المسألتان الكردية والفلسطينية... المشترَك، والمختلِف
داود تلحمي
الحوار المتمدن
-
العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 00:32
المحور:
ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي
وصلتني أسئلة "الحوار المتمدن" بشأن المسألتين الكردية والفلسطينية منذ فترة من الزمن، لكنني لم أتمكن من الإجابة عليها في حينه. إلا ان الموضوع الذي تثيره هو موضوع هام وحيوي وراهن بالنسبة لشعوب منطقتنا، ويحتاج، بالفعل، الى التعاطي الجاد معه، لكون المسألتين الكردية والفلسطينية مسألتين ملتهبتين وحساستين في منطقتنا العربية - الغرب آسيوية، ومستمرتين منذ زهاء القرن من الزمن، بدون انقطاع تقريباً.
فمنذ زوال السلطنة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى في أوائل القرن الماضي، وجد الشعبان الكردي والفلسطيني نفسيهما في وضع ظلم وغبن، بعد تقاسم المنطقة المحيطة بهما وتقسيمها الى عدد من الدول والكيانات المستقلة وشبه المستقلة أو الواقعة تحت الإنتداب والنفوذ الإستعماري الأوروبي. وقد استكمل معظم هذه الكيانات لاحقاً إستقلاله السياسي، فيما تم حرمان الشعبين الفلسطيني والكردي من حق تقرير المصير، وبالتالي، من الإستقلال.
الشعب الفلسطيني يتحمل عواقب اضطهاد الأوروبيين لطوائفهم اليهودية
فكما هو معروف، تم إخضاع فلسطين للإنتداب البريطاني بعد الحرب الكبرى الأولى مباشرة، في ظل التزام الحكومة البريطانية برعاية "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، وفق ما جاء في الرسالة الشهيرة الموجهة من وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور بتاريخ 2/11/1917 الى أحدى الشخصيات البريطانية اليهودية، البارون والتر روتشيلد، وعبره الى المنظمة الصهيونية في بريطانيا وإيرلندا، وهي الرسالة التي اشتهرت لاحقاً باسم "وعد بلفور".
وما حصل بعد ذلك معروف. وفي المحصلة، زاد عدد المواطنين الفلسطينين اليهود أو المهاجرين اليهود المتدينين القدماء، الذين كانوا بمجملهم قلة صغيرة من السكان تقل نسبتهم عن العشرة بالمئة عشية صدور رسالة بلفور، بوصول أعداد متزايدة من المهاجرين الأوروبيين اليهود الجدد، بحيث تطورت نسبة عددهم الى زهاء الـ 30 بالمئة في العام 1947، حين تم التصويت على قرار تقسيم فلسطين الى دولتين، عربية ويهودية، في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/1947، والى غالبية كبيرة حالياً، حوالي 80 بالمئة، بعد تهجير غالبية الشعب الفلسطيني خارج أرضه في العام 1948، وتهجير أعداد إضافية منه في العام 1967، ومواصلة سياسة "التهجير غير الصاخب"بأشكال متنوعة طوال العقود الماضية. وهكذا باتت الدولة الإسرائيلية تحتل حالياً كل مساحة فلسطين الإنتدابية، وتمنع المهجّرين من الشعب الفلسطيني التواجدين خارج فلسطين وداخلها من العودة الى ديارهم ومنازلهم، وتُخضع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967، أي في الضفة الغربية، كما في قطاع غزة المحاصر، لنظام إحتلالي قاسٍ. بينما تمارس تمييزاً واضحاً في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين العرب الذين بقوا ضمن الحدود التي أقيمت عليها دولة إسرائيل في العام 1948، والذين هم السكان الأصليون للبلد الذي أصبحوا فيه عملياً "ضيوفاً غير مرغوب بهم"، حين أُرغموا على حمل جواز السفر الإسرائيلي كأمر واقع، والرضوخ الى صيغة تعامل كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة في دولة يرى القائمون عليها انها "دولة الشعب اليهودي" أو "دولة يهودية"، بما يحتّم التمييز بين اليهود وغير اليهود من حيث المواطنة.
