أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل فؤاد عبيد - وعاء الوجود .. حين تلتقي - الكنانة بالكينونة -















المزيد.....

وعاء الوجود .. حين تلتقي - الكنانة بالكينونة -


أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 05:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدمة
في عالمٍ تتقاطع فيه الكلمات بين معانيها الظاهرة وأعماقها المستترة، تبقى اللغة العربية وحدها قادرةً على أن تمنحك مفاتيح أبوابٍ لم تحسب أنك ستطرقها يومًا.
بعض الكلمات لا تكتفي بأن تؤدي معناها الظاهري، بل تحمل في طياتها ممراتٍ سرية تقودك إلى تأملات وجودية صافية.
في هذه السطور، أتوقف عند كلمتين: "الكنانة" و**"الكينونة"** كأنهما توأمان من الجذر ذاته، حمل كلٌّ منهما دوره في رسم صورة الوجود: الأولى وعاء، والثانية تحقق.
الأولى تحفظ ، والثانية تمنح الحضور.. وهكذا تبدأ الحكاية…
هكذا تظل الحياة تمضي في جدليةٍ هادئة بين ما نخبئه وما نظهره، بين ما نسكته داخلنا وما نمنحه فرصة الظهور.. نحن، ككائنات من زمن وظل، نحمل كنائنَ من احتمالات، نسير بها على دروب الكينونة.. ربما لا تكون المسألة مجرد كلمات متقاربة، بل هي إشارات لطيفة من اللغة ، تنبّهنا إلى أن ما نحفظه في دواخلنا لا يقل وجودًا عما نعلنه .. فكل ما في الكنانة... مرشحٌ يومًا لأن يصير كينونة : "ليس كل ما لم يُظهر، غائب.. فبعض الوجودات تحفظها الكنانة، وتنتظر لحظة الضوء."

إن المعنى اللغوي لمصطلح الكنانة: هي الجعبة أو الحافظة التي يُجعل فيها النبال (السهام).
أي هي الوعاء الذي يحمل فيه الرامي سهامه ليحفظها ويستخدمها وقت الحاجة.
في لسان العرب:الكنانة: هي وعاء النبلوجمعها: كنائن.
في الثقافة والتاريخ : يُقال عن مصر:"مصر كنانة الله في أرضه" وهي عبارة مشهورة يُنسب معناها إلى حديث (ضعيف السند) لكنه متداول في كتب التراث .. والمقصود أن مصر محفوظة وذات مكانة خاصة كـ"كنانة" يضع الله فيها خيراته ويدافع عنها.
كما أن الكنانة ترمز للحفظ والاحتواء والستر، لأنها تحفظ السهام حