جدل ساخن حول مسؤولية لشكر في تراجع حزب -الوردة- وسط الاستعدادات لتنظيم المؤتمر الوطني الثاني عشر في أكتوبر القادم


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 04:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ظهر القيادي الاتحادي والشاعر حسن نجمي مؤخرا على قناة (ميدي1 تي في)، وكانت كلمة قصيرة تحدث فيها عن موت حزب الاتحاد الاشتراكي بعدما غادره 90 ٪ من مناضليه ومناضلاته كافية لأن تطلق عليه حملة هوجاء وشعواء من قبل أعضاء في نفس الحزب.
واللافت للنظر أن ما قاله حسن على الشاشة الصغيرة وما جاء على إثره من ردود فعل تنم عن السعار يندرجان في سياق الاستعدادات الجارية منذ شهر ماي الماضي على قدم وسياق من قبل ما تبقى من الاتحاديين والاتحاديات في أفق تنظيم المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزبهم في غضون شهر أكتوبر القادم.
من بين مبادرات المنخرطات/المنخرطين في معركة رد فعل انتقامي من حسن نجمي، أسوق تدوينة فتيحة سداس، عضو المكتب السياسي لحزب الوردة، استحضرت فيها جوانب من مسار الحزب نفسه، من أجل التأكيد على "قيمة الوفاء التي شكلت ركيزة المدرسة الاتحادية (نسبة الى الاتحاد الاشتراكي) التي لا تبيع الأخوات والإخوان في لحظات الغياب، ولا تنكر الأدوار حين تتغير المواقع".
وأضافت الأخت الاتحادية أنه عندما "وجد الأخ نجمي نفسه خارج المؤسسة الحزبية أو مبتعدا عنها، لم نتردد في دعمه، لا رغبة في رد الجميل، بل إيمانا عميقا بأن مشروعنا لا يُبنى بإقصاء مناضليه، بل باسترجاعهم إلى معركة الديمقراطية والحداثة". ثم عابت على حسن تخليه عن "قيم الوضوح والنزاهة السياسية" لصالح "منطق التلميح والتأويل"، واتهمته بأنه يعيد "تركيب الوقائع خارج سياقها"، مدعية أن ذلك تم "في تماه غير مبرر مع أساليب لا تليق بمن حمل معنا الهمّ الاتحادي، وفاوض إلى جانبنا على قضايا الوطن والحرية والكرامة".
وفي إشارة إلى "المدرسة الاشتراكية الديمقراطية"، قالت إنها "تربي أبناءها على النقاش المسؤول، والاختلاف المؤطر، واحترام تاريخ الحزب وذاكرة مناضليه"، نافية عنها وإخوانها وأخواتها استمراءهم الردّ على "السجال بالسجال"، مذكرة بأن "النضال الجماعي لا يُختزل في تدوينة ولا في خرجة إعلامية". وما دامت الأخت المدونة مولوعة بإدخال أداة النفي على القضايا الثابتة، فقد قلبت الحقيقة التي أدلى بها حسن نجمي وهو ضيف استوديو تلفزي، وادعت دون أن تندى جبهتها بأن الباقين في الحزب يشكلون نسبة 90٪. وهذا، لعمري، افتراء على الواقع من شأنه أن يلوح بصاحبه في مزبلة التاريخ، لأن مصائب الحزب كلها أتت وتأتي من رجل اسمه إدريس لشكر استحوذ على زمام الحزب منذ مدة غير يسيرة، وسوف نختم هذا المقال بشهادة عن رفض جماعي لزيارة قام بها نفس الرجب إلى فاس في يونيو الماضي.
وإذا عدنا الآن إلى خرافنا سنجد أن الأخت سداس تتهم حسن نجمي "بتزييف الذاكرة أو التشهير المجاني"، وتزعم أن ما يهم الحزب إياه بالدرجة الأولى هو الدفاع عن "مشروع حداثي ديمقراطي، لا عن تموضعات فردية أو نزوات شخصية". ولكن الوقائع الملموسة، يا سداس، أثبتت أن ما تعتبره "مشروعا حداثيا ديمقراطيا" كان لدى غالبية القاعدين مجرد قناع يخفي نفوسا أماتها الطمع في التمسك بالمنصب، وإلا بماذا نفسر لي عنق القانون الداخلي للحزب حتى يبقى لشكر متربعا على كرسي الزعامة وكأنه وضع في البدء خصيصا وحكرا عليه.
