قراءة في مذكرات سفيتلانا ستالين- الجزء 1


حميد كشكولي
الحوار المتمدن - العدد: 7994 - 2024 / 5 / 31 - 15:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

سفيتلانا ابنة ستالين: نظرة ثاقبة على حياة دكتاتور في عيون ابنته
مقدمة
يُقدم لنا عرض "سفيتلانا ابنة ستالين" فرصة فريدة لفهم حياة أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الحديث، جوزيف ستالين، من خلال عيون ابنته سفيتلانا.
لقد كانت سفيتلانا أصغر أبناء ستالين، وهي شخصية معقدة عاشت حياة مليئة بالتحديات. نشأت في ظل سلطة والدها المطلقة، وشهدت عن كثب وحشية حكمه.
في عام 1967، هربت سفيتلانا من الاتحاد السوفيتي إلى الهند، مما أثار ضجة دولية. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة، حيث كتبت مذكراتها بعنوان "عشرون رسالة إلى صديق".
تُقدم مذكرات سفيتلانا نظرة ثاقبة نادرة على حياة ستالين العائلية، إذ تروي عن طفولتها المضطربة، وعلاقتها الصعبة مع والدها، ومعاناتها في ظل حكمه القمعي. تُقدم رواية سفيتلانا وجهة نظر مختلفة عن ستالين، بعيدًا عن الصورة النمطية للدكتاتور القاسي. فتُظهره كأب مُتعنت وغاضب، لكنه ، في الوقت ذاته، قادر على الحب والمودة.
توفيت سفيتلانا عام 2011، تاركة وراءها إرثًا معقدًا. وتُعتبر مذكراتها مصدرًا قيمًا لفهم حياة ستالين وعصره، وتُقدم لنا نظرة ثاقبة على تأثير الديكتاتورية على الفرد والعائلة.

الجزء الأول: عائلة تحت ظل الديكتاتورية
يُركز الجزء الأول من العرض على حياة سفيتلانا في ظل حكم والدها. تروي عن طفولتها المُقيدة، وعلاقتها المتوترة مع والدها، ومعاناتها من تدخله المُستمر في حياتها.
أحداث رئيسية
• زواج سفيتلانا الأول الفاشل
• علاقتها الصعبة مع زوجها الثاني
• وفاة أخيها غير الشقيق ياكوف
• قرارها بالهروب من الاتحاد السوفيتي

يُقدم لنا هذا الجزء صورة حزينة لفتاة نشأت في ظل الخوف والقمع. تُظهر سفيتلانا كيف أثرت سلطة والدها المطلقة على حياتها، وكيف كافحت من أجل إيجاد هويتها الخاصة.
"عشرون رسالة إلى صديق": نافذة على حياة ابنة ستالين
"عشرون رسالة إلى صديق" هي مذكرات كتبتها سفيتلانا أليلوييفا، ابنة الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين. تُقدم هذه المذكرات نظرة ثاقبة فريدة على حياة سفيتلانا، بما في ذلك طفولتها المضطربة، وعلاقتها الصعبة مع والدها، وهروبها من الاتحاد السوفيتي في عام 1967.
بدأت كتابة "عشرون رسالة إلى صديق" عام 1963 بتشجيع من صديق سفيتلانا، فيودور فولكنشتاين. كتبت المذكرات على شكل رسائل إلى "صديق مجهول"، وتم نشرها لأول مرة عام 1967 تحت اسم مستعار.
تروي سفيتلانا في مذكراتها عن طفولتها في ظل حكم والدها القمعي. تشرح بالتفصيل علاقتها المتوترة مع ستالين، والذي وصفته بأنه "أب بارد وقاسٍ". تُقدم أيضًا روايات عن حياة العائلة الداخلية للكرملين، بما في ذلك زواجها الفاشل ووفاة أخيها غير الشقيق ياكوف.
في عام 1967، هربت سفيتلانا من الاتحاد السوفيتي إلى الهند، مما أثار ضجة دولية. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة، حيث نشرت مذكراتها ونالت شهرة عالمية.
إن "عشرون رسالة إلى صديق" رواية قوية تقدم نظرة ثاقبة نادرة على حياة سفيتلانا ستالين. تُقدم المذكرات صورة حزينة لفتاة نشأت في ظل الخوف والقمع، وتُسلط الضوء على التأثير المدمر للديكتاتورية على الفرد والعائلة.
تُعتبر "عشرون رسالة إلى صديق" مصدرًا تاريخيًا هامًا لفهم حياة ستالين وعصره. تُقدم المذكرات أيضًا وجهة نظر إنسانية مؤثرة حول تأثير الديكتاتورية على الحياة الفردية.
وقد ترجمت "عشرون رسالة إلى صديق" إلى العديد من اللغات ونُشرت في جميع أنحاء العالم. ظلت المذكرات قيد الطبع منذ نشرها لأول مرة، وهي تُقرأ على نطاق واسع من قبل الطلاب والباحثين والقراء العاديين على حدٍ سواء.
إن "عشرون رسالة إلى صديق" شهادة خطيرة عن حياة امرأة عاشت في ظل أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في القرن العشرين. تُقدم المذكرات نظرة ثاقبة نادرة على حياة ستالين وعصره، وتُسلط الضوء على التأثير المدمر للديكتاتورية على الفرد والعائلة.
ملاحظات
• تم تغيير عنوان الكتاب من "عشرون رسالة إلى صديق" إلى "ابنة ستالين" في بعض الطبعات.
• حُولت المذكرات إلى فيلم تلفزيوني عام 1981 من بطولة ليزلي آن داون.

