كلمات عن د.حيدر عبد الشافي وعن مرارة المفاوضات
بسام الصالحي
الحوار المتمدن
-
العدد: 2052 - 2007 / 9 / 28 - 11:03
المحور:
القضية الفلسطينية
عندما يذكر اسم د. حيدر عبد الشافي ، الخالد في ذاكرة شعبه، ترتسم فوراً مجموعة من العناوين والكلمات لمرافقة هذا الاسم: الشفافية، المبدأية، الصلابة ، النزاهة، الروح الديمقراطية، الروح الوحدوية، التواضع، الاخلاق، النظام، الرجولة، والاعتزاز، الكبرياء والشموخ اللذان امتزجا بصورة فريدة، في الاطلالة التي عكسها مظهر وجوهر اداء الدكتور حيدر عبد الشافي في رئاسة الوفد الفلسطيني لمؤتمر مدريد للسلام والمفاوضات التي تبعته في واشنطن.
ومنذ كنا طلاباً في جامعة بيرزيت، أواخر السبعينات، تعرفنا الى الدكتور حيدر عبد الشافي، كعنوان بارز للحركة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، ثم كرمز بارز من رموز لجنة التوجيه الوطني وعنوانها الأبرز في القطاع.
ومما كان يثير الحيرة، في دائرة التنافس الفئوي في حينه سؤال على من يحسب الدكتور حيدر عبد الشافي، لأن ذلك كان امراً هاماً في اطار هذا التنافس ، ولكن هذه الحيرة سرعان ما تتبدد مع كل تعرف بالدكتور حيدر عبد الشافي، الذي من حقه أن يفخر بأن يكون محسوباً على الجميع، وعلى كل المواقف الصحيحة والجريئة والشجاعة.
ولعل من المفيد القاء نظرة سريعة على تجربة المفاوضات، التي قادها د.حيدر خاصة في ظل التحضيرات الجارية للقاء الخريف السياسي، الذي دعا اليه الرئيس بوش.
لقد قاد د.حيدر الوفد المفاوض على اساس خطة تفاوضية تم الاتفاق عليها، مع القيادة الفلسطينية، تقوم على التركيز على موضوعي القدس والاستيطان اولاً، باعتبار ذلك اساسياً في اطار البحث عن انهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة، وقد رفض د.حيدر أي تغيير في اولويات البحث ، للادراك الشديد انه بدون وقف الاستيطان واستمرار تهويد القدس فإن المفاوضات تصبح دون قيمة حقيقية، لأنها تتم في ظل استمرار فرض الوقائع على الأرض، التي تغير وتمس جذرياً بقضايا التفاوض والحل النهائي.
وبسبب هذا الاصرار، والتعارض الواضح بين الاستراتيجية الفلسطينية لمفاوضات واشنطن والاستراتيجية الاسرائيلية المقابلة التي ارتكزت الى عدم بحث هذه القضايا، نجحت اسرائيل في تعطيل هذه المفاوضات، وفي ممارسة الضغوط على الوفد الفلسطيني من اجل تغيير استراتيجيته التي تمسك بها.
المرارة التي تجلت فيما بعد، لدى د.حيدر، كانت عندما اكتشف انه وبعيداً عنه، وعن اطلاعه تم تغيير استراتيجية التفاوض الفلسطينية عبر المفاوضات السرية في اوسلو، لتتحول هذه القضايا الاساسية الى قضايا مؤجلة للبحث فيما يسمى قضايا الحل النهائي، وهي قضايا الاستيطان والقدس، والحدود واللاجئين، والمياه.
مرارة د.حيدر لم تكن لسبب ذاتي، وهو مشروع هنا، ولكنها بسبب ادراكه العميق أن هذا التغيير لن يؤدي الى تقدم حقيقي في العملية السياسية، وانه سيحمل معه مخاطر كبرى.
اليوم ونحن على ابواب لقاء الخريف، هل ستكون قضايا الحل النهائي، هي القضايا الأساسية، ام سيعاد تأجيلها، او التحايل عليها، هل نحن أمام تكريس هدف دولة بحدود غير نهائية أو مؤقتة، وان اختلفت صياغتها ، أم أننا أمام تمترس جدي عند القضايا التي تمترس عندها "ابو خالد" كرئيس للوفد المفاوض في واشنطن، وهل أن التقدم يقاس في مدى حل هذه القضايا، على أساس الحقوق الوطنية والشرعية الدولية، أم وفقا لدعوة بوش للحل على أساس المزج بين الأمر الواقع وخطوط الرابع من حزيران .
لقد ابتلع الراحل الكبير، مرارة السلوك الفلسطيني بحق وفد واشنطن، ولكنه لم يبتلع ولو لدقيقة، مخاطر التغيير في اولويات القضايا التفاوضية، وخاصة ازاء قضيتي الاستيطان والقدس، التي اثبتت الأيام انهما حجرا الزاوية ازاء أي مستقبل للضفة الغربية وللدولة الفلسطينية في كل من الضفة والقطاع.
ابو خالد، يرحل، في الذكرى الرابعة عشرة لاتفاق اوسلو، ولسان حاله يقول، كان بالإمكان تحقيق ما هو افضل، على الصعيد التفاوضي، وكذلك ايضاً وبدون شك على صعيد الوحدة الوطنية، وعلى صعيد ادارة السلطة، ولكن عزاءه أن الخطة التفاوضية التي تمسك بها، يتبدى يوماً بعد يوم، كما كان مؤمناً، بأنها الأكثر جدوى ومعقولية، رغم انها ليست الاسهل على التحقيق بطبيعة الحال.