رهانات الاسد والسقوط الكبير


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 01:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد ان توقفت المعارك الكبرى في عام ٢٠١٩ واستعاد النظام السيطرة على مناطق واسعة من الجغرافيا السورية كانت تحت سيطرة المجموعات المسلحة في وسط وجنوب سورية وشرقها توهم كثيرون انه صار الطرف الاقوى في معادلة الصراع الداخلية، واخذ داعموه يسوقونه عربيا ودوليا على الصعيد السياسي. وبالفعل اخذت اغلب الدول العربية تنفتح عليه وتعيد علاقاتها معه، واستعاد أيضا مقعده في جامعة الدول العربية، وأكثر من ذلك اخذت دول أوربية عديدة تعيد علاقاتها معه وتفتح سفاراتها في دمشق. كل هذه المتغيرات قرأها النظام على أنها انتصار له، بل سلم كثيرون ممن كانوا معارضين له بحقيقة هذه المتغيرات وعدوها غير نكوسه ، وبالتالي صار خيار إسقاط النظام بالقوة غير مطروح لا محليا ولا دوليا.
في عام ٢٠٢٤ كان مشهد الجغرافيا السورية موزعا إلى اربعة مناطق رئيسة هي : مناطق شرق نهر الفرات وتسيطر عليها وتديرها قوات سورية الديمقراطية تحت النفوذ الأمريكي. ومحافظة إدلب وتسيطر عليها مجموعات مسلحة جهادية بزعامة هيئة تحرير الشام، ومنطقة شمال محافظتي حلب والرقة ويسيطر عليها ما يسمى بالجيش الوطني السورية بدعم من تركيا، ومنطقة سيطرة النظام السوري مدعوما من روسيا وايران. بدى هذا المشهد مستقرا من الناحية العسكرية ما خلا بعض المناوشات المحلية سواء في جنوب محافظة إدلب أو في شرق محافظة دير الزور.
انطلاقا من واقعية هذا المشهد والتسليم به تنشطت كثيرا خلال الفترة من عام ٢٠١٩ وحتى أواخر عام ٢٠٢٤ المبادرات السياسية لحل الازمة السورية التي باتت عبئا ثقيلا على دول المنطقة وخصوصا على الدول العربية بل وعلى حلفاء النظام نفسه. من المعروف ان مسار استانا سمح للنظام باستعادة السيطرة على مساحات شاسعة من سورية على أمل أن يستجيب للمبادرات السياسية المطروحة من رعاته، وخصوصا روسيا لكن حكام دمشق رفضوا تقديم اية تنازلات بهذا الخصوص متمسكين ضمنيا بما كانوا يصرحون به من القول بأنه قبل استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية فلن يوافقوا على اية إصلاحات سياسية. لقد تلاعبوا بمسار جنيف كسبا للوقت حتى صارت اللجنة الدستورية في حالة الموت السريري، ولم يستجيبوا للمطالب الروسية المتكررة حول ضرورة الإصلاح السياسي،حتى إيران الحليف الاقوى للنظام عرضت عليهم إجراء بعض الإصلاحات السياسية الشكلية فتم رفضها. السؤال الذي يتقدم الان هو : على ماذا كان يراهن الاسد؟!
يتفق اغلب المتابعين للشأن السوري ان المنطقة التي باتت تحت سيطرة النظام جعلت منه الطرف الاقوى في معادلة قوى الصراع الداخلية خصوصا مع المجموعات المسلحة الجهادية التي باتت تسيطر فقط على محافظة إدلب وبعض المناطق في شمال حلب. اما فيما يخص مناطق شرق الفرات فقد كان مطمئنا من جهتها بأن قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر عليها لن تلجأ للقوة لفرض مطالبها عليه. اضف إلى ذلك ونتيجة لتعارض مصالح الدول الإقليمية والبعيد على الساحة السورية فإنه من المستبعد ان تتفق على تنحيتة من السلطة بالقوة. إن ادراك الاسد الخاطئ لهذا الواقع دفعه لكي يوسع كثيرا من نطاق مناوراته كسبا للوقت حتى عام ٢٠٢٨ موعد الانتخابات الرئاسية القادمة. لقد رفض كما ذكرنا وبإصرار يستحق وصفه بالغباء جميع المبادرات الروسية التي عرضت عليه للانفتاح على المعارضة السورية وتسهيل عمل اللجنة الدستورية. ورفض بغباء سياسي تنفيذ المبادرة العربية التي كانت بمثابة عملية إنقاذ له ووافق عليها بداية إذ سمحت بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية وبإعادة العلاقات الدبلوماسية لأغلب الدول العربية معه علما ان المبادرة العربية كانت تنص على خطوة مقابل خطوة لمنحه مزيدا من الثقة والاطمئنان. ورفض بعناد غير مفهوم دعوة الرئيس التركي أردوغان المتكررة له للقاء وتسوية العلاقات التركية السورية، رغم التشجيع الروسي له. ورفض أيضا العرض الأمريكي له في مباحثاتهما السرية في سلطنة عمان بسحب القوات الأمريكية من حقل العمر النفطية وحقل كونيكو للغاز شرقي الفرات مقابل الكشف عن مصير الصحفي الأمريكي الذي انقطعت اخباره في سورية منذ عام ٢٠١٣. وقرا بشكل خاطئ تأثير الازمة الاقتصادية على السكان في مناطق سيطرته، وخصوصا تأثيرها على الجيش والقوات الأمنية.
ان عدم استجابة بشار الأسد لجميع المبادرات السياسية التي عرضت عليه وقراءاته الخاطئة للواقع السوري ومتغيراته والعلاقات الدولية بخصوص سورية له توصيف سياسي وحيد صادق هو الغباء السياسي. وبالعودة الى النظر بموضوعية الى مسار الحكم في سورية منذ أن تراسه بشار الأسد بعد وفاة والده في عام ٢٠٠٠، فإن هذا الغباء كان ملازما له حقيقة منذ البداية. سورية بالنسبة له كانت مجرد مزرعة له وأسرته وحواشيه، ولم يكن مؤهلا يوما لكي يكون رجل دولة بل رجل سلطة فحسب.
واخيرا سقط نظام بشار الأسد وباتا نظاما بائدا وعمت الفرحة جميع السوريين ربما باستثناء قلة من ازلامه والمنتفعين منه. وكان لافتا فرحة سكان الساحل الذين لطالما كانوا يعدون خطأ بالحاضنة المجتمعية للنظام. وبدون الغوص في تحليل تقنيات واليات هذا السقوط واسبابه الذي سوف تكشفه الايام القادمة، فإن التركة التي تركها ثقيلة جدا لا يمكن إيجاد حلول ناجعة لها إلا من خلال نظام سياسي مختلف جذريا. ومع أن خطاب الحكام الجدد مطمئنا الى حد كبير فإن هواجس كثيرة سوف تظل محايثة له إذ ليس من السهل تقبل فكرة ان قوى سلفية جهادية مصنفة دوليا كقوى ارهابية يمكنها ان تصير ليبرالية . وتبقى العبرة والحكم الفيصل هو في الممارسة وهذا ما سوف تكشفه الايام القادمة.