أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - صرخة المرضى في إقليم كردستان: عندما تُباع الرحمة وتُشترى الكرامة














المزيد.....

صرخة المرضى في إقليم كردستان: عندما تُباع الرحمة وتُشترى الكرامة


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 02:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عمق الحياة الكردية، حيث يحمل المواطن آماله ويصارع أمراضه، تبرز كارثة صامتة تنهش جسد المجتمع دون أن تجد من يرفع راية الدفاع عنه. إنها أزمة النظام الصحي في إقليم كردستان، أو بالأحرى "أزمة ضمير"، تجاوزت حدود القصور الإداري إلى فضاءات من الاستغلال الممنهج، والمتاجرة العلنية بصحة الإنسان وكرامته، في ظل سكوت رسمي، إن لم يكن تواطؤًا مكشوفًا.

أولًا: لا قانون... إذًا لا عدالة
في الدول التي تحترم مواطنيها، تُنظَّم العلاقة بين الطبيب والمريض بقوانين صارمة، تُحدد أجور الكشف، وتمنع تضارب المصالح، وتضع ميثاقًا أخلاقيًا ملزمًا لمزاولي المهنة. أما في إقليم كردستان، فالوضع مختلف كليًا؛ إذ لا يوجد حتى اليوم تشريع واضح أو جدول رسمي من وزارة الصحة ينظّم أجور الأطباء في القطاع الخاص. والنتيجة؟ يتحول المريض إلى "زبون"، والطبيب إلى "تاجر"، وتصبح المعاناة سلعة تُباع وتُشترى في سوق بلا ضمير.

بعض الأطباء، لا نقول جميعهم، أصبحوا يفرضون أجورًا خيالية قد تصل إلى 100 ألف دينار وأكثر لكشفية لا تتجاوز عشر دقائق، بينما آلاف المواطنين يعيشون على الحد الأدنى من الدخل، أو بلا دخل. هل هذا يُعقل؟ وهل تُبنى المجتمعات على أنقاض صحة الفقراء؟

ثانيًا: المختبرات والصيدليات... شراكة في الاستغلال
ظاهرة الإحالات الطبية الوهمية إلى مختبرات معينة وصيدليات محددة باتت من مظاهر الفساد الصحي البارزة. هناك مرضى يُطلب منهم إجراء عشرات الفحوصات المختبرية التي لا حاجة سريرية لها، فقط لأن للطبيب "نسبة" من أرباح المختبر. وهناك وصفات تُكتب لا لضرورتها، بل لتصبّ أرباحها في جيب الصيدلي المتعاون.

بل الأخطر أن بعض الأطباء يشترطون على المرضى جلب الأدوية من صيدليات معينة "ليتأكد منها"، في مشهد يخفي وراءه صفقة واضحة. وهكذا يُجبر المريض على الركض بين المختبرات والصيدليات، لا بحثًا عن الشفاء، بل طاعةً لنظام استغلالي لا يرحم.

ثالثًا: المستشفيات الخاصة... بين الترف والجريمة الطبية
في ظل انهيار ثقة الناس بالمستشفيات الحكومية، يجد المرضى أنفسهم مضطرين للذهاب إلى المستشفيات الخاصة، التي باتت مؤسسات ربحية بامتياز. تُجرى فيها عمليات غير ضرورية فقط من أجل المال، وتُعطى أدوية باهظة أحيانًا دون داعٍ، ويُحرم المريض من حقه في الرأي الثاني أو المراجعة المستقلة.

وقد سجلت حالات موثقة لمرضى أُجريت لهم عمليات من دون حاجة طبية، ثم تُركوا يعانون مضاعفات جسدية ونفسية مدمرة، بينما الطبيب والمستشفى يتهربان من المسؤولية، بدعم شبكة مصالح تشمل جهات سياسية وتجارية متنفذة.

رابعًا: المستشفيات الحكومية... خرائب بزيّ رسمي
المفترض أن تكون المستشفيات العامة ملاذ الفقراء، وسياج العدالة الصحية، ولكن ما نراه اليوم هو مؤسسات تفتقر إلى:

- الأدوية الأساسية (حتى مسكنات الألم البسيطة).

- الأجهزة والمعدات الحديثة.

- الكوادر التخصصية الجيدة (بعد أن انتقل معظمهم إلى القطاع الخاص).

- النظام والانضباط.

وحتى إن وُجد الطبيب الكفوء، فهو يعمل في ظروف مهينة، بأجور ضعيفة، وسط تهميش حكومي وعجز إداري. فأين حق المواطن في العلاج؟ وأين مسؤولية الدولة التي تجمع الضرائب لكنها لا توفر أبسط حقوق الإنسان؟

خامسًا: شبكة المصالح القذرة
للأسف، بعض المسؤولين أنفسهم شركاء في المستشفيات الخاصة، أو يملكون حصصًا في شركات الأدوية، أو يعملون على استيراد أدوية رديئة الجودة من مناشئ غير معتمدة، لتُباع بأثمان عالية في صيدليات "خاصة بهم". وهذه ليست اتهامات في الهواء، بل شهادات حيّة يتداولها الناس علنًا، دون أن يجرؤ أحد على فتح الملف.

