عالم جديد مايور-بانديه 2 العقد الطبيعى للمستقبل: العلم والتنمية والبيئة الفصل 7 أنْ ننمو مع الأرض
خليل كلفت
الحوار المتمدن
-
العدد: 4914 - 2015 / 9 / 3 - 22:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
2
العقد الطبيعى للمستقبل:
العلم والتنمية والبيئة
-;---;--
7
أنْ ننمو مع الأرض
خليل كلفت وعلى كلفت
يمثل الاهتمام، الموجه في الآونة الأخيرة، إلى المحافظة على كوكبنا مؤشرا لثورة حقيقية فى العقليات: الواقع أن التحول الثقافي والعلمي والاجتماعي، الذي حدث فجأة خلال جيل أو جيلين بالكاد، يحدث قطيعة مع ميراث طويل من عدم المبالاة بل حتى العداء. والواقع أن الإنسان قد قام بتشييء الطبيعة، منذ وقت طويل، وسعى إلى إخضاعها لسيطرته. وعن طريق "فك الطلاسم السحرية" عن العالم الطبيعي، وجعل الإنسان السيد والذات المالكة للكون، حملت الحداثة مشروع "السيطرة على الكرة الأرضية" إلى حدوده القصوى، وهذا ما جرت مطابقته منذ وقت طويل مع التقدم والحكايات الكبرى للتحرر في عصر التنوير والمجتمع الصناعي - الليبراليات، والنظريات العلمية، والاشتراكيات، والماركسيات، وأيديولوجيات سيادة التقنية. وكان يُنظر إلى تسخير الطبيعة لرغبات الإنسان وحاجاته على أنه السمة المميزة لمجتمع متقدم، ودليلا على النمو الاقتصادي، وشرطا لرفاهية السكان.
غير أنه، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ إدراك حدود تصور من هذا النوع. وكان العلماء أول من دق جرس الإنذار، عندما شرعوا، منذ فترة ما بعد الحرب، تحت رعاية اليونسكو، في إجراء الدراسات الدولية الأولى عن المناطق القاحلة وأنشأوا أولى الشبكات الكبرى لدراسة البيئة والمحافظة عليها. وقد كفت الأضرار التي لحقت بالوسط الطبيعي عن أن تبدو من قبيل القصص والحكايات، خصوصا منذ ظهر أن مضاعفة نقاط الاصطدام تهدد سلامة النظم الإيكولوجية. ومن الآن فصاعدا، يشكل أمن البيئة أحد المكونات الأساسية للأمن القومي والدولي: لعبت كارثة تشيرنوبل في هذا الشأن دور إشارة الإنذار. كما أن العقليات الجمعية ذاتها قد تطورت بعمق. وإنما على هذا النحو تم الانتقال، خلال أقل من خمسين عاما، من صورة "الجحيم الأخضر" للأمازون إلى صورة "غابة الزمرد". وبهذا أفسح التصور التقليدي عن عالم "معادٍ" ومتوحش المجال للصورة المضادة كليا لموروث يجب احترامه والتعامل معه بحكمة(1). ومنذ عقود قليلة، كان مفكر صاحب رؤية مثل جريجوري باتسون Gregory Batson(2) ما زال وحيدا تماما عندما أكد، ضد داروين Darwin، أن وحدة البقاء لا تتمثل في الفرد المنجب، ولا في السلالة، ولا في الأنواع أو الأنواع الفرعية، بل في كيان مرن: كائن حيّ داخل بيئته، وأنه يجب أن تتوافق إيكولوجيا للعقل البشرى مع إيكولوجيا للطبيعة. ومع ذلك فإن هذه الأفكار أخذت تفرض نفسها شيئا فشيئا.
ومن الآن فصاعدا، لم يعد من الممكن أن نتعامل مع الاقتصاد والبيئة بصورة منفصلة. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن نتوقع في غضون العشرين أو الثلاثين عاما القادمة النتائج المنطقية للأنشطة البشرية على البيئة. إن سكان العالم يتزايدون ويعتمدون أنماطا جديدة من الزراعة والإنتاج والاستهلاك. ومازالت معظم البلدان النامية تشهد زيادة ديموجرافية سريعة، على حين أن البلدان الغنية لا تكف عن التهام للمواد الخام والفضاء والطاقة. وبالتالي، يواجه النظام الإيكولوجي إغراءً مزدوجا: ضغط مفرط لاستهلاك الشمال وضغط مفرط للسكان والاحتياجات الأساسية في الجنوب"(3). وعلاوة على هذا، فإن الامتداد السريع لأنماط إنتاج الشمال وأساليب استهلاكه إلى الاقتصادات الناشئة وإلى أقسام كبيرة في بلدان نامية عديدة، يفاقم هذا الضغط، وسوف يظل يفاقمه أكثر خلال العقود المقبلة.
وكما شدد ويليام ريس William Rees وماتيس واكرناجيل Matthis Wackernagel، فإن "البصمات الإيكولوجية" لسكان الولايات المتحدة أو ألمانيا أو اليابان تزيد على البصمات الإيكولوجية لسكان الصين أو الهند بنحو عشرة أضعاف(4). غير أنه لو كان على الآخرين أن يلحقوا بالأولين، لكانت البشرية بحاجة، من أجل إشباع الحاجات من الموارد الطبيعية لسكان عالم يتراوح عددهم بين ستة وثمانية مليارات، ليس إلى كوكب واحد بل إلى ثلاثة كواكب كالأرض. ولهذا فإن النماذج الحالية للتنمية في البلدان الأكثر تقدما في الشمال لا يمكن تكرارها على علاتها لا في المكان ولا في الزمان، دون تهديد بقاء المحيط الأحيائي لكوكب الأرض. ولهذا فإنه يتعين على بلدان الشمال التحول في أسرع وقت ممكن إلى الاعتدال الإيكولوجي، وذلك للحد من تأثيره السلبي على البيئة العالمية ومن عدوى التقليد الأعمى لأساليبه الاستهلاكية في الجنوب.
مخاطر جديدة في الأفق
وبطبيعة الحال فإن المخاطر التي تخيم على بيئة كوكب الأرض كثيرة. ووفقا لسيرج أنطوان Serge Antoine فإن بلدان الجنوب وحدها - حتى بافتراض عدم ارتفاع مستوى المعيشة - سوف تتضاعف انبعاثاتها من أكاسيد الكربون في الغلاف الجوى إلى أربعة أو خمسة أضعاف خلال العقود الأربعة القادمة. لأنه إذا استمرت انبعاثات غازات الدفيئة في الزيادة بنسبة 10% إلى 20% كل عشرة أعوام على مستوى كوكب الأرض، يمكن أن يتضاعف تركيزها إلى أربعة أضعاف خلال القرن الجديد: سوف يزداد دفء الأرض بالتالي بمعدل أعلى بما يتراوح بين 10 مرات و15 مرة عما عرفته الأرض خلال عشرة آلاف عام(5). وبالمثل، تغزو الصحراء كل عام على مستوى العالم مساحة من الأراضي مساوية لمساحة فرنسا(6). وإذا استمر قطع الأشجار بالمعدل الحالي، فإن الغابات الاستوائية سيكون قد تم محوها من فوق سطح الكرة الأرضية من الآن وحتى عام 2050(7). ووفقا لأحدث تقديرات منظمة الفاو، فقد اختفت مساحة 9.9 مليار هكتار من الغابات في المتوسط سنويا بين 1981 و1990. وفي الوقت الحالي، وفقا للصندوق العالمي للطبيعة، يتم تدمير 15 مليون هكتار من الغابات الاستوائية كل عام. كما أنه، وفقا لحسابات للصندوق العالمي للطبيعة، على أساس بيانات للأمم المتحدة، لم يبق اليوم من نحو 8 مليارات هكتار من الغابات الأصلية، التي وجدت منذ 8000 عام، إلا 3 مليارات فقط(8). غير أن إزالة الغابات ذات المنشأ البشري ليس لها فقط نتائج مأساوية على التنوع الأحيائي، بل هي أيضا السبب الرئيسي وراء تركز أكاسيد الكربون في الغلاف الجوى(9).
وتؤدي انبعاثات أكاسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى إلى تغيرات مناخية ليس بمستطاعنا الآن قياسها بدقة. وعلى كل حال، فإن دراسة البيانات التي تم جمعها على مدى المائة وثلاثين عام الأخيرة عن متوسطات درجات الحرارة على نطاق العالم تبين أن السنوات العشر الأشد حرارة كانت كلها بعد عام 1980(10). ووفقا لتقرير للإدارة القومية لشئون المحيطات والجو بالولايات المتحدة، "كان عام 1997 أكثر عام حرارة تم تسجيله على الإطلاق منذ إنشاء نظام للقياس في هذا المجال" على حين أن الخمسة شهور الأولى من عام 1998 تؤكد ارتفاع متوسط درجة الحرارة على نطاق العالم(11). ووفقا لتوقعات المجموعة الدولية بشأن تطور المناخ، فإنه إذا استمر الاتجاه الحالي، يمكن أن ترتفع درجة حرارة الأرض بما يتراوح بين 1 و3.5 درجة مئوية من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين(12)؛ ويتوقع بعض العلماء بصورة جدية ارتفاعا يصل إلى 5º-;---;--.
والحقيقة أن نتائج مثل هذا الدفء، إن كان لا مناص من حدوثه، ستكون مأساوية: وينبغي أن نعلم أنه مع اختلاف قدره 5° عن متوسط المناخ الحالي يمكن أن نجد أنفسنا في مستويات مماثلة للمستويات التي فجرت الانقلابات المناخية الكبرى في التاريخ الجيولوجي(13). وفى المناطق الساحلية، يمكن أن يهدد ارتفاع مستوى البحر بابتلاع مناطق شاسعة مأهولة بالسكان أو حتى دول جزرية بكاملها مثل المالديف، وبتفاقم مشكلات التحات البحري، وبمضاعفة مخاطر الفيضان الكارثية، كما في بنجلاديش. ويمكن أن يؤدي دفء المناخ إلى ارتفاع منسوب المحيطات بما يتراوح بين 15 و95 سنتيمترا: الواقع أن 80% من سكان العالم يعيشون اليوم على مسافة تقل عن 180 كيلومتر من الساحل، ويعيش 21% على مسافة تقل عن 30 كيلومترا منه. وبالإضافة إلى هذا، يبين مركز هادلي Hadley لتوقعات وبحوث المناخ أن معدل نمو السكان الذين يعيشون على مسافة تقل عن ثلاثين كيلومترا من ساحل يصلون إلى ضعف معدل نمو باقي سكان العالم. وتبين الأرصاد التي أجراها القمر الصناعي أنه، بين عامي 1992 و1995، ارتفع مستوى البحر بالفعل بحوالي 3 ملليمترات في السنة.