مأساة سفيتلانا: طفولة محاطة بالموت والقمع
عانت سفيتلانا أليلوييفا، ابنة ستالين، من طفولة مليئة بالمآسي والفقدان. فقدت والدتها ناديجدا عليليفوفا عندما كانت في السادسة من عمرها، تاركة وراءها فجوة عميقة في حياتها. لكن مأساة سفيتلانا لم تنتهِ عند هذا الحد.
في أواخر الثلاثينيات، اجتاحت موجة من القمع والعنف الاتحاد السوفيتي تحت حكم والدها القاسي. لم تكن عائلة سفيتلانا استثناءً من ذلك، حيث واجه أفرادها اضطهادًا وحشيًا.
• ألكسندر أوسفانيدزه: شقيق زوجة ستالين الأولى، تم القبض عليه وزوجته ماريا أوسفانيدزه بتهمة "أعداء الشعب" وأُعدما.
• ستانيسلاف ريدينز: زوج عمة سفيتلانا، تم إعدامه أيضًا بتهمة "أعداء الشعب".
• بافل: عم سفيتلانا وشقيق ناديجدا، توفي بنوبة قلبية ناجمة عن صدمة مفاجئة، يُعتقد أن ذلك ناتج عن القمع الذي تعرض له.
لم تقتصر مأساة سفيتلانا على فقدان أفراد عائلتها، بل عاشت أيضًا في خوف دائم من والدها. كان ستالين شخصية قاسية ومتسلطة، وفرض سيطرته الصارمة على عائلته. عاشت سفيتلانا تحت مراقبة مستمرة، وشعرت دائمًا بالخوف من قول أو فعل أي شيء قد يغضب والدها.
تركت هذه المآسي ندوبًا عميقة على حياة سفيتلانا. عانت من صدمات نفسية عميقة، وشعرت بالوحدة والعزلة. كافحت سفيتلانا من أجل بناء علاقات صحية، وعانت من مشاعر عدم الأمان والاكتئاب.
تُقدم قصة سفيتلانا نظرة ثاقبة على التأثير المدمر للديكتاتورية على الفرد والعائلة. تُظهر كيف يمكن للقمع والعنف أن يدمرا الأرواح ويُحطموا العلاقات. من المهم فهم معاناة سفيتلانا وغيرها من ضحايا الديكتاتورية، حتى نتمكن من العمل على منع حدوث مثل هذه المآسي في المستقبل.
ملاحظة:
• لم يتم ذكر مصير والد سفيتلانا البيولوجي، سيرجي أليلوييف، في هذه المقالة. تم سجنه وإعدامه عام 1938 بأمر من ستالين.

استمرار مأساة سفيتلانا: معاناة لا تنتهي
لم تقتصر مأساة سفيتلانا أليلوييفا، ابنة ستالين، على طفولتها المضطربة، بل استمرت معاناتها حتى في مرحلة البلوغ. فقد واجهت سفيتلانا المزيد من الخسائر والألم بسبب تصرفات والدها القاسية وتدخلاته في حياتها.
في سن السابعة عشرة، وقعت سفيتلانا في حب الكاتب المسرحي والممثل المعروف ألكسندر كابلر. لكن سرعان ما تحولت هذه العلاقة إلى مأساة، حيث غضب والدها ستالين من كابلر وأرسله إلى معسكر اعتقال، بينما تم نفي سفيتلانا إلى معسكر عمل ناءٍ لمدة عشر سنوات. يُعتقد أن ستالين سعى إلى منع زواج ابنته من كابلر، حيث كان يرغب في ترتيب زواجها من شخص يراه أكثر ملاءمة من الناحية السياسية.
في عام 1943، واجهت سفيتلانا المزيد من الحزن بوفاة أخيها غير الشقيق ياكوف في معسكر أسرى الحرب النازي. كان ياكوف طيارًا في الجيش الأحمر، وقد تم أسره من قبل الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. رفض ستالين طلبات تبادل ياكوف بأحد كبار ضباط الألمان، مما أدى إلى وفاته في الأسر.

حملة قمع "أعداء الشعب"
في أواخر الأربعينيات، شنت الحكومة السوفيتية حملة قمعية ضد "أعداء للشعب" تحت ستار مكافحة "النشاط المعادي للوطنية". لم تكن عائلة سفيتلانا بمنأى عن هذه الحملة، حيث تم القبض على عمتها آنا وابنة عمها زينيا (أرملة العم بافيل) وحكم عليهما بالسجن لفترات طويلة في ظروف قاسية. كما تم سجن ابنة زينيا، كيرا، وتم إرسالها إلى المنفى في سيبيريا.
وقد تركت هذه الأحداث المتتالية من المعاناة ندوبًا عميقة على حياة سفيتلانا. شعرت بالعزلة والوحدة، وفقدت الثقة في والدها ونظام الحكم الذي مثله. كما عانت من صدمات نفسية عميقة، مما أدى إلى مشاكل في علاقاتها الشخصية وصحتها العقلية.
تُقدم قصة سفيتلانا مثالاً صارخًا على التأثير المدمر للديكتاتورية على الفرد والعائلة. تُظهر كيف يمكن للقمع والعنف أن يمزقا العلاقات ويحطما الأرواح. من المهم فهم معاناة سفيتلانا وغيرها من ضحايا الديكتاتورية، حتى نتمكن من العمل على منع حدوث مثل هذه المآسي في المستقبل.
ملاحظة:
• تعرض العديد من أصدقاء ومعارف سفيتلانا أيضًا للاضطهاد والاعتقال خلال حكم ستالين.
• حاولت سفيتلانا الهروب من الاتحاد السوفيتي عدة مرات قبل أن تتمكن أخيرًا من النجاح في عام 1967.


