أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الياسري - أرض الرافدين.. بين نقص المياه واتساع رقعة الجفاف وفعل غياب التحرك الحكومي














المزيد.....

أرض الرافدين.. بين نقص المياه واتساع رقعة الجفاف وفعل غياب التحرك الحكومي


عصام الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 11:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بلد يعرف تاريخيا بأنه "أرض الرافدين"، بات الحديث عن نقص المياه واتساع رقعة الجفاف، حديث الساعة وغير منفصل عن أزمة الكهرباء في فصل الصيف ومن أكثر القضايا إلحاحا وخطورة على الأمن القومي والمعيشي والبيئي. ففيما تستمر تركيا وإيران بسياسات مائية أحادية تهدد حياة الملايين من العراقيين، يبرز غياب التحرك الحكومي الفاعل كواحد من أبرز أسباب تفاقم الأزمة.

في العرف القانوني والمجتمعي، يعتبر توفير الماء والغذاء من أهم الواجبات الأساسية التي تقع على عاتق أي حكومة. فالماء ليس موردا طبيعيا فحسب، بل هو حق إنساني أساسي، منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومؤكد عليه في الاتفاقيات البيئية والمائية الدولية، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية.

إلا أن هذا الواجب في العراق بات محل تساؤل، لا سيما مع ما تشهده البلاد من انخفاض حاد في مناسيب نهري دجلة والفرات، وتصاعد معدلات التصحر، وتراجع المساحات الزراعية، وتزايد حالات النزوح الداخلي المرتبطة بشح المياه، خاصة في الجنوب

ما من شك في أن تركيا تتحمل مسؤولية كبيرة في تفاقم أزمة المياه في العراق، بسبب مشاريعها الضخمة، وعلى رأسها "سد إليسو"، الذي تم تشغيله دون تنسيق مع بغداد، رغم ما يترتب عليه من تقليص حاد في تدفق نهر دجلة ومع أن تركيا لم تصادق على اتفاقية 1997، إلا أنها تبقى ملزمة بمبادئ القانون العرفي الدولي، الذي ينص على الإنصاف، وعدم الإضرار، والتشاور المسبق في مشاريع الأنهار المشتركة.

أما إيران، فقد ذهبت إلى خطوات أكثر حدة، من خلال قطع وتغيير مجاري الأنهار والروافد التي تصب في الأراضي العراقية، دون أي التزام بالقواعد الأخلاقية أو القانونية، مما زاد من حدة الجفاف في محافظات ديالى، واسط، وميسان...

إن سياسات الأمر الواقع وتجاهل القانون الدولي والضغوط المتعددة الأشكال التي تمارسها تركيا وإيران: يتطلب من الحكومة العراقية ومؤسساتتها صاحبة الشأن، القيام وبكل الوسائل بما في ذلك استعمال ورقة العقود التجارية والاقتصادية كأداة ضغط للوصول إلى آلية دائمة لمراقبة وتقييم التصريفات المائية من خلال تحديث الاتفاقيات الثنائية مع تركيا وإيران، والسعي لإبرام اتفاقيات ملزمة جديدة تضمن الحصص المائية العادلة للعراق، على أساس مبادئ الإنصاف، وعدم الإضرار، والتقاسم العادل.

داخليا، يجب أن تعمل الحكومة على إصلاح الإدارة المائية، وتطوير البنى التحتية للري والتخزين، وتحفيز الزراعة الذكية المستجيبة للواقع المائي الجديد، والتقليل من الهدر في الاستخدامات الزراعية والصناعية، لتخفيف الاعتماد على المصادر الخارجية.

ومن المنظور القانوني، تلزم الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والمجتمعية ـ الدول الأطراف ـ باتخاذ التدابير اللازمة لضمان حصول الأفراد "المواطنين" على الغذاء الكافي والماء النظيف والآمن ويعد الإخلال بهذه الالتزامات انتهاكا صريحا للحقوق الأساسية المنصوص عليها، وقد يترتب عليه مسؤولية قانونية تجاه الأفراد الذين تسببوا في نشوء الأضرار البشرية والبيئية.

أما من المنظور الأخلاقي والمجتمعي، فإن توفير الطعام والماء لا يعد تفضلا أو خيارا سياسيا، بل هو واجب أصيل يعبر عن جوهر العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن. فمستوى وفاء الحكومة بهذه المسؤولية يعود معيار مركزي لقياس مدى التزامها بواجباتها الإنسانية، ومدى احترامها للكرامة البشرية، خصوصا- في ظل الأزمات أو الظروف الاستثنائية...

إن أزمة المياه في العراق ليست قضية بيئية فقط، بل قضية وجودية وسيادية. فاستمرار الصمت الحكومي والركون إلى الخطابات الدبلوماسية دون فعل، سيفتح الباب أمام انهيار بيئي ومعيشي واسع، ويفاقم من الهجرة والنزاعات الداخلية مستقبل. وعليه، فإن ضمان حق المواطنين في الغذاء والماء يمثل ليس فقط التزاما قانونيا على الدولة، وإنما مسؤولية أخلاقية عميقة تجسد جوهر وجودها ووظيفتها الاجتماعية.


