ليست كلمات .. ولسنا افراداً في القطيع! - في الرد على فالح عبدالجبار
علي عباس خفيف
الحوار المتمدن
-
العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 18:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مالم تنشره ( الصباح الجديد ) : ليست كلمات .. ولسنا افراداً في القطيع! في الرد على فالح عبدالجبار
نشرت جريدة الصباح الجديد في عددها 2186 الصادر يوم الأحد 8 كانون الثاني 2012 ، على الصفحة 9 ، مقالاً للسيد فالح عبدالجبار بعنوان : ( الكلمات التي تستعبدنا : الوطن. . الأمّة .. الاغراب.)
ومع أن (الاغراب) تبدو استدلالاً سيميائياً من معانيه الاستهانة الذهنية ، إلا أنه سيكون مقبولاً في الحدود المفترضة لمجموع دلالات اللفظ .
قد لايوحي العنوان من القراءة الأولى بالاستهانة التي يصبها العالم ( النطاسي ) على عقل المتلقي ( الأمي ) من امثالي – افتراض الأمية هنا ذريعة المعرفة بيقين الكاتب أن قرّاءه من الأميين – فالكاتب يحدد معانٍ سياسية رسمت تأريخ المنطقة وتركت أثرها في لحم الانسان بوصفها كلمات وليست حقائق كما يشي العنوان ( ربما هذا أيضاً من باب الاستهانة بعقل الأمي المتلقي). وهو بهذا يشابه إلى حد كبير أحاديث التسلية (قتل الوقت) في المقهي بين الأصدقاء .
هذا اعتراض ليس إلاّ.
نحن نتفق أن الحراك في المنطقة هو - أول يقظة من وسن الروح!! المستعبدة – ولكن لا أعرف مؤسسة أو معهد احصائي توصل باحصاء بسيط ! إلى أن 95% من حركات الاحتجاج العربية تركز على قضايا خارجية ( والتركيز هنا ذو معنيين) خصوصاً وأن احد هذين المعنيين ( رهابٌ). سنعود إلى خمسينات القرن الماضي ونرحل في النهاية إلى العقد الأول من الألفية السعيدة! ، لأننا لانقبل اشارته العارية عن خمسينات القرن الماضي والألفية السعيدة التي بدأت سعادتها بتفجيرات مركز التجارة وإهانة الأمة الأمريكية ( على حد تعبير الرئيس الأمريكي من دون أن يشعر بان كلمة أمة امريكية تستعبده ) والحرب على افغانستان واحتلال العراق والازمات المالية الكبرى التي حطمت اقتصاديات البلدان دونما استثناء ودفعت بملايين العاملين إلى ساحات البطالة ودمرت الاستقرار العالمي . وهناك الكثير مما يقال عن هذا .
في الفقرات التالية من المقال يتحول هاجس القضايا الخارجية إلى خطاب ( التدخل الخارجي ) بحمولته الرسمية أي الأنظمة المهدَّدة أو الراحلة . واضعاً الاحتجاج ضد تدخل ( الأغراب ) على لسان الانظمة – القذافي والأسد مبارك وصدام و..و .. فقط . ثم يبني قبول قيادات المعارضة (وليست الجماهير الثائرة ) على استحياء بالتدخل ذي القدر (الحميد!! ) ، وهو التدخل القانوني الذي يُخجل النُخب العربية أن تُبدي الرضا عنه!. ويعزو السيد فالح عبدالجبار ذلك الاستحياء إلى فترة الحرب الباردة والخوف من كسر قاعدة التدخل الاجنبي التي طبعت ذلك الزمان بسخامها كما يبدو . ويُعْلِمنا أن التدخل الحميد!! للناتو في ليبيا حصل دونما احتلال ، وقد قام حلف الاطلسي بدور القابلة في ولادة ليبيا الجديدة !!!
لابد أن خلطه موضوع التدخل الخارجي - أوالقضايا الخارجية - ووضعه على ألسنة متعددة - الانظمة ، النخب المعارضة ، حركات التغيير ، الجماهير - يفقدنا فرصة إدراك من يقبل ومن يرفض ، وهو شكل من اشكال الاحالة المبنية على مبدأ عدم الدقة الفيزياوي ، أي البلبة الافتراضية لذهنية المتلقي . ما يعني أن المستهدف يقع خارج الواقعة الراهنة ، الذي هو الحرب الباردة أو الأثر الايديولوجي للكتلة الشرقية . إذن التدخل الخارجي يخشاة جميع الأطراف وما علينا إلا أن ندع (الرهاب) من (الأجنبي) جانباً ليكون تدخله حميداً وانسانياً .