استمرار معاناة سفيتلانا حتى بعد وفاة والدها
حتى بعد وفاة والدها جوزيف ستالين عام 1953، لم تتوقف مأساة سفيتلانا أليلوييفا. فقد واجهت المزيد من المعاناة والألم في حياتها، مما يعكس تأثير حكم والدها القاسي الذي طاردها حتى بعد وفاته. ففي منتصف الستينيات، تعرض أصدقاء سفيتلانا، وهم مجموعة من الشعراء والكتاب والممثلين المعروفين باسم "الساخطين"، للاضطهاد من قبل النظام السوفيتي. وقد تم القبض عليهم وإرسالهم إلى معسكرات العمل بسبب آرائهم السياسية التي اعتبرت "معادية" للنظام. شعرت سفيتلانا بالخوف والحزن على أصدقائها، وشعرت بالعجز في مساعدتهم.
وفاة أخيها
في عام 1962، توفي شقيق سفيتلانا الأكبر فاسيلي عن عمر يناهز 39 عامًا. كان فاسيلي يعاني من إدمان الكحول لفترة طويلة، وتوفي بسبب مضاعفات هذا المرض. شعرت سفيتلانا بالحزن الشديد على وفاة أخيها، وشعرت بالمسؤولية جزئيًا عن معاناته، حيث لم تتمكن من مساعدته على التغلب على إدمانه.
عبء اسم ستالين
عانت سفيتلانا من عبء ثقيل لكونها ابنة ستالين. ارتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا بوالدها القاسي وتاريخه المروع. شعرت بالضغط لتكون على مستوى توقعاته، لكنها عانت أيضًا من شعور بالذنب والعار بسبب أفعاله. سعت سفيتلانا جاهدة للابتعاد عن ظل والدها، لكنها لم تتمكن أبدًا من الهروب تمامًا من عبء اسمه.
محاولة الهروب من الظل
حاولت سفيتلانا انتشال نفسها من تحت ظل والدها، لكنها واجهت صعوبة في ذلك. سافرت إلى بلدان مختلفة، وعاشت تحت أسماء مستعارة، لكنها ظلت دائمًا تُعرف باسم "ابنة ستالين". شعرت بالعزلة والوحدة، وشعرت بأنها محاصرة في هويتها.
شبح الأب
كما قال سفيتلانا نفسها: "أينما ذهبت، سواء أكانت أستراليا أو جزيرة بعيدة، كنت دائمًا سجينًا سياسيًا لوالدي". كان ظل الأب على كتف الفتاة بمثابة حجر ثقيل منعها من تحقيق طموحاتها والعيش حياة طبيعية.
وعلى الرغم من كل الصعاب، سعت سفيتلانا إلى الحفاظ على هويتها الخاصة. كتبت مذكرات عن حياتها، وتحدثت علنًا عن معاناتها. سعت إلى كسر الصمت حول جرائم والدها، ونشر الوعي حول مخاطر الديكتاتورية. في النهاية، عاشت سفيتلانا حياتها بشجاعة وكرامة، تاركة وراءها إرثًا من النضال من أجل الحرية والعدالة.
ملاحظة:
• توفيت سفيتلانا أليلوييفا عام 2011 في الولايات المتحدة عن عمر يناهز 85 عامًا.
• لا تزال قصة سفيتلانا تُروى حتى اليوم، وتُعتبر مصدر إلهام للعديد من الأشخاص الذين يعانون من القمع والاضطهاد.

سفيتلانا: ابنة ستالين في المنفى
الهروب من لقب "ابنة ستالين"
عاشت سفيتلانا أليلوييفا، ابنة الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين، حياة مليئة بالتحديات. واجهت صعوبة كبيرة في التخلص من لقب "ابنة ستالين" الذي لازمتها طوال حياتها. شعرت بأن هذا اللقب قد حدد هويتها وحرمها من عيش حياة طبيعية.
الحياة في الغرب
بعد هروبها من الاتحاد السوفيتي عام 1967، قضت سفيتلانا ما يقارب 40 عامًا في الغرب. لكن هذه الحرية جاءت بثمن باهظ. تنقلت من منزل إلى آخر أكثر من ثلاثين مرة، بل عادت إلى الاتحاد السوفيتي لفترة قصيرة كلاجئة نادم.
كشف حقيقة والدها
واجهت سفيتلانا، مثل أي مؤرخ أو باحث آخر، صعوبة في كشف حقيقة والدها وتقديم صورة واقعية عنه. كان موقفها تجاهه متناقضًا. فمن ناحية، أدانت جرائمه علنًا. ومن ناحية أخرى، كان والدها الذي ذاقت حبه وحنانه في طفولتها. واجهت سفيتلانا صعوبة في فهم دوافع سياساته القاسية. كتبت لاحقًا: "لا أعتقد أنه [والدي] شعر بالندم على الإطلاق. لا أعتقد أنه مر بمثل هذا الشعور. على الرغم من أنه حقق هدفه من خلال القتل وسحق الكثير من الناس ونال إعجاب البعض، إلا أنه لم يكن شخصًا سعيدًا أيضًا."

تقييم ستالين
لكن في مكان آخر، قالت سفيتلانا: "إن اعتبار والدي مجرد وحش هو تبسيط مفرط، ومثل هذا الافتراض خطأ فادح. المشكلة تكمن في ما حدث في حياته الخاصة وفي هذا النظام السياسي بالذات الذي دفعه إلى اختيار هذا الطريق." اعتقدت سفيتلانا أن والدها لم يتصرف بمفرده أبدًا، بل كان لديه آلاف من المتواطئين.
شاهد على فظائع القرن العشرين
شهدت سفيتلانا في حياتها الفظائع التي ارتكبت في القرن العشرين بأبشع الطرق الممكنة. عايشت الجانب المظلم من التجربة الإنسانية بشكل مباشر، وهي تجربة لم يتمكن سوى عدد قليل من الناس من مواجهتها مباشرة.
شخصية متناقضة
على الرغم من تجاربها المريرة، كانت سفيتلانا شخصًا متفائلًا بشكل عام. آمنت بالإنسانية والمستقبل، على الرغم من أنها اتخذت أحيانًا قرارات متسرعة بناءً على مشاعر اللحظة. في هذه الحالة، لم تتطبع غريزيًا من والدها فكرة الانتظار بصبر للوصول إلى اللحظة المناسبة للصيد.
كانت سفيتلانا امرأة معقدة ومتناقضة. كانت ضحية لظروفها، لكنها كانت أيضًا امرأة شجاعة وقفت ضد ظلم والدها. تُذكرنا قصة حياتها بمخاطر الديكتاتورية وأهمية الحرية والعدالة.


سنوات مشمسة: حياة سفيتلانا المبكرة في ظل والدها
طفولة سعيدة في ظلّ السلطة
عاشت سفيتلانا أليلوييفا، ابنة الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين، ست سنوات ونصفًا من طفولة سعيدة قبل وفاة والدتها ناديجدا عام 1932. تُظهر الصور المتبقية من تلك الحقبة عائلة صغيرة مليئة بالحياة والحيوية، بسيطة ومتحمسة، وتعابيرهم مفعمة بالراحة والسعادة. وصفت سفيتلانا تلك السنوات بـ "السنوات المشمسة" في طفولتها. على الرغم من ذلك، أدركت سفيتلانا تدريجيًا أن ثمن تلك السعادة كان باهظًا، مليئًا بالفواجع التي لا حصر لها.
نشأة في الكرملين
نشأت سفيتلانا في الكرملين، مقر سلطة القياصرة الروس، قلعة ضخمة محاطة بأسوار عالية على ضفاف نهر موسكفا. أشبه بقرية مستقلة، ضمت الكرملين أبراجًا وأسوارًا وقصورًا رائعة في ساحة الكاتدرائية الكبرى، مع بوابات ضخمة تفتح على الساحة الحمراء وأجزاء أخرى من موسكو. ولدت سفيتلانا كطفلة ثانية لجوزيف وناديجدا (ناديا) بينما كانت الثورة الروسية قد مضى عليها تسع سنوات فقط.

