تأملات حول -الإسلاموفوبيا-


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 7991 - 2024 / 5 / 28 - 02:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يُعدّ مصطلح "الإسلاموفوبيا" من أكثر المصطلحات شيوعًا في كتابات النشطاء السياسيين حكاما ومعارضة ومجتمع مدني في الغرب، إلى جانب مصطلح "معاداة الإسلام". تستخدمه مختلف الفئات، بما في ذلك الإسلاميون والمسلمون التنويريين واليسار القومي.
ثمة من يعتبر الإسلام الجذر الأساسي للمشاكل الثقافية في الدول الإسلامية. كما يُعبّرون عن خوفهم من سيطرة الإسلام والمسلمين على مصير الغرب.
و"فوبيا" كلمة يونانية تُستخدم بكثرة في علم النفس لتسمية المخاوف المرضية التي لا أساس لها من الصحة في الواقع، والتي تنشأ فقط من خيال مريض نفسي. هناك خزف واقعي مثل الخوف من الثعابين والعقارب وغيرها من الحيوانات السامة. بينما تصنّف مخاوف أخرى مثل الخوف من الأماكن المفتوحة (الرهاب) أو المغلقة (الخوف من الأماكن الضيقة) والخوف المفرط من الماء (الخوف من الماء) وما إلى ذلك، على أنها أمثلة على الرهاب.

• التناقض في المواقف: يتناقض موقف كثيرين من "الإسلاموفوبيا". ففي البداية، يُعبّرون صراحةً عن خوفهم من الإسلام والمسلمين، بينما يحاولون لاحقًا تصوير هذا الخوف على أنه لا أساس له من الصحة من خلال استخدام كلمة "رهاب" ومقارنة "الإسلاموفوبيا" بالمخاوف المَرَضية.

• تجاهل السياقات الاجتماعية والسياسية: يتجاهلون في تحليلهم لـ "الإسلاموفوبيا" تمامًا السياقات الاجتماعية والسياسية. فتصاعد التوترات والصراعات الدينية على مستوى العالم، ووقوع الأحداث الإرهابية باسم الإسلام، وسياسات بعض الحكومات المعادية للإسلام، كلها يمكن أن تلعب دورًا في ظهور "الإسلاموفوبيا" وتفاقمها.

• استخدام المصطلحات بشكل متحيز: من خلال اختيار كلمة "رهاب" لوصف "الإسلاموفوبيا"، يسعون إلى القول إن هذه الظاهرة متجذرة في نفسية الأفراد، وأنها لا تملك أي مبرر عقلاني.

وهذه نظرة أحادية الجانب وتحيزية لظاهرة "الإسلاموفوبيا"، بتجاهل السياقات الاجتماعية والسياسية لهذه الظاهرة، واستخدام المصطلحات بشكل متحيز، في محاولة تصوير "الإسلاموفوبيا" على أنها لا أساس لها من الصحة.
ومن المهم التأكيد على أنّ "الإسلاموفوبيا" ظاهرة حقيقية ومقلقة يمكن أن تكون لها عواقب سلبية متعددة على المسلمين في جميع أنحاء العالم. وبدلاً من إنكار أو التقليل من شأن هذه الظاهرة، يجب التركيز على دراسة جذورها وإيجاد حلول لمكافحتها.

الإسلاموفوبيا والعنصرية: وجهان لعملة واحدة

يستخدم مصطلح "الإسلاموفوبيا" ومعادله الإنجليزي "Islamophobia" بشكل متزايد في المناقشات المتعلقة بالمسلمين في أوروبا. وغالبًا ما يستخدم هذا المصطلح لوصف الخوف أو الكراهية للإسلام والمسلمين.
و يعتقد بعض المنتقدين أن هذا المصطلح يُستخدم كذلك لقمع أي انتقاد للإسلام أو المسلمين، حتى لو كانت تلك الانتقادات مبنية على حقائق. ويجادلون بأن استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا" لإسكات المعارضين هو نوع من "الشمولية الخطابية".
ويرفض بعض المدافعين عن الإسلام أي خوف أو قلق من الإسلام على أنه علامة على "مرض عقلي" أو "عنصرية ”إذ يعتقد هؤلاء الأشخاص أن أي انتقاد للإسلام هو بمثابة هجوم على المسلمين وهويتهم.
في حين أن المخاوف بشأن تصاعد "الإسلاموفوبيا" و "العنصرية" في أوروبا مشروعة، ومن المهم تجنب التبسيط المفرط لهذه الظواهر.
"الإسلاموفوبيا" و "العنصرية" لها أسباب متعددة، بما في ذلك العوامل التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. تقليل هذه الظواهر إلى مجرد "مرض عقلي" أو "عنصرية" ليس تبسيطًا فحسب، بل إنه لا يقدم حلولًا فعالة لمكافحتها. ويمكن أن يؤدي تقابل "الإسلاموفوبيا" و "العنصرية" مع "مدافعين عن الإسلام" إلى خطاب خطير ”نحن وهم" مما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات والاستقطاب في المجتمع.
فبدلاً من قمع أي انتقاد للإسلام أو المسلمين، نحتاج إلى حوار مفتوح وصادق حول المخاوف والتحديات المتعلقة بالإسلام في أوروبا.

