العلمانية هي الضمان الوحيد لان تكون سوريا دولة ديمقراطية


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 21:47
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

ان بامكان الديمقراطية، التي اصبحت اليوم مسخا مقززا لللصوص والبلطجية، ليس في العراق او لبنان او روسيا او كوريا او ايران او السعودية او مصر فحسب، بل وفي مهد الديمقراطية الليبرالية الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا واوربا، بامكان هذه الديمقراطية ان تكتسب زخما ثوريا وانسانيا في سوريا الجديدة.

ان نظام البعث وقد طويت صفحته الدموية بالكامل قام منذ تأسيسه على التمييز القومي - الديني - الطائفي. اي ادعاء بان نظام البعث كان نظاما علمانيا هو ادعاء كاذب، واي تباكي من قبل اليسار القومي الانتي-امبريالي على العلمانية في سوريا يهدف الى تضبيب افاق الجماهير في سوريا والفت من عضدها لتسليمها فعلا (لا قولا او تظلما) الى الاسلاميين.

ان القوى الاسلامية السنية التي سيطرت على السلطة في سوريا هي قوى اسلام سياسي برو-امريكي (موالية للغرب واسرائيل ولا ترفع اي شعارات ضدهما). ان غض النظر عن هذه الحقيقية وادامة لوك تصورات المخابرات الامريكية حول "انهم ارهابيون قتلوا امريكيين" هو هراء. هراء لانه تصور ايديولوجي لا يرى الاحداث بسياقها الاقليمي والدولي. لقد اعطيت الاوامر للجيش السوري بعدم القتال اعقبه هروب بشار الاسد مذعورا طالبا انتقال سلمي للسلطة يدل على ان تركيا قد كلفت من قبل الناتو تحديدا بادارة الصراع في سوريا للقضاء على محور الجمهورية الاسلامية الايرانية وتسديد اكبر ضربة لها بعد تدمير حزب الله. انه توقيت مناسب وان كان يخطط له منذ حرب غزة.

ولكن بغض النظر عن ذلك فان من الضروري لنا بمكان ان نعرف ان الجماهير السورية جماهير علمانية ومتمدنة وحديثة. جماهير لا توالي الاسلام السياسي السني وكرهت الاسلام السياسي الشيعي ممثلا بقوات الحرس الثوري الايراني الوحشية وميليشيات حزب الله التي هربت مذعورة (وايضا بتنسيق مع دولة تركيا).

ان جماهير سوريا تريد دولة المواطنة لا دولة الموزاييك الديني والطائفي والقومي. وهذه هي احد امنيات الجماهير لانها تدرك بغريزتها ان التقسيم الكياني هو اسلوب السلطة للهيمنة واعادة انتاج الهيمنة والاستبداد. لقد لمس المواطنون في كل سوريا هذا النهج التقسيمي للمجتمع الى كيانات كردية وارمنية وشركسية ومسيحية وسنية وعلوية وهم اليوم يتلمسون طريقا اخر للخروج من هذه القنبلة الموقوتة.

ان الحل للدولة المنشودة في سوريا اذن يجب الا يستند الى اعادة انتاج نفس مبادئ دولة حزب البعث المبنية على تقسيم المجتمع الى كيانات يسهل ضرب بعضها ببعض حين الحاجة، بل في دولة تقوم على اساس المواطنة المتساوية - اي مساواة الافراد لا مساواة الكيانات. هذا هو الطريق السليم للشروع بعملية ديمقراطية يمكن ان تجعل من سوريا منارة للحرية والتمدن والحداثة والمساواة لكل جماهير المنطقة. فقط بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم - دولة لا دينية ولا قومية يمكن ان تحترم حقوق الانسان وحقوق المرأة وحرية التعبير بسوريا. دولة مواطنة متساوية.

ان العراق اليوم تحكمه ديمقراطية قذرة لانها ديمقراطية كيانات. قادة هذه الكيانات هم "عصابجية" لميليشيات دينية وطائفية وقومية وعرقية مدججة بالسلاح. كل عصابجي يعتبر انه مكلف من قبل كيانه الموزاييكي والله والحسين وعلي ومحمد وخالد بن الوليد بالدفاع عن هذا الكيان. يدخلون الى البرلمان واياديهم ملطخة بالدم ويجلسون يتضاحكون على الجماهير ويتقاسمون النهب والسلب وتقسيم ادوار البلطجة.

حتى الفدرالية التي انشاوها للعراق فشلت فشلا ذريعا في معالجة التمترس الديني والطائفي او محاولة اسلمة المجتمع بالقومة والحرمان الفظيع لحقوق المرأة ومحاولة تزويج الطفلات اليوم في العام 2024 من قبل هذا البرلمان الميليشياتي الموزاييكي النتن. حتى جماهير كردستان العراق تضع يدها على قلبها خوفا لانه تعرف انها تجلس على قنبلة موقوتة يمكن ان يفجرها هذا البرلمان "الديمقراطي".

ونحن نهنئ من صميم قلبنا الجماهير السورية الحرة ونفرح بفرحتها باسقاط احد اكثر نماذج الدول المستبدة وحشية، فاننا نهيب بقواها الانسانية من علمانية ومدنية ومساواتية واشتراكية ونسوية وعمالية التوحد من اجل تحقيق دولة علمانية لا دينية ولا قومية لا تميز البشر على اساس هوياتهم المزيفة بل على اساس كونهم مواطنين سوريين متساويين وخاصة مساواة المرأة بالرجل الكاملة دون قيد او شرط. ذلك غير ممكن الا بتغيير الدستور للاعلان بان الدولة في سوريا الجديدة الحرة هي دولة علمانية.

نحو سوريا علمانية لا دينية ولا قومية!
نحو دولة مواطنة لا دولة كيانات!
المساواة الكاملة للمراة بالرجل!
عاشت جماهير سوريا حرة!

مسؤول منظمة العلمانية والحقوق المدنية في العراق
10 تشرين الثاني 2024