قراءة تحليلية نقدية في مبادرة ترامب للسلام في الشرق الأوسط


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 21:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مقدمة
مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، التي أُعلنت في إصداراتها الأحدث في سبتمبر وأكتوبر 2025 كـ"خطة السلام في غزة" المكونة من 20-21 بندًا، تمثل تطورًا لـ"صفقة القرن" (2020)، وتُعد محاولة لإنهاء الحرب في غزة (التي اندلعت في أكتوبر 2023) من خلال وقف إطلاق النار، إطلاق الرهائن، إعادة الإعمار، وتشكيل "مجلس سلام" دولي برئاسة ترامب نفسه، مع مشاركة توني بلير ودول عربية. وصف ترامب الخطة بأنها "يوم تاريخي للسلام"، مُقدِّمًا الولايات المتحدة كـ"منقذ حضاري"، بينما يُتهمها النقاد بتبخيس المجتمعات المقاومة الفلسطينية (مثل حماس والسلطة الفلسطينية) كـ"عنيفة" و"غير واقعية"، مُطالبًا بنزع سلاحها كشرط أساسي. في هذه الدراسة الأكاديمية، سنحلل المبادرة من منظور مزدوج: أولاً، كامتداد للاستشراق الحديث، حيث تُمجد الذات الحضارية الغربية كـ"حضارة السلام" مقابل "الشرق المتخلف"، ويُبخس دور المقاومة الفلسطينية كـ"إرهاب"؛ ثانيًا، بين المزايا البيوسياسية (تعزيز التحالفات الإقليمية والأمنية) والمآخذ الأخلاقية (انتهاك الحقوق والعدالة). سنعتمد على الإطار ما بعد الاستعماري (إدوارد سعيد، هومي بابها)، مع الاستعانة بمصادر أكاديمية وإعلامية حديثة حتى 13 أكتوبر 2025. الهدف هو تفكيك الخطاب الهيمني للمبادرة، مع تقييم إمكانياتها في الاستقرار الإقليمي، لنكشف كيف تُعيد إنتاج الثنائيات الاستعمارية (غرب/شرق، حضارة/توحش)، بينما تُقدِّم فوائد استراتيجية قصيرة الأمد مقابل مخاطر أخلاقية طويلة الأمد. فماهي مبادرة ترامب للسلام في الشرق الأوسط؟ هل تعكس موازين القوى في المنطقة بعد انهاء الحرب في غزة؟ كيف تتراوح بين تمجيد الذات الحضارية الغربية وتبخيس المجتمعات المقاومة؟ وهل توجد فيها مزايا بيوسياسية؟ وهل لاسرائيل أم للفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ وأليست هناك مآخذ ايتيقية خطيرة في هذه المبادرة التسويفية الفوقية؟ وماهي الاستراتيجيات المتبقية للقوى المناهضة للصهيوامبريالية؟
الاستشراق في مبادرة ترامب
الخلفية التاريخية
نشأت المبادرة كرد فعل على فشل عمليات السلام السابقة مثل أوسلو (1993) وخريطة الطريق (2003)، التي اعتمدت مبدأ "الأرض مقابل السلام" وفق قرارات الأمم المتحدة (242، 1967).
في 2020، أُعلنت "صفقة القرن" دون مشاركة فلسطينية، مُسمحة لإسرائيل بالضم، مما أثار رفضًا عربيًا. بحلول 2025، رُبطت بخطة غزة (20 بندًا) لإنهاء الحرب، مع دعم أولي من دول مثل السعودية والإمارات، لكنها حافظت على التركيز على "الأمن الإسرائيلي" ونزع سلاح حماس.
في 8 أكتوبر 2025، أعلن ترامب اتفاقًا على المرحلة الأولى (إطلاق رهائن مقابل سجناء فلسطينيين وانسحاب إسرائيلي محدود)، مُقدِّمًا نفسه كرئيس "مجلس السلام".
تمجيد الذات الحضارية الغربية
يُعد الخطاب الترامبي امتدادًا للاستشراق (سعيد، 1978)، حيث يُنتج "الغرب" كـ"حضارة السلام" مقابل "الشرق" كـ"فوضى". ترامب وصف الخطة بـ"السلام الأبدي"، مُقدِّمًا الأمريكيين كـ"صانعي صفقات" يُنقذون الشرق من نفسه، مُشيرًا إلى إعادة إعمار غزة كـ"ريفييرا الشرق الأوسط" بـ"معجزات حضارية حديثة". هذا التمجيد يعكس "الاستثنائية الأمريكية"، حيث تُفرض الرؤية الغربية كـ"حل نهائي"، مُتجاهلة التاريخ الفلسطيني، كما في وعد بلفور (1917).
الخطة تُروَّج كـ"فرصة أخيرة" للفلسطينيين، مُحوِّلة النزاع إلى مشروع تجاري غربي.
تبخيس المجتمعات المقاومة
تُصوَّر المقاومة الفلسطينية كـ"عنيفة" أو "غير ناضجة"، مُطالبة بنزع السلاح و"التخلي عن العنف" كشرط لـ"السلام". هذا التبخيس يُشبه الاستشراق الجديد، حيث تُختزل المقاومة إلى "إرهاب"، مُتجاهلة سياق الاحتلال، ويُقدَّم حماس كـ"تهديد يجب القضاء عليه" إذا رفض الخطة. يؤدي هذا إلى "غربة الذات"، حيث تُداخل المجتمعات المقاومة النظرة الغربية، مُحوِّلة المقاومة إلى "فشل ذاتي".