حلول مقترحة:
• مكافحة الجهل والمعلومات المضللة: تنبع العديد من المخاوف والقلق من الإسلام من الجهل والمعلومات المضللة. هناك حاجة إلى جهود تعليمية لزيادة الوعي العام بالإسلام والمسلمين.
• الدفاع عن حرية التعبير: من المهم الدفاع عن حرية التعبير، حتى للآراء المخالفة أو المسيئة. هذا ضروري لمجتمع صحي وديمقراطي، بشرط ألا يكون مصحوبًا بكراهية أو عنف.
• تعزيز الحوار بين الثقافات: يمكن أن يؤدي الحوار بين الثقافات والتفاعل بين المسلمين وغير المسلمين إلى الفهم المتبادل والاحترام المتزايد.
• مكافحة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لـ "الإسلاموفوبيا" و "العنصرية": لمكافحة "الإسلاموفوبيا" و "العنصرية" بشكل فعال، غذ إن هناك حاجة إلى معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظواهر، مثل عدم المساواة والتمييز ونقص فرص التكافؤ.

إن "الإسلاموفوبيا" و "العنصرية" تحديات معقدة تتطلب حلولاً شاملة قائمة على الحوار والفهم المتبادل. وإن قمع أي انتقاد للإسلام أو المسلمين ليس حلاً. بل نحتاج إلى نهج يركز على معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظواهر وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع.



هناك بعض الأمور التي تستدعي النقد والتحليل:

• الفرق بين "معاداة المسلمين" و "معاداة الإسلام": صحيحٌ أنّ "معاداة المسلمين" يمكن أن تكون لها عواقب عنصرية، لكن هذين المفهومين ليسا متطابقين تمامًا. تشير "معاداة المسلمين" عادةً إلى الكراهية أو التمييز أو العنف ضدّ المسلمين كمجموعةٍ دينية، بينما تتعامل "معاداة الإسلام" عادةً مع انتقاد دين الإسلام أو تعاليمه.
• خطر مساواة "النقد" بـ "الكراهية": يمكن أن تكون مساواة "معاداة الفكر" بـ "معاداة الإنسان" خطيرًا. نقد أيّ أيديولوجية، بما في ذلك الإسلام، حقّ مشروع لكلّ فرد. لكن هذا النقد لا ينبغي أن يؤدّي إلى خطابٍ حاقدٍ أو عنفٍ ضدّ أتباع تلك الأيديولوجية.
• مخاطر تبسيط المقارنات: مقارنة "معاداة المسلمين" بـ "الفاشية" يمكن أن تكون تبسيطًا للأمور. فكلتا الأيديولوجيتين يمكن أن تكونا ضارّتين، لكن هناك أوجه تشابهٍ وفروقٍ دقيقة بينهما يجب مراعاتها.

يمكن هنا الإشارة إلى مخاطر "معاداة المسلمين" وعواقبها السلبية على المجتمع ككلّ. وذكر المحرقة واضطهاد اليهود كمثالٍ على مخاطر تعميم الكراهية على مجموعةٍ كاملةٍ من الناس.
إن "معاداة المسلمين" و "معاداة الإسلام" مفهومان معقدان ودقيقان يتطلبان تحليلًا دقيقًا ومتعمقًا. إنّ السعي لفهم الفرق بين هذين المفهومين، وكذلك مخاطر تعميم الكراهية والتمييز على مجموعاتٍ معيّنةٍ من الناس، أمرٌ بالغ الأهمية.


وإنني أعتقد أنّ "معاداة الإسلام" و "معاداة السامية" من الناحية الأخلاقية والقانونية كلتاهما غير مبررتين، رغم أن كثيرين يخطئون في المقارنة بين هاتين الظاهرتين.
في حين أنّ "معاداة السامية" غالبًا ما تنبثق من تحيزاتٍ عرقية، إلّا أنّها لا تقتصر على عرق اليهود فقط. يمكن أن تشمل "معاداة السامية" التمييز أو العنف ضدّ اليهود بسبب دينهم أو ثقافتهم أو معتقداتهم السياسية. وإنّ الإسلام دينٌ متنوّعٌ به فرقٌ وتفسيراتٌ وتعليماتٌ مختلفة. يمكن أن تشمل "معاداة الإسلام" نقد بعض هذه التعاليم أو الفرق، دون مهاجمة الدين الإسلاميّ ككلّ. كما يمكن أن تكون مقارنة "معاداة الإسلام" بـ "معاداة السامية" خطيرة. فالنقدُ لأيّ أيديولوجية، بما في ذلك الإسلام، حقٌّ مشروعٌ لكلّ فرد. لكن هذا النقد لا ينبغي أن يؤدّي إلى خطابٍ حاقدٍ أو عنفٍ ضدّ أتباع تلك الأيديولوجية.
إن "معاداة الإسلام" و "معاداة السامية" ظاهرتان معقدتان ودقيقتان تتطلبان تحليلًا دقيقًا ومتعمّقًا. إنّ السعي لفهم الفرق بين هذين المفهومين، وكذلك مخاطر تعميم الكراهية والتمييز على مجموعاتٍ معيّنةٍ من الناس، أمرٌ بالغ الأهمية.

