هل سحب جيل زد البساط من الهيكليات الكلاسيكية وامسك بزمام المبادرة نحو المستقبل؟


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 02:52
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

مقدمة
يُعد جيل زد، المولودون تقريبًا بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جيلًا فريدًا نشأ في عصر التكنولوجيا الرقمية، العولمة، والتحولات الاجتماعية السريعة. يُنظر إليهم غالبًا كرواد تغيير، يتحدون الهياكل التقليدية في مجالات مثل السياسة، الاقتصاد، الثقافة، والبيئة. لكن، هل يمكن القول إن جيل زد قد سحب البساط فعليًا من الهيكليات الكلاسيكية، وهل هم حقًا من يمسك بزمام المبادرة نحو المستقبل؟ تتناول هذه الدراسة هذا السؤال من خلال تحليل ميتودولوجي يركز على تأثير جيل زد على الهياكل التقليدية، مع الأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية، الاقتصادية، والتكنولوجية. لماذا تحول جيل زد الى وقود للثورة الاجتماعية الشبابية المطلبية؟
الهيكليات الكلاسيكية وتحدياتها
تعريف الهيكليات الكلاسيكية
تشير الهيكليات الكلاسيكية إلى الأطر المؤسسية والثقافية التي شكلت المجتمعات الحديثة، مثل:
النظم السياسية: الأنظمة الديمقراطية التقليدية، الأحزاب السياسية، والبيروقراطيات.
الاقتصاد: النماذج الرأسمالية التقليدية القائمة على الشركات الكبرى والعمالة الثابتة.
الثقافة والتعليم: الأنظمة التعليمية الرسمية، القيم الاجتماعية التقليدية، والهياكل الأسرية.
الإعلام: وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون.
هذه الهياكل صُممت لتوفير الاستقرار والنظام، لكنها تواجه تحديات معاصرة مثل العولمة، التكنولوجيا الرقمية، والأزمات البيئية
أزمة الهيكليات الكلاسيكية
في العقود الأخيرة، واجهت الهيكليات الكلاسيكية انتقادات بسبب:
التقاطعية: عدم قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة، مثل التحولات التكنولوجية.
فقدان الثقة: تراجع الثقة في المؤسسات التقليدية، كما يظهر في استطلاعات الرأي التي تُشير إلى انخفاض الثقة في الحكومات والإعلام.
التهميش: فشل هذه الهياكل في تمثيل الفئات المهمشة، مثل الشباب والأقليات.
جيل زد وخصائصه
من هو جيل زد؟
يتميز جيل زد بكونه أول جيل "رقمي بالكامل"، حيث نشأ مع الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية. تشمل خصائصه:
التكنولوجيا: إجادة استخدام التكنولوجيا واعتمادها كأداة للتواصل والتعلم.
التنوع: قبول أعلى للتنوع الثقافي والعرقي مقارنة بالأجيال السابقة.
النشاط الاجتماعي: اهتمام كبير بالقضايا العالمية مثل تغير المناخ، العدالة الاجتماعية، والمساواة.
قيم جيل زد
الاستقلالية: يفضلون العمل الحر والمشاريع الريادية على الوظائف التقليدية.
الوعي البيئي: يُظهرون التزامًا قويًا بالاستدامة، كما يتضح من دعمهم لحركات مثل " "جمعة من أجل المستقبل".
التشكيك في السلطة: يتحدون المؤسسات التقليدية ويسعون إلى إعادة صياغة القيم الاجتماعية.
سحب البساط من الهيكليات الكلاسيكية
في المجال السياسي
التحدي للأحزاب التقليدية: يُظهر جيل الزد انخفاضًا في الانتماء للأحزاب السياسية التقليدية، مفضلين الحركات الشعبية والنشاط الرقمي. على سبيل المثال، حركات مثل "حركة حياة السود مهمة" و" "تمرد الانقراض" تعتمد بشكل كبير على تنظيم الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الديمقراطية الرقمية: استخدام منصات رقمية لتعبئة الرأي العام وتنظيم الاحتجاجات، مما يتجاوز القنوات السياسية التقليدية.
أمثلة: قادت الناشطة غريتا ثونبرغ، وهي من جيل زد، حراكًا عالميًا لتغير المناخ، متحدية المؤسسات السياسية التقليدية.
في المجال الاقتصادي
اقتصاد العمل الحر: يفضل جيل زد نماذج العمل المرنة مثل الاقتصاد التشاركي والريادة، مما يتحدى هياكل التوظيف التقليدية.
