طوفان الأقصى والقضية الفلسطينية


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ بداية التفكير بإنشاء كيان يهودي لتجميع ما يسمى بيهود الشتات في دولة قومية والأطراف الخارجية تؤدي الدور الحاسم في انضاجها وتأمين مقومات تحقيقها. نشأت فكرة تأسيس كيان يهودي بداية في أوساط يهود روسيا لتنقل بعد ذلك إلى اغلب تجمعات اليهود في اوربا، وكان الدافع الرئيس لها ما تعرض له اليهود من تمييز حيث يعيشون في اوطانهم. ومن المعلوم أن نخبا إعلامية واقتصادية وعلمية يهودية كان لها دور حاسم في ولادة الأيديولوجيا الصهيونية وفي تشكيل الحامل الاجتماعي والسياسي لها فكانت الحركة الصهيونية العالمية. ولم يقتصر دور هذه النخب على ذلك فقط بل سعت إلى جذب تعاطف الدول الاستعمارية مع الفكرة -المشروع.
في مؤتمر بال في سويسرا الذي عقدته الحركة الصهيونية في عام 1897 طرحت خيارات مكانية عديدة لإنشاء هذا الكيان خصوصا بعد رفض السلطات العثمانية في ذلك الحين هجرة اليهود إلى فلسطين. لقد تم التفكير من قبل بعض قادة الحركة الصهيونية بسيناء لتأسيس هذا الكيان، لكن بعضهم فضل اوغندا وطرحت أماكن أخرى، ولم يتم حسم مسألة اختيار المكان إلا بعد هزيمة الدول العثمانية في الحرب العالمية الثانية وتفككها لاحقا. بهذا الخصوص أدت بريطانيا الدور الحاسم من خلال سيطرتها على فلسطين كحصة لها نتيجة اتفاقيات سايكس بيكو، وتمثل ذلك في اصدار وعد بلفور الذي حسم مسألة المكان.
لم يكن اختيار المكان اعتباطيا بل تأسس على جملة من المعطيات التاريخية والمصلحية الاستراتيجية. من الناحية التاريخية تعد فلسطين على نطاق واسع مكان الحدث التوراتي، وبالتالي يسهل على الأيديولوجيا الصهيونية إعادة إنعاش الذاكرة اليهودية بخصوصه.
اما من ناحية المصالح الاستراتيجية فهي متعددة بالنسبة لبريطانيا والدول الاستعمارية الأخرى التي دعمت فكرة المشروع الصهيوني فهي:
بداية مصلحتها في حل المسألة اليهودية في اوربا بصورة نهائية، وثانيا مصلحتا في الحؤول دون قيام أي كيان عربي موحد على أطراف اوربا الجنوبية، وثالثا؛ استنزاف الثروات العربية.
أدركت بريطانيا مبكرا أن تحقيق فكرة المشروع ليس سهلا، إذ كيف يمكن اقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين، وكيف سوف يتقبل الفلسطينيون الوافد الجديد الذي سوف ينافسهم على ارضهم وبلدهم، وأيضا كيف سوف يتقبل العرب وجود كيان غريب عنهم في وسطهم.
بالنسبة لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين فقد حلت مجازر النازيين الألمان ضدهم هذه المسألة، وحل الاستعمار البريطاني لفلسطين المسألة الثانية، وتم حل المسألة الثالثة عن طريق تمكين الكيان الصهيوني من امتلاك جميع عناصر القوة بالمعنى المباشر والحضاري، والحؤول دون ذلك بالنسبة للعرب.
لم يكن مستغربا وحالة الدول العربية والكيان الصهيوني هذه ان ينتصر الجيش الإسرائيلي على الجيوش العربية في جميع الحروب التي نشبت بينهم سواء في الميدان أو في الاستثمار السياسي لنتائجها. غير أن حرب غزة اليوم تبدو مختلفة من جوانب عدة فهي:
أ-اول حرب تنشب بين طرفي القضية الفلسطينية أي بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي بدون مشاركة الجيوش العربية، بل على العكس بعض الدول العربية دعمت الكيان الصهيوني.
ب- لم تستطع إسرائيل حسم الحرب في مدة زمنية قصيرة كما فعلت في حروبها السابقة، ويبدو لي انها لن تستطيع تحقيق أهدافها المعلنة.
ت- من حسن حظ الفلسطينيين عدم مشاركة العرب إلى جانبهم، إذ لو حصل ذلك ربما لما حصل هذا التغير الحاد في تعاطف الشعوب الأوربية والعديد من الدول في العالم مع القضية الفلسطينية.
ث-من نتائج طوفان الأقصى تعويم القضية الفلسطينية وجعلها محور اهتمام دول العالم وخصوصا تلك التي دعمت الكيان الصهيوني تاريخيا من اجل البحث عن حل لها.
ج- كان تأثير حرب غزة كبيرا على المجتمع الإسرائيلي إذ غادر قسم مهم من أفراده إلى الخارج (يقدره البعض بنحو 800ألف شخص)، وصار قسم آخر يقبل بوجود دولة فلسطينية إلى جوار دولتهم، ويرون ان التعايش مع سكانها ممكن (بعض استطلاعات الرأي الإسرائيلية تقدره بنحو 34% من سكان إسرائيل).
ح- كشفت حرب غزة الدور الوظيفي الذي يؤديه الكيان الصهيوني بالنسبة للدول الغربية عموما وخصوصا بالنسبة لأمريكا، فهبت لنجدته عسكريا منذ الأيام الأولى لطوفان الأقصى فحشدت لهذا الغرض اساطيلها امام شواطئ فلسطين، واستمرت لا حقا بتقديم كل اشكال الدعم السياسي و العسكري والاقتصادي واللوجستي وغيره له. ويرى كثير من الخبراء أنه لولا الدعم الأمريكي والغربي عموما لما استطاعت إسرائيل الاستمرار في الحرب حتى الآن.
خ-فاقت تكاليف هذه الحرب، بحسب بعض الخبراء، تكاليف جميع حروب إسرائيل منذ انشائها من حيث الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
د- بات قادة إسرائيل مجرمو حرب في نظر المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات اعتقال برئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه. وباتت إسرائيل كدولة متهمة بجريمة الإبادة الجماعية من قبل محكمة العدل الدولية بناء على قضية رفعتها جنوب افريقيا ضدها وانضمت اليها لا حقا دول أخرى.
في ضوء كل هذه المعطيات التي ترتبت على حرب إسرائيل على غزة صار يطرح بإلحاح السؤال ما الحل؟ الجواب عن هذا السؤال محدد في خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول وهو انشاء دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، وهو خيار يؤيده اغلب الفلسطينيين وتدعمه الدول العربية والعديد من دول العالم بما فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
الخيار الثاني وهو انشاء دولة علمانية ديمقراطية موحدة ثنائية التكوين الهوياتي. هذا الخيار كانت تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية قبل ان تتخلى عنه في مؤتمر الجزائر الذي أعلن قيام الدولة الفلسطينية، بتشجيع من الحكام العرب. ويبقى تنفيذ أيا من هذين الخيارين متوقفا على جدية المواقف الغربية من حل القضية الفلسطينية.
كلا الخيارين ترفضهما إسرائيل حتى الآن، وهي تراهن على خيار ثالث يتمثل في ترحيل اغلب الفلسطينيين الى خارج فلسطين، وما يتبقى منهم يعاملون معاملة من الدرجة الثانية. هذا الخيار مرفوض فلسطينيا وعربيا ودوليا وهو خيار منفتح على استمرار عدم الاستقرار في المنطقة. وفي مجمل الأحوال لا حل يلوح في الأفق القريب.