ومن الآن فصاعدا يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية الملحوظ في جبال الألب كما في جبال الأنديس. ولهذا قدر باحثون في معهد أورستوم ORSTOM(14) أن الأنهار الجليدية في بيرو قد تراجعت بعد عام 1980 بسرعة أكثر من ثلاثة أضعاف سرعة تراجعها طوال العقد السابق؛ وفى بوليفيا "كان [التراجع] أسرع خمسة أضعاف منه في العقود الأربعة السابقة"(15). وهذا الاكتشاف مثير جدا للقلق نظرا لأن الأنهار الجليدية في جبال الأنديس توفر مصدرا حيويا في الواقع لإمدادات المياه الصالحة للشرب خلال موسم الجفاف. ووفقا لتوقعات خبراء المجموعة الدولية بشأن التغير المناخي (اليونسكو)، فإنه بالمعدل الحالي لذوبان الجليد، "يمكن أن تختفي نسبة تتراوح بين ثلث ونصف كتلة الأنهار الجليدية الحالية في جبال الألب خلال المائة عام التالية"(16). بل يعتقد عدد من الخبراء أن مجموع الأنهار الجليدية في جبال الألب سوف تكون قد اختفت من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين.
كما أن ذوبان جليد القطبين وما يصاحبه من ارتفاع في معدل هطول المطر - وهما نتيجتان متوقعتان لدفء المناخ - يمكن أن يؤديا في الأجل الطويل إلى عواقب متناقضة بالنسبة لمناطق معينة مثل أوروبا: الواقع أن اضطراب تيارات المحيط الأطلنطي، وعلى وجه الخصوص تيار الخليج Gulf Stream الذي تدفئ مياهه السواحل الأوروبية، يمكن أن يؤدى إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة وإلى فصول شتاء تماثل فصول الشتاء التي تعرفها كندا(17).
ويمكن أن تؤثر عواقب أخرى في التنوع الأحيائي وفي النظم الإيكولوجية، حيث أن من المتوقع أن تختفي بعض أنواع الحيوان والنبات، وبصورة خاصة في شمال أوروبا. ويمكن أن يثبت أن دفء المناخ ضار بالزراعة بصورة محددة، في أفريقيا بصورة خاصة، حيث يمكن أن تنخفض المردودات بنسبة 30%، وكذلك في باكستان وكازاخستان والمكسيك وفى مناطق عديدة من البرازيل وتشيلى(18).
وينطوي دفء المناخ أيضا على عواقب خطيرة على الصحة العامة. ووفقا لمجموعة من الخبراء الطبيين، يبرز بينهم إريك شيڤ-;---;--يان Eric Chivian، مدير مركز الصحة والبيئة بجامعة هارڤ-;---;--ارد، من المتوقع وفاة ثمانية ملايين شخص من الآن وحتى عام 2020 نتيجة للأمراض التي ينقلها البعوض وبسبب تلوث المياه، إذا لم يتم عمل شيء في سبيل النضال ضد دفء الكرة الأرضية(19). كما أن الانتشار العالمي للملاريا يمكن أن يمثل إحدى النتائج الرهيبة لدفء الكرة الأرضية، إذا لم يتم اكتشاف لقاح فعال حقا ضد هذا المرض.
وبالتوازي مع الأخطار المرتبطة بدفء المناخ، هناك تطورات أخرى مثيرة للقلق بصورة خاصة. ولهذا يجب أن ندرك أنه بإهمال نوعية التربة، إنما يجري رهن الطاقة المستقبلية للتربة بتلبية احتياجات السكان. وبالفعل فإن أكثر من ربع مساحة الأرض المخصصة للزراعة وتربية الماشية قد تدهور بصورة خطيرة. وفى كل عام تصبح قرابة 10 ملايين هكتار غير صالحة للزراعة نتيجة للإفراط في استغلالها. ويعني هذا الاضطراب خسارة سنوية بنسبة 0.2% تقريبا من الطاقة الإنتاجية الزراعية العالمية.
والواقع أن النتائج المترتبة على تلوث المياه تتسم بنفس الدرجة من الخطورة. وفي البلدان النامية، حيث تكون نظم تطهير المياه منعدمة أو ناقصة، يمكن أن يسقط مئات الملايين من الناس مرضى كل يوم لاضطرارهم إلى شرب مياه غير صالحة للشرب. كما أن وفيات الأطفال تكون في أغلب الحالات بسبب ابتلاع مياه غير صحية. وبالإضافة إلى هذا فإن المياه الملوثة يتم إلقاؤها بجانبها الأكبر في البحر، مما يطرح على المناطق الساحلية - وهي عادة المأهولة أكثر بالسكان - تواجه مشكلات خطيرة في مجالي الصحة العامة والمحافظة على موارد صيد الأسماك.
ويمثل تفاقم الكوارث الطبيعية بصفة خاصة مصدر قلق. ووفقا للبيانات التي تلقتها الأمم المتحدة، فإن عدد الكوارث الطبيعية الكبيرة - الأعاصير، الجفاف، الفيضانات، الانهيارات الجليدية، حرائق الغابات، أمواج المدّ، الهزات الأرضية(20) - قد ارتفعت إلى أربعة أضعاف(21) خلال الثلاثين عاما الأخيرة. وبهذه الوتيرة، صار مليونان إضافيان من الناس مهدين بالنزوح كل عام بسبب الكوارث الطبيعية. ومن الآن فصاعدا تظهر فئة جديدة من اللاجئين، "اللاجئون الإيكولوجيون"، وبطبيعة الحال فإنه سيكون على منظومة الأمم المتحدة أن تعكف على دراسة هذه المشكلة خلال السنوات المقبلة.
والحقيقة أن ندرة الموارد الطبيعة، وما يصاحبها من زيادة عدد سكان العالم النامي، يمكن أن يؤديا إلى منافسات ضارية، بل حتى أن يفجرا نزاعات خطيرة، وبصورة خاصة عندما تؤجج العنف عوامل أخرى. كما أن العمل اليوم على حماية البيئة يعنى أيضا الاستثمار في مستقبل الديمقراطية. وعلى العكس، إذا استمر التدهور المفرط لكوكبنا فإننا يمكن أن نشهد، عاجلا أو آجلا، قيام نظم سلطوية أو حتى نظم فاشية جديدة بفرض سياسات بيئية تعسفية(22).
في سبيل المسئولية تجاه المستقبل
الاحتياط واجب. الاحتياط في مواجهة المشكلات البيئية اليوم، وأيضا الاحتياط في مواجهة المشكلات التي يحتمل أن تظهر غدا. والحقيقة أن الاضطرابات التي شهدناها منذ بداية القرن العشرين تمنحنا قدرا من عدم اليقين الذي يميز مستقبلنا، ومن ضخامة التغيرات التي سيكون علينا أن نواجهها بطبيعة الحال. وكما يلاحظ فرانسوا إوالد François Ewald، فإن مبدأ الاحتياط "ينم عن علاقة مضطربة بالعلم الذي يجذبنا ليس بالثقة التي يجلبها بل بالظنون والشكوك التي يمكن أن يثيرها حول ما نعرف وما لا نعرف على السواء"(23).
ومن الآن فصاعدا، سيكون على مبدأ الاحتياط، الذي كرسته قمة الأرض المنعقدة في ريو دي جانيرو في 1992، أن يوجه السياسات الدولية والقومية، بل أيضا سلوك المجتمع والقطاع الخاص. لأننا إن لم نعمل في "الوقت المناسب"، فإن الأجيال المقبلة لن يكون لديها مطلقا وقت لكي تعمل: إن هذه الأجيال تخاطر بأن تكون سجينة عمليات خرجت عن السيطرة. وإذا تغلبت المصالح الاقتصادية القصيرة الأجل على الصرامة العلمية وعلى الاعتبارات الإيكولوجية، فإنه سيكون من المستحيل تحقيق هدف تنمية مستديمة. ويجب أن ندرك أننا كلنا معا في نفس القارب: أولئك الذين وُلدوا فعلا، أينما كانوا، وأولئك الذين سيولدون. ويجب أن نوحد قوانا، قوى الحكومات والمجتمعات العلمية والتكنولوجية والقطاع العام والقطاع الخاص، لكي نواجه مستقبلنا المشترك. مستقبل سيكون، كما ينبغي أن نأمل، متسما بروح الاقتسام بصورة أفضل مما كان في الماضي(24). وكلما زادت سرعة التغير، صار من الصعب أكثر فأكثر أن يتم بدقة تعريف المستويات "المقبولة" للمخاطرة، مما يعني أنه ينبغي أن ندير البيئة انطلاقا من فرضيات وليس من حقائق يقينية. وباختصار، فإن القرن الجديد لا يترك لنا الخيار: ينبغي أن نعرف كيف نعد لما لا يمكن التنبؤ به. ومن هنا نقدر ضرورة إعادة النظر في إشكالية البيئة وإعادة تعريفها في القرن الجديد. وإلى الآن، أعطيت الأولوية لمعالجة "التدفقات" (التلوث أو استغلال الموارد)؛ وسيكون على القرن المقبل أن يولى اهتماما أكبر كثيرا لإدارة "الأرصدة" وتجديدها، الأمر الذي سوف يتطلب في آن معا جهدا لمنع الظواهر غير القابلة للإصلاح وإعادة تأهيل البيئات المتدهورة.
