اية الانصاري
باحثة وناقدة
(Aya Alansari)
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 19:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الجزء الثاني :
وصفت بتلر كيف تتفاعل الذات الفردية مع احداث العالم، او كيف تعبر عن لاسلطويتها بالنص التغريبي ، تقول جوديث بتلر " ترتبط كل الافكار عن الخلق او السلوك الاخلاقي( بانا) فاعلة ، و مع ذلك لا توجد انا معزولة تماما عن الظروف الاجتماعية لنشوئها لا وجود لأنا لا تكون موجودة صمنا داخل مجموعة من المعايير الخلقية تحكمها و تتجاوز المعنى الشخصي او الخاص المحض لكونها معايير تمتلك طبيعة اجتماعية لا تقف الانا بمعزل عن قالب مهيمن من المعايير الاخلاقية و الاطر الخلقية المتصارعة و يعد هذا القالب بمعنى هام الشرط لنشوء (ال ان)ا بالرغم من ان الانا لا تتكون بسبب هذه المعايير .. انها ميدان المعايير متصارعة او متقاطعة قد تبدأ (ال انا) و هي تقدم وصفا لنفسها من ذاتها .. يتضمن ظروف نشوئها الخاص فأن عليها بالضرورة ان تتخذ دور المنظر الاجتماعي" الذات المعزولة حينما تصف ذاتها فهي تعين ما هو خارج معياريتها كعنف اخلاقي و هذا ما يجعل كل الفرديات في نزوع الى السيطرة التامة على مسارها و منتجاتها الثقافية مستقلة في وحدة انطولوجية تصارع العنف الاتيقي والاكسيولوجي البراني وعليه ان الهيمنة التي يتيحها الخطاب التشكيلي المعاصر المحقق للمباعدة الاستلابية و الاستنفار الاستطيقي يحقق بذات الوقت فرص لهيمنة الذات الفاعلة المتلقية في (وصف ذاتها ) في التقويم و الانفعال و المشاركة الرمزية . و من تكفيك مفهومة الفردانية الانسانوية الى اللاانسانوية التي ابتدأت مع فلسفة الغيرية لامانويل ليفيانس، و جعل من الالتزام الاخلاقي ethical obligation الموجه نحو الاخرية سابق على الالتزام تجاه الذات المحقق الرضا الاتيقي النفسي. بما لهذا الالتزام من اشتراط لازم لتحقيق مبدأ حفظ الذات والاعتراف بالعودة لقانون الذات المستقلة الهيغلية و تحقيق الانا المنعزلة الترانسندنتالية يقول تزفتان تودوروف عن الوحدة المطلقة " تجعلنا الطبيعة نولد منعزلين.. سيادة الفرد .. بنفي كل ذات اخرى، ان التضامن مع الاخرين يمنع الانسان من اتخاذ موقف يعبر عن السيادة . و ان الاهتمام بالأخرين لا يمكن ان ينتج الا عن خوف من الاضطلاع بالذات كليا" هذا يأتي من فكرة ان الذوات تتشابه بنيويا و لتدمير التشابه التنميطي و بأخذ الذات المنعزلة موقع سيادي من خلال الفعل الخاص و الارادة الحرة او بلغة الفن النص التصويري المتفرد من خلال البنى التحتية كما يصفها امبرتو ايكو باعتمادها الكامل على السمات البنيوية الداخلية للذات " تقوم باستيعاب لما هو خارجي فتدمجه في مجموعة من السمات الداخلية لذاتها و ان ايماءتها الدالة عليها هي التملك ووسيلتها الامبريالية.. اذ تجد الانا نفسها خارج ذاتها على نحو متكرر ..لأن الانا تمر بتحول عبر فعل الاعتراف.. و يجد المرء ان الطريق الوحيد لمعرفة نفسه يكون عبر وساطة تقع بمعزل عن ذاته.. ان يتعرف على نفسه بوصفه المنشئ او الفاعل ي صناعة ذاته " وبذلك الانطواء على الذات في ادراك الاختلاف و تحويله مع العالم الى سلب استطيقي ، للتقرير و التقويم و التحكم الذاتي و الاشتراع في الوجود من خلال الافاق المعيارية المتعددة، او (الاشتراع بفن الوجود المنعزل ) الذي اشار اليه فوكو، او ايريك فروم (اشتراع في انشاء تخارجي ) Ek-static