توزع الشعب الكردي بين عدة دول، والحؤول دون تمتعه بحقوقه
أما الشعب الكردي، فقد توزع في خرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى ما بين تركيا الجديدة التي أقامها مصطفى كمال "أتاتورك" في آسيا الصغرى، كما تسمّى، وإيران، وريثة بلاد فارس القديمة، والعراق وسوريا، اللتين تشكلتا بحدودهما الراهنة في سياق الصفقة البريطانية- الفرنسية الشهيرة أثناء الحرب العالمية الأولى. كما يقيم مواطنون أكراد في بلدان أخرى في المنطقة.
وكما تعرض الشعب الفلسطيني لمسلسل من المجازر وحملات الإضطهاد والقمع منذ بدايات الحملة الصهيونية والإنتداب البريطاني، تعرضت مكونات الشعب الكردي المتوزعة جغرافياً الى مسلسل متواصل من المذابح وحملات الإبادة القومية على مر القرن الذي مضى. وحتى الآن، ليس لدى كل من الشعبين دولة خاصة به يمارس فيها حقه المشروع في تقرير المصير وفي إدارة شؤونه والتحكم بحياته وممارسة كامل حقوقه الوطنية والثقافية والإنسانية.
طبعاً، من حيث المبدأ، كان من الممكن، لو كان التاريخ يُرسم بشكل عادل ومنصف، أن تكون لدى كل من الشعبين، ومنذ عقود طويلة، دولته الخاصة به وحقوقه الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة. لكن التاريخ ليس معادلة رياضية منطقية، وليس طريقاً مستقيماً، والأقوى يلعب الدور الأهم في رسمه. وهو وضع يرغم على التعاطي اللاحق مع قضايا الشعوب المغبونة انطلاقاُ من الواقع القائم أولاً، وإن كان من الطبيعي أن تكون المبادئ والحقوق المشروعة دائماً في الذهن كمرجعية وكمرشد.
والشعب الفلسطيني، كما ذكرنا، يجد نفسه اليوم محروماً ليس فقط من حقه في تقرير المصير، وإنما كذلك، بالنسبة لغالبية كبيرة منه، من حقه في العيش في وطنه، وبالنسبة لمجمله في العيش بكرامة وحرية في الوطن الذي عاش فيه أجداده منذ قرون طويلة، وعلى الأغلب منذ آلاف السنين كوريث للعديد من الشعوب والحضارات المتتالية التي مرت على أرض تواجده.
من جانبه، يعيش الشعب الكردي اليوم مجزأ، وتعاني أقسام واسعة منه من القمع ومن الحرمان من الحقوق، ليس الوطنية فقط، وإنما الثقافية والإنسانية، ومن الحرية والكرامة. وبالرغم من كون بعض مجموعاته قد تعرضت في مراحل معينة من تاريخه للإقتلاع من أرضه، إلا انه لم يواجه حملة تهجير منهجية ومبرمجة على نطاق واسع لتحل مكانه مجموعات مهاجرة من الخارج، كما حصل مع الشعب الفلسطيني.
وإذا انطلقنا من الوضع الراهن، حيث غالبية الشعب الفلسطيني مشردة خارج وطنها، وقسم كبير من سكان هذا الوطن المحتل هم أيضاً لاجئون ومهجرون من أنحاء أخرى من وطنهم، فإن حلاً قريباً من الحل الذي تم اعتماده في جنوب إفريقيا في العقد الأخير من القرن الماضي يُعتبر في نظر غالبية الفلسطينيين حلاً ملائماً لوضع حد لمسلسل الظلم الذي وقع عليه منذ العام 1917، وبشكل أوسع وأكثر مأساوية منذ العام 1948، عام الإقتلاع والتشريد ومحاولة إلغاء الهوية والوجود الوطني. ففي إطار حلٍ كهذا، يتمكن اللاجئون والمشردون من العودة الى وطنهم وديارهم، ويتم الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني كمجموعة قومية متجانسة ثقافياً وحضارياً، بما يشمل المواطنين الذين حملوا جواز السفر الإسرائيلي منذ العام 1948. كل ذلك دون الإجحاف بحق اليهود الإسرائيليين في صيانة خصوصيتهم الثقافية والجماعية، بمعزل عن الصفة التي ينظرون بها الى أنفسهم، ويعطونها لوجودهم الجماعي.