نحو عودة الكوارث الكبرى؟
وصف المؤتمر الوزاري لمجموعة الثمانية - البلدان السبعة الأكثر تصنيعا والاتحاد الروسي - بشان البيئة، المنعقد في ليدز كاسل بالمملكة المتحدة، في 5 نيسان/ إبريل 1998، الاختلال المناخي بأنه "الخطر الأكبر على التنمية المستديمة في العالم والصحة العامة والازدهار المستقبلي". والواقع، أن الدلائل ليست مشجعة كثيرا. وبدا أن عام 1997-1998، الذي كان مأساويا بصورة خاصة من هذه الناحية، ينذر بعودة الكوارث الكبرى. وقد شهد العام الأكثر حرارة في تاريخ الأرصاد الجوية هذه الكوارث تتضاعف: الحرائق والجفافات المتواصلة في إندونيسيا وفي جنوب شرق آسيا وفي جنوب المحيط الهادي؛ تباطؤ الرياح الموسمية؛ اندلاع حرائق في شمال غابات الأمازون (حيث هطلت الأمطار بمعدل يصل إلى خمسة أضعاف المعدل المعتاد)؛ خروج 11000 حريق عن كل سيطرة في المكسيك؛ فيضانات وانزلاقات أرضية، تصدعات وظهور بحيرات شاسعة مصطنعة في بيرو والإكوادور وكولومبيا وتشيلى والأرجنتين؛ الجفاف الذي يعاود ضرب القارة الأفريقية من غربها إلى شرقها. ويبدو أن عام 1998-1999، بدلا من أن يكون بمثابة فترة لالتقاط الأنفاس، يعيد إنتاج هذه الاضطرابات ويضخمها: الفيضانات في الصين وكوريا واليابان وبنجلاديش؛ وإعصار "ميتش" في أمريكا الوسطى؛ والشتاء المعتدل بصورة غير طبيعية في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ وحرائق الغابات التي ألحقت الأضرار باليونان وإيطاليا في صيف 1998.
والمجتمع العلمي منقسم على نفسه في تفسير هذا التفاقم "للحوادث" المناخية. ولكن هل يمكن أن نعتصم إلى ما لا نهاية بمحاولة إثبات أن هذه الأحداث استثنائية؟ وهل يمكننا أن نستمر في الحديث عن أحداث "خارجة عن المألوف" حين تتكرر لدرجة أن تصير القاعدة؟ إن لدينا تحالفات عسكرية على مستوى الأقاليم الفرعية مزودة بوسائل تقنية ضخمة لمواجهة أعداء محتملين، ولكن ماذا فعلنا لمواجهة الأخطار البيئية العديدة؟ وعندما تحترق الغابات، وعندما تتضاعف الأعاصير والكوارث الطبيعية التي لها نتائج مأساوية على السكان، فأين تحالفات الأقاليم الفرعية لمواجهة كل هذا؟ أين الطائرات والوسائل التقنية المعقدة لاكتشاف الأخطار أو تفادي الكوارث أو الحد من تأثيرها؟ إن الأمر واضح تماما: لقد أعددنا منذ قرون، للحرب، وليس لتحسين البيئة، ولتجنب تحات البيئة، والحد من تأثير ظواهر مثل الهزات الأرضية والفيضانات والحرائق. ونحن لا نستطيع أن نواجه هذه المخاطر اعتمادا على المحاكم التي تصدر أحكامها بعد أن تقع الوقائع، بل اعتمادا على التدابير الوقائية التي يمكنها وحدها أن تتيح بصورة فعالة توجيه مثل هذه الأسئلة البالغة الأهمية من أجل مستقبلنا المشترك.
المصدر:
“L année de toutes les catastrophes”, Le Monde, 6 août 1998 --;-- Federico Mayor, allocution à l ouverture de la Conférence intergouvernementale sur les politiques culturelles pour le développement, Stockholm, mars 1998.
وأكثر من أي وقت مضى، فإن الحكم سوف يعنى اليقظة. غير أن هذا الدور الخاص بالرصد لا يمكن أن تحتكره السلطات العامة أو الخاصة وحدها. ولا مناص من أن يعهد بهذا الدور شيئا فشيئا إلى المواطنين أنفسهم إذا كانوا راغبين في أن لا يفقدوا الرقابة على الديمقراطية - وسيكون عليهم أن يوطدوا هذه اليقظة على نطاق الكوكب.
ويدعو مبدأ الاحتياط، مطبقا على التكنولوجيات الجديدة، أعلى قدر من اليقظة. وإذا كانت التكنولوجيات الجديدة تقدم في كثير من الأحيان آفاقا مبشرة بالتنمية المستديمة، إلا أنها يمكن أيضا أن تؤدي إلى توالد جديد للمخاطر. وعلى الصعيد العالمي، يسير التقدم التقني في اتجاه أدنى استخدام للموارد لكل وحدة يتم إنتاجها. غير أنه يقترن أيضا بتنويع و"تعقيد" للمخاطر: على سبيل المثال، يطرح للبيع أكثر من ألف منتج كيميائي جديد كل عام. فأي بلد لديه الوقت والإرادة لفحص هذه المنتجات؟ ويفرض الاحتياط نفسه لأن من المستحيل في كثير من الأحيان التكهن بالآثار الطويلة الأجل لبعض التجديدات في المجال الصناعي. وبالإضافة إلى هذا، فإن احتمال التوافق السريع للعرض مع الطلب، في مجال البيئة، ليس سوى وهم. وتنتمي الإيكولوجيا إلى عالم النظم البطيئة. وعلى سبيل المثال، أمكن مؤخرا اكتشاف ارتفاع في معدل الزئبق في البحيرات السويدية، بعد 25 عاما من حظر استعماله في صناعة المنتجات الورقية(25).
النتائج ما تزال مخففة
منذ جيل واحد، أثبتت جهود المجتمع الدولي فائدتها في بعض الأحيان، وبصورة خاصة حين توقعت نشوء ظواهر لا تظهر آثارها الضارة بصورة لا تقبل الجدل إلا الآن - الأمر الذي يثبت الدور الذي صار أساسيا أكثر من أي وقت مضى للنظرة المستقبلية في السياسات القومية والدولية. وبطبيعة الحال فإن الإجراءات التي اتخذت لصالح حماية طبقة الأوزون مثال جيد على هذا. وعلى سبيل المثال، فإن اتفاقية ﭭ-;---;--يينا بشأن حماية طبقة الأوزون، التي وقعها 150 بلد في 1985 والتي تم استكمالها، في 1987، ببروتوكول مونتريال بشأن المواد التي تستنفد طبقة الأوزون، كانت لها نتائج حاسمة بصورة محددة. فلأول مرة، حصلت الأمم المتحدة على تعهدات محددة بالأرقام لحماية البيئة. ووفقا لتقديرات 1995، انخفضت انبعاثات غازات الكلوروفلوروكربون بنسبة 76% عن حدها الأقصى في 1988(26). وكان بروتوكول مونتريال يتوقع أن يتوقف إنتاج الكلوروفلوروكربون تماما في 1996 في البلدان الصناعية، ومن الآن وحتى 2010 فى البلدان النامية. وقد أوضح 58 بلدا ناميا أنها يمكن أن تكون مستعدة قبل هذا الموعد. ويبدو لنا أن هذه المبادرة التي قدمت فيها البلدان الصناعية القدوة كانت نموذجية.
وبطبيعة الحال فإن الفوز في المعركة ما زال بعيد المنال. وتبين الملاحظات الأخيرة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تدهور طبقة الأوزون فوق المنطقة القطبية الجنوبية لم يكن بهذه الشدة في يوم من الأيام، وأن ثقب الأوزون كان مماثلا في أيلول/ سبتمبر 1998 لمساحة تساوى مساحة أوروبا مرتين ونصف(27). غير أنه بفضل الجهود المبذولة، يتنبأ الخبراء بأن تدابير الحد من استعمال مركبات الكلوروفلوروكربون ستبدأ تؤتي ثمارها ابتداء من 2004، وبأنه، إذا روعيت أحكام البروتوكولات الدولية، يمكن أن تقوم طبقة الأوزون بإعادة تكوين نفسها بصورة كاملة من الآن وحتى عام 2050(28).
وبالمقابل، فإن الاتفاقيات الأربع الخاصة بالتنوع الأحيائي، وبالتغيرات المناخية، وبالنضال ضد التصحر، وبقانون البحار، قلما تم تطبيقها وبالتالي لم تثبت فعاليتها إلى الآن. ويمكن أن نستدعي، على سبيل الذكرى فقط، إعلان المبادئ بشأن الغابات الذي ليس له أي طابع ملزم. غير أن عقد اتفاقيات كبرى بشأن البيئة الكوكبية كان له، مع ذلك، الفضل في جمع شمل بلدان الشمال وبلدان الجنوب لتبدأ التصدي معا للمشكلات البيئية. والآن وقد تم وضع إطار قانوني دولي أول لتوفير حماية عالمية للبيئة، ينبغي أن نعمل على أن تتم ترجمة الكلمات في المستقبل إلى أفعال وعلى أن تتيح المعاهدات حل المشكلات بدلا من التهرب منها.
والواقع أن التعهدات التي التزم بها المجتمع الدولي في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن البيئة والتنمية الذي تم تنظيمه في ريو في 1992 لم تكن لها، إلى الآن، نتائج ملموسة؛ وعلى أرض الواقع، استمر الوضع في التدهور. فمنذ 1992، زادت الانبعاثات السنوية من غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع 100 مليون طن. وفيما يتعلق بالانبعاثات الكلية لغازات الدفيئة فقد زادت، منذ 1990، بواقع 17% في الولايات المتحدة و20% في البرازيل و27% في الصين و28% في الهند و40% في إندونيسيا، وزادت منذ عام 1992، بواقع 8% في اليابان(29). ويقدر تقرير للإدارة الأمريكية بشأن الطاقة أن الانبعاثات السنوية من غاز الكربون سترتفع في الولايات المتحدة، بالمقارنة بمستواها في 1990، بواقع 34% في 2010 و40% في 2015 و45% في 2020(30). وحتى الآن، قامت ستة بلدان فقط بفرض "ضرائب إيكولوجية" لكبح جماح إزالة الغابات وسوء استخدام المياه والطاقة والنشاطات التعدينية الضارة بالبيئة. ومنذ 1992، اختفى 86 مليون هكتار من الغابات على نطاق العالم، واختفى معها عدة آلاف من الأنواع الأحيائية(31).
