تأثير الدومينو
عصام شكري
الحوار المتمدن
-
العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 21:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعيد نشر ندائي للجماهير اللبنانية للوقوف في وجه الجمهورية الإسلامية والنظام الطائفي الذي كان السبب الموضوعي لجر لبنان إلى هاوية الكارثة، وتأكيدي على أن هزيمة حزب الله سيكون لها "تأثير الدومينو" على الوضع في المنطقة. البرجوازيات الحاكمة في لبنان وسوريا والعراق وتركيا وإيران بدأت تتحسس أعناقها. كلها. ان الأوضاع التي أدت إلى الدمار سببها نفس السلطات والحكومات الإجرامية والحقيرة. والآن يتحدث الجميع عن "الاستقرار" وأن هناك لعبة خطيرة تُلعب نحو تقسيم الشرق الأوسط وفقًا لخطة نتنياهو في الأمم المتحدة.
إن الهراء الذي يُنشر في وسائل الإعلام المدفوعة (المدفوعة في الشرق والغرب) وفي وسائل التواصل الاجتماعي يفشل في كل مرة (عن قصد ودون إخفاق) في أخذ الجماهير بعين الاعتبار. مع الأخذ بعين الاعتبار إرادة الملايين الذين دمرتهم الحرب والقتل والانتهاكات وسحق حقوق الأفراد والنساء، يتحدث الجميع عن المؤامرة الإمبريالية والصهيونية (واليسار على رأسهم طبعاً، انسجاماً مع أيديولوجياته المعادية للإمبريالية)، لكنهم لا يتحدثون عن تأثير كسر ظهر الإسلام السياسي الشيعي في لبنان على المنطقة.
هذا الصمت له أسبابه، فالحديث عن المؤامرة الصهيونية أسهل وأكثر حشداً لدعم الجماهير التي "قرفت ولعبت نفسها" من خطابات مواجهة الإمبريالية والصهيونية منذ 60 عاماً، في حين تستمر حياتها في التدهور والانحطاط المستمر وتحويلها إلى مشاريع استشهاد وقتل واستعباد. في هذا يشترك اليسار بشكل كامل في فبركاته الإيديولوجية المتعالية البليدة (البليدة لأنها تنسخ وتلصق من بياناته لسنوات طويلة دون أن تنظر إلى ما يحدث أو تتعب أدمغتها التي لا تجيد الا التلقين – اي أسطواناتها المشروخة)، ويشترك مع قوى القومية العربية الاكثر اصالة والتي هُزمت لسنوات طويلة وتأمل في العودة، حسناً، ربما حتى ولو الى هامش مخنوق من الشرعية.
خريطة الاصطفافات السياسية في إيران مختلفة. القوى القومية هي التي تقف مع أميركا، وليس مع الجماهير، بينما في بقية البلدان، تصطف القوى القومية مع الإسلام السياسي لأن هذه القوى لها تاريخ دموي طويل في النضال من أجل الحصول على حصة في رأس المال العالمي ولأنها قوى متجذرة منذ عقود، تماماً مثل اليسار التقليدي (بألوانه الباهتة اليوم) الذي بدلاً من الدفاع عن قضايا الجماهير والنظر إلى الطبقة العاملة كقائدة لحركة التغيير الثورية، دمر قضية العمال من خلال تحويلهم إلى مجموعات مضطهدة لتبرير وجوده الإيديولوجي العقيم. إن موقف اليسار التقليدي في المنطقة العربية يذكرني بصواريخ خامنئي الخشبية التي لم تهز اي جفن من أجفان "الصهاينة" قط.
أؤكد أن ما يحدث في سوريا هو أحد تداعيات سقوط حزب الله في لبنان وليس "مؤامرة إمبريالية صهيونية". إن موقف نظام الأسد من "حرب الاسناد" و"وحدة الساحات" والصمت التام إزاء اغتيال ذباب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حي المزة الراقي عدة مرات، هو ما دفع القوى المتربصة به، من تلك المدعومة من تركيا والغرب إلى زيارة عراقجي إلى دمشق، إلى دعم بوتين وروسيا المتورطة بأزمة أوكرانيا، كل ذلك إلى النزول مع ذيولهم لمحاولة وقف تداعيات سقوط حزب الله - الفصيل الأمامي المتقدم للجمهورية الإسلامية في المنطقة.
دون التطرق إلى الأهمية السياسية لبداية تصدع المحور الإيراني في المنطقة من قبل اليسار الهزيل والتماهي مع الإعلام المأجور حول المؤامرات الصهيونية والإمبريالية وخطة نتنياهو للشرق الأوسط الجديد (وكأنه الحاكم بأمر الله لما يحدث في الشرق الأوسط) هي في رأيي كلها محاولات لصرف الأنظار عن هزيمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة والزعم بأن كل ما يحدث هو "مؤامرة".
هذا الشيء المخزي هو نفس ما فعلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما انتفض الشعب العراقي واللبناني قبل 5 سنوات وقبلهما الشعب السوري في انتفاضته الكبرى في درعا عام 2011. تحدث الجميع عن مؤامرة السفارات لصرف الأنظار عن الدمار والخراب الذي أحدثته الجمهورية الإسلامية وعملاؤها في المنطقة وأخيراً ما أحدثته مغامراتها الدنيئة في غزة ولبنان من جهة، وممارسة أبشع أنواع الاغتيالات والقتل والجرائم بحق الثوار في كلا البلدين من جهة أخرى.