جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء 119)
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 23:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كواحد من مؤلفي الكتاب الجماعي حول "فينومينولوجيا الروح، تكلف كريستيان برنر بكتابة الفصل الحادي عشر مانحا إياه "نقد الوعي الأخلاقي" عنوانا، مقتصرا على قراءة القسم (ج) من الفصل السادس من كتاب هيجل التي قام اصدقاء برنر بقراءته في كتابهم الجماعي.
يواصل الفصل المتعلق بالأخلاق دراسة فينومينولوجيا الوعي في مجال الروح، لكنه يترك فرنسا الثورية، حيث يبتعد الروح، المنعزل عن ذاته، عن تدمير الحرية المطلقة، ليصف الحركة التي تجري في الوقت نفسه في بلد الروح الأخلاقي، بروسيا. هذا "البلد الآخر للروح الواعي بذاته" هو بلد الأخلاق الكانطية، أي بلد الروح الأخلاقي الذي ينطلق من الفلسفة النقدية وينتهي في الفلسفة الهيغلية، والذي نراه بوضوح يتجلى في النهاية، شريطة أن نتجاهل أشكال الوعي الأخلاقي ما بعد الكانطي، وهو موضوع هذا القسم. يبدأ الانتقال إلى الأخلاق من الإرهاب:
"بالنسبة إلى الوعي، فإن الوحدة المباشرة بينه وبين الإرادة الكلية، ورغبته في معرفة ذاته، كنقطة محددة في الإرادة الكلية، تتحول إلى تجربة نقيضة تماما. ما يختفي بالنسبة لهذا الوعي في هذه الحالة هو الوجود المجرد أو فورية النقطة بلا جوهر، وهذه الفورية المتلاشية هي الإرادة الكلية نفسها، التي يعرفها الوعي الآن [...]، بقدر ما هي معرفة خالصة أو إرادة خالصة".
عندئذٍ، يعرف الفرد نفسه، ليس مباشرةً، بل من خلال اتحاده بالإرادة الكونية من خلال إخضاع آرائه ورغباته الخاصة: "الإرادة الكونية هي معرفتها وإرادتها الخالصة، وهي، الوعي الذي نتحدث عنه، إرادة كونية بقدر ما هي هذه المعرفة والإرادات الخالصة".
بالتحديد، هذه المعرفة والإرادات الخالصة هي الإرادة الأخلاقية، وهكذا تنتقل "الحرية المطلقة" من السياسة في فرنسا إلى الأخلاق في ألمانيا: تتخذ الحرية المطلقة شكل التوفيق بين "الإرادة الكونية والإرادة الفردية" بالروح الأخلاقي الذي ستقدم الفلسفة الكانطية صورته الأولى.
سوف نُقدّم لهذا الفصل الذي ينتقل من "الوعي الأخلاقي " إلى تحليل "الذات الباطنية " كحقيقة للوعي الأخلاقي. ويجب أن ننتقل بشكل رئيسي إلى هذا الشكل الأخير، وفقا للبرنامج المُوضّح في مقدمة "فينومينولوجيا الروح"، والذي يقضي بالانطلاق من أشكال الوعي البسيطة المُقدّمة بيقين حسي إلى المعرفة المطلقة. وفي هذا القسم المُخصّص للأخلاق، سيُفتح الروح الواثق من نفسه على الفصلين الأخيرين، وهما الدين والمعرفة المطلقة.
ولكي نعطي لمحة عامة، دعونا نعود إلى مخطط الحركة الشاملة للفصل السادس، "الروح"، الذي رسمه هيجل في بداية الفصل:
"إن العالم الأخلاقي، العالم الممزق إلى هذا الجانب وما بعده، وكذلك الحدس أو الرؤية الأخلاقية للعالم، هي [...] الأرواح التي ستتطور حركتها وعودتها إلى الذات الروحية البسيطة القائمة بذاتها، بحيث يكون ذلك بمثابة غايتها المقصودة ونتيجة لها أن يخرج الوعي الذاتي الفعال للروح المطلق إلى النور".
إن حركة الجوهر هذه هي التي تُحقق هنا، في نهاية الفصل، "عودةً إلى الذات الروحية البسيطة القائمة بذاتها" من "اغتراب" مطلق في عالم الثقافة. سوف تكون هذه العودة عودة الوعي بالجوهر المطلق الذي يجب تطويره في الدين.
أما هيكل الفصل، فيتألف من ثلاثة أجزاء: في الجزءين الأولين، يناقش هيجل بشكل رئيسي نظرية كانط حول مسلمات العقل العملي وتطورها على يد فيخته. الجزء الأول، "التصور الأخلاقي للعالم"، عبارة عن تحليل وصفي إلى حد ما لفلسفة كانط العملية، وتحديدا للوعي الأخلاقي المحض. أما الجزء الثاني، "النزوح"، فيعرض التحلل الجوهري للوعي الأخلاقي انطلاقا من التناقضات التي يؤدي إليها بوضع الأخلاق والواجب في كيان ليس هو إياها، وهو ما يسميه هيجل، في "مبادئ فلسفة الحق"، "التناقضات والتكوينات [...] لواجب الوجود الدائم الذي تهيم فيه وجهة النظر الأخلاقية البحتة للعلاقة، دون أن تتمكن من حلها ودون أن تتمكن من تجاوز واجب الوجود". أما الثالث والأخير، "الذات الباطنة، الروح الجميلة، الشر ومسامحته"، وهو أكثر تعقيدا كما يدل عليه عنوانه وحده، والذي يتضمن عدة مفاهيم، فيُمثل الجدلية النهائية للوعي الأخلاقي: فالوعي الأخلاقي المُتمايز مع الذات الباطنة يتحول إلى روح جميلة لا تقوى على شيء سوى إدانة لا أخلاقية الآخرين دون أن تتصرف بنفسها، مما يجعلها أيضًا مُدانة. ولن يُتجاوز هذا المأزق إلا عندما يتسامح الوعي الذي يحكم والوعي الذي يعمل ويتصالحان في اعتراف متبادل.
هكذا نرى أن الإطار العام هو إطار العلاقة القائمة بين الأخلاق والفعالية، وخاصةً إطار العمل الفردي والوجود في مجتمع يُمكن فيه بناء اعتراف متبادل.
(يتبع)
المرجع: https://books.openedition.org/enseditions/42366