وعلاوة على هذا، فإن التعهدات الخاصة بالمساعدات العامة للتنمية، التي كان يفترض، وفق شروط التعهدات التي أقرها المجتمع الدولي والبلدان الصناعية نفسها، أن تصل إلى 0.7% من الناتج القومي الإجمالي بالنسبة لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم يتم الوفاء بها: هبطت هذه المساعدة الآن إلى 0.22% من متوسط الناتج القومي الإجمالي لتلك البلدان. وارتفع الدين الخارجي للبلدان النامية من 1662 مليار دولار في 1992 إلى 2000 مليار دولار في 1997(32). وكما أكد جيمس وولفنسون، رئيس البنك الدولي، لم يتحقق أي تقدم في مجال تحسين نوعية حياة 3 مليارات من الناس الذين مازالوا يعيشون على أقل من دولارين في اليوم(33). فكيف يتسنى لهم، وهم يكابدون بؤسهم، أن لا ينظروا إلى حماية البيئة على أنها ترف صعب المنال؟ وكيف يتسنى لهم، وهم يعيشون حياة الكفاف، أن لا يضحوا برفاهية الأجيال المقبلة؟ لكن كيف يتسنى لهم، وهم أغنياء، أن ينظروا إلى حماية البيئة كترف صعب المنال؟ وكيف يتسنى لهم أن يعيشوا حياة الثراء الدائم وأن يضحوا، وهم يعلمون، برفاهية الأجيال المقبلة؟
وإذا كان هذا في الواقع بمثابة فضيحة، فإن هذا لأننا نعرف اليوم أننا نهدد بقاء المحيط الأحيائي للأرض وبقاء الأجيال القادمة، على خلاف أسلافنا الذين تصرفوا وهم على جهل تام بعواقب أفعالهم. ويتمثل قصور السياسات الحالية في واقع أنها لم تعد مقبولة لأنه لم يعد لديها عذر الجهل والشك.
دعونا لا نخدع أنفسنا: إن قمة ريو لم تؤد، من حيث الأفعال، إلى إنجازات مهمة. وقد عبرت الوثيقة النهائية التي اعتمدتها الجمعية العامة في دورتها غير العادية في ختام قمة "ريو+5" المنعقدة في نيويورك، في حزيران/ يونيه 1997 عن "قلقها العميق"، وأكدت أن "محصلة الاحتمالات والتوقعات الحالية أكثر قتامة عما كانت عليه في 1992". أما قمة كيوتو بشأن دفء المناخ التي ضمت 159 دولة، في كانون الأول/ ديسمبر 1997، فقد انتهت إلى اعتماد بروتوكول يطالب بخفض انبعاثات غازات الدفيئة من الآن وحتى عام 2012 (بواقع 5.2% في المتوسط للبلدان الصناعية قياسا على عام 1990). وعلى كل حال فإنه، منذ ذلك الوقت، لم يصدق عليه بصورة رئيسية سوى دول جزرية صغيرة، ولم تتح المناقشات التي دارت في بون بين 1200 مندوب من 150 بلد التوصل إلى اتفاق بشأن طرق تطبيق البروتوكول. أما مؤتمر بوينس آيرس بشأن تغيرات المناخ، الذي كان عليه أن يجعل تنفيذ تعهدات كيوتو أعمالا ملموسة، فقد انتهى دون أي تعهد ملموس.
كما أن قمة كيوتو لم تتح تحديد تعهدات دقيقة تجاه البلدان النامية، مع أن احتياجاتها من الطاقة سوف تشهد أعلى ارتفاع لها في السنوات القادمة. واليوم، يتم انبعاث حوالي ثلثي الحجم الكلي لغازات الدفيئة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، غير أنه من الآن وحتى عام 2025، سيتم انبعاثها بجانبها الأكبر في البلدان النامية. وعلى سبيل المثال، أشار كريستيان برودهاج Christian Brodhag، حين كان رئيسا للمجلس الفرنسي للتنمية المستديمة، إلى أن "الصين، على سبيل المثال، تشيد اليوم بنيتها الأساسية الثقيلة التي سوف تحدد الصورة العامة للاستهلاك وبالتالي للتلوث على مدى خمسين عاما"(34).
وعلاوة على هذا، فإن لنا أن نخشى أن يؤدي التوسع في تربية الماشية وفى الزراعة الكثيفة إلى المزيد من انبعاثات غاز الميثان وإلى مزيد من إزالة الغابات في الجنوب - على حين أن الغابات تتزايد حاليا في الشمال. والواقع أن الحاجات الغذائية يمكن أن تصل، في 2020، إلى ضعف ما تنتجه الأرض اليوم. ونظرا لأن مشكلات الغد موجودة بصورة جنينية اليوم، فقد طرحت البرازيل في كيوتو حلا مبتكرا جدا وواعدا جدا كإمكانية: إنشاء صندوق أخضر يموله نظام غرامات تدفعها تلك الدول التي لا تفي بتعهدات بروتوكول كيوتو. ويمكن أن يتيح هذا الصندوق تمويل مشروعات في البلدان النامية وبالتالي تيسير نقل التكنولوجيات المقتصدة للطاقة، مع بدء حوار بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب(35). فدعونا نأمل أن يتم سريعا ترجمة هذا الاقتراح إلى أفعال.
ورغم التقدم المحدود الذي تم تحقيقه منذ إعداد برنامج جدول أعمال 21 Agenda 21 المعتمد في قمة ريو في 1992، وخطة العمل الخاصة به، إلا أنهما تظلان أداتين مرجعيتين أساسيتين يمكن انطلاقا منهما تحقيق التقدم نحو هدف التنمية المستديمة إذا كفت الإرادة السياسية عن الغياب. غير أنه لا مناص من أن تقوم إنجازات الأعوام القليلة المقبلة على تدابير محددة وعلى مسئولية متزايدة نحو الأجيال القادمة. ويمكن أن يلعب العلماء دورا حاسما: إن عليهم أن يجعلوا أبحاثهم واكتشافاتهم ومعارفهم في متناول المجتمع المدني بحيث يمكن لهذا المجتمع أن يمارس تأثيرا أكبر على القرارات السياسية. وسرعان ما سيكون من الضروري وضع قرارات ريو وكيوتو موضع التنفيذ؛ غير أنه سوف ينبغي بصورة خاصة الذهاب أبعد كثيرا من الآن وعلى مدى السنوات العشر القادمة إذا أردنا حقا ألا نعرض للخطر ممارسة الأجيال القادمة لحرياتهم وحقوقهم. ولا يمكن أن نقلل بهذا الصدد من شأن المجموعة البالغة الثراء من القوانين والنظم التي أصدرها عدد كبير من الدول أو مجموعات الدول، والتي تشكل اليوم أساس سياسات البيئة. وللذهاب أبعد وأسرع ينبغي دعم البرلمانيين والعمد والمدارس والشباب ووسائل الإعلام، أي كل أولئك الذين، بدلا من الترحيب بحروب لا يمكن تفاديها، يريدون مواجهة تحديات المستقبل التي لا يمكن الالتفاف حولها.
دور القطاع الخاص
هنا يجب أن تحدد الدولة الديمقراطية الاتجاه والإطار وأن تضع قواعد اللعبة، عن طريق التوقع، والتشريع، والتنظيم، وتطبيق القوانين واللوائح، وبصورة خاصة عن طريق فرض الضرائب. غير أنها لا يمكن أن تعمل بمفردها. وبدون مساعدة أو مشاركة القطاع الخاص، لا يمكن لأي إجراء لحماية البيئة، أو يهدف إلى دمجها بصورة أفضل في التنمية، أن يكون له تأثير مستديم. ونظرا لأن الأضرار التي يتم إلحاقها بالطبيعة مرتبطة بصورة رئيسية بالنشاط الاقتصادي، فإن من الضروري توعية أصحاب المشروعات بقضايا البيئة. ويمكن أن تعتمد الحكومات تدابير لمنح حوافز، من خلال الضرائب والإعانات المالية. ونظرا لأن المشروعات التجارية تخضع لمنطق الربح، "تقع على عاتق الحكومات مسئولية ضمان أن [تكون] الاستثمارات أكثر ربحية من الاستثمارات القابلة للبقاء إيكولوجيا"(36).
وحتى من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، فإنه ليس من المؤكد أن هناك ما يمكن كسبه من التلويث. ووفقا للصندوق العالمي بشأن الطبيعة، يمكن للولايات المتحدة، عن طريق خفض انبعاثاتها من الغاز الكربوني بنسبة 21% من الآن وحتى عام 2010، أن تحقق وفورات قيمتها 136 مليار دولار في مجال الطاقة(37). ومن الممكن تحقيق وفورات كبيرة عن طريق اعتماد حلول سليمة إيكولوجيا في النقل والإسكان والزراعة. ومن ناحية أخرى، فإن فاتورة الكوارث الطبيعية أعلى تكلفة من أن يبدأ بعض الفاعلين الاقتصاديين والماليين القياديين في أن يشغلوا أنفسهم في المحل الأول بالقضايا البيئية. وفى خلال عقد الثمانينيات، دفعت شركات التأمين بالفعل، على المستوى العالمي، نحو 17 مليار دولار للتعويض عن الأضرار المرتبطة بالكوارث الطبيعية. ومن 1990 إلى 1996، انفجرت الأرقام لتصل إلى 60 مليار دولار. وفى تموز/ يوليه 1996، شاركت 60 شركة تأمين في اجتماع عقد في جنيف للدول الموقعة على الاتفاقية بشأن تغير المناخ. واعتمدت هذه الشركات إعلانا يناشد الحكومات أن تخفض بصورة كبيرة انبعاثاتها من غازات الدفيئة.
وهناك بالفعل ما يدل على وجود بعض العلامات المشجعة. ففي كافة الميادين من تربية الأسماك إلى الطاقة الشمسية، يتم إنشاء مشروعات جديدة تهتم بالتنمية القابلة للبقاء. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن السوق العالمية للسلع والخدمات المرتبطة بالبيئة، التي تمثل نحو 200 مليار دولار في 1990، من المحتمل أن تزيد بنسبة 50% من الآن وحتى عام 2000. وعلى هذا فإن حماية البيئة صارت صناعة حقيقية تشهد الآن معدلات نمو تعد بين أسرع معدلات النمو في العالم وتنتشر الآن أيضا في البلدان النامية. وربما كان النجاح التجاري للسلع والخدمات "الخضراء" منسجما مع بداية وعى حقيقي داخل الرأي العام لا مناص من أن تتوافق معه، في النهاية، كافة المشروعات. ولا مناص من أن تضع العلامات التجارية، الحريصة على صورتها، في اعتبارها المستهلك الذي يعلق الآن أهمية أكثر بوضوح من أي وقت مضى على احترام الطبيعة. وفيما مضى كان ينظر إلى الاهتمام بالبيئة على أنه "وهم خالص بالقياس إلى العالم الواقعى للأعمال"؛ وربما كان يصير اليوم "محرك الثورة الصناعية القادمة"(38). وعلى كل حال، يفرض نفسه في هذا المجال شيء من الحكمة، الحكمة التي تقوم على الصرامة العلمية، إلى الحد الذي تكون فيه المنتجات "الخضراء" بصورة خاصة بطاقة تجارية تساعد على بيع السلعة.