الاستهلاك الواعي: يدعمون العلامات التجارية التي تتبنى قيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، مما يضغط على الشركات الكبرى لتغيير ممارساتها.
أمثلة: ظهور شركات تركز على الاستدامة استجابة لضغوط جيل زد.
في المجال الثقافي والتعليمي
إعادة تعريف الهوية: يتحدى جيل زد الأعراف التقليدية حول الجندر، العرق، والهوية، مما يدفع نحو ثقافة أكثر شمولية.
التعليم الذاتي: يعتمدون على منصات مثل يوتيوب وكورسيرا للتعلم الذاتي، متجاوزين الأنظمة التعليمية التقليدية.
أمثلة: حركات مثل # أنا أيضاً وثقافة "الووك" التي يقودها جيل زد أعادت تشكيل النقاشات الثقافية.
في المجال التكنولوجي
وسائل الإعلام الجديدة: يعتمد جيل زد على منصات رقمية لنشر الأفكار والتأثير، متجاوزين وسائل الإعلام التقليدية.
التكنولوجيا كأداة تمكين: استخدام التكنولوجيا لخلق مجتمعات رقمية وتنظيم الحركات الاجتماعية.
هل أمسك جيل زد بزمام المبادرة نحو المستقبل؟
دلائل على امتلاك زمام المبادرة
الابتكار: جيل زد يقود الابتكار في مجالات مثل التكنولوجيا الرقمية والاستدامة، مع ظهور رواد أعمال شباب مثل فيتاليك بوتيرين (مؤسس إيثيريوم).
التأثير العالمي: حركاتهم، مثل الاحتجاجات البيئية، لها تأثير عابر للحدود.
إعادة صياغة القيم: تركيزهم على العدالة الاجتماعية والبيئية يشكل أجندة المستقبل.
التحديات التي تواجه جيل الزد
السلطة المؤسساتية: رغم تأثيرهم، لا يزال جيل زد يواجه هياكل مؤسسية قوية تسيطر على صنع القرار.
الاستقطاب الرقمي: وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى فقاعات معلوماتية تحد من تأثيرهم.
الموارد المحدودة: نقص الوصول إلى رأس المال والسلطة السياسية قد يعيق قدرتهم على التغيير.
مقاربة ميتودولوجية لتقييم التأثير
لتقييم ما إذا كان جيل زد قد أمسك بزمام المبادرة، يمكن استخدام مقاربة ميتودولوجية تجمع بين:
التحليل الكمي: قياس تأثير جيل زد من خلال إحصاءات مثل نسبة مشاركتهم في النشاط السياسي أو الريادة.
التحليل النوعي: دراسة الحركات الاجتماعية والثقافية التي يقودونها عبر مقابلات أو تحليل المحتوى على منصات رقمية.
التفكير النظمي: فهم التفاعلات بين جيل زد والهياكل التقليدية ضمن سياقات اقتصادية وسياسية أوسع.
الآفاق المستقبلية
فرص جيل زد
التكنولوجيا: استمرار الاعتماد على التكنولوجيا لتعبئة التغيير وخلق حلول مبتكرة.
التعاون العابر للأجيال: العمل مع الأجيال الأخرى لدمج الخبرة مع الابتكار.
التعليم والتوعية: تعزيز الوعي العالمي بقضايا مثل الاستدامة والعدالة.
التحديات المستقبلية
الاستدامة المالية: الحاجة إلى نماذج اقتصادية تدعم طموحاتهم.
الاستقطاب السياسي: مواجهة الانقسامات التي قد تعيق جهودهم.
التكيف مع التغيرات: القدرة على التكيف مع تحديات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والأزمات البيئية.
خاتمة
جيل زد قد سحب البساط جزئيًا من الهيكليات الكلاسيكية من خلال تحديه للأعراف التقليدية، سواء في السياسة، الاقتصاد، أو الثقافة. لقد أظهروا قدرة ملحوظة على استخدام التكنولوجيا والنشاط الاجتماعي لإعادة تشكيل النقاشات العامة ودفع أجندات جديدة. ومع ذلك، فإن امتلاكهم الكامل لزمام المبادرة نحو المستقبل يظل محدودًا بالهياكل المؤسسية القائمة، نقص الموارد، والتحديات السياسية. من خلال التكامل بين الابتكار الشبابي والخبرة المؤسسية، يمكن لجيل زد أن يلعب دورًا محوريًا في صياغة مستقبل أكثر استدامة وعدالة. فماهي المؤشرات المرصودة على امكانية نجاح جيل زد في تحقيق احلامهم الثورية؟
كاتب فلسفي
.