لكن حلاً كهذا مرفوض من حيث المبدأ من قبل الإسرائيليين المتمسكين بالفكر الصهيوني، حيث ان هذا الفكر استهدف، منذ تأسيس الحركة الصهيونية، قيام دولة يهودية متجانسة وقائمة بذاتها، وفق ما ورد في الكتيب الرئيسي لمؤسس الصهيونية السياسية النمساوي تيودور هيرتسل، وهو الكتيب الذي صدر في العام 1896 باللغة الألمانية أولاً. ولذلك لا تتوفر، حتى الآن، وبفعل الإختلال في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية لصالح الجانب الإسرائيلي الصهيوني، أية فرصة لشق طريق مثل هذا الحل، ليس حالياً فقط وإنما أيضاً في أي مستقبل منظور. وإن كان من المشروع أن تكون هناك تطلعات للأمد الأبعد، لدى فلسطينيين عرب ولدى عدد قليل حالياً من اليهود الإسرائيليين، للوصول الى مثل هذا الحل.
وفي ظل هذه الموازين المختلة، ارتأت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع السبعينيات الماضية أن تطالب وتعمل من أجل قيام دولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين بحدودها الإنتدابية، بحيث يتم التعبير فيها عن الحقوق الوطنية الأولية للشعب الفلسطيني ومحاولة معالجة الأوضاع الأكثر إلحاحاً لتجمعاته الرئيسية داخل وطنه وخارجه. وبالرغم من كون هذا الحل حلاً غير متكامل ولا يعالج كل جوانب المسألة الفلسطينية، وخاصة حق اللاجئين في العودة الى وطنهم وديارهم عملاً بالقانون الدولي والمواثيق العالمية وقرارات مؤسسات الشرعية الدولية، وخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 للعام 1948، إلا إن كافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ترفض بالممارسة وعلى أرض الواقع حتى هذا الحل المتواضع: وقد ترجمت هذا الرفض عملياً على الأرض من خلال قيامها بضم القدس الشرقية رسمياً الى الدولة الإسرائيلية منذ العام 1967 والسعي المتواصل لتوسيع حدودها بإضافة مساحات متزايدة من الضفة الغربية لها، وفي الوقت ذاته لتقليص عدد سكانها العرب الفلسطينيين بشتى الأساليب، وللتكثيف من توطن اليهود الإسرائيليين والوافدين فيها. هذا بالإضافة الى ضم أجزاء أخرى من الضفة الغربية الى الدولة الإسرائيلية، ومواصلة تكثيف الإستيطان الإسرائيلي اليهودي في كل أنحاء الضفة، في إطار توجه واعٍ ومدروس لمنع قيام دولة فلسطينية مّستقلة فيها، تتجاوز صيغة "البانتوستان" الشهيرة في زمن الفصل العنصري الجنوب إفريقي.
الوضع الكردي يختلف في هذا الجانب. ومع ان هناك، بالتأكيد، بين الأكراد من يسعون أو يطمحون الى قيام دولة كردية كبيرة موحدة تشمل مناطق التواجد الكردي في البلدان المختلفة، فإن التعاطي المباشر من قبل القوى الكردية في كل بلد يركّز خاصةً على الإعتراف بحقوق المواطنين الأكراد القومية والثقافية والإنسانية الناجزة في البلدان التي يتواجدون فيها، وهي بلدان متنوعة قومياً وثقافياً.
