أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6567 - 2020 / 5 / 18 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


ليلو، اندمجت في الحياة الريفية بشكل غير متوقع؛ هيَ المولودة في دمشق وكانت من أوائل بنات جيلها، الطامحات لنيل العلم في مدرسة وليسَ لدى خوجة. أخفقت آمالها في إمكانية الدراسة، لكنها عوضت ذلك في تعلم الخياطة حتى أضحت معلّمة تملك مشغلاً مع مَن كانت بمثابة أمها الثانية؛ السيدة شملكان. وإلى هذه الأخيرة، يرجع الفضل أيضاً في اكتساب ربيبتها مهارات المطبخ ووصفات العطارة وبعض المعلومات الطبية، التي لم تكن علمية بحتة لكنها بعيدةٌ بحال عن الشعوذة. في أوان حلولها في موطن الأسلاف، استعانت ليلو بخبرتها المكتسبة كيلا تنجب المزيد من الأطفال. بيد أن حلول ضرّة في ظهرانيها، جعل الرغبة في الإنجاب تدفعها لتجربة وصفات معاكسة. إلا أنها الآن، في عام 1910، بلغت الأربعين ولاحت خصوبتها كأنما اضمحلت أو نفدت كلياً. عند ذلك، نحّت جانباً شعور الغيرة لتمتلئ مجدداً بمشاعر العطف على أفراد العائلة؛ وبالأخص، الفتيات منهم.
رزقت السيدة ليلو بأربع بنات، توفيت كبراهن في دمشق ( دونَ علمها )، بينما سبقَ وألحدت شقيقة لها رحلت بالحمّى وهيَ صغيرة بعدُ. بقيَ لديها ابنتان، الكبيرة فيهن ريما، وكانت في هذا العام قد أكملت دزينة من أعوام عُمرها. يوماً بعد يوم، كانت هذه الابنة الشقراء تنضج ملاحتها وتحلو مثل ثمرة الشمّام تحت أشعة شمسٍ جنوبية. أضحت هنا، في موطن الأسلاف، مضربَ المثل بالجمال والرقة سواءً بين فتيات عشيرتها أو الغريبات. هكذا حُسن نادر، بدأ يُقلق الأم على خلفية ما حصل مع الابنة البكر، نازو، التي كانت سببَ ترك أسرتها للشام: " أولاد العمومة كثيرون، ولعل أكثرهم يفكّر من الآن أخذ ريما لابنه؛ سواءً بدالّة القرابة أو بما قدّمه لأسرتها من معونة كي تستقر في موطن الأسلاف "، على هذا المنوال راحَ تفكيرها يعمل. حينَ أبدت مخاوفها لعليكي، لم يَزِد عن القول باقتضاب: " ومَن سيقترن بها، في آخر المطاف، طالما أننا نعيش في قرية على طرف المدنية؟ "
" ولكن والدها من تجار المدينة، المعروفين "
" أتعدّين ديريك، مدينة؟ "، قالها مقاطعاً. واصلت جملتها في اندفاع وحماسة: " ووالدها صديق الأمراء الكرد، الذين من تقاليدهم الزواج من جاريات شركسيات بسبب جمالهن. وابنتنا جميلة، وفوق ذلك من بنات جلدتهم وليست جارية "
" ولو صارت من نصيب أحد أمرائنا، فإنه سيضمها إلى الحريم كي يتعفن جمالها وشبابها داخل جدرانه بفعل الغيرة والحرمان "
" إذاً، ندع حرية الاختيار لريما "
" لعلك تبغين إعادة حكاية نازو، فنتشرّد من جديد؟ "، أوقفها مرة أخرى وبصورة أكثر صرامة. سكتت برهة عن الجواب، غير أنها لم تستسلم. قالت دونَ أن تنظر إليه: " لقد حصلنا كلنا على درسٍ قاسٍ، وهذا كفيلٌ بجعلنا نفكّر ملياً قبل اتخاذ أي قرار يخص مصير ريما أو شقيقتها الصغيرة. أليسَ صحيحاً؟ ". بقيَ يحدق فيها إلى أن قابلت نظرته، ثم هز رأسه ـ كعادته حينَ لا يجد جواباً مناسباً أو لمجرد إنهاء النقاش.