يمكن أن نجري مراجعة بسيطة ، دونما حصر ، لأسباب هذا ( الرهاب ) كما نرى قبل وبعد خمسينات القرن الماضي ونبتعد قليلاً عن الظن وعن الانتقائية : (الحملة المكارثية في قلب العالم الجديد الحر والسعيد امريكا ، اسقاط حكومة أربنز في فنزويلا ، الحرب الكورية ، اسقاط حكومة البيرو ، تنظيم تجارة المخدرات في كولومبيا وفي غرب الباكستان ، مجازر فرنسا في الجزائر ، تقسيم فلسطين ، مجازر ايطاليا في ليبيا ، فرض طريق الافيون على الصين القديمة ، القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي ، الحرب المجزرة في فيتنام بعصريها الفرنسي والأمريكي ، اسقاط الحكومة التشيلية ، غزو افغانستان .. غزو العراق وتدمير البنية التحتية للبلاد ولحمة الشعب العراقي ... و..و .. باختصار سياسة القوة القائمة على مبدأ (الصدمة والرعب) على حد تعبير (جومسكي) . فهل يبدو هذا الرعب في العالم - ومن دون ذكر الحربين الكونيتين - على ايجازه المزري ، أمراً لا الحملة المكارثية في قلب العالم الجديد الحر والسعيد امريكا ، اسقاط حكومة أربنز في فنزويلا ، الحرب الكورية ، اسقاط حكومة البيرو ، تنظيم تجارة المخدرات في كولومبيا وفي غرب الباكستان ، مجازر فرنسا في الجزائر ، تقسيم فلسطين ، مجازر ايطاليا في ليبيا ، فرض طريق الافيون على الصين القديمة ، القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي ، الحرب المجزرة في فيتنام بعصريها الفرنسي والأمريكي ، اسقاط الحكومة التشيلية ، غزو افغانستان .. غزو العراق وتدمير البنية التحتية للبلاد ولحمة الشعب العراقي الحملة المكارثية في قلب العالم الجديد الحر والسعيد امريكا ، اسقاط حكومة أربنز في فنزويلا ، الحرب الكورية ، اسقاط حكومة البيرو ، تنظيم تجارة المخدرات في كولومبيا وفي غرب الباكستان ، مجازر فرنسا في الجزائر ، تقسيم فلسطين ، مجازر ايطاليا في ليبيا ، فرض طريق الافيون على الصين القديمة ، القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي ، الحرب المجزرة في فيتنام بعصريها الفرنسي والأمريكي ، اسقاط الحكومة التشيلية ، غزو افغانستان .. غزو العراق وتدمير البنية التحتية للبلاد ولحمة الشعب العراقي يؤسس ( للرهاب ) ؟ أم أن الايديولوجيا الشرقية وحدها صنعته ؟ لقد صنعت الولايات المتحدة الأمريكية لها جبهات متعددة في كل مكان في العالم ، ومتنوعة التخصصات ، واخطرها طراً هو ما يُقوله ويبرره البعض دونما وجه حق ، أوما يحاول البعض أن يقنع الآخرين بمعقوليته ، من قنوات هذه الجبهات ذاتها التي تبرر التدخلات الكبرى ، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية ومسح خطوط الحدود الوطنية! من أمام الجيوش الغازية وموظفي الاحتكارات الكبرى بربطاتهم وبدلاتهم الأنيقة ، هؤلاء الذين ينتظرون فتح السبل الوعرة أمامهم لكي يمروا بسلام ، مع الدفاع المستميت عن الأمة الأمريكية ورفع العلم الأمريكي باحترام لا يضاهيه احترام الجندي الروماني لقيصره.
