التفارق والتلاقي بين دور روسيا وإيران في سورية
منذر خدام
الحوار المتمدن
-
العدد: 7702 - 2023 / 8 / 13 - 14:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مشهد سورية اليوم رسمت معالمه قوتان رئيسيتان هما: النظام وحلفاؤه من جهة، والمجموعات المسلحة وداعميها من جهة أخرى، وهي معالم لم تستقر بعد من جراء استمرار الصراع بينهما. وحتى ما تم التوصل إليه عبر مسار أستانا من تحديد لمناطق خفض التصعيد أو التوتر، لا يعدو كونه نوعا من الاعتراف بأن سورية الدولة والمجتمع قد تغيرت كثيرا بحيث صارت لا تشبه نفسها قبل الأزمة. سورية اليوم صارت موزعة إلى مناطق نفوذ شبه متبلورة، منطقة نفوذ أمريكي في الشمال الشرقي محمولة على قوات سورية الديمقراطية وحلفائها، منطقة نفوذ تركية في الشمال الغربي من سورية، محمولة على مجموعات متطرفة وإرهابية غير مستقرة، ومنطقة نفوذ روسية إيرانية محمولة على النظام السوري، يضاف إليها منطقة الاحتلال الاسرائيلي. بطبيعة الحال ليست مناطق النفوذ هذه على المستوى ذاته، من الناحية السياسية، ولا من ناحية دورها في صوغ شكل سورية في المستقبل.
فيما يخص منطقة النفوذ الروسي الإيراني وهي المنطقة الأهم ليس فقط من ناحية عدد السكان المتواجدين فيها، وشمولها للمدن السورية الرئيسة، بل أيضا من ناحية ما تمتلكه من عوامل القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية. أضف إلى ذلك فإن النظام في هذه المنطقة هو قوة حقيقية سوف يستخدما لمقاومة أي مطلب يتعلق بتغيير تكوينه السياسي الأمني او يحد من سلطته. لقد استخدم النظام هذه القوة في محادثات مسار جنيف، بدعم قوي من إيران التي تحسب قضية بقاء النظام قضيتها، وهي لن تتساهل بشأنها لاعتبارات استراتيجية تتعلق بالمجال الحيوي لنفوذها.
من جهة ثانية فإن كلا من النظام وإيران بحاجة حيوية للدور الروسي، وبالتالي لا يمكنهما تجاهل مصالح روسيا الاستراتيجية في سورية، وهي ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح إيران، ولا مع مصالح النظام ذاته. روسيا بلا شك استفادت من الأزمة السورية لكي تعوم نفسها كقوة عظمى على المسرح الدولي، بعد الاهانات السياسية التي ألحقتها أمريكا بها في البلقان وفي ليبيا وفي جورجيا، وكان أول رد اعتبار لها بهذا المعنى، وفي هذا السياق تدخلها في جورجيا، وفي سورية وفي أوكرانيا، وهذا ما وجه رسائل واضحة تجاه كل من يحاول المس بالمصالح الروسية انه لا تساهل بعد الآن في كل ما له علاقة بهذه المصالح.
وإذا كانت إيران ومعها النظام السوري، على الأرجح، سوف يقاومان إلى النهاية أي احتمال لإجراء تغييرات أساسية في بنية النظام السياسي في سورية، تحوله من نظام استبدادي شديد المحافظة، متمركز حول الرئيس، إلى نظام منفتح على خيارات ديمقراطية يمكن أن تفتح احتمالات للتعددية السياسية ولتبادل السلطة سلميا عبر صناديق الاقتراع، فإن روسيا لديها رؤية مختلفة بعض الشيء، تلحظ ضرورة انفتاح النظام على إجراء تغييرات حقيقية في بنيته.
تعتقد روسا أن ضمان مصالحها وحمايتها على المدى البعيد في سورية لا يضمنها النظام الحالي، فهو نظام أيل إلى الزوال في المستقبل. وهي إذ ترى ضرورة استمرار رأس النظام فذلك بهدف الحفاظ على تماسك الدولة السورية، فهو اللاحم الأكبر والأقوى لهوياتها الصغرى، وكذلك لأجهزتها وبصورة خاصة للجيش والأجهزة الأمنية، التي تشكل العمود الفقري لبقاء السلطة المركزية. إن إزاحة الرئيس في هذه الظروف، بحسب القيادة الروسية، سوف يعني انهيار الدولة وفشلها كما حصل في ليبيا وفي اليمن ويحصل اليوم في السودان. من هذا المنطلق رفضت روسيا أية دعوة لإزاحة الرئيس في بداية أية عملية تسوية للازمة، كما كانت تطالب بذلك دول إقليمية وبعيدة، وترجع صداه بعض قوى المعارضة السورية، وبصورة خاصة معارضة ما يسمى بمنصة الرياض وهيئتها العليا للمفاوضات. ورفضت روسيا أيضا أية عملية انتقال سياسي تفضي إلى إزاحته من رأس السلطة والنظام، بل على العكس كانت ترى ولا تزال بضرورة قيادته لأية عملية إصلاح سياسي محتملة في المستقبل. لهذه الاعتبارات تركز روسيا في كل نشاطها السياسي المتعلق بالأزمة السورية على ضرورة أن يجري التغيير السياسي في سورية بطيئا، يبدأ بتوافق السوريين على دستور جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية يتم الاتفاق عليها أيضا، حتى موعد الانتخابات القادمة، التي سوف يكون من حق الرئيس أن يرشح نفسه فيها.
من الواضح أن الرؤية الروسية بدأت تحظى بقبول أطراف دولية عديدة، فلم يعد يحظى مطلب إزاحة الرئيس في بداية أية عملية سياسية بالأولوية في كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وهي دول فاعلة في الأزمة السورية. وذهب ماكرون الرئيس الفرنسي الجديد أبعد من ذلك إذ وجد في بقاء الرئيس السوري في موقعه ضرورة لكيلا تتحول سورية إلى دولة فاشلة. يلاحظ الأمر ذاته بالنسبة للسعودية وبقية الدول العربية التي طبعت علاقاتها معه، وكذلك لتركيا وغيرها من الدول.