ومن منطلق يساري وأممي، وبالرغم من مشروعية مطالبة الشعوب المضطهدة بالإستقلال والتوحد في دولة قومية متجانسة، فإن ممارسة حق تقرير المصير لا تتم ترجمته، بالضرورة ودائماً، بالإنفصال وتشكيل دول قومية. فتلك قضية عملية وسياسية مرتبطة بالواقع القائم. فالمهم هو زوال الغبن والظلم اللذين يلحقان بالشعب المعني، وتمتعه بكامل حقوقه القومية والثقافية والإنسانية على أرض أجداده في إطار ملائم، وفق وضع كل شعب ووضع المحيط الذي يعيش فيه. والمهم أيضاً هو تقدم قضية الحرية والأهداف الأممية الحقة.
دروس تجارب أخرى... من جنوب إفريقيا الى السودان
وهنا نعود الى النموذج الجنوب إفريقي: فهل كان الأنسب هو الحل الديمقراطي الذي تم تطبيقه في تسعينيات القرن الماضي، أم الفصل بين المهاجرين البيض الأوروبيي المنشأ والمجموعات القومية الأخرى، مثل ذوي الأصول الهندية، والغالبية الإفريقية السوداء، في دول خاصة بكل تجمع قومي أو إثني- ثقافي، وهو فصل صعب جداً لتداخل التواجد البشري بين هذه المجموعات المختلفة؟ طبعاً، نحن نستبعد، من منطلق أممي، الحل الذي يقوم على حل مشكلة قومية أو إنسانية من خلال خلق مشكلة قومية وإنسانية أخرى، عبر تهجير البيض أو غيرهم من الوافدين المقيمين في جنوب إفريقيا ودعوتهم الى العودة الى أوطانهم الأصلية، بمعزل عن كونهم أو كون قادتهم قد ارتكبوا جريمة تاريخية بحق الشعب الأصلي للبلاد طوال قرون عديدة. ولذلك يبدو واضحاً أن الحل الأنسب، بعد إنهاء نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً خلال معظم القرن العشرين، كان الحل الذي تم التوصل إليه، والذي أعاد الإعتبار لحق جميع المقيمين من المواطنين في العيش الحر والكريم على الأرض المشتركة بينهم. طبعاً، هذا الحل لم ينهِ كل مشاكل جنوب إفريقيا بعصا سحرية. فتلك مهمة طويلة الأمد، ومن وجهة نظرنا كيساريين، فمثل هذه المهمة يفترض أن تتحقق بشكل جذري في ظل نظام إشتراكي، على أن يكون نظاماً إشتراكياً حقيقياً، وليس مشوهاً كما كان عليه الحال في عدد من التجارب المنهارة التي عاشها عدد من الشعوب خلال القرن العشرين. ولكن مثل هذا النظام لا يتحقق إلا بعد عملية تطور طويلة تقطعها كل مكونات الشعب المعني، بحيث تتشكل الشروط الموضوعية والذاتية، وخاصة، على الصعيد الذاتي، قناعة الأغلبية الكبيرة بضرورة سيادة هذا النظام.