هذا التضارب الصارخ في المصالح يُسقط مبدأ النزاهة، ويفسّر لماذا تفشل وزارة الصحة في الرقابة، ولماذا لا تتحرك الحكومة لتحديد أجور الأطباء أو تنظيم العلاقة بين القطاع العام والخاص.

سادسًا: أين القسم الطبي؟ وأين الضمير المهني؟
هل تذكرون قسم التخرج؟ "أقسم بالله العظيم أن أضع مصلحة المريض فوق كل اعتبار...". ولكن البعض نسي هذا القسم في أول منعطف مالي. أصبح المال هو البوصلة، والربح هو الدافع، والتجارة هي الهوية.

نعم، لا ننكر وجود أطباء شرفاء، يحملون الضمير في قلوبهم ويؤدون رسالتهم بصدق، ولكنهم محاصرون داخل منظومة فاسدة، تُكافئ الجشع وتُهمّش النبلاء.

سابعًا: ما الحل؟
الحلول لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة حقيقية:

- تشريع قانون طبي شامل يحدد أجور الكشف الطبي، ويمنع تضارب المصالح، ويُلزم الأطباء بالإفصاح عن أية شراكات تجارية.

- تأسيس هيئة مستقلة للرقابة الصحية بعيدة عن نفوذ الوزارة، تضم ممثلين من المجتمع المدني ونقابة الأطباء.

- فرض نظام شفاف لمتابعة الشكاوى الطبية، وفتح قنوات سهلة للمواطنين لتقديم اعتراضاتهم دون خوف.

- إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية، وتوفير الأدوية والمعدات والأطباء الأكفاء، ليشعر المواطن بالعدالة الصحية.

- تفعيل الدور الإعلامي والنقابي في فضح الممارسات الفاسدة، وعدم السكوت على ما يُرتكب باسم الطب.

هذه ليست مقالة......بل شهادة شعب بأكمله
هذه الكلمات ليست نقدًا عابرًا، بل صوت آلاف المرضى الذين يتألمون بصمت، وينزفون كرامةً كلما دخلوا عيادة خاصة أو مستشفى أهلي. إنها صرخة في وجه الفساد والجشع واللا إنسانية. إما أن نستفيق جميعًا، أو نستعد لرؤية مزيد من الضحايا تُحمل على أكتاف الفقر نحو المقابر، لا لمرضٍ عضوي، بل لمرض أخلاقي تفشى في جسد النظام الصحي.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمليات التجميل في مجتمعنا الكردي: بين وهم الجمال وضياع القيم ...
- سورة يوسف تحت عدسة علم الاجتماع
- الرواتب المعلقة.. أزمة مزمنة بين بغداد وأربيل: إلى أين؟
- الأحزاب التركمانية في الميزان: أزمة القيادة والهوية في إقليم ...
- نحو قلعة نابضة بالحياة: مشاريع استراتيجية لتحويل قلعة أربيل ...
- في عصر الغابة: لماذا يجب على الدول الإسلامية أن تمتلك القوة ...
- تراث كردستان في الميزان: تقرير حول التغييرات الإدارية الكارث ...
- الغش في المجتمع: آفة تهدد القيم والأخلاق
- تحليل نقدي لسوق نشتيمان(بازار نشتيمان) في أربيل من منظور الت ...
- لا حياة لمن تنادي: واقع العراق وإقليم كردستان بين التحديات و ...
- أربيل في ظل الاحتلال البريطاني (1918-1920): قراءة في كتاب -س ...
- إربيل في مرآة التاريخ والفلسفة: دراسة مقارنة بين ابن المستوف ...
- أربيل عبر العصور: من مدينة تاريخية إلى لواء إداري في العراق ...
- دراسة سوسيولوجية لمدينة أربيل: التعددية الثقافية والتحولات ا ...
- -تاريخ اربل- لابن المستوفي: دراسة تحليلية علمية
- أربيل عبر العصور: تطور المخطط العمراني من القلعة إلى المدينة ...
- مقارنة بين مجزرة الكرد في العراق ومجزرة سربرنيتسا في البوسنة ...
- مشروع إعادة تأهيل قلعة أربيل: من الفكرة إلى التنفيذ
- قصور إعادة تأهيل قلعة أربيل: الأسباب والمسؤولية
- إلى السيدة وزيرة المالية العراقية المحترمة، طيف سامي محمد


المزيد.....




- لماذا يعارض مؤيدون بارزون لترامب قبول الطائرة القطرية؟
- -هذه ليست حقبة حرب-، مودي يوجّه أول خطاب للأمة منذ بدء الضرب ...
- رئيس حكومة الوحدة في ليبيا: وزارتا الداخلية والدفاع حققتا إن ...
- إسرائيل تغتال الصحفي حسن إصليح خلال تلقيه العلاج في مستشفى ن ...
- ليبيا: اشتباكات ليلية بين مجموعات مسلحة في طرابلس ووزارة الد ...
- هدية -القصر الطائر- لترامب.. ماذا يقول القانون الأميركي؟
- وكالات أنباء -ممنوعة- من مرافقة ترامب بجولة الشرق الأوسط
- بيان عاجل بشأن -أحداث طرابلس-.. والدبيبة يعلق
- ترامب في طريقه للشرق الأوسط.. ويصف زيارته بـ-التاريخية-
- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - صرخة المرضى في إقليم كردستان: عندما تُباع الرحمة وتُشترى الكرامة