تحت عنوان تفيد كلماته المنتقاة أن صاحبه يلتجئ إلى مناورات "فقيه" ويغترب عن لغة حداثية تعلم من المدرسة الاتحادية النطق بها اليساريون واليمينيون سواء بسواء، اعترف محمد السوعلي، عضو برلمان الحزب، بحسن نجمي كشاعر ومثقف وك"أحد الوجوه البارزة في التنظيم". غير أنه يرفض تصريحاته "التلفزيونية الصادمة"، التي يصف فيها الحزب الذي ينتمي إلى ذاكرته النضالية بـ"الجثمان الذي لم يُدفن بعد". ولكن ما غاب عن السوعلي هو أن هذه الصورة التي عبر عنها سي حسن بطريقته سبق لمجلة "وجهة نظر" في التسعينيات أن نشرتها على غلاف أحد أعدادها.
والغريب في الأمر أن السوعلي يطلب من حسن أن يتزعم الاتحاديين الغاضبين المشكلين نسبة 90،٪، وهو يعلم أن ما فعله قائده لشكر ومن يدور في فلكه مثير للغضب والحنق كليهما ويبعث على استنكاف الاتحاديين الغاضبين عن العودة إلى صفوف الحزب، وعلى نفور من وجد نفسه في مقتبل العمر متعاطفا معه من الانتماء إلى أي حزب كيفما كان. ها أنت، يا أيها السوعلي، ترى كيف أنك وكل من اصطف إلى جانب لشكر ضربوا السياسة في مقتل. هل تعلمتم آلية القتل السياسي من المخزن الذي ينتظر منكم الشعب أن تصدوا عنه غلواءه وتغوله؟
السوعلي يؤاخذ على حسن نجمي احتمال اختياره أن يتكلم عن «الانهيار» دون أن يُسهم في الإصلاح. وهل يمكن مباشرة الأخير دون استعداد العصابة التي أنت فرد من أفرادها لأن تستمع إلى المناضلين الغاضبين وتفتح باب الحوار معهم. ويكبر عجبي من هذا المدون عندما يدعي أن الحزب هو الذي "أوصله (حسن) إلى ما هو عليه من رمزية أدبية ونضالية". إذا كان الحزب يجود على مناضليه بما أجاد به على حسن، فأي "رمزية ثقافية ونضالية" كانت من نصيب المدون. والله إلا قفلتي لا فورتي!! قوة الحزب وإشعاعه مرتبطان بالإضافات النوعية لمناضلاته ومناضليه وبمبادراتهم الطموحة إلى تبويئ الحزب مكانة راقية. وهكذا يظهر أن انسحاب حسن نجمي كطاقة ضمن مزيج من الطاقات وتجميد نشاطه تترتب عنه خسارة ما بعدها خسارة. وأكتفي بهذا القدر من الرد على السوعلي لأن ما تبقى من تدوينته كله هراء في هراء.
ولكني أستبعد إخلاء سبيل سداس والسوعلي دون أن أضع أمامهما ما كتبه القراء، على هامش المقال الذي سوق لتدوينتيهما، من تعليقات على سبيل الرد عليهما.
كتب قارئ معلقا على المقال كما هو منشور في القدس العربي: "الأحزاب كافة ليست لها مبادئ حقيقية، هي كالحرباء تأخد كل الألوان حسب الظروف ولا تمثل ألشعب لانها منسلخة عنه ولا تدافع عنه في كل الأزمات التي يعيشها. المصالح الخاصة هي التي تتكلم، فكلما اقتربت الانتخابات نسمع صراخاتهم ووعودهم الكاذبة. فالشاعر (يقصد حسن نجمي) على حق. فعلا، كل الاحزاب أفرغت من محتوياتها ولم تعد مسايرة للركب والنمط السوسيولوجي الحالي للمواطنين.."