ويرى إرنست أولريش فون ڤ-;---;--ايتسكر Ernst Ulrich von Weizä-;---;--cker أن التحدي الذي يواجه المجتمعات الراهنة يتمثل في السيطرة على التقدم التكنولوجي عندما نأخذ في الاعتبار الأهمية الإستراتيجية للموارد الطبيعية، التي صارت عوامل إنتاج أساسية في نفس أهمية - بل أكثر أهمية من - قوة العمل(39). وهو يستنتج أنه سيكون علينا من الآن فصاعدا أن نركز جهودنا على زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية. وفي الوقت الحالي، فإنه لإنتاج 100 دولار من الدخل في البلدان المتقدمة يتم استخدام حوالي 300 كيلوجرام من الموارد الطبيعية(40). ويرى جاك تيس Jacques Theys، رئيس مركز الأبحاث المستقبلية والمراقبة العلمية في وزارة الأشغال العامة والنقل والإسكان الفرنسية، أن تطور مجتمعاتنا نحو أنشطة الخدمات والمعلومات يمكن أن يقلل من هذه النسبة وأن ييسر تطوير إعادة التدوير. وبالتالي فإنه سوف يكون من الممكن الاستجابة للاهتمام المزدوج الماثل في مصدر التنمية المستديمة: دوام أو تجدد الموارد الطبيعية، ورفاهية السكان، الحاليين أو القادمين، الذين يعيشون، أو سيعيشون، على هذه الموارد.
غير أن من المحتمل أن تصطدم طرق الإنتاج الأكثر صداقة مع البيئة، بكل سرعة مع حقائق المنافسة: مخاطر الإغراق الإيكولوجي والحواجز التقنية أمام التبادلات. وإلى جانب هذا، سوف ينبغي أن نتعلم الجمع بين التنظيم التجاري والعمل العام، خصوصا عن طريق تشجيع التعاون الدولي لصالح البلدان الأكثر فقرا. وفي أغلب الأحيان، يكون الإعلان والبيع هما البعدان المرئيان الوحيدان للسوق، على حين أن إنتاج السلع يكفله في البلدان النامية عمال خاضعون لشروط عمل شاقة جدا مقابل مرتبات زهيدة. وفى المستقبل، لن يعود من الضروري أن يحدث تطبيق قوانين السوق بعدم المبالاة إزاء التفاوتات القائمة وإزاء التفاوتات المتزايدة التي يقود إليها. ولن يكون بوسع التمفصل بين التنظيم بالسوق والتنظيم بالدولة والقطاع العام أن يؤتي ثماره إلا بشرط إيلاء الأولوية للحلول الطويلة الأجل: وقف الإعانات المالية الممنوحة للأنشطة الملوِّثة مع الحد في الوقت نفسه من دوافع التبديد، وتحديد معايير أكثر صرامة للتلوث، وتنمية "صناعات عديمة الانبعاثات" تقوم على الاستخدام الذكي للنفايات، وعلى الإجراءات الوقائية، وعلى سياسات معلوماتية وتعليمية أكثر منهجية، وعلى إستراتيجيات "الربح المزدوج" القائمة على سياسات مالية ملائمة للتوظيف والبيئة في آن معا(قررت الحكومة الألمانية برئاسة جيرهارد شرودر Gerhard Schrö-;-der مؤخرا خفض الضرائب على الأجور بنسبة 2.4% وزيادة الضرائب على الطاقة بقيمة مماثلة؛ مقال ليستر براون وكريستوفر فلافن، انظر: Lester Brown et Christopher Flavin, “It’s getting late to switch to a viable economy”, International Herald Tribune, 19/01/99. ).
التوظيف الإيكولوجي: اقتصاد أكثر خضرة؟
في المملكة المتحدة، قدمت رابطة أصدقاء الأرض لأعضاء البرلمان دراسة غنية بالمعلومات بصورة خاصة. ويستفاد من هذه الدراسة أنه يمكن خلق أكثر من 700000 وظيفة من الآن وحتى عام 2010، إذا اختارت إنجلترا اقتصادا أكثر "خضرة". إن نوعية حياة مواطنيها يمكن أن تتحول نتيجة لذلك. ويقدر مُعدو الدراسة أنه يمكن توفير أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني من مخصصات إعانة البطالة عن طريق تمويل "تخضير" الصناعة والنقل والزراعة. وفيما يخص وسائل النقل، يعطى معدو الدراسة الأولوية للسكك الحديدية على الطرق. وقطاع آخر يمكن أن يوفر وظائف: قطاع الطاقة، شريطة أن يتم تعزيز الطاقات المتجددة وتطبيق سياسة لتوفير الطاقة على نطاق واسع. وأخيرا فإن إعادة تدوير المياه والزراعة الحيوية، وتطوير واعتماد طرق جديدة لتنظيف الأراضي والمياه الملوثة هي أيضا قطاعات واعدة كإمكانيات كامنة. وتبين دراسة أخرى أجراها معهد أبحاث السياسة العامة أنه يمكن لسياسة مالية تفرض عقوبات على الأنشطة الضارة بالبيئة أن تيسر تحرير10 مليارات جنيه إسترليني في السنة. كما أنه عن طريق استخدام صناديق نقدية ناشئة بهذه الطريقة، من أجل خفض المساهمات الاجتماعية التي يدفعها أصحاب العمل، يمكن خلق حوالي 250000 وظيفة جديدة. ويرى إيان كريستي Ian Christie، الباحث بمعهد دراسات السياسات العامة، أن رجال الصناعة لن "يتحولوا إلى الخضرة" إلا إذا فرضت السلطات العامة معايير أكثر صارمة للتلوث محولة عبء الضريبة من الدخل إلى الموارد. وفي تقديره أنه "من المؤكد، في الأجل القصير، أنه سيكون هناك خاسرون. غير أننا، إذا سارت الأمور سيرا حسنا، سوف نخلق وظائف وسوف ندخر الطاقة ونجعل الحياة في بلادنا أكثر بهجة".
وفي إطار التوظيف الإيكولوجي، تهدف كراسي اليونسكو للتقنية الإيكولوجية إلى تدريب فنيين بيئيين في جميع المستويات. والهدف من هذه الكراسي هو إيجاد تكامل بين الأنشطة البشرية والعمليات البيئية، وتطوير شبكة أكاديمية دولية متعددة فروع المعارف لتدريب صناع القرار الذين سوف يديرون موارد الكوكب بمنظور طويل الأجل لصالح الأجيال المقبلة.
المصادر:
Polly Ghazi, The Observer, Londres, in Courrier international, n° 227, 9-15/3/1995. Nicholas Schoon, The Independent, Londres, in Courrier international, n° 341, 15-21 mai 1997.
دور اليونسكو
تبرز حماية البيئة في صدارة مهام اليونسكو، التي لعبت دورا رائدا في هذا المجال منذ إنشائها في نهاية الحرب العالمية الثانية. فمنذ 1947، اقترحت اليونسكو إنشاء معهد دولي لغابات الأمازون. ومن المؤسف أن هذا المشروع الذي كان سابقا على زمنه في ذلك الحين جرى التخلي عنه؛ واليوم، يتفق كل العالم على القول بأن مستقبل الغابات الاستوائية رهان رئيسي لمستقبل الكوكب. وفى 1951، بدأت اليونسكو مشروعا دوليا لأبحاث المناطق المجدبة. وهنا أيضا، يتميز عمل اليونسكو بمحاولة إدراج المحافظة على البيئة في إطار تصور أوسع للعلاقات بين المجتمع البشرى، ونظامه الإيكولوجي، والحلول التي يقدمها العلم، والنظم الاجتماعية. والواقع، كما يقول ميشيل باتيس Michel Batisse، أن "تدهور البيئة ليس سوى الوجه الآخر المهمل طويلا جدا لتنمية ناقصة التصميم، ولتنمية ليست ’مستديمة‘، ولسوء تنمية". ومن جانب آخر، حيا إعلان ريو في حزيران/ يونيه 1992 بصورة غير مباشرة فلسفة اليونسكو ونظرتها المستقبلية، حيث كانت تنادي، منذ عقدين، وفى ظل العزلة التي كانت قائمة في ذلك الوقت، بتنمية متمحورة حول الإنسان: يؤكد هذا الإعلان، في مبدئه الأول، أن "البشر هم محور اهتمامات التنمية المستديمة".
والواقع أنه لا يكفى للنضال ضد تدهور البيئة، الرهان على حلول علمية أو تكنولوجية على وجه الحصر. وينبغي أيضا أن تؤخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن أيضا الخيارات السياسية التي تؤثر على البيئة. والحقيقة أن تدهور البيئة، والإحجام السياسي عن مواجهة أساليب الإنتاج والاستهلاك المدمِّرة إيكولوجيا، وموقف التهاون إزاء اقتصاد نهب للموارد الطبيعية وتلوث متسارع، تترابط جميعا بصورة وثيقة: يعد هذا الإحجام وعدم التدخل هما المسئولان الأولان، بالمعنى السياسي، للكارثة الإيكولوجية الطويلة الأجل التي بدأنا نلاحظ اليوم بداياتها. غير أن تدهور البيئة والفقر مترابطان أيضا ارتباطا وثيقا: الفقر هو أخطر أنواع التلوث، كما كانت إنديرا غاندي In--dir--a Gandhi(41) تقول. وفى قمة "ريو+5" التي عقدت في نيويورك عام 1997، استرعى رازالى إسماعيل Razali Ismail، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة حينذاك، النظر إلى الارتباط الذي لا ينفصم بين حماية البيئة والنضال ضد الفقر، وذلك في سياق تعبيره عن أسفه على أن مساعدة التنمية المستديمة قد انخفضت من 55 مليار دولار إلى 50 مليار دولار منذ عام 1992. فهل بوسع البلدان الصناعية أن تبرر الخفض في مساعدة التنمية بالاستناد بصورة مبررة إلى صعوبات الميزانيات على حين يصل المبلغ الذي تخصصه هذه البلدان للأبحاث والتطوير في مجال الأسلحة في المتوسط إلى 150 مليار دولار؟
وقد أعلنت الإدارة الأمريكية في أوائل عام 1999 اعتزامها زيادة الاعتمادات المخصصة للدفاع خلال الأعوام الستة اللاحقة بأكثر من 100 مليار دولار. فمن الذي يحتاج إلى دفاع؟ وضد من؟ والواقع أن الزيادات الأخيرة في ميزانيات الأبحاث العسكرية في عدد من البلدان الصناعية مقلقة جدا. وأنا أعتقد، للأسف، أن البلدان "المتقدمة"، لم تغير من اتجاهها بصورة حقيقية إلى الآن. ومازلنا نعيش في ثقافة حرب ودفاع، في وقت يجب علينا فيه أن ننتقل نحو ثقافة وقاية وتوقع وعمل متمحورة حول المشكلات الأكثر إلحاحا في عصرنا. إننا مازلنا نستثمر - وهذه هي ترجمة الاقتصاد والموازنة للإرادة السياسية - في الحرب، في الطائرات المقاتلة، في الغواصات، ولكن أين الاستثمارات اللازمة لتنفيذ برنامج جدول أعمال 21؟
وعندما نشرع في عمل، فهل هذا حقا من أجل الأسباب الأكثر أهمية؟ وهل من الطبيعي أن نركز جهودنا على حظر تجارة العاج في وقت لا تكف فيه مداخن المصانع الملوثة عن أن تبعث إلى السماء رسالة افتقارنا إلى التضامن؟ ومن السهل أن نطالب بحماس بحماية الأنواع المهددة بالانقراض ونحن نعيش في نيويورك أو باريس! وحتى إذا كانت الرغبة في حماية الأفيال تستحق الثناء، فلا مناص من أن نسجل اليوم أن أعداد الأفيال تغدو من الآن بالغة الوفرة في بلدان مثل زيمبابوي أو بوتسوانا وتثير مشكلات خطيرة تتعلق بتوازن النظم الإيكولوجية. فلنضع حدّاً للغطرسة العلمية في الشمال ولنعمل سويا مع المجتمعات العلمية الممتازة في الجنوب، ليس فقط لمنع انقراض الأنواع المحمية بل، وعلى وجه أخص، لتجنب أي عمل يمكن أن ينال من ميراثنا الأكثر قيمة، الكائن البشرى.
