الحراك السوري المستجد في ظروف غير مواتية
منذر خدام
الحوار المتمدن
-
العدد: 7733 - 2023 / 9 / 13 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن مفاجئا خروج سوريين إلى الشوارع تعبيرا عن غضبهم واحتجاجا على ظروف المعيشة التي لم تعد تحتمل، وتعجز أغلب الأسر السورية عن تأمين مقوماتها . ولم يكن مفاجئا أيضا ان يبدأ الحراك، هذه المرة، من محافظة السويداء، نظرا للظروف الخاصة السائدة فيها. من المعلوم ان سيطرة النظام في محافظة السويداء قد صارت ضعيفة إلى حد بعيد في سياق مجرى الأزمة السورية، ولأن الكتلة المجتمعية الكبيرة من سكان المحافظة تعارضه، ولها قيادتها السياسية والمدنية والدينية.
تختلف الأسباب المباشرة لانتفاضة السوريين في الموجة الثانية عنها في الموجة الأولى. من المعلوم ان انتفاضة السوريين في عام 2011 قد جاءت في سياق ما سمي بانتفاضات الربيع العربي، وبتحفيز قوي من انتفاضة المصريين على وجه الخصوص، وبتدخلات، باتت معلومة، لدول عربية وإقليمية وبعيدة فيها. ركزت شعارات الانتفاضة الأولى قبل ان يسيطر عليها الإسلام السياسي على الحرية والكرامة والديمقراطية، في حين تركزت شعارات الانتفاضة الثانية على القضايا المطلبية، لتصعد لاحقا للمطالبة بإسقاط الحكومة، ومن ثم النظام. ولم تكتف بذلك بل بدأت باتخاذ خطوات عملية من قبيل اغلاق مقرات حزب البعث، وبعض مؤسسات الدولة، والاعلان عن قيام إدارة ذاتية خاصة، وتشكيل أذرع عسكرية لها.
لقد اختلفت كثيرا ظروف سورية بعد اثنتي عشرة سنة من الصراع فيها وعليها، وهو صراع لايزال مفتوحا صارت سورية بنتيجته موزعة إلى مناطق نفوذ دولية. وإذ يجري التركيز على حراك السوريين في منطقة سيطرة النظام وهي منطقة نفوذ روسية إيرانية مشتركة، فإنه من المستبعد ان ينتشر هذا الحراك خارج محافظة السويداء بصورة واسعة وكثيفة، وإن بعض البؤر التي ظهرت في محافظة درعا ودير الزور وحلب وحماه جرى احتواؤها. ثمة أسباب كثيرة لذلك منها: بداية لا تزال حاضرة في الذاكرة، بل معايشة نتائج الموجة الأولى من تدمير للبنى التحتية والعمران المدني وتشريد السكان. وثانيا الخوف من عودة الإسلام السياسي للسيطرة على أي حراك وتكرار السياق ذاته لانتفاضة عام 2011. وثالثا فقدان الثقة بأية معارضة سياسية لأنها لم تقدم أي بديل مقنع متجاوز للنظام أخلاقيا وسياسيا. ورابعا لا أحد يريد حصول موجة لجوء جديدة، خصوصا وان اغلب السوريين في منطقة سيطرة النظام مقتنع بعدم قدرته على اسقاطه، وهو محمي من أطراف إقليمية ودولية.
اللافت في الموجة الثانية للحراك السوري الرهان على حراك سكان الساحل، وخصوصا العلويين للمشاركة فيه بكثافة، وهو رهان ليس في محله. فالعلويون الذي يحسبهم كثيرون عن خطأ بـأنهم يشكلون الحاضنة الاجتماعية للنظام لن يشاركوا في أي حراك واسع ضده رغم الكراهية الواسعة بينهم له وانتقاده بصورة علنية، بل ظهور حالات فردية جريئة في نقده ونقد رموزه.
ثمة أسباب عديدة تحول دون خروج العلويين في مظاهرات احتجاجية على النظام منها: أولاً غياب اية قيادة سياسية او دينية او مدنية معارضة فاعلة في صفوفهم كما في حالة محافظة السويداء. وثانيا سيطرة النظام على الزعامات العشائرية والدينية للعلويين واستخدامها في منع أية تكتل معارض ذي طابع جماهيري. وثالثا، يستفيد النظام من تأثير ضباط الجيش والأمن على حاضنتهم الاجتماعية. ورابعا طغيان النزعات الفردية في صفوفهم. وخامسا الخوف الشديد من بطش أجهزة النظام، فهو لا يتساهل مع ظهور أية معارضة له من بينهم. وسادسا الخوف من التيارات الإسلامية المتشددة التي نجح النظام في اقناع الكثيرين منهم بأنها البديل عنه في حال سقوطه.
الجديد في الموجة الثانية من الحراك السوري، إذا جازت التسمية، ان النظام لن يلجأ إلى سياسة القمع للقضاء عليه، بل إلى سياسة الاحتواء، وإذا اضطر إلى استخدام القوة لقمعه فسوف يكون ذلك في نهاية المطاف، وبعد تأمين الظروف المناسبة لذلك. من هذه الظروف تنامي النزعة الانعزالية في صفوف المتظاهرين، ورفع الأعلام الإسرائيلية كما ظهر في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، او اللجوء إلى العنف سواء من قبل متطرفين ام من قبل المندسين من أجهزة النظام الأمنية، ام من عصابات المخدرات وغيرها. ولا يخفى أن بعض الدعوات لإغلاق مقرات حزب البعث، وطرد الأجهزة الأمنية من المحافظة، واغلاق بعض مؤسسات الدولة، وتشكيل سلطة محلية، سوف تخدم هذه الاتجاه. وتخدم النظام أيضاً التدخلات الخارجية المباشرة او التحريض الإعلامي، وخصوصا الطائفي، الذي خبره السوريون في السابق. ويبقى بلا شك الظرف الأكثر استدعاء للنظام لقمع هذه الاحتجاجات هو احتمال انتقالها وانتشارها إلى المحافظات الأخرى، وهذا الاحتمال لا يزال ضعيفا.
إذا صح ما ذهبنا إليه في تحليلنا فإن مآل الحراك الجديد هو التوقف والاستيعاب، ولا يزال النظام يملك الكثير من الإجراءات في جعبته لاحتوائه، وقد بدأ بتنفيذ بعضها، من قبيل منح العاملين في الجامعات، وفي سلك القضاء وفي الجيش، وفي أجهزة الدولة الأخرى علاوات جديدة على رواتبهم.