***
لكن ريما كانت قد اختارت فعلاً فارس الأحلام، مذ رأته لأول مرة على ظهر حصانه الأبيض يظهر على مدخل منزل الأسرة. الموقف، جدَّ بعيد عودة عليكي من اسطنبول وكانت بعض حقائبه مرفقة مع حاشية رمّو آغا. لقد حرصَ هذا يومئذٍ على المجيء بنفسه مع بعض أعوانه، المحملين الحقائبَ على عربة تجرها الخيل. رآها واقفة أمام المدخل، تراقب لعب أخوتها الصغار، يلوّح النسيمُ الجبليّ شعرها الذي بلون العسل. بقيَ برهة مذهولاً، وحصانه يراوحُ خبباً في مكانه. تهيأ له أنها ملاكٌ هبط على الأرض، ولن تلبث أن تفرد شعرها الطويل، جاعلة إياه أجنحة تطير بها عائدة إلى السماء السابعة. ولكن كان فيها شيء آدميّ، وشبهٌ بشخص يعرفه حق المعرفة. شاء أن يختبر حدسه، فسألها بنبرة وادعة: " أنتِ ابنة السيد عليكي، إليسَ كذلك؟ ". بدَورها، كانت لا تني واقفة ترمق هذا الفارس بعينٍ ملؤها الإعجاب. بيد أنها جواباً، اكتفت بإيماءة من رأسها قبل أن تتراجع وتغيب وراء باب الدار.
عامان على الأثر، وظهرَ فارسُ الأحلام هذه المرة مع رهط من نساء آله. لم تكن هذه زيارته الأولى بعد ذلك الموقف، إنما حقّ لقلبها أن يخفق بعنف حينَ أشار برأسها إلى ناحيتها فيما كان يهمس لامرأة مسنّة نزلت للتو من العربة المشدودة بالخيل. برغم مشيتها المتثاقلة، خطت العجوزُ بعجلة إلى ناحية ريما كي تقبّلها داعيةً إياها ب " عروستنا القمر ". خطر عندئذٍ للفتاة هذا التساؤل المرعب: " إنه في عُمر والدي تقريباً؛ أليسَ من الممكن أنه يفكّر فيّ كزوجة لابنه؟ ". بيد أنها استعادت هدوءها الداخليّ، لما رمقها الرجلُ مجدداً بشبيه تلك النظرة الأولى؛ المتولّهة والسكرانة بمنظر حُسنها.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الرابع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 3
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقيةالفصل الأول
- بضعة أعوام ريما: الفصل الأول/ 2
- بضعةُ أعوام ريما: الفصل الأول/ 1
- حديث عن عائشة: الخاتمة
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ بقية
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل العشرون/ 2


المزيد.....




- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- مصر.. منشور منسوب للفنان المصري أحمد آدم يثير ضجة بالبلاد
- سلوتسكي: السلطات في لاتفيا مستعدة لحظر حتى التفكير باللغة ال ...
- نجوم فيلم -Back to the Future- يجتمعون لاستعادة قطعة أثرية م ...
- لمحة عن فيلم -Wicked: For Good-.. هذا ما كشفه الإعلان التروي ...
- بوتين يدعو للاحتفال بيوم لغات شعوب روسيا في ذكرى ميلاد رسول ...
- مصر.. تصاعد الخلاف بين محمد الباز وابنة الشاعر الراحل أحمد ف ...
- -أجراس القبار- للروائي الأردني مجدي دعيبس.. رواية تاريخية في ...
- بغداد عاصمة الثقافة الإسلامية 2026
- تكحيل الأضحية والغناء وصبغ الفروة.. عادات تراثية تسبق الأضحي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2