قارئ آخر اسمه موح بوركي كتب يقول:"يُعد حزب الاتحاد الاشتراكي نموذجا لتحول عميق من رمز للنضال الوطني إلى كيان باهت يفتقد المعنى. فقد كان ضميرا للأمة، ومؤسسة أخلاقية تضم مناضلين من أمثال عبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون، مناضلين واجهوا الاستبداد بإباء وناضلوا من أجل العدالة والحرية. لكن منذ التناوب التوافقي سنة 1998، بدأ الحزب يفقد بريقه، فدخل اللعبة الحكومية دون أن يحصّن مشروعه الإصلاحي، فغرق في منطق التدبير بدل التغيير. مع الوقت، تراجعت الحيوية الداخلية، وظهر التنافر بدل التلاحم، وغابت الديمقراطية الحزبية، وتلاشت الروح الجماعية. لم يعد الحزب صوت الفئات الشعبية، ولا ملاذا للطبقة الوسطى. خسر قاعدته، وذابت هويته وسط مشهد حزبي رتيب. لم يفتح أوراش الإصلاح، ولم يحمِ الحريات، بل أصبح حضوره رمزيا. المؤتمرات تحولت إلى معارك زعامة، والمقرات فقدت دورها التأطيري. بات الاتحاد يشبه أحزابا لم تناضل يوما. التبرير باسم السياق مجرد شرعنة لموت سياسي بطيء. من يحب الحزب لا يُجمّله، بل يواجه واقعه بصدق. إن العودة إلى الجذور تتطلب نقدا شجاعا، وتجديدا للنخب والخطاب والتنظيم. المغرب اليوم بحاجة إلى أحزاب حية تؤمن بالفعل السياسي لا إلى واجهات حزبية تبحث عن التموقع".
نقفل باب التعليقات بما كتبه قارئ ثالث: "ربما فتيحة سداس و محمد السوعلي، حينما يتطرقان للإتحاد في ردهما ربما يتكلمان عن الحزب أيام السبعينيات و الثمانينيات. أما حاليا فالحزب فقد قوته في الشارع المغربي قبل فقدان مكانته في الغرفتين. و اليوم لم يبق سوى الهيكل، أما الجسد فتآكل منذ وفاة قيادييه التاريخيين. و ما زاد الطين بلة هو سيطرة عائلة لشكر وزبانيته على الحزب وجريهم وراء كراسي الوزارات".
وفاء مني بالوعد الذي بدر مني في موضع سابق من هذا المقال، أسوق هنا خبر يندى له جبين المتحلقين حول لشكر إن كان ما زال في جبينهم ندى. وحتى لا يرمينا الخصوم بأننا نحفل بأشياء قديمة صارت في عداد الماضي، نقول لهم إن مدينة فاس شهدت يوم الخميس 12 يونيو تصاعدا حادا في التوترات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وأثارت مشاحنات حادة بين إدريس لشكر، الكاتب العام للحزب، ومسؤولين محليين سلسلة من الحوادث غير المسبوقة، وفقا لمصادر داخلية نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
تحولت الأجواء المتوترة أصلا إلى مواجهة عندما مُنع إدريس لشكر من دخول مقر الحزب لعدم ارتدائه شارة الحزب كما يقتضي البروتوكول. واعتُبر هذا الإجراء "إهانة سياسية متعمدة"، مما زاد من تأجيج الاستياء.
وفي بادرة احتجاج، غادر جواد شفيق، الكاتب الإقليمي لفاس وعضو المكتب السياسي، المجلس الإقليمي، مهددا بـ"الكشف عن كل شيء" بشأن ما وصفه بـ"انتهاكات القيادة وتحالف مثير للجدل مع التجمع الوطني للأحرار".
ازداد الوضع سوء عندما استقبل أنصار شفيق الكاتب الأول بوابل من الشعارات المعادية، مما أجبره على اختصار خطابه في حوالي عشرين دقيقة قبل مغادرته، غاضبا بشكل واضح.
في وقت سابق، كان الكاتب الإقليمي قد وجّه إليه اتهامات لاذعة، منها اتهامه بـ"تدمير الحزب بالمماطلة"، قبل أن يغادر مع حوالي خمسين من أنصاره. بدوره، أمر المسؤول عن المقر، غاضبا، بإغلاق الغرف المجاورة، معلنا: "لقد جاء لشكر ليُخرب فاس بعد أن سخر منا لسنوات".
في غضون ذلك، أجج عضو في المجلس الوطني لشبيبة الحزب الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، متهما "الزعيم" لشكر بـ"التآمر مع مجموعة لنسف الاستعدادات للمؤتمر الثاني عشر". وهتف قائلا: "قاطعت غالبية اللجنة التحضيرية والمجلس الإقليمي الاجتماع. يجب أن يواجه الكاتب الأول العواقب!".
تُشير هذه الأحداث إلى انقسام متزايد داخل الحزب قبل انعقاد مؤتمره الوطني، حيث تتزايد الدعوات إلى تجديد القيادة ووضع حد لما يُطلق عليه المتظاهرون "قبضة لشكر المهيمنة".