أميرة في عائلة ثورية
اعتبر الجميع في الكرملين سفيتلانا أميرة، على الرغم من أن نظام والدها البلشفي قد فرض نمط حياة بسيط إلى حد ما على العائلة. ابتكر ستالين ألقابًا حنونة لابنته مثل "الفراشة الصغيرة"، "الذبابة الصغيرة"، "الغراب الصغير"، و"السيدة الصغيرة". كان ستالين يلبي جميع طلبات ابنته دون تردد، قائلاً: "لماذا تسألين؟ إذا أعطيتِ أمرًا، سأنفذ طلبك على الفور". عادة ما كان ينهي رسائله إلى ابنته بعناوين مثل "الأب الصغير"، "من السكرتير المشؤوم سوتانكا"، و"تحت أمرك، ستالين".
جانب مظلم وراء السعادة
على الرغم من مظاهر السعادة، إلا أن علاقة "كيدبانو" (اسم دلع سفيتلانا) و"رايت" (اسم دلع والدها) لم تكن خالية من الظلام. كتب نيكيتا خروتشوف، أحد كبار مساعدي ستالين، لاحقًا: "كنت أشفق على سفيتلانا الصغيرة". بينما اعتقدت إيلين بيجلاند، الصحفية البريطانية التي زارت سفيتلانا عام 1936، أن "والد سفيتلانا كان يعشقها، كلما جلست سفيتلانا على البيانو وعزفت أغنية "أجراس اسكتلندا الزرقاء"، كان والدها يصفق لها بسعادة ويشجعها. لكن بالنسبة لسفيتلانا، كان أبًا قاسيًا ومهملًا ومزعجًا، مثل الدب مع شبله، وكان لديك شعور بأنه يمكنه في أي لحظة أن يمسك بوجه طفله مثل الدب..."
تُظهر صور الأب وابنته معًا بعضًا من اللحظات الدافئة والحنونة في علاقتهما. لكن تبقى نظرة سفيتلانا في بعض الصور تحمل مزيجًا من الخوف والاحترام تجاه والدها القوي.
عاشت سفيتلانا طفولة مليئة بالتناقضات، حيث تميزت بالسعادة والحب من جهة، والقسوة والاضطهاد من جهة أخرى. تُقدم لنا قصة حياتها لمحة عن حياة أطفال الديكتاتوريين، حيث يواجهون صراعًا داخليًا بين مشاعر الحب والولاء تجاه والدهم وبين الرعب من قوته ووحشيته.


سنوات صعبة: حياة سفيتلانا في ظل الثورة
امتيازات الحزب
على الرغم من أنهم لم يكونوا في حاجة إليها، إلا أن أعضاء الحزب الشيوعي رفيعي المستوى في الأيام الأولى للثورة السوفيتية كانوا يتلقون حصصًا غذائية. كما تم تخصيص فيلات (مساكن ريفية) لقادة الحزب في مناطق ريفية جميلة، كانت هذه الفيلات مملوكة في السابق للأثرياء وطبقة النبلاء. هرب أصحابها إلى الخارج بعد الثورة، وصادرت الحكومة البلشفية ممتلكاتهم.


عائلة سفيتلانا
كان أقارب وأفراد عائلة سفيتلانا من جهة والدتها، عائلة أوسفانيدزي، يترددون على شقة ستالين في الكرملين. نشأ جوزيف (ستالين) في بلدة غوري الصغيرة في جورجيا، وانخرط في النشاط الثوري في سن مبكرة تحت اسم "سوسو". تزوج من كاتو، أخت صديقه في المدرسة أليوشا، عام 1906. كانت كاتو وشقيقتها تديران محل خياطة للسيدات في تبليسي، عاصمة جورجيا. كان محل الخياطة هذا ملاذًا للثوار، حيث كانوا يناقشون خططهم للتفجيرات وأعمال التخريب الأخرى بينما كانت الأخوات أوسفانيدزي يرتدين ملابس زوجات كبار الضباط.
زواج قصير ومأساوي
سرعان ما وقعت كاتو في حب "الصديق سوسو" الغامض والذكي. حملت كاتو بعد بضعة أشهر من زواجها وأنجبت ياكوف عام 1907. بعد وقت قصير من ولادة ابنها، أصيبت كاتو بالتيفوئيد وتوفيت. شعر سوسو بالحزن الشديد وألقى بنفسه في نعش زوجته خلال الجنازة، وفكر في الانتحار واختفى لمدة شهرين. قال ستالين لسفيتلانا لاحقًا: "كانت كاتو لطيفة وجميلة جدًا. لقد أذابت قلبي المتجمد."
لكن يبدو أن تأثير وفاة كاتو لم يكن عميقًا على سوسو، حيث سرعان ما ترك ابنته حديثة الولادة في رعاية والدة كاتو وشقيقتيها واستمر في طريقه. اقتصر اتصال عائلة أوسفانيدزي بـ ستالين على رسالة واحدة كتبها من سيبيريا خلال إحدى فترات نفيه، يطلب منهم إرسال النبيذ والمربى.
تأثير الثورة على العائلة
جلبت الثورة الروسية تغييرات جذرية على حياة عائلة سفيتلانا. فقد تمتعوا بامتيازات الحزب الشيوعي، لكنهم عانوا أيضًا من فقدان الأحباء وفراق العائلة. عكس زواج ستالين القصير من كاتو ووفاته المبكرة صعوبات تلك الحقبة، حيث مزجت الثورة بين المثالية الثورية والحياة الشخصية الصعبة.