إننا، بإغلاق أعيننا عن الحرمان الهائل لعدد متزايد دوما من الرجال والنساء والأطفال الذين يتعين عليهم أن يعانوا بؤس الجنوب، نصير شركاء في جريمة تدمير الموارد الذي يكونون مجبرين عليه من أجل البقاء أو الذي يقود إليه الانتشار الواسع للتجمعات اللاإنسانية التي تعمد السلطات العامة أكثر فأكثر إلى تركها وشأنها. ونحن، بتجاهلنا لقوانين العالم الطبيعي والكيميائي والبيولوجي الذي يحيط بنا، نصير غرباء داخل ديارنا نفسها وندمر، نادرا بحكم الضرورة، وفي كثير من الأحيان بحكم الجهل أو الجشع، مصادر عيشنا وبقائنا ورفاهيتنا. ونحن، إذ نتسبب في تدهورات لا سبيل لإصلاحها للبيئة وفي تبديد الميراث الذي ورثته لنا الطبيعة، إنما نرهن موارد الأجيال المقبلة ونستخف بحقوقها(43).
كما أن اليونسكو، من خلال برنامج أبحاثها عن الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض، والذي تم طرحه في 1968، تسعى على وجه التحديد إلى التوصل إلى توازن مستديم بين ضرورة الحفاظ على التنوع الأحيائي وضرورة دعم التنمية الاقتصادية وضرورة صون القيم الثقافية. ولتحقيق هذا الهدف، تم إنشاء موائل المحيط الأحيائي للأرض ابتداء من عام 1974 بثلاث وظائف متكاملة: وظيفة للمحافظة، للحفاظ على الموارد الوراثية والأنواع والنظم الإيكولوجية والمناظر الطبيعية؛ ووظيفة للتنمية، لتشجيع تنمية اقتصادية مستديمة؛ ووظيفة للدعم اللوجيستي، لتعزيز أنشطة البحث والتعليم والتدريب والإشراف المستمر، ولدعم أنشطة التنمية المستديمة على المستوى المحلى والقومي والعالمي. ويمكن أن تساهم موائل المحيط الأحيائي للأرض في تطبيق وثائق دولية مثل الاتفاقيات بشأن التنوع الأحيائي والتغيرات المناخية والتصحر، ومثل إعلان المبادئ بشأن الغابات.
وقد أتاحت إستراتيجية صقلية المعتمدة في آذار/ مارس 1995 فرصة لإعادة تعريف دور ومهام موائل المحيط الأحيائي للأرض: إن عليها التوفيق بين البشر والطبيعة وإتاحة إمكانية تعميق معرفتنا بالبيئة الطبيعية، عن طريق برامج للتوعية العامة والمعلومات والتعليم. وعلاوة على هذا، تشكل موائل المحيط الأحيائي ككل شبكة عالمية للتعاون والتبادلات. وقد تركزت الإستراتيجية الجديدة بصورة خاصة على هدف الدمج التام لمختلف الفاعلين الاجتماعيين في عمليات التخطيط واتخاذ القرار في كل ما يمس إدارة واستخدام موائل المحيط الأحيائي للأرض. كما أنها تسعى إلى تشجيع مبادرات القطاع الخاص التي تهدف إلى إقامة المشاريع القابلة للحياة من وجهة النظر البيئية والاجتماعية. وسوف تتيح كل هذه التدابير عقد ميثاق حقيقي بين المجتمع المحلي والمجتمع ككل(43). والحقيقة أن من الجوهري إشراك المجتمعات المحلية من أجل تأمين نجاح مبادرات حماية البيئة: فى پاپوا غينيا الجديدة، على سبيل المثال، حيث تملك المشاعات 90 إلى 97% من الأرض، لا يتجاوز معدل إزالة الغابات سنويا 0.1% على حين أن هذا المعدل يصل في بلدان آسيوية أخرى إلى ما يتراوح بين عشرة أضعاف وعشرين ضعفا(44).
ولا يقتصر دور اليونسكو على أعمال بشأن المحيط الأحيائي للأرض. فالمنظمة تشجع أيضا، عن طريق عملها لصالح التعليم، على تسريع الثورة العلمية والتكنولوجية التي سوف تتيح زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية. وهى تدعم تلك الأنشطة التعليمية الرسمية وغير الرسمية، في كافة المستويات، للجميع وفى أي مرحلة عمرية، التي تهدف إلى حماية البيئة وإلى تأمين التنمية المستديمة. كما أنها تشجع تنمية واستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية(45). وهى تساهم، خصوصا على المستوى العلمي، في المفاوضات بين الحكومات بشأن البيئة (بشأن التغيرات المناخية أو التنوع الأحيائي أو وسائل الكفاح ضد التصحر). كما أنها تعمل، عن طريق برامج المجلس الأوقيانوجرافي لحكومات العالم، على التوصل إلى تقييم علمي لحالة المحيطات والحياة البحرية والبيئات الساحلية، خصوصا عن طريق إنشاء نظام عالمي لمراقبة المحيطات. وهى تشارك في تقييم الموارد القومية للمياه العذبة وفى وضع إرشادات خاصة بإدارة المياه في إطار البرنامج الهيدرولوجي الدولي، خصوصا عن طريق جهود مستقبلية مثل مشروع رؤية عالمية للمياه حتى 2025(46). وهكذا، فإن اليونسكو موجودة في قلب سياسات التنمية التي لم تعد تسعى إلى "السيطرة" على الطبيعة، بل إلى العمل من أجلها ومعها(47).
لقد تعاقدنا على دَيْن إيكولوجي عندما قمنا بتمويل استهلاكنا المفرط على حساب أطفالنا(48). وسيكون على الإستراتيجيات الجديدة للتنمية أن تكون منصفة اجتماعيا، وقابلة للبقاء إيكولوجيا، وفعالة اقتصاديا، وقادرة على إعادة التوازن في العلاقات بين الشمال والجنوب(49). وقد أقرت البلدان الصناعية في ريو بمسئوليتها إزاء العالم النامي: يجب على هذه البلدان أن تضرب المثل وتغير أنماط استهلاكها وإنتاجها. ويجب أن يسير هذا يدا في يد مع الإقرار بالدور الحاسم للتعليم والمعلومات والاتصالات والثقافة والمعرفة العلمية. وقد يكف الناس عندئذ عن قياس مستوى التنمية بمقياس تدمير الموارد الطبيعية والاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري. وعلى العكس من ذلك، قد تصير التنمية مرادفة للسيطرة على الطاقة، والفطنة الإيكولوجية، والتقدير العلمي. ومع تعليم أكثر ومعرفة أكبر ومؤسسات أكثر كفاءة، يمكن أن نأمل عن حق أن نكف، خلال العقود المقبلة، عن النظر إلى حماية البيئة على أنها "ترف تنعم به البلدان الغنية"، ترف تقاومه بعض هذه البلدان مع ذلك، وسوف يتضح أنها الشرط المسبق لتنمية مستديمة. وكما يعبر آل جور Al Gore، نائب الرئيس الأمريكي، عن حق، فإن "الحماية البيئية ليست ترفا بل هي ضرورة. إننا جميعا نركب سفينة واحدة هي كوكب الأرض"(50).
ومع ذلك، فإن البيئة موجودة في قلب التعارضات الكبرى التي يجب حلها حلا ديمقراطيا عن طريق القانون. والواقع أن المؤتمر العالمي في ڤ-;---;--يينا بشأن حقوق الإنسان، بإعلانه في 1993 الحق في التنمية(51)، عقد لأول مرة صلة بين البيئة وحقوق الإنسان، حيث يقتضي تطبيق الحق في التنمية واحترام الحاجات البيئية للأجيال المقبلة(52). ولكي نقوم بتغليب الحق في البيئة، ينبغي أن نتغلب على ثلاثة تناقضات كبرى: أولا، التعارض بين الاقتصاد والبيئة، ونحن سعداء في هذا الشأن بالجهود المتزايدة لخلق اقتصاد "أخضر" بدأ يأخذ في اعتباره الطبيعة والأضرار التي يلحقها بها المنطق الاقتصادي. و، ثانيا، تعارض الشمال - الجنوب، حيث تجد بلدان الجنوب أن من الصعب أن تفهم من يريد أن يفرض قيودا جديدة تثقل على التنمية فيها باسم ضرورة - صداقة البيئة - تنبع بصورة رئيسية عن الأضرار التي تلحقها بلدان الشمال منذ عقود بالبيئة الطبيعية للكرة الأرضية. غير أن مبدأ "ضريبة التلوث" لا يكتسب في الواقع كل معناه إلا على المدى الطويل، كما أن المسئولية التاريخية للبلدان الصناعية عن تدهور البيئة العالمية تعنى ضرورة أن تضرب هذه البلدان المثل فتكون أول من يتخذ الخطوات الضرورية لخفض تأثير الدفيئة والتلوث وأول من يمول تطبيق برنامج جدول أعمال 21 على الصعيد الدولي. والتعارض الثالث: التوتر بين الأجيال الحاضرة والأجيال المقبلة. وسوف نعود إلى هذا الجانب في خاتمة هذا العمل، التي تتناول أخلاق المستقبل.