مثال من هذا الاسبوع - الاسبوع الأول من شهر كانون الثاني - ألقت قوات محافظة بغداد القبض على أربعة أمريكان في عجلة رباعية الدفع مسلحين باسلحة كاتمة للصوت في وسط بغداد . وما علينا سوى أن نجد لهم مبرراً وحيداً لايقبل النقاش ونطلق سراحهم (هؤلاء الأغراب الانسانيون ) . فهم حتماً ابرياء من قتل الناس لبعث فتنة طائفية ما زالت نائمة حتى الآن على الأقل ، وابرياء من سرقة بنك ، وابرياء من قتل طيار شارك في حرب ايران أو حرب الكويت ، وابرياء من قتل عالم في تخصصه أو قتل استاذ جامعي متميِّز في مجاله ، أو قتل شيوعي أو يساري لكي تتهم به السلطات الفاشية . وهم أبرياء من تهمة التجسس حتماً. أو .. أو .
على طول فقرات المقال لم يرد ذكر الوطن ولا الأمة إلاّ مرة أو مرتين ، تحت معنى صدقهما أوكذبهما بالاستناد إلى المنطق الصوري أو الشكلي الذي لايصادر المفاهيم كلها كما أشار السيد فالح عبدالجبار ، لقبول المفاهيم الصدق والكذب عليها وفقاً للمنطق الشكلي ، بل أن بعض المفاهيم لاتقبل إلا الصدق كالحد والرسم والبديهة ، أما الاغراب فلم ترد إلاّ بوصفها تدخّل حميد لولا ايديولوجية الشرق التي اقنعتنا بانهم تهديد ! لكن المفاهيم جميعاً ظهرت في المعاني التي افترضتها يقينيات الكاتب بهدوء بارد .
وما يؤكده السيد فالح عبدالجبار أنه علينا أن لا نتمسك بوطنية أو أمّة ، وأن نستقبل الاغراب ، دونما استحياء ، أو ندعوهم . بل أن ندعو لله مثل دعاء الاسلاميين الليبيين بغضب طيور ابابيل الناتو على القذافي وابناءه ، لأن العالم لم يعد كما نظن أوطاناً وأمماً . لأن ( قاعدة القانون البشري) ، كما يصرّح السيد فالح عبدالجبار ، هي التي تحكم وتؤدب العصاة والجناة وتخضعهم للمساءلة ، (أي المجتمعات القومية / الدول أو حكامها باعتبار الدولة القومية حسب عقلانية القرن الثامن عشر فرد في التاريخ ، ويمكن مساءلة ومحاسبة هذا الفرد حسب قاعدة القانون البشري ) مجيزاً قانون الغاب لمن يمتلك القوة .
هذا ما جاء في جوهر مطلب المقال . وما دعوة الكاتب في نهاية المقال إلى ضرورة أخذ الوطنية معناها الحقيقي اللاعبودي إلا تحصيل حاصل ، لأنه اشترط التدخل الحميد ونصح الجميع ومن يرغب بالتغيير أن لا يخجل من دعوة ( الأغراب ) لغزو بلاده أو ضربها بأطنان القنابل ، طالما هو تدخل حميد ؟؟. وهذا هو الطريق القويم على ( قاعدة القانون البشري ) المعاصر الذي قررته قطبية بداية القرن السعيد هذا.
أماّ في إبطال المفاهيم أو تعويقها ، فأن الكاتب دونما تصريح يدفعنا إلى القناعة بما لديه ، فالأمة معنى عرقي . وهو بهذا يخالف ما هو معروف لدى مفكرين معروفين له . فالأمة لدى جوزيف سياس (جماعة من الشركاء يعيشون تحت قانون مشترك ، ممثلين بتشريع واحد ) وهو ما يؤكد معنى الجماعة السياسية لا سلطة الأهواء والنزعات بمعناها العرقي أو الديني . أي أن الأمة مصدرٌ لسيادة الدولة . كذلك يقول هابرماس ( أن شعور الرعية بأنهم ينتمون إلى أمة أدى إلى خلق تضامن بين افراد شعب كانوا حتى تلك الفترة غرباء بعضهم عن بعض) أي لم يكونوا عرقاً قبل ظهور الأمة . فالأمة يميزها في المعنى الاجتماع السياسي ، وتحدد الدولة معالمها . ويبدو أنه لم ير إلاّ خطاب فختة القومي ، مستعيناً بتأسيس النازية على معنى محرَّف عن الأمة .