عائلة ستالين: علاقات معقدة وتأثيرات مبكرة
وصول ياكوف إلى موسكو
في عام 1921، عندما زار ستالين جورجيا، طلبت منه عائلة أوسفانيدزه اصطحاب ابنه ياكوف البالغ من العمر 14 عامًا معه إلى موسكو. وافق ستالين، الذي كان يشغل منصبًا حكوميًا رفيعًا آنذاك، على ذلك.
غياب يكاترينا
كانت يكاترينا، والدة ستالين، هي الشخص الوحيد الذي لم يحضر اجتماعات عائلة ستالين. لم تكن ترغب أبدًا في مغادرة جورجيا الحبيبة، وبالتالي لم تلعب أي دور في القصة المعقدة لعائلة أوسفانيدزه.
ذكريات سفيتلانا عن جدتها
زارت سفيتلانا جدتها مرة واحدة فقط في جورجيا، لكنها تعلمت عن مغامرات حياتها. كان جدها فيساريون جوجاشفيلي، المعروف باسم "بيسو"، صانع أحذية كان يضرب ابنه جوزيف بوحشية عندما يكون في حالة سكر. طردت يكاترينا في النهاية زوجها المسيء من المنزل وتمكنت بصعوبة من توفير المال لتسجيل ابنها الوحيد في مدرسة الكنيسة في غوري ثم في "المدرسة اللاهوتية الأرثوذكسية" في تبليسي. أرادت أن يصبح ابنها كاهنًا في المستقبل. اعتقدت سفيتلانا أن القسوة سيئة السمعة للكهنة الأرثوذكس، الذين سجنوا طلابهم العصاة لعدة أيام في غرف تشبه الزنزانات، لعبت دورًا في تحول والدها إلى القسوة والعنف.
سيرجي ألوييف، جد سفيتلانا لأمها
أحضر سيرجي ألوييف، جد سفيتلانا لأمها، سوسو، الذي كان دائمًا ملاحقًا من قبل الشرطة القيصرية، إلى منزله وعرفه على زوجته وأطفاله. كان سيرجي، الابن الروسي لأحد الأقنان المحررين، ميكانيكيًا تعلم بنفسه. عمل في الإدارة الفنية لسكة حديد تبليسي، وانضم في نفس الوقت إلى "المجموعة الثالثة"، الحزب الاشتراكي الجورجي، الذي تأسس عام 1890. التقى سيرجي بسوسو لأول مرة عام 1900. بحلول هذا الوقت، كان سوسو، صهر سيرجي المستقبلي، قد اكتسب سمعة سيئة محليًا لتنظيمه احتجاجات عيد العمال (1 مايو) غير القانونية وإدارته للدعاية السياسية.
نشاط سيرجي الثوري
كان سيرجي مسؤولاً عن طباعة الملصقات والمناشير الدعائية الماركسية في جورجيا، ولهذا السبب تم اعتقاله وسجنه عدة مرات. لا نعرف ما إذا كان سيرجي قد شارك في أنشطة ثورية عنيفة أم لا، ولكن عندما قرر الثوار استخدام آنا، ابنة سيرجي البالغة من العمر 9 سنوات، لتهريب متفجرات من محطة قطار تبليسي إلى باكو وزرعها في ملابس آنا الداخلية، لم يعترض.
تأثير العائلة على ستالين
لعبت عائلة سفيتلانا، خاصة من جهة أمها، دورًا هامًا في حياة ستالين المبكرة. تعرض ستالين للعنف من قبل والده، وشهد تضحيات والدته من أجل تربيته. كما تأثر بنشاط جده الثوري.

أولغا ألوييفا: ثورية مخلصة وجدة سفيتلانا
دعم الثورة
عندما كانت الشرطة السرية القيصرية تلاحق سوسو (جوزيف ستالين) وكان يبحث عن مكان للاختباء، قدم له سيرجي ألوييف، والد سفيتلانا لأمها، ملاذًا في منزله. في عام 1893، هربت أولغا ألوييفا، التي كانت تبلغ من العمر 16 عامًا، من منزلها مع سيرجي، الذي كان يبلغ من العمر 37 عامًا، للمشاركة في النشاط الثوري. كانت أولغا تقوم بطباعة ونشر مناشير ماركسية، وهي مهمة محفوفة بالمخاطر قامت بها بناتها لاحقًا أيضًا خلال طفولتهن ومراهقتهن.
حياة صعبة مليئة بالمخاطر
كانت حياة أولغا وأطفالها الأربعة عبارة عن رحلة مليئة بالتنقل من مدينة إلى أخرى، ومطاردة الشرطة، والخوف، والسرية، وزيارات متكررة لسيرجي في السجون القيصرية، واختفاء الأصدقاء والمعارف.
مخبأ لينين
في صيف عام 1917، قبل فراره إلى فنلندا، أمضى فلاديمير لينين، بناءً على اقتراح أولغا، بضعة أيام في شقة عائلة ألوييف في سانت بطرسبرغ كمخبأ. ولم يمض وقت طويل قبل أن يعود لينين إلى سانت بطرسبرغ لقيادة الثورة البلشفية الناجحة.
علاقة معقدة مع ستالين
في عام 1900، استقبلت أولغا يوسف ستالين المضطهد بلطف. لكن جوزيف، العريس المستقبلي، لم يقدر دعمها. وبعد سنوات، تم تهميش سيرجي "البلشفي القديم" من قبل صهره، على الرغم من أنه لا يزال يؤمن بشدة بالمثل الماركسية والبلشفية.
شكوك أولغا
لكن يبدو أن أولغا كانت لديها شكوك حول صحة هذه المثل وصحتها. لقد أدركت الطبيعة الحقيقية لصهرها قبل أي شخص آخر. كانت أولغا امرأة ذات شخصية قوية وواضحة. لم تهتم بما يعتقده الآخرون عنها، وهي سمة ورثتها حفيدتها سفيتلانا عن جدتها. لم تهتم أولغا بالامتيازات والمزايا المادية التي يمكن أن تمنح لها بسبب المكانة العالية التي يتمتع بها صهرها.
تأثيرها على سفيتلانا
لعبت أولغا دورًا مهمًا في حياة سفيتلانا، حتى لو لم تلتقيا كثيرًا. لقد ورثت سفيتلانا روحها الثورية وشجاعتها وقدرتها على التحدث ضد الظلم، حتى لو كان ذلك ضد أقرب الناس إليها.