وبإمكاننا أن نتناول نماذج أخرى للبلدان المتنوعة التشكيل، مثل النموذج الهندي. فشعب الهند شديد التنوع القومي والثقافي- اللغوي والديني، ولم يمنع ذلك استمرار وحدته الجغرافية والسياسية، بالرغم من انفصال باكستان وبنغلادش عنه. كما لم يمنع هذا التنوع تقدم البلد على الصعيد الإقتصادي والحضاري، بالرغم من سيادة النظام الرأسمالي وما يجره من مشكلات اجتماعية عديدة ناتجة عن السياسات المتبعة. فهل من المنطقي المطالبة بانفصال كل مكونات الهند القومية والإثنية والدينية في دول متجانسة؟
ولنأخذ نموذج السودان الأكثر قرباً جغرافياً منا. ولنتساءل إذا ما كان انفصال جنوبه مآلاً حتمياً منذ البداية. من حيث المبدأ، كان بإمكان السودان أن يبقى موحداً، بالرغم من التنوع العرقي والإثني والثقافي والديني في هذا البلد شاسع المساحة. ويبدو، وفق بعض المصادر أن مؤسس حركة الإنتفاض الجنوبية المعاصرة- الجيش الشعبي-، جون قرنق (غارانغ)، كان يسعى لتحقيق تغيير في بنية وسياسات السودان ككل طموحاً بتشكل نظام ديمقراطي يوازن حقوق ومصالح ومطالب كافة مكونات البلد، وليس بالضرورة عبر الإنفصال. وما زالت هناك تساؤلات عن الظروف الإستثنائية التي غاب فيها قرنق في حادث سقوط طائرته في أواسط العام 2005 بعد أشهر قليلة على التوقيع على الإتفاقية التي أنهت الحرب الداخلية مع السلطة الحاكمة في الخرطوم: وبعض الأطراف السودانية وغير السودانية لا يستبعد بالمطلق إحتمال حدوث عملية اغتيال وراء سقوط الطائرة. ومن الممكن أن تكون هناك أطراف، داخلية وخارجية، لها مصلحة في تقسيم السودان وإضعافه. والمشكلة في هذا البلد، طبعاً، لم يكن ممكناً أن تحلّ إلا بسيادة نظام يراعي مصالح وتطلعات كل مواطني السودان، والعمل على إزالة الظلم الذي وقع لفترة طويلة من الزمن على سكان الجنوب بشكل خاص، واحترام خصوصياتهم وحقوقهم في عموم البلد، وفي المناطق التي يسكنونها بشكل خاص. وهو ما لا يبدو انه حصل بالممارسة. مما دفع الأمور باتجاه خيار الإنفصال. ومن المنطقي الإفتراض أن أطرافاً خارجية، من بينها إسرائيل، تحبذه، لحسابات خاصة لها علاقة بإضعاف بلد عربي متاخم لمصر، من جهة، ولتعزيز نفوذ إسرائيل في هذه المنطقة الهامة والغنية بالثروات الطبيعية في شرق إفريقيا. وإسرائيل ليست الطرف الخارجي الوحيد الذي من الممكن أن يستفيد من إنفصال كهذا.
إذاً، سواء بالنسبة للشعب الفلسطيني أو الشعب الكردي، تتمثل القضية المركزية في إزالة الغبن الكبير الواقع عليهما، بمختلف تجليات هذا الغبن. أما كيف يتم ذلك فتلك مسألة سياسية تعني بالدرجة الأولى الشعبين المعنيين ومكوناتهما المختلفة والجهات المعبرة عنهما وعن تطلعاتهما. وكما أشرت بالنسبة للحل المثالي، النظري، للمسألة الفلسطينية فقد لا يكون الحل المثالي للمسألة الكردية يقوم على الإنفصال عن هذا البلد، العربي أو غير العربي، أو ذاك. ولكن ليس ذلك مسألة مبدئية، بل هو موقف سياسي عيني تقرره المعطيات الملموسة لكل تجمع من تجمعات الشعب الكردي، وتجليات الظلم الذي يعاني منه، وكيفية معالجة العلاقة بين كل تجمع والمحيط الذي يجاوره. وهذه كلها مسائل عملية تعالج في سياق رؤية سياسية، وليس وفق مبادئ عامة وجامدة. والقرار فيها هو للشعوب المعنية، وفي المقام الأول الشعب الذي تعرّض للغبن.
فالمسألة الجوهرية بالنسبة للشعبين، مرة أخرى، هي إزالة الظلم الواقع عليهما، وتأمين كافة الحقوق الوطنية والثقافية والإنسانية التي ينبغي أن يتمتع بها كل شعب من شعوب العالم ليحيا حياة طبيعية كريمة تفتح أمامه كل آفاق الإزدهار والتطور الحر.