إن بعض الأشخاص، بما في ذلك المفكرون الدينيون الجدد واليسار القومي، يعتبرون أيّ نقدٍ للإسلام "معاداةً للإسلام" ويُعتبرونه بمثابة إهانةٍ لمقدسات المسلمين. أنّ نقد الإسلام، كأيّ نقدٍ لأيّ أيديولوجيةٍ أخرى، لا يعني معاداة أتباع تلك الأيديولوجية (في هذه الحالة، المسلمون). وإنّ "نقد الإسلام"، عندما يمارس من منظورٍ صحيحٍ وعقلاني، هو صراعٌ ضدّ الجهل وعدم المساواة ومعاداة العقل والهروب من المعرفة وتدمير الذات.
والجدير بالإشارة هنا وجود تناقضٍ في موقف بعض المفكرين الدينيين واليساريين التقليديين واليسار القومي. فمن ناحية، يؤمن هؤلاء بوجود قراءاتٍ متعددةٍ للإسلام، لكن من ناحيةٍ أخرى، يُعتبرون أيّ نقدٍ بمثابة هجومٍ على "الإسلام الحقيقي".
فإنّ احتكار القراءة الصحيحة للإسلام في مجموعةٍ واحدةٍ هو نوعٌ من التفكير الفاشي، لأنّ الفاشية مبنيةٌ على التوحيد والشمولية والإطلاقية.

ما الذي يمكن أن يُحدّد ما هو "مقدّس" وما هو ليس كذلك.
أخطر شيء هو الاعتراف بأيّ شيءٍ على أنّه "مقدّس" بغضّ النظر عن ماهيته. وإنّ الاعتراف بتنوّع القراءات المختلفة للإسلام وتجنّب اليقينية في الحديث عن "المقدّسات" أمرٌ بالغ الأهمية.

إنّ حرية التعبير ستُفقد معناها تمامًا إذا تمّ اعتبار أيّ شيءٍ "مقدّسًا" لمجرّد أنّه كذلك بالنسبة لشخصٍ واحد. و إذا أراد المسلمون أن يكونوا جزءًا من المجتمعات الأوروبية، يجب عليهم التخلّي عن فكرة "استثنائيّتهم" واستثنائية دينهم. فإنّ "مقدّسات" المسلمين مقدّسةٌ فقط في حيزهم الخاصّ، بينما في الفضاء العام، لا تُصبح إلّا حرية التعبير هي المبدأ السائد.
إنّ المسلمين غالبًا ما يُظهرون ردود فعلٍ عنيفةً تجاه الإساءة إلى مقدّساتهم، بينما نادرًا ما يُظهر اليهود مثل هذا السلوك. ويُرجع ذلك إلى "إسلاموية" المجتمعات المسلمة، والتي طبعت حتى اليسار التقليدي بطابعها.
أنّ هناك بعض الأمور التي تستدعي النقد والتحليل:
• التعميم في ردود الفعل للمسلمين على الإساءة إلى المقدّسات: لا يجوز التعميم عن ردود الفعل للمسلمين تجاه الإساءة إلى مقدّساتهم. ففي حين أنّ بعض المسلمين بالفعل يُظهرون ردود فعلٍ عنيفةً، لا يمكن تعميم ذلك على جميع المسلمين. فالكثير من المسلمين يعترضون على الإساءة بشكلٍ سلميّ أو يتجاهلونها.
• إهمال تنوّع المجتمعات المسلمة: يجب الأخذ بعين الاعتبار تنوّع المجتمعات المسلمة عند تحليل الاسلاموفوبيا والاسلاموية "ا. ورغم أن الاسلاموية مشكلةٌ كبيرةٌ في بعض المجتمعات المسلمة، إلا إنها لا تنطبق على جميعها.
في حين أنّ نقد الإسلام، كأيّ نقدٍ لأيّ أيديولوجيةٍ أخرى، حقٌّ مشروعٌ لكلّ فرد، من المهمّ أن يتمّ هذا النقد باحترامٍ ودون خطابٍ حاقدٍ أو عنف. كما أنّ الاعتراف بتنوّع المجتمعات المسلمة وتجنّب تعميم الأحكام عليها أمرٌ بالغ الأهمية.


مالمو
2024-05-27