نادية ستالين: أم غامضة وحياة سفيتلانا في ظلّ الكرملين
زواج مبكر وحياة ثورية
تزوج ستالين من نادية، التي كانت أصغر منه بكثير، عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها. في ذلك الوقت، كانت نادية تعشق ستالين بشغف. كان ستالين، البالغ من العمر 39 عامًا، قد اصبح رفيقاً مقربا من لينين. في عام 1918، غادرت نادية منزل والدها وانضمت إلى الثورة، لتصبح سكرتيرة ستالين الخاصة.
ذكريات قليلة عن الأم
كشخص بالغ، شعرت سفيتلانا بالأسف لعدم وجود العديد من الذكريات عن والدتها. لكنها احتفظت بذكريات خاصة. في إحدى المناسبات، رسمت نادية مربعًا صغيرًا على قلب سفيتلانا بإصبعها وقالت: "هنا يجب أن تدفن أسرارك". في عالم السياسة المليء بالخداع والكذب في الكرملين، حافظت نادية دائمًا على مشاعرها وأسرارها. لم تتعلم سفيتلانا، التي اشتهرت لاحقًا بانفعالاتها العاطفية، الكتمان من والدتها.
عيد ميلاد واحد سعيد
استمعت سفيتلانا لنصيحة والدتها مرة واحدة فقط. احتفلت بعيد ميلادها السادس مع إخوتها وأصدقائهم. غنوا ورقصوا معًا، وألقت سفيتلانا قصيدة ألمانية حفظتها لهذه المناسبة، وأخيراً قدمت لضيوفها الصغار كعكة عيد ميلادها. عاشت سفيتلانا دائمًا في هالة من الماضي السعيد، لكن هذه المرة ختمت هذه الذكرى في ساحة صغيرة في قلبها، لأنها أدركت بالفعل أنه في ذلك الوقت كان غالبية الشعب الروسي يعاني من المجاعة والجوع.
"الأعمام" و "العمات" في زوبالوفو
قضى العديد من أعضاء نخبة "الحزب البلشفي" الصيف في "داشا" الصيفية. أطلقت عليهم سفيتلانا لقب "العم". اعتاد العم فاروشيلوف والعم ميكويان القدوم إلى منزل ستالين مع عائلاتهم. أحد الضيوف الذين أحبتهم سفيتلانا أكثر هو العم نيكولاي بوخارين. كان بوخارين، صديق وزميل ستالين القديم، يملأ المنزل بالضحك كلما جاء. أحب جميع سكان الداشا بوخارين المفعم بالحيوية والذكاء. كان هو من علّم ألكسندرا، مربية سفيتلانا، ركوب الدراجة.
اختفاء الأعمام والعمات
بعد المحاكمات الصورية الأخيرة في موسكو عام 1938، ألقي القبض على العم بوخارين بناءً على أوامر ستالين، وحوكم في "محكمة علنية"، واعترف "بخيانة ستالين ومُثُل لينين العظيم" وتم إعدامه أخيرًا.
اختفى هؤلاء الأعمام والعمات تدريجيًا منذ منتصف الثلاثينيات، وتم إعدام العديد منهم، وانتحر بعضهم، مثل أورجونيكيدزه، وزير الصناعة. في تلك الأيام، لم تفهم سفيتلانا بعقلها الطفولي سبب اختفاء الأعمام والعمات الطيبين فجأة وعدم العودة أبدًا. أطلق عليهم الناس ببساطة لقب "غير مرئيين"، لكن لم يشرح أحد السبب.
معاناة سفيتلانا
ما منع سفيتلانا من المعاناة الرهيبة في عصرها هو حياتها المنعزلة والمريحة نسبيًا. لكن طفولتها ومراهقتها كانتا مروعتين حقًا. لقد أعدم ستالين جميع البلاشفة القدامى ونخب الحزب من أجل فرض سيطرته على منافسيه. مات ملايين الفلاحين بسبب المجاعات الناجمة عن التحول القسري للزراعة إلى "التصنيع السريع للبلاد".
التناقض بين السعادة والرعب
إذا نظرنا إلى الوراء، لم تستطع سفيتلانا إنكار سحر طفولتها وجمالها. زمن البراءة والسعادة، وعالم الأشخاص الذين أحبتهم. كيف يمكن لعالم بدا سعيدًا ومبهجًا أن يكون مرعبًا ومرعبًا في الوقت نفسه.

مأساة طلقة واحدة: ليلة مأدبة ثورية تنقلب إلى مأساة
مساء 8 نوفمبر 1932:
توجهت نادية ستالين مع أختها آنا إلى منزل مفوض الدفاع، فاروشيلوف، لحضور مأدبة سنوية تقام بمناسبة ذكرى انتصار الثورة. ضمّ الحفل كبار مسؤولي الحزب وزوجاتهم، وكان من بينهم ستالين نفسه، برفقة وزير الخارجية مولوتوف ووزير الاقتصاد كويبيشيف.
أجواء احتفالية ومزاج متوتر:
سادت أجواء من الفرح والتعب على الحاضرين. تم تقديم مأدبة غنية من المأكولات والمشروبات، بينما ارتدى الرجال الزي العسكري تكريمًا لثوريتهم، وتزينت النساء بأجمل الأزياء. جلس ستالين في منتصف الطاولة، بينما جلست نادية أمامه مباشرة.
سلوك ستالين المسيء:
مع ازدياد حدة سكر ستالين، بدأ بمغازلة الممثلة غالينا، زوجة قائد الجيش الأحمر ألكسندر إيجوروف. تصرف ستالين المستهين شمل رمي عجين الخبز على غالينا، مما أثار استياء نادية التي اعتادت على مثل هذه التصرفات من زوجها. ازداد حزنها لسماع قصص عن علاقات ستالين المتعددة مع النساء.
وبعد سنوات، كشف فلاسيك، الحارس الشخصي لستالين، لسفيتلانا عن وجهة نظره، قائلاً: "في النهاية، كان والدك رجلاً".
تحليل الموقف:
تُظهر هذه الليلة مأساة العنف المنزلي وسوء المعاملة حتى بين النخبة السوفيتية. على الرغم من مكانة ستالين العالية، إلا أنه لم يكن محصنًا من المشاعر الإنسانية المعقدة والسلوكيات المدمرة. عانت نادية، مثل العديد من النساء، من تصرفات زوجها المسيئة، مما أدى إلى شعورها بالحزن والألم.

