والبرازيل (مجموعة بريكس) مع القوى التقليدية (الولايات المتحدة، أوروبا). تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الحرب كإشكالية جيوسياسية أساسية في المعارك الحالية، مع التركيز على أبعادها الاقتصادية، التكنولوجية، والإقليمية. سنبدأ بتحليل الإطار النظري للحرب في الجيوسياسية، ثم نستعرض أبرز المعارك بين القوى الصاعدة، وأخيراً نبلور رؤية للمخاطر والفرص، مستندين إلى أعمال كلاوزفيتز، جون ميرشايمر، وتقارير معاصرة مثل تلك الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام . فماهي دلالات الحرب في الحقبة المعاصرة؟ وكيف تتراوح في وظائفها بين التدمير الكلي والبناء النسقي للقوة؟
الحرب كنواة إشكالية جيوسياسية
ترى النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، كما عند هانز مورغنثاو وميرشايمر، أن الدول تسعى لتعظيم قوتها في نظام أناركي، مما يجعل الحرب آلية حتمية للحل. في سياق الصعود، يُطبق ميرشايمر في مأساة سياسات القوى العظمى (2001) مفهوم "الواقعية الهجومية"، حيث تثير القوى الصاعدة خوف القوى الهابطة نسبياً، مما يولد دوامة أمنية. هنا، تكمن الإشكالية في أن الحرب ليست مجرد صراع عسكري، بل نواة متعددة الأبعاد تشمل الحروب الهجينة: مزيج من العمليات العسكرية، الاقتصادية، السيبرانية، والإعلامية.جيوسياسياً، يعيد نيكولاس سبيكمان في جيوسياسية السلام (1944) تعريف المناطق الحاسمة مثل "الحافة"، التي تشهد اليوم تنافساً بين الصين (مبادرة الحزام والطريق) وأمريكا (تحالف أوكوس). في 2025، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2.4 تريليون دولار، مع مساهمة الصين بنسبة 12% وروسيا 4% ( 2024)، مما يعكس تحولاً في توازن القوى. الإشكالية تكمن في "فخ ثيوسيديدس"، كما صاغه غراهام أليسون (2017): 12 من 16 حالات صعود في التاريخ أدت إلى حرب.
أبرز المعارك الجيوسياسية: الحرب كنواة في التنافس الصاعد
1. بحر الصين الجنوبي: النواة الإقليمية والاقتصادية
تشكل مطالبات الصين في بحر الصين الجنوبي (خط التسع شرطات) نواة إشكالية لمعركة جيوسياسية مع الولايات المتحدة، الفلبين، وفيتنام. يسيطر الصين على 90% من المنطقة عسكرياً عبر جزر اصطناعية، مما يهدد طرق التجارة (5 تريليون دولار سنوياً). الحرب هنا هجينة: عمليات عسكرية (مناورات 2024)، عقوبات اقتصادية، ودبلوماسية (كود سلوك مع آسيان). يرى ميرشايمر أن صعود الصين البحري يهدد هيمنة أمريكا، مما قد يؤدي إلى تصعيد (مثل حادثة 2023 بين سفن حربية)
.2. أوكرانيا وأوروبا الشرقية: النواة الروسية ضد الناتو
منذ غزو روسيا لأوكرانيا (2022)، أصبحت الحرب نواة لمعركة جيوسياسية بين روسيا (قوة صاعدة نسبياً) والغرب. بلغت الخسائر 500 ألف قتيل (تقديرات 2025)، مع استخدام أسلحة نووية تكتيكية محتملة. جيوسياسياً، تسعى روسيا لاستعادة "حزام أمني" بينما يوسع الناتو شرقاً (فنلندا، السويد 2023-2024). الإشكالية في الحرب الاقتصادية: عقوبات غربية خفضت الناتج الروسي 2%، لكن تحالف بريكس (مع الصين، الهند) يوفر بدائل (تجارة باليوان). يحذر كيسنجر (2023) من حرب عالمية إذا امتد الصراع إلى بولندا
.3. الشرق الأوسط والخليج: نواة الطاقة والتكنولوجيا
في الشرق الأوسط، تتنافس الصين (استثمارات 400 مليار دولار في إيران والسعودية) مع أمريكا على موارد الطاقة. حرب غزة (2023-2025) امتداد إشكالي، حيث تدعم إيران (قوة صاعدة إقليمياً) حماس، بينما تدعم أمريكا إسرائيل. الحرب هنا متعددة: صواريخ، سيبرانية (هجمات على أرامكو 2024)، ودبلوماسية (اتفاقيات إبراهيم مقابل مبادرة الحزام). يرى هالفورد ماكيندر في المحور الجيوسياسي (1904) أن السيطرة على "قلب الأرض" تمتد إلى الخليج، مما يجعل الطاقة نواة التنافس.
.4. الفضاء السيبراني والتكنولوجيا: الحرب غير المرئية
مع صعود الصين في الذكاء الاصطناعي (هواوي، تيك توك)، أصبحت الحرب السيبرانية نواة لمعارك غير تقليدية. هجمات 2024 على شبكات أمريكية (منسوبة للصين) وروسية على أوروبا تكلف 10 تريليون دولار سنوياً (تقرير ماكينزي 2025). الإشكالية في "سباق التسلح الرقمي"، حيث تتحكم القوى الصاعدة في سلاسل التوريد (رقائق تايوان).
التفاعل والمخاطر: نحو سيناريوهات جيوسياسية
تتقاطع هذه المعارك في نظام متعدد الأقطاب، حيث تشكل الحرب نواة مشتركة لإعادة تشكيل النظام الدولي. في 2025، عقدت قمة بريكس في كازان اتفاقيات تجارية بديلة للدولار (30% من التجارة العالمية)، مما يهدد الهيمنة الأمريكية. المخاطر تشمل حرب نووية (احتمال 15% حسب راند 2024)، انهيار اقتصادي، أو انتقال إلى حرب باردة جديدة. أما الفرص، ففي دبلوماسية متعددة الأطراف أو اتفاقيات نزع فتيل.
جيوسياسياً، يتطلب الأمر نظرية "توازن القوى الذكي" ، تجمع بين الردع والحوار، مستوحاة من بسمارك.
خاتمة
تظل الحرب نواة إشكالية أساسية في المعارك الجيوسياسية بين القوى الدولية الصاعدة، تحول التنافس من اقتصادي إلى وجودي. من بحر الصين إلى أوكرانيا، تعكس هذه النواة تحولاً في توازن القوى، مدعوماً بأبعاد هجينة. في 2025، يتطلب الاستقرار فهماً عميقاً لهذه الإشكالية لتجنب فخ ثيوسيديدس، مع الدعوة إلى جيوسياسية تعاونية تحتوي الحرب بدلاً من إشعالها، محذرة من أن الصعود دون حكمة يؤدي إلى سقوط مشترك. فكيف يمكن تطوير نظرية مضادة للحروب على ضوء هذا التشخيص المجهري؟
كاتب فلسفي