هل تنسحب القوات الأمريكية من سورية؟

تردد كثيرا هذا السؤال في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد طوفان الأقصى، ومع أن البيت الأبيض كان قد نفى صحة ما ينتشر على وسائل الاعلام من خبر احتمال الانسحاب في اتصال مع "العربية/الحدث". وكانت مجلة فورن بوليسي قد نشرت مقالا لأحد صحافييها يفيد بأن موضوع الانسحاب يناقش في الدوائر العليا في كل من وزارة الخارجية والبنتاغون. ونسبت الصحيفة معلوماتها إلى اربعة مصادر في الوزارتين وتجمع جميعها على ان البيت الأبيض لم يعد مهتما ببقاء القوات الأمريكية في سورية، وإن متابعة المهمة التي جاءوا من اجلها (محاربة داعش) لم تعد ضرورية.
من المعلوم ان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد قرر بتاريخ 19 كانون الأول 2019 سحب جميع القوات الأمريكية من سورية بعد هزيمة داعش في الباغوزـ غير ان اعتراض بعض المسؤولين الأمريكيين خصوصا في وزارة الدفاع، إضافة إلى ضغوطات حلفاء واشنطن في فرنسا وبريطانيا تم الإبقاء على عدد قليل منهم في بعض القواعد المنتشرة شرقي الفرات وفي منطقة التنف.
بحسب المصادر الأمريكية فإن تعداد القوات الأمريكية في سورية يبلغ نحو 900 عسكري إضافة إلى بضع مئات من العناصر الأمنية موزعين في28 موقعاً عسكرياً في سوريا، ضمن 3 محافظات، هي الحسكة (17 موقعاً)، ودير الزور (9 مواقع)، وحمص (موقعان).
بالطبع نفت إدارة بايدن على لسان منسق العلاقات الاستراتيجية للبيت الأبيض وغيره من المسؤولين الأمريكيين صحة ما ورد في الفورن بوليسي، مع ذلك يؤكد بعض الملاحظين للسياسات الأمريكية بأنه "لا دخان من غير نار". وبناء على هذا الدخان كان السناتور الجمهوري راند بول قد تقدم بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 بمشروع قانون إلى الكونغرس الأمريكي يطالب بسحب القوات الأمريكية من سورية. وقد استند بول في طرح مشروعه إلى عدم جدوى بقائهم بعد هزيمة داعش، وغياب اية استراتيجية لأمريكا في المنطقة، عداك عن عدم وجود اذن من الكونغرس حول التواجد هناك. ومن المعلوم ان الكونغرس الأمريكي قد صوت على مشروع القرار ورفضه بأغلبية 321 صوتا ضد 103 منهم 47 صوتا جمهوريا و56 صوتا ديمقراطيا.
يتفق كثير من المتابعين للشأن السوري على ان سورية قد صارت " منصة لتنافس الدول العظمى" خصوصا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كانت كلفة هذا التنافس بالنسبة لروسيا تناسب مصالحها المباشرة والاستراتيجية، فإنها بالنسبة لأمريكا باهظة لا تتناسب مع المصالح المباشرة او الاستراتيجية. وإذ تصر إدارة بايدن على استمرار وجود القوات الأمريكية في سورية، بهدف معلن وهو محاربة الارهاب، إلا ان واقع الحال يقول غير ذلك.
من المعلوم ان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كان قد صرح بأن لا مصالح استراتيجية لأمريكا في سورية، واكد على ذلك الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نيل كويليام الذي صرح بأنه " من الصعب العثور على أي شخص في الإدارة الأمريكية (إدارة بايدن) يجادل علنا بأن للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة حيوية في سورية"، وإنه لمن العبث الإصرار على بقاء هذه القوات تحت نيران المتطرفين من الميليشيات التابعة لإيران في سورية والعراق، والتي ازدادت كثيرا بعد طوفان الأقصى. بحسب المرصد السوري بلغ عدد الهجمات نحو 90 هجوما منذ 19 أكتوبر 2023، بينها 22 هجوما على قاعدة حقل كونيكو للغاز و21 هجوما على حقل عمر النفطي في دير الزور، و15 هجوما على كل من قاعدة الشدادي وقاعدة خراب الجير في الرميلان.
لم يعد هدف محاربة داعش مقنعا لتبرير بقاء القوت الأمريكية في سورية، ليس فقط للقوى المتدخلة في سورية مثل روسيا وإيران وتركيا، عداك عن قطاعات واسعة من السوريين، بل بات من الصعوبة بمكان اقناع الأمريكيين به، خصوصا وان المفاوضات العراقية الأمريكية المتعلقة بجدولة انسحاب هذه القوات من العراق قد قاربت الاتفاق.
من غير المحتمل أن تقدم إدارة بايدن على سحب قواتها من سورية في عامها الأخير، وهي منشغلة ليس فقط في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في الخريف القادم، بل غارقة في ازمة الشرق الأوسط المتفجرة. وبحسب بعض المصادر الإعلامية فإن سحب هذه القوات في الوقت الراهن سوف يعد هزيمة لأمريكا، وهي لا تستطيع تحمل أفغانستان ثانية. أضف إلى ذلك، وبحسب هذه المصادر، فإنه في حال فوز بايدن في الانتخابات سوف تستخدم إدارته الجديدة وجود هذه القوات لإعادة النظر في الهندسة السياسية للمنطقة التي يجري الحديث عنها في ضوء طوفان الأقصى.
لكن في حال فاز دونالد ترامب، وهذا احتمال مرجح بحسب أغلب الملاحظين للشأن الأمريكي الداخلي، وتؤكده استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات، سوف يكون ذلك خيارا مرجحا.



.
.




.