طلقة واحدة تُنهي حياة نادية: ذروة مأساة عائلية
هدايا من ألمانيا وشجار على طاولة العشاء:
في تلك الليلة المشؤومة، ارتدت نادية قميصًا أسود جميلًا أهداه لها شقيقها بافيل، مدير البعثة التجارية السوفيتية في ألمانيا. على الرغم من مشاعرها المضطربة، حاولت نادية إخفاء غضبها رقصًا مع عرابها الجورجي أبيل ينوكيدزه، مدير مجمع الكرملين الداخلي.
الغضب ينفجر:
ازداد توتر نادية عندما رفع ستالين كأسه قائلاً "لنخب تدمير أعداء الدولة!". عندما لم ترفع نادية كأسها، صرخ ستالين عبر الطاولة: "لماذا لا تشربين يا نادية؟". ردت نادية بغضب: "اسمي نادية، ليس هي!". غادرت نادية الغرفة، تاركةً خلفها جوًا من الصمت والتوتر.
محاولة التهدئة وفشلها:
حاولت صديقتها المقربة بولينا مولوتوف تهدئة نادية من خلال المشي معها حول الكرملين والتحدث إليها. بدت نادية هادئة ظاهريًا، لكن بداخلها عاصفة من المشاعر.
قرار قاتل:
في شقة الكرملين، انفصلت نادية عن ستالين لأول مرة بعد 14 عامًا من الزواج. في هدوء الفجر، أخذت نادية مسدسًا صغيرًا من طراز ماوزر أهداه لها شقيقها، وأطلقته على قلبها. لم يسمع أحد صوت الطلقة.
هكذا انتهت حياة نادية ستالين بشكل مأساوي. ماتت امرأة شابة جميلة ومثقفة، تاركةً وراءها ابنتين صغيرتين وزوجًا قاسيًا ونظامًا سياسيًا قمعيًا.

موت نادية ستالين: حقيقة أم غطاء؟
اكتشاف مأساوي:
في صباح يوم 9 نوفمبر 1932، دخلت كارولينا تيل، خادمة ستالين، غرفة نادية لتقديم الإفطار كما تفعل كل يوم. لكن بدلاً من العثور على نادية مستيقظة، رأت جسدها ملقى على الأرض، ملطخًا بالدماء، وبجانبها مسدس.
صمت رهيب:
أيقظت تيل على الفور ألكسندرا، مربية سفيتلانا ابنة نادية. ساعدتها ألكسندرا في نقل جثة نادية إلى السرير، خوفًا من إيقاظ ستالين ورد فعله العنيف.
ستالين يواجه الحقيقة:
بحلول الظهر، استيقظ ستالين وتوجه إلى غرفة الطعام. أبلغه الخدم بوفاة نادية. أصيب ستالين بالصدمة والحزن، وهدد بإنهاء حياته.
غموض يحيط بالسبب:
رفض أفراد عائلة نادية رواية الانتحار، معتقدين أنها قتلت على يد ستالين. زعموا أنها كتبت رسالة انتحار تتهم فيها ستالين بالعديد من الإساءات، وأن ستالين قام بتدميرها للتستر على جريمته.
جنازة رسمية:
أقيمت جنازة نادية في مبنى جوم، وهو متجر حكومي سابق في الميدان الأحمر بموسكو. اصطف الحشود لتوديعها، بينما تساءل البعض عما يبيعه المتجر، دون علمهم بوفاة نادية.
سرية رسمية:
نشرت صحيفة "برافدا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفييتي نبأ وفاة نادية بإيجاز شديد، مدعيةً وفاتها بسبب التهاب الزائدة الدودية. تم اعتبار وفاتها سرًا من أسرار الدولة، وتم إخفاء الحقيقة عن الشعب السوفيتي.
خاتمة:
لا تزال وفاة نادية ستالين لغزًا حتى يومنا هذا. يرجح البعض أنها ماتت منتحرة، بينما يعتقد البعض الآخر أنها قُتلت على يد زوجها. بغض النظر عن الحقيقة، تبقى وفاتها مأساة مروعة أودت بحياة امرأة شابة في ظل نظام سياسي قمعي.

دوافع غامضة: لماذا انتحرت نادية ستالين؟
لا تزال حقيقة دوافع انتحار نادية ستالين، التي توفيت عن عمر يناهز 31 عامًا عام 1932، لغزًا غامضًا.
تشير بعض الروايات إلى أن نادية عانت من مرض نفسي، ربما ناتج عن اكتئاب وراثي أو مضاعفات نفسية ناتجة عن عمليات إجهاض متعددة. اعتقدت ابنتها سفيتلانا في البداية أن هذه العوامل لعبت دورًا رئيسيًا في انتحارها.
ومع ذلك، اقترحت سفيتلانا لاحقًا تفسيرًا مختلفًا. رأت أن يأس نادية قد ينبع من احتجاجها الداخلي ضد سياسات زوجها القمعية. على الرغم من نشأتها كشيوعية متفانية، فقد تكون نادية قد عارضت بشدة الأساليب الوحشية التي اتبعها ستالين في توطيد سلطته.

رسائل تكشف عن الصراع:
تُظهر رسائل نادية من فترة المراهقة مثالية ثورية متحمسة. خلال الحرب الأهلية، آمنت بضرورة العنف لتحقيق أهداف الثورة. رافقت ستالين في حملاته، ورأت عن كثب وحشية الحرب. ربما زرعت هذه التجارب بذور الشك في إيمانها بالنظام الذي ساعدت في بنائه.
أوامر قاسية وتأثيرها:
تُظهر رسائل ستالين إلى لينين طلبه للحصول على سلطة مطلقة، مع تأكيده على أنه "لن تتزحزح أيادينا أبدًا". قد تكون نادية، كشاهد على وحشية ستالين، شعرت باليأس من إمكانية إصلاحه أو إيقافه.
وبينما تبقى دوافع نادية الحقيقية غير مؤكدة، توضح هذه الاحتمالات صراعًا داخليًا عميقًا عاشته. فبالإضافة إلى الضغوط النفسية، واجهت أيضًا تناقضًا أخلاقيًا هائلاً بين مثالية الثورة ووحشية الواقع الذي عاشته. قد يكون هذا الصراع الداخلي، في النهاية، قد قادها إلى المأساة.