الوقت لم يعد يسمح بالتأجيل أو المجاملة واستمرار الصمت أو التحرك المحدود أمام ما يشهده العراق من أكبر أزمة مائية في تاريخه الحديث. بل يعد خرقا خطيرا للواجب السيادي والإنساني الذي تتحمله الدولة، ويهدد مستقبل الاستقرار السكاني والغذائي والاقتصادي للبلاد.


في كل دساتير العالم، يعد الماء والغذاء من أقدس الحقوق التي لا يجوز المساس بها. لكن الواقع العراقي يقول العكس تماما. ملايين العراقيين اليوم مهددون بالعطش، والنزوح، وانهيار سبل العيش، في وقت يفترض أن تكون الحكومة هي الجدار الأول لحماية هذا الحق، لا أول المتقاعسين عنه أمام تلاعب تركيا وإيران بحقوق العراق الطبيعية، وانتهاكهما الفاضح للقوانين الدولية.


إن التقصير الرسمي لا يكمن فقط في غياب الضغط، بل في غياب الرؤية أيضا. لكن، حتى لا يتحول العراق إلى بلد صحراوي بالكامل، لا بد من تحرك وطني، شعبي وإعلامي ومؤسساتي، سريع وشجاع، يقوم على: مطالبة الحكومة العراقية بالتحرك الفوري والحاسم، وإلا فإن الجفاف لن يكون مجرد موسم عابر، بل عنوانا دائما لمستقبل البلاد.



#عصام_الياسري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتخابات وسيلة فعالة لإحداث التغيير السياسي وتحقيق الاصلاح ...
- متى ستحسم الأحزاب وقوى المعارضة المختلفة موقفها من السلطة ال ...
- الترحيل الجماعي إلى العراق تعبير عن نقاش وحشي حول اللجوء في ...
- متى يغتنم العراق الفرصة لإعادة النظر في كيفية التموضع على رق ...
- متى تستطيع الدولة أداء الوظائف الأساسية التي تعتبر جوهرية لو ...
- التفاوض: عملية أساسية للتفاهم السياسي،، فهل بإمكان الأطراف ا ...
- محاذير من مخاطر عدم الأمان وفقدان الثقة بالنظام في العراق من ...
- هل سيعي الساسة العراقيون خطورة تغيّر توازن القوى في الشرق ال ...
- حلقات مفقودة تعرقل إيجاد مخرج لضبط إيقاع السياسة والمشهد الم ...
- ماكينة القمع تعود بذات الأساليب وذات الأدوات من جديد
- الصياغات المتشددة تجاه أفراد المجتمع ومخاطرها على الحياة الم ...
- نقابة المحامين العراقية... تقفز فوق قيّم مبادئها.. لمصلحة مَ ...
- تأليف السيناريو يجعل : المكتوب على الورق جديرا بالانتقال الى ...
- هل سيعيد سياسيو قوى التغيير تقييم استراتيجياتهم السياسية.. و ...
- الإعتبارات القيمية لثورة 14 تموز 1958 العراقية من حيث الجوهر ...
- 14 تموز.. الثورة التي حققت انجازات كبيرة خلال فترة قياسية
- في العراق... على من تقع مسؤولية تغيير اتجاه البوصلة السياسية ...
- عيد -اليوم الوطني- محور مهم للتعبير عن الهوية وتعزيز الشعور ...
- محنة تخلف عقلية الطبقة السياسية... أحد مظاهر فشل الدولة
- بسبب إنعدام المساءلة والرقابة..طالما ينتهك أصحاب السلطة مقوم ...


المزيد.....




- بجانب تكساس.. فيضانات مفاجئة تضرب ولاية كارولينا الشمالية
- مصر.. حريق في سنترال رمسيس وسط القاهرة وتأثر خدمات الاتصالات ...
- بلغاريا: البحث عن الفهد الأسود يتسبّب بخسائر مالية وقطاع الس ...
- تأسيس -حزب أمريكا- يعمّق الأزمة بين ماسك وترامب والرئيس يقول ...
- حرائق سوريا.. صور وفيديوهات من حرائق اللاذقية، ما هي مناطق ا ...
- ضربات إسرائيلية على اليمن تستهدف موانئ حيوية وسفينة -جالاكسي ...
- -المهاجر البطل-.. إنقاذ يخطف الأنفاس لعائلة من شقة محترقة في ...
- ترامب وماسك.. -إنه سخيف- دونالد ترامب ينتقد إطلاق إيلون ماسك ...
- واشنطن تلغي تصنيف جبهة النصرة كـ-منظمة إرهابية-، فماذا نعرف ...
- واشنطن تشطب جبهة النصرة من قائمة الإرهاب، لماذا الآن؟


المزيد.....

- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي
- صندوق الأبنوس / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الياسري - أرض الرافدين.. بين نقص المياه واتساع رقعة الجفاف وفعل غياب التحرك الحكومي