تحليل التمثيلات الاستشراقية في المبادرة
تمجيد الذات:
الغرب كـ"منقذ"الخطاب الترويجي: ترامب يُقدِّم الخطة كـ"إنجاز تاريخي"، مُشيرًا إلى "دعم عالمي" من كندا وفرنسا، مُصوِّرًا الغرب كـ"حضارة الازدهار" التي تُهدي غزة "معجزات اقتصادية. هذا يعكس "التمجيد الذاتي" في الدبلوماسية الأمريكية، كما في اتفاقيات أبراهام (2020)، التي طبَّعت العلاقات دون حل فلسطيني.
الأبعاد الثقافية: الخطة تُحوِّل غزة إلى "منطقة اقتصادية خاصة" بـ"رموز رقمية"، مُتجاهلة الذاكرة الجماعية الفلسطينية، مُعزِّزَة الرواية الاستعمارية لـ"الحضارة مقابل التوحش".
تبخيس المقاومة: "الشرق المتخلف"
تصوير الفلسطينيين: الخطة تُشترط "عفا عن حماس إذا التزمت بالسلام" أو "نفي آمن"، مُصوِّرة المقاومة كـ"عائق"، لا حق. في 2025، يُطالب نزع سلاح حماس كـ"خط أحمر"، مُعزِّزًا الرواية الإسرائيلية لـ"الدفاع عن النفس".
الآثار النفسية: يُعاد إنتاج "الإسلاموفوبيا"، مُختزلًا المقاومة إلى "تطرف"، مُتجاهلًا الاحتلال كسبب جذري.
المزايا البيوسياسية للمبادرة
رغم التحيز، تحمل المبادرة إمكانيات استراتيجية في تعزيز الاستقرار الإقليمي.
تعزيز التطبيع الإقليمي
اتفاقيات أبراهام طبَّعت العلاقات مع 6 دول عربية، مُقاومًا العزلة الإسرائيلية ومُعزِّزَ التحالف ضد إيران.
في 2025، أدت إلى دعم سعودي-إماراتي أولي، مُقدِّمَة "سلامًا إقليميًا" يشمل السودان والمغرب.
الاستثمارات الاقتصادية والأمنية
50 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، مُعالجة بطالة 45%، مُقدِّمَة "سلامًا اقتصاديًا" يُعزِّز التحالفات.
كما تُنشِئ "قوة استقرار دولية" للأمن، مُقوِّيَ التحالف الأمريكي-إسرائيلي.
الضغط للحوار الإقليمي
أجبرت نتنياهو على وقف إطلاق نار جزئي، وأثارت حماس للتفاوض، مُعزِّزَ الثقة بين الدول العربية.
المآخذ الأخلاقية على المبادرة
التحيز الاستعماري والانتهاكات الحقوقية
تمنح إسرائيل سيطرة أمنية وتسمح بالضم، مُنتهكة قرارات الأمم المتحدة (2334)، وتُقدِّم "دولة فلسطينية" محدودة كـ"غيتو"، مُشجِّعَة على "تطهير عرقي" غير مباشر. وُصفت بـ"جريمة ضد الإنسانية" لاقتراح "نقل طوعي" لسكان غزة.
الرفض الفلسطيني والدولي
رفضت السلطة الفلسطينية كـ"مفخخة"، مُقطعة العلاقات الأمنية، بينما حذرت الأمم المتحدة من نهاية حل الدولتين. تُفرض دون مشاركة فلسطينية، مُعزِّزَة "الاستسلام غير المشروط".
تعزيز الهيمنة الأخلاقية
تُعاد إنتاج "الأبارتهايد"، مُحوِّلَة المقاومة إلى "إرهاب"، مُتجاهلَة الظلم التاريخي (النكبة)، مُقدِّمَة "سلامًا" يُكافئ الضحية بالمعتدي. "هدية حضارية" غربية لـ"الشرق الفقير"؛ بيوسياسيًا: تعزيز التجارة؛ أخلاقيًا: استغلال الفقر كأداة هيمنة .
الآثار المعاصرة (حتى 13 أكتوبر 2025)
أدت الخطة إلى وقف إطلاق نار جزئي في غزة، مع إطلاق رهائن (حتى 20 رهينة حيًا)، ودعم دولي من كندا وفرنسا، لكنها أثارت توترات مع إيران ومعارضة داخلية إسرائيلية (من اليمين المتطرف).
تعزز الاستقرار قصير الأمد بيوسياسيًا، لكنها تُبعد عن عدالة طويلة الأمد أخلاقيًا، مُعزِّزَة الهيمنة الغربية ومُحوِّلَة المقاومة إلى "إرهاب".
خاتمة
مبادرة ترامب تُجسِّد توترًا بين تمجيد الذات الحضارية الغربية كـ"منقذ" وتبخيس المجتمعات المقاومة كـ"عائق"، مُعادِدَة إنتاج الاستشراق في الدبلوماسية الحديثة. المزايا البيوسياسية (التطبيع، الاستثمارات) تُقابل مآخذ أخلاقية (التحيز، الرفض) تجعلها "سلامًا مفخخًا". للنجاح، يجب دمجها مع حوار فلسطيني حقيقي، مُتجاوزًا الثنائيات الاستعمارية. في عصر ما بعد 7 أكتوبر 2023، تظل المبادرة اختبارًا لقدرة الغرب على الاعتراف بالآخر كشريك، لا كموضوع.
التوصيات للدراسات المستقبلية
تحليل الاستشراق في الذكاء الاصطناعي لمراقبة النزاعات.
مقارنة بين مبادرات ترامب وبابها في "الهجينية" الثقافية.
دراسة دور الإعلام العربي في مواجهة التبخيس.
فهل تنجح هذه الخطة في فرض السلام والتطبيع مع الكيان المحتل؟ وماهو رأي المجتمعات المقاومة؟
كاتب فلسفي