ومن ذاك نجد صواب رأي هابرماس وهو يدفع باتجاه الحذر من آليات تحطُّم المجتمعات والهويات في زمن العولمة لاعتبار أن الكيانات الوطنية توفر مستويات تضامن اجتماعي في عصر العولمة الآن إذ يقول ( إذا لم نستطع حل العلاقة بين الجمهورية والقومية وأن نربط الروح الجمهوري للشعب مع نوع من الوطنية الدستورية ، فأنه سيُقضى على موارد التضامن بين المواطنين ). ألا يبدو هذا مخالفاً لذرائعية الدعوة التي اطلقها السيد فالح عبدالجبار في مقاله ، بفرض سلطة القاعدة البشرية ، والمعنى الكوسموبوليتي الذي يراه حلاً وحيداً عولمياً لعالمنا في وقت يثور فيه الجميع ضد كل انواع القمع والاضطهاد .
نعم إن القمع المنظم ساهم في ( وسن العقل )، أو في نومه ، لكن ( تعريض العقل للاحتلال ) هو من نمط ذاك الوسن أيضاً . فدعوته حين يضع في تلافيفها اغراءً من نوع مشاركة فرنسا وايطاليا في الحرب الليبية وهي تملك 76% من استثمارات النفط الليبي ، يبطل هذا الاغراء بالذات إذا عرفنا أن الأزمة المالية التي عصفت باقتصاديات أوربا وأمريكا ، أججت ردود الفعل المركزية العرقية في أوربا وامريكا الشمالية أزاء تدفقات الهجرة لشعوب البلدان الفقيرة ، لأن الهجرات هذه حسب معنى الـ ( nation) تزعزع نظام الاندماج التاريخي لهذه المجتمعات ، لأنها أوطان ، ولأن مواطني البلدان هذه أحق بفرص العمل أيضاً. ( ملاحظة : اتمنى أن يفسر لي السيد الكاتب معنى ردود الافعال هذه ) .
ومن باب آخر نحن وجميع من يقرأ الصحيفة يعرف أن سياسة تهميش المهاجرين في فرنسا وغيرها والتعامل معهم بدونية في تفضيلات العمل وفي الحياة ، وحتى طردهم واعادتهم لبلدانهم – القمعية التعسفية – هي السياسة الناجمة عن الأزمة المالية هناك . وهذا يدعونا لادراك ان مشاركة فرنسا وايطاليا – حسب اختيار الكاتب لهما – يقف خلفها ؛ انهما عضوان في الناتو ومن المفروغ منه المشاركة في عملياته العسكرية. وأن التغيير في ليبيا سينتج نظاماً خاضعاً بالتمام لآليات سياسة السوق الحرة ويوفر لليبيا الدخول إلى العولمة الاقتصادية بثروتها الكبيرة ، كما ان ازاحة القذافي سيدفع عدم الاستقرار بعيداً عن ساحة الاستثمارات في ليبيا ، خصوصاً بعد قتل مشروع القذافي غير المدروس في استحداث الدينار النفطي بدلاً عن الدولار واليورو في تحديد اسعار نفط الشرق الأوسط ، وهذا المشروع ، كما يبدو ، واحد ٌمن اسباب مشاركة أوربا في القضاء على دكتاتور ليبيا لا من أجل عيون الشعب الليبي المظلوم حقاً .
نحن ندرك أن السيد فالح عبدالجبار يؤمن أن ( البلدان تُبنى بالقانون ) . لكنه ليس القانون الطبيعي . وهو معجب بشكل كبير بمونتسكيو و(روح القوانين ) ومؤمن قوي الشكيمة الآن فقط بـ ( فلسفة الحق وفلسفة الدولة) الهيغلية . كما أنه لايعترف إلا بالراهن ، وهذا من عادة ايديولوجية قديمة صار الآن يتبرأ منها بقوة بل يشتمها ، وهو يرى راهنية الاشياء بعين ( بيركلي ) من دون أن يصيبه شكاً ديكارتياً مطلقاً . لكننا نرى أن هذا لايجيز له القفز من عقلانية القرن 18 من دون المرور بأحد ، ويجد نفسه فجأة جنب ( فوكوياما ) مقتنعاً بمبشر العصر الانجيلي بوش الأبن .
فهل هذا بسبب فرحته بديمقراطية القرضاوي المفاجئة في ليبيا؟