في نقض العالم الخارجي لصالح مبدأ الذاتية المطلقة Egoism و الاناواحدية الانانية spolism ، عرفت بتلر هذا التخارج الوحداني كمقابل التسامي و التعالي و يعني مصارعة القوى الفوق فردية والفردية و التعالي عن الاختلافات التي تواجه الذات كذات محققة (لأصالات ابداعية ) من خلال التجريد المفاهيمي المبثوث في النص البصري ويذكر بورديو في مسألة الاختلاف " الاختلاف ان يصنع المرء لنفسه اسماء.. التصنيف التي تصنع التشابهات والاختلافات بتسميتهما اسماء المدارس او الجماعات التي ازدهرت في التصوير .. فن العامة ( البوب ارت ) فن المينمال minimal art الهندسي فن العملية process art فن الارض land art فن الجسم body art الفن المفهومي ، الفن الفقير povera art التدفق Fluxus الواقعية الجديدة ، التمثيل الجديد السطح- الدعامة support – surace الفن البصري opt- art قد انتجت جميعا في عمار الصراع من اجل الاعتراف بواسطة الفنانين انفسهم.. و تمارس وظيفة علامات الاعتراف التي تميز المعارض و الجماعات و الرسامين و في الدفعة نفسها المنتجات التي تصنعها و تقدمها "
ان الفنان يصنع ذاته و عزلته الاسلوبية عبر جمهور هو يصنعه و مجاميع متلقية يفكك الالتزام الاتيقي معها لسيادة النص ، يقول ايكو عن التصوير الجديد الما بعد حداثي و معلقا على بييرو مانزوني و اعماله المعلبة و الموقع عليها و اعمال دوشامب وكوزوث و بن فوتير تعبر عن ثورة الفنان و توسع تعريف الفن على انها تعرض ( تقدم و تخاذل) ، و هذا التقدم في الوعي بالفردية المعاصرة و الحرية المطلقة التي يتحيها الفن ، و من ناحية انها تشكل مورفولوجيا ارتدادية نكوصية كصورة لحالة ما بعد الحداثة ان العزلة الاجتماعية التي تعين العودة الى الذات للخروج منها الى الاخر من خلال الفعل الثقافي يفسرها ليفيانس بالتمرد الاتيقي لتفكيك الوحدانية ليعيد تأسيسها واكمالها كهوية مستقلة . او كما تذكر بتلر عن بول ريكور ان تكون الذات منكشفة في تمثيل سردي بحيث ان الذات في عزلتها الطوعية او القسرية لا تنكشف امام ذاتها بل تبقى مغتربة بدون فعل مدلل على وجودها، من دون سرد حبكي مدلل على هويتها ،و عليه فالفعل الثقافي هو انكشاف الذات من عزلتها ، يقول دنيس رايلي ان هذه الذات (تصف اضطرابها الداخلي) و تنتجه في عدم الاتساق اللى اللامعيارية و اللاانتظام، وتمثيل هذا الاضطراب لا يمكن ان يحصر بسرد نصي بل ان انكشاف الذات و التجلي الاستطيقي في لحظة كيروسية معينة للحبكة عن الحكاية الخيالية الهرمسية و الاحداث او المفاهيم التأويلية وللصور الذهنية تتجسد تجريديا في نص بصري، كما يقول محمد الشحات في ( سرديات المنفى ) فالسرد يشكل جزء من انكشاف الذات و تجلي الهوية بالسرد التصويري ، اي انها تؤسس تاريخ و حضور للذات السردية المنفردة تصويرا .و يقول رولان بارت بسرد الذات التصويري ، ان التمثيل الذاتي يعرض في نص سردي صوري او موضوعي " تسمح لكل شيء ان ينحل دون ان تحل شفرته و تفك رموزه فهي في فضاء يجب ان ..لا ان يخترق او يثقب"