حياة نادية ستالين: حب، خيبة أمل، ومأساة
الثورية الشابة وحبها للزعيم:
انضمت نادية إلى الثورة الروسية وهي شابة متحمسة، وسرعان ما وقعت في حب ستالين، أحد كبار قادة الثورة. لم تُزعجها حماسة ستالين للعنف، بل اعتبرتها ضرورية لتحقيق أهداف الثورة. آمنت نادية بقضيته تمامًا، ودعمته بلا كلل.
وعلى الرغم من حب نادية لستالين، إلا أن زواجهما كان مليئًا بالاضطرابات. كان ستالين شخصًا صعب الإرضاء ومتقلب المزاج، وغالبًا ما كان يُهمل مشاعر زوجته. عانت نادية من شعورها بالوحدة والعزلة، حيث كانت تقضي معظم وقتها في انتظار عودته من رحلاته المتكررة.
في عام 1926، حاولت نادية الهروب من ستالين لأول مرة. شعرت باليأس من سلوكه المسيء وعدم اهتمامه بأسرتها. لكن سرعان ما أقنعها ستالين بالعودة إليه، ووعدها بتغيير سلوكه. ومع مرور الوقت، ازداد صبر نادية. عانت من خيانات ستالين المتكررة، وإدمانه على السلطة، وقسوته تجاه الآخرين. بدأت تشك في مثاليته الثورية، وشعرت بالاشمئزاز من أساليبه القمعية.
في عام 1932، انهارت نادية تمامًا. أدت خيبة الأمل العميقة من ستالين، والضغوط الهائلة للحياة في ظل نظام قمعي، إلى انتحارها المأساوي.
إن حياة نادية ستالين قصة مأساوية لامرأة شابة مثالية وقعت ضحية حبها لرجل قاسٍ وطموح. تُظهر قصتها الجانب المظلم للثورة الروسية، وتكلفة السلطة المطلقة على الأفراد والعائلات.

رحيل ستالين: موت زعيم وتداعياته
خيبة أمل وخيانة:
لا شك أن سلوك ستالين المسيء كزوج لعب دورًا كبيرًا في انتحار نادية. لكن بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض المصادر إلى أن خيبة أمل نادية من سياسات زوجها القمعية كانت عاملاً هامًا أيضًا. فبعد سنوات من العيش معه ورؤية وحشية نظامه من الداخل، فقدت نادية إيمانها بقضيته، وشعرت بالاشمئزاز من أساليبه.
ففي مناسبة ما، رفضت نادية رفع كأسها استجابة لنداء ستالين بـ "تدمير أعداء الدولة". قد يُنظر إلى هذا الرفض كرمز لتمردها الداخلي على ستالين ونظامه. فقد كانت نادية على دراية تامة بفظائع ستالين، ولم تعد تستطيع تحمل التواطؤ في جرائمه.
لقد ظل ستالين حتى في لحظات حياته الأخيرة، يمارس طقوس التزوير والتلاعب. فقد أخفى تاريخ ميلاده الحقيقي، 1878، مدعيًا أنه ولد عام 1879. يعكس هذا التزوير سلوكه العام، حيث سعى دائمًا لخلق صورة بطولية لنفسه، وإخفاء أي نقاط ضعف أو تناقضات.
وفاة الزعيم وتداعياتها:
يمثل موت ستالين عام 1953 نقطة تحول رئيسية في التاريخ السوفيتي. أدت وفاته إلى صراع على السلطة بين كبار أعضاء الحزب الشيوعي، وانشقاق بعض الشخصيات البارزة عن النظام. كما فتحت وفاته الباب أمام إصلاحات سياسية واجتماعية جزئية، عرفت بفترة "خروشوف".
مواضيع قادمة:
في الفصول التالية من كتاب "ابنة ستالين"، ستتعمق سفيتلانا في تفاصيل وفاة والدها، وتأثيرها على مسار الاتحاد السوفيتي. كما ستتناول انشقاقات كبار المسؤولين، وتقييم حكم ستالين بشكل عام.
المصادر:
• Alliluyeva, Svetlana. Twenty Letters to a Friend. New York: Harper & Row, 1967.
• Thaler, Robert. Daughter of Stalin. New York: W.W. Norton & Company, 1979.




ملاحظات حول المصادر والنقاط الرئيسية من ردودك السابقة:
مصدر:
• كتاب "ابنة ستالين":
o مؤلفة: روزماري سوليفان
o ترجمة: بيجان أشتاري
o الطبعة: الثالثة
نقاط هامة:
• انتحار نادية:
o لعب سلوك ستالين المسيء كزوج دورًا في انتحار نادية.
o خيبة أمل نادية من سياسات ستالين القمعية كانت عاملًا هامًا أيضًا.
o رفضت نادية رفع كأسها تحية لستالين، كرمز لتمردها الداخلي.
• وفاة ستالين:
o توفي ستالين عام 1953.
o أدت وفاته إلى صراع على السلطة وانشقاقات بين كبار أعضاء الحزب الشيوعي.
o فتحت وفاته الباب أمام إصلاحات سياسية واجتماعية جزئية ("فترة خروشوف").
• شخصيات رئيسية:
o نيقولاي بوخارين:
 أيد التصنيع التدريجي دون الضغط على الفلاحين.
 عارض "عبادة الشخصية" وأضرارها الأخلاقية.
 انتقد ستالين سراً ودعم "المعارضة اليمينية للنظام".
 سجن بأمر من ستالين.
 كان كاتبًا وشاعرًا ورسامًا.
 اعتبره رومان رولاند "رجلاً يتمتع بقوة الفكر وكنزًا لروسيا".
 أُعدم في عام 1938.
o نيكيتا خروتشوف:
 كان زميل نادية في "الأكاديمية الصناعية".
 أشادت به نادية أمام ستالين.
 يعزو خروتشوف نجاته من التطهير إلى نادية.
 أصبح زعيمًا للاتحاد السوفيتي بعد ستالين.

وصية لينين:
o كتبها لينين قبل عام من وفاته عام 1923.
o عبر عن قلقه من تراكم السلطة لدى ستالين.
o حذر من سلوك ستالين المتعجرف.
o طالب بإقالة ستالين من منصب الأمين العام للحزب.
o أشاد بأعضاء آخرين في الحزب مثل بوخارين وبياتاكوف.