ورغم هذه التوترات وهذه الصعوبات، يجب أن ننادي بقوة فيما يتعلق بحق الإنسان في البيئة، لأنه وسيلة أساسية لحل هذه المشكلات سلميا. وفى الوقت الحالي، يبقى هذا الحق، الذي مازال في مرحلة جنينية، تقنيا ومعقدا ومجزأ للغاية، وتظل إجراءاته مليئة بالثغرات، كما أنه ناقص الاستقلال والتبلور كمفهوم. ومع ذلك فإنه كما شدد ميشيل بوثي Michaël Bothe، "يمثل إضفاء الطابع البيئي على حقوق الإنسان عنصرا مهما في الدفاع عن البيئة"(53). ويجب الإقرار بالحق في البيئة كحق جماعي وفردي بصورة لا تنفصم. فالحق في البيئة جماعي بالضرورة حيث أنه يمس في كثير من الأحيان الجماعات البشرية كما أنه يحتفظ بعلاقة مع حق الشعوب في السيادة على مواردها الطبيعية، على النحو المعلن في المادة الأولى من المواثيق الدولية الخاصة بشأن حقوق الإنسان. والحق في البيئة فردى بقدر ما هو حق جوهري للشخص البشري والمواطن، سوف ينبغي أن "تحميه منظمة على مستوى دولي تتيح بعدم تحيزها، حل النزاعات على البيئة سلميا"(54). وفي الوقت الراهن، ما زال الحق في البيئة يتردد بين القواعد التقنية الغامضة الخاصة بقانون البيئة، حيث يبدو أن معنى الأمور يضيع، والمبادئ العامة والتصريحات التي يبدأ الآن إقرارها كقواعد قانونية. وأنا ألاحظ في هذا الشأن تطورا إيجابيا، إذ أن مجلس الدولة، في فرنسا، في القرار بشأن "السلام الأخضر"، في 25 أيلول/ سبتمبر 1998، أقر لمبدأ الوقاية بقيمة المبدأ القانوني.
وكما هو الحال في مجالات أخرى، من الأساسي أن تنتهي "عولمة القانون"، التي تنبأت بمجيئها ميريل ديلماس - مارتى، في رؤيا نبوئية(55)، إلى تعميم هذه الإنجازات الأولى عن طريق إجراء معياري نموذجي على الصعيد الدولي. فلماذا لا نفكر في هذا الصدد في إعداد إعلان لحقوق الإنسان في البيئة كخطوة أولى نحو إعداد اتفاقية بشأن الحق في البيئة؟ والحقيقة أن تطويرا كهذا يبدو ضروريا أكثر نظرا لأنه لا يوجد حاليا، على المستوى الدولي، أي نص رئيسي يعاقب على انتهاك الاتفاقيات الحالية بشأن البيئة. ومع ذلك فإن تطور اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والذي يتجه بالتدريج نحو حماية للحق في البيئة، يشكل خطوة واعدة يمكن أن تصبح مثلا يحتذى.
وقد سبق أن أشرنا إلى ضرورة تعزيز المنظمات الدولية القائمة من أجل توفير حماية أفضل للحق - الذي يجري إعداده الآن - في البيئة، ومن أجل تحسين فعالية وتنسيق السياسات الدولية في هذا المجال. إن المخاطر عبر - قومية، فيجب أن تكون الحلول أيضا كذلك. وقد طالبت فرنسا في الآونة الأخيرة بإنشاء "هيئة عالمية للمراقبة"، انطلاقا من الأطر الحالية. وقد أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، جاك شيراك Jacques Chirac(56) أنه: "يجب أن ننظم إدارة كوكبية للمخاطر العالمية. وتنجم العقبة الأولى من رغبة الدول في التمسك، في هذا الشأن، بمفهوم عتيق لسيادتها. غير أن التلوث يتجاهل حدود الدول. ويتطلب الاعتماد المتبادل آليات تنظيمية عالمية، وأحكاما فعالة وغير متحيزة لتنفيذ ومراقبة التعهدات التي تم قطعها. وينبغي أولا وقبل كل شئ أن نقيم، على المستوى العالمي، مركزا غير متحيز ولا نزاع حوله لتقييم بيئتنا [...] كما أننا بحاجة إلى موقع واحد يتجسد فيه الوعي العالمي ببيئتنا. ويجب أن يقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة [...] بإنجاز هذه المهمة. وتقع على عاتق هذا البرنامج أيضا [...] مسئولية أن ينشئ بالتدريج هيئة عالمية تستند إلى اتفاقية عامة تهب العالم مبدأ متجانسا."
ومن الجلي أن هذا التعزيز الضروري لهيئة عالمية في مجال البيئة لا يقتضي، بل العكس، اختفاء الهياكل المتخصصة أو القطاعية التي أثبتت فعاليتها داخل المنظومة، مثل برامج اليونسكو العلمية بين الحكومات المطبقة على البيئة أو تلك البرامج الخاصة بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أو منظمة الفاو، بل يقتضي تعاونا متزايد الفعالية لكل من الفاعلين على أساس من كفاءتهم المشهود لهم بها. وينبغي تعزيز مختلف وكالات منظومة الأمم المتحدة ومنحها الوسائل الضرورية لقدرتها على تحقيق مهامها. كما ينبغي تحسين التنسيق بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومجلس التنمية المستديمة وكذلك أداء هاتين الهيئتين. وفي متناولنا، على المستوى العالمي، برنامج جدول أعمال 21. غير أن ما ينقصنا الآن هو الإرادة السياسية. إرادة سياسية لا تحرص على العقاب بل بالأحرى على منع الكوارث والحماية منها وتوقعها.
وداخل أسرة الأمم المتحدة، التي يوجه إليها النقد في كثير من الأحيان على تشعبها المفرط، برهنت إدارة المشاكل البيئية على أن من الممكن العمل بطريقة منظمة ومنسقة. وبطبيعة الحال فإن مشكلة البيئة تعبر وتتجاوز كل حدود الدول؛ وهناك مصالح كثيرة تتعرض للخطر، كما أن هناك شكوكا كثيرة في أن المجتمع ككل هو الذي سيكون عليه، في حالة عدم قيام الدول بإجراء منظم، أن يدفع ثمن أفعال أو جمود بعض الأطراف اللامسئولة. ومن هذا المنظور، كنت قد أشرت، منذ عدة أعوام، إلى إمكانية أن تكون لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، حيث صارت فكرة الأمن ذاتها مفهومة بمعنى واسع وعالمي، ليس فقط الاختصاصات الاقتصادية والاجتماعية التي يفتقر إليها بل أيضا اختصاصات في مجال البيئة. لأنه لا يكفى امتلاك هيئة مركزية لتقييم البيئة العالمية. فمن الضروري أيضا وجود السلطة اللازمة لاتخاذ القرارات وتأمين تطبيقها. كما سبق أن أشرت إلى إمكانية إنشاء قوة من ذوي "الخوذات الخضر" لحماية البيئة، تقوم بصورة خاصة على الكفاءة العلمية. وقد أثار الاقتراح كثيرا من الاهتمام ولكن أيضا بعض المخاوف. فهل يمكن لهذه الفكرة أن ترى النور ذات يوم؟ وهل من الممكن أن نتقدم إلى الأمام أخيرا بعد أن تراجعنا لوقت طويل إلى هذا الحد؟ وكما كان يذكرنا رينيه - جان ديبوى René-Jean Dupuy، فإن "التلوث المعمم يصيب ليس أنصار حماية البيئة يصيب البيئة نفسها، ومعها البشرية ككل. فهل يقبل الإنسان أن يندمج في الكون؟ إن عودته إلى أحضان مملكة الأرض تفترض تحولا. تحول الذكاء"(57).
منطلقات وتوصيات
تطبيق برنامج جدول أعمال 21 عن طريق تعزيز تدابير ملموسة سياسية ومتعلقة بالميزانية، وعن طريق تعبئة الحكومات والبرلمانيين ووسائل الإعلام، بطريقة تجعل البيئة أولوية قومية ودولية، مع الالتزام بتعهدات حازمة ومحددة الأهداف جيدا، وبصورة خاصة في البلدان الصناعية الكبرى.
تعزيز اعتماد تعهدات أكثر طموحا بكثير للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، عن طريق تطبيق سياسات فعالة ومسئولة في مجال الطاقة في كل بلد.
دعم اعتماد معايير دولية وقومية أكثر إلزاما بكثير بشأن التلوث، باعتماد مجالس الأمم المتحدة لتدابير التصحيح الضرورية التي لابد أن تهم ليس فقط الدول بل أيضا المنظمات الدولية.
تحسين القدرة على منع الظواهر التي لا سبيل إلى إصلاحها في مجال تدهور البيئة وتأمين إعادة تأهيل البيئات المصابة بالتدهور، عن طريق تشجيع البحث العلمي العام والخاص وتسهيل نشر التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
التشجيع عن طريق التعليم، والمعلومات، وتداول المعارف العلمية، والثقافة التقنية، على اعتماد أنماط استهلاك مستديمة ومسئولة، تقوم على أخلاق المستقبل وتحترم مبدأ الاحتياط الذي أعلن في قمة ريو فى 1992، والذي يجب الإقرار به كمبدأ قانوني.
زيادة إنتاجية الموارد الطبيعية عن طريق تطوير نظام إعادة التدوير، وفرض ضرائب على الأنشطة الضارة بالبيئة، وتعزيز الطاقات المتجددة، ومجموعة من الوسائل (الحوافز والإعانات المالية) التي تهدف إلى تشجيع صناعات أنظف وأكثر صحية من وجهة نظر إيكولوجية.
اتباع، وخاصة في إطار برنامج اليونسكو بشأن الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض وبشأن موائل المحيط الأحيائي، التنظيم المنطقي للعلاقات بين الإنسان والبيئة الطبيعية، من أجل التوفيق بين التنمية الاقتصادية، وحماية القيم الثقافية، والمحافظة على التنوع الأحيائي.
التشجيع على الانتشار، الذي لا يزال ضيقا، للحق في البيئة - عن طريق التشجيع، مثلا، لإعلان عالمي لحقوق الإنسان في البيئة، ثم لاتفاقية عامة بشأن الحق في البيئة.