يمكن التوصل الى ان الذات توظف امكانات سردية مختلفة عنها من خلال التنوع التجريبي و التقني و منها قد بدأت التعبيرية التجريدية في بث صورة الذات السردية وفن وجودها الاتيقي من خلال اداءات معينة لانظامية informal و تقنيات ومواد مختلفة ، مثل تقنيات التلصيق وتكوين( فورمات مجردة) ومنها ما هو منقح بالبيئة، اي من مواد من المحيط البيئي لينتقل التصوير من ادائية التعبيرية التجريدية وتعبر عن ما هو متجلي مستوعب لمفاهيم الكلية في الفنون الشعبية، و بالاعتماد على ( البيئة و الحدث) المنطلقات التي تندرج مكملةً لأسس الدادائية الجديدة و هي اثارة خيال المتلقي و تحفيز( الدائرة الهرمينوطيقية) ، مثل اعمال ( اللوحات البيضاء ، و سلسة اللوحات السوداء ) لجوزيف بويز بعنوان (رؤوس الغنم) و( كرسي الايل ) و ذات التجربة من اللوحات الاحادية اللون مع لوسيو فوناتا و لوحاته الملونة و المخدوشة ، و التكوينات الدائرية ، مثل عمل ( المفهوم المكاني ) ، و اعمال ايف كلاين وطبع الاجساد و اعمال احادية اللون ، دلالات اللون الاحادي في اعمال جان دوبوفيه مثل ( و عمل ( اللوحة البيضاء ) لروشنبرغ وحتى في عمل ( المونوغرام )او (الحرف الواحد) يشير الى دلالات رمزية عن تكامل البنية المركزية كاستعارة مجازية تشير للفردانية المعاصرة الفرد الضائع و الانسان ذو البعد الواحد و الاداتية و التشيؤ ، ان المونوغرام التجربة الاختزالية لمتعدد المواد على سطوح ملونة تقنية ابتدعها روشنبرغ (combine painting التوليف )، و الدهشة الاستطيقية الحاصلة في تقنية التوليف تتركز في مسألة( تشتيت رؤية المشاهد ) و الانفتاح و الملاحظة و ادراك المكونات المختلفة و المتناقضة " تتميز تلك الاغلفة بأسلوبها الانتقائي ، يختار المصمم الاسلوب الافضل لتوصيل المضمون الى المتلقي" يقول ريتشارد سميث ان يكون ( اكثر وعيا بنفسه و بيئته ) و لوحة السفينة و الدهشة الجمالية التي يحدثها الحجم ، و اعمال كورت شفيتزر و جاسبر جونز وهارتفيلد ومان راي و جون كيج و عمل( نار دراماتيكية ) و عمل ( ضحكات الناقد ) مكون من فرشة اسنان على قاعدة بصورة تهجم و سخرية من الناقد المحتمل و القارئ النشط و دللت على فكرة (موت الناقد) في زمن الفردانية المعاصرة و الحرية التأليفية الامحدودة ، فقد همشت فنون الانحطاط دور الناقد ، اخرون من الدادائية الجديدة حفزوا الفنان المعاصر في رسم الغريب و المقرف و الدموي مع فنون الذعر funk art ، وتوظيف مواد من البيئة ready-inmade مع البوب ارت اوالتجميع و التكديس ، مثل تجربة ريتشارد سميث و عمل القماش المشدود ( التقاطع او الصليب ) (ش184) وكولاج لبناء اشكال معينة من ورق مشدود على( اطار ثلاي الابعاد ) ، ،و هارتفيلد و شويتزر ، يشرح ادوارد سميث عن تجارب كيج و ريتشارد سمث في العزلة الثقافية الامريكية والانفتاح الثقافي عن العزلة الانكليزية مع التصوير الشعبي " استوعب سميث بالفعل اللامبالاة الامريكية نحو الحدود التقليدية للشكل و الاحساس الامريكي بالقياس النسبي .. كانت انجلترا من حيث الفنون المرئية في اخر مراحل حركتها الى خارج مرحلة العزلة ، في الادب استمرت العزلة فترة اطول .. و بدا ان الفنانين الحداثيين يعرضون بالضبط السعادة و الفجاجة و المتعة من خلال الفن مما يلائم روح العصر .. كونوا مجموعة بعد عروضهم الاولى.. كانوا مختلفين تماما من حيث الحالة المزاجية " وفي التفرد الاسلوبي فناني البوب ارت ،مثل بوشييه و تأثره بريتشارد سميث وتقرب من الفن البصري ، كما كان الن جونز و ديفيد هوكني يميلان الى التلقائية والارتجال استخدم جونز الكولاج و الفوتومونتاج و وتعينت فرادته الاسلوبية في رسم النساء، و اقترب هوكني من الساذج و الكاريكتيري والطفلي.
#اية_الانصاري (هاشتاغ)
Aya_Alansari#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