تحبيذ أن تنبثق، حول برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبالدعم الفعال من جانب المنظمات المتخصصة للمنظومة، هيئة عالمية لمراقبة البيئة تستند إلى مؤسسات وآليات التعاون القائمة بالفعل بين الحكومات - اللجنة الأوقيانوجرافية بين الحكومات، وبرنامج الإنسان والمحيط الأحيائي للأرض، والبرنامج الهيدرولوجي الدولي، وبرنامج الارتباط الجيولوجي الدولي، فيما يتعلق باليونسكو - هذه الهيئة التي يمكن أن تقترح في مجلس الأمن التدابير الملموسة التي يجب اتخاذها لتأمين تنفيذ كافة الدول للوائح والقوانين والمعايير المرتبطة بحماية البيئة.
تشجيع مناقشة، على النطاق الدولي، لدعم دفع فكرة توسيع اختصاصات مجلس الأمن لتمتد إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وإلى تشكيل قوة من ذوي "الخوذات الخضر" لحماية البيئة بحيث تقوم هذه الحماية على أساس من الخبرة العلمية.
تعزيز كراسي التقنية الإيكولوجية والتوفير في كافة البلديات لفنيين مقتدرين لتامين المعالجة العلمية للمشكلات المرتبطة بالبيئة، إدارة علمية، مثل إدارة النفايات، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وحماية التربة والتنوع الأحيائي.
تشجيع مناقشة على النطاق العالمي بشأن الحاجة إلى اعتماد أنماط جديدة للتنمية القائمة على الاعتدال وعلى إعادة تعريف جذرية لفكرة التقدم الذي لم يعد يمكن أن يقاس بمؤشرات الاستهلاك المادي.
إشارات الفصل 7
(1) Alain Pavé, Environnement, développement et progrès — éléments d un débat prospectif, note préparée pour l UNESCO, 1997.
(2) Gregory Bateson, Steps to an Ecology of Mind --;-- Collected Essays in Anthropology, Psychiatry, Evolution and Epistemology, 1972, traduction française Vers une écologie de l esprit, Paris, Seuil, 1977 (tome I), 1980 (tome II). Voir notamment tome II, p. 207-208 et p. 241.
(3) Michel Batisse, “Une seule terre entre toutes les mains”, Federico Mayor Amicomm Liber, 1995.
(4) William Rees, Matthis Wackernagel, “Ecological foot--print--s and appropriated carrying capacity: measuring the natural capital requirements of the human economy”, in A.M. Jansson et al. (éd.), Investing in Natural Capital: The Ecological Economies Approach to Sustainability, Washington, Island Press, 1994.
(5) Intergovernmental Panel on Climate Change, Climate Change 1995: The Second Assessment Report, Cambridge University Press, 1995.
(6) Serge Antoine, “De Stockholm à Rio”, “Demain la terre”, Le Nouvel Observateur, collection Dossiers, n° 11, 1992.
(7) Central Planning Bureau, Scanning the Future, A Long-Term Scenario Study of the World Economy 1990-2015, La Hague, 1992.
(8) Leyla Boulton, “WWF warns forests face extinction”, Financial Times, 09/101 97.
(9) Central Planning Bureau, op. cit.
(10) Jean-Paul Besset, “Sécheresses, inondations: le scénario de l inacceptable”, Le Monde, 25-26/08/96.
(11) Jean-Paul Dufour, “1997 a été l année la plus chaude jamais enregistrée”, Le Monde, 10/06/98.
(12) Intergovernmental panel on climate change, op. cit.
(13) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les mises en garde des scientifiques”, Le Monde, 26/11/97.
(14) Dans une enquête menée entre 1993 et 1996.
(15) Nicole Bonnet, “L Amérique latine redoute le retour d El Niñ-;---;--o”, Le Monde, 06-07/07/97.
(16) Cité dans l article de Pierre le Hir, “La fonte des glaciers des Alpes inquiète les chercheurs”, Le Monde, 23-24 février 1997.
(17) Jean-Paul Dufour, “Avec le réchauffement planétaire, l hiver canadien pourrait envahir l Europe”, Le Monde, 02/01/98.
(18) Jean-Paul Besset, “Le Terre se réchauffe. Les conséquences pour chaque continent”, Le Monde, 27/11/97.
(19) Philipe Pons, “Des millions de vie en jeu”, Le Monde, 05/12/97.
(20) نحن لا نفكر هنا إلا في الهزات الأرضية التي أدت إلى خسائر تتجاوز 1% من الإنتاج المحلي الإجمالي وإلى أكثر من مائة من الوفيات.
(21) Jean-Paul Besset, “Avis de gros temps sur la planète”, Le. Monde, 07/10/95.
(22) Voir Laurent Rebeaud, “L écofascisme, un risque réel”, Journal de Genève, in Courrier international n° 341 du 15 au 21 mai 1997.
(23) François Ewald, “Philosophie de la précaution”, L Année sociologique, vol. 46 n" 2, 1996.
(24) Federico Mayor, allocution à la Conférence de la Royal Society of Chemistry sur “Chemistry and developing countries”, Londres, avril 1991.
(25) Jacques Theys, “L environnement au XXIe siècle: continuité ou rupture ?”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
(26) Hillary French, “Forging a new global partnership”, State of the World 1995, World Watch Institute, Washington, D.C.
(27) Alain Leauthier, “Le trou refait des siennes depuis début septembre”, Libération, 06/10/98.
(28) Jean-Paul Dufour, “La dégradation de la couche d ozone inquiète les Nations Unies”, Le Monde, 16/09/95.
(29) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les mises en garde des scientifiques”, Le Monde, 24/06/97.
(30) Nicholas Timmins, “US lifts carbon gas emissions forecast”, Financial Times, 13/11/97.
(31) Tom Burke, “The buck stops everywhere”, New Statesman, 20 juin 1997.
(32) Ibid.
(33) World Bank, Environment Matters, hiver/--print--emps 1997.
(34) Christian Brodhag, “Kyoto et le retard français”, Le Monde, 05/11/97.: يقدر البنك الدولي أن التلوث مسئول الآن عن وفاة 289000 في السنة في الصين، وأنه يمثل تكلفة على المجتمع تعادل 7 أو 8% من الإنتاج المحلي الإجمالي. ويمكن أن تتمثل الأسباب الرئيسية وراء الأضرار الإيكولوجية في استهلاك الطاقة، التي تتمثل بنسبة 80% في الفحم، وفي الانبعاثات الجديدة المرتبطة بوسائل النقل في المناطق الحضرية. وفي حالة استمرار الاتجاهات الحالية، يقدر البنك الدولي أن انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت سوف ترتفع بنسبة 60% من الآن وحتى عام 2020 وأن التلوث في الصين يقلق البنك الدولي:F. B., “La pollution en Chine inquiète la Banque mondiale”, Le Monde, 27/09/97.
(35) Philippe Pons, "À-;---;-- Kyoto, les points de vue se rapprochent entre les pays du Nord et ceux du Sud”, Le Monde, 05/12/97.
(36) Christopher Flavin, John E. Young, “Façonner la prochaine révolution industrielle”, É-;---;--tat de la planète 1993, Worldwatch Institute, Washington, D.C.
(37) Jean-Paul Besset, “La Terre se réchauffe. Les É-;---;--tats divergent sur les solutions”, Le Monde, 28/11/97.
(38) Ibid.
(39) Ernst Ulrich von Weizsä-;---;--cker, “Environment 2020. A prospective policy brief”, note préparée pour l UNESCO, 1997.
(40) تستورد الولايات المتحدة 10% منها، وهولندا 70% منها.
(41) أثناء مؤتمر ستوكهولم في 1972.
(42) Discours prononcé par le --dir--ecteur général de l UNESCO, M. Federico Mayor, à l occasion du vingt-cinquième anniversaire de la Conférence de l UNESCO sur les ressources de la biosphère (septembre 1968), Paris, 1993.
(43) Stratégie de Séville pour les reserves de biosphère --;-- voir notamment Nature & Ressources, vol. 31, n° 2, 1995.
(44) Courrier de l UNESCO, janvier 1996.
(45) انظر فصل "نحو ’ثورة فعالية الطاقة‘".
(46) انظر فصل "هل ستظل المياه جارية؟".
(47) Voir notamment la déclaration commune des présidents de la Commission océanographique intergouvernementale (COI), du Programme sur l homme et la biosphère (MAB), du Programme hydrologique international (PHI), du Programme international conjoint UNESCO-UISG de corrélation géologique (PICG) et du Programme gestion des transformations sociales (MOST), présentée à chaque session de la conférence générale de l UNESCO, qui est un grand exemple de coopération.
(48) Lester Brown, “The New World Order”, State of the World 1991. World Watch Institute, Washington, D.C.
(49) Martine Barrère, “La transition vers une nouvelle ère”, Une terre en renaissance, ORSTOM, Le Monde diplomatique, dossiers Savoirs n° 2, 1994.
(50) Al Gore, cité dans Environment Matters, World Bank, hiver/--print--emps 1997: ("حماية البيئة ليست ترفا، إنها ضرورة. فنحن جميعا على ظهر سفينة الفضاء الأرض معا").
(51) بهذا الخصوص، يجب أن أتحدث عن خداع أحسست به عندما، أثناء نقاش يتعلق بالتحقيق الفعال للحق في التنمية دار في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1998، صوتت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار الذي قدمته جمهورية جنوب أفريقيا، في حين امتنعت بلدان الاتحاد الأوروبي عن التصويت.
(52) Les Droits de l homme à l aube du XXIe siècle, Mission pour la célébration du 50e anniversaire de la Déclaration universelle des droits de l homme, La Documentation française --;-- 1998. : في هذا المجال، يجدر بنا التمييز بين قانون البيئة (مجموعة المبادئ القانونية بشأن هذه المسألة)، وحق الإنسان في البيئة وحق البيئة في أن يتم احترامها، وهذا ما يساوي واجب البشرية.
(53) Ibid.
(54) Ibid.
(55) M. Delmas-Marty, Pour un droit commun, Paris, Seuil, 1994 --;-- Trois Défis pour un droit mondial, Paris, Seuil, 1998.
(56) Jacques Chirac, président de la République française, allocution au Congrès de l --union-- mondiale pour la nature, Fontainebleau, 3 novembre 1998.
(57) René-Jean Dupuy, “La nature méprisée”, in L Humanité dans l imaginaire des nations. Conférences, essais et leçons du Collège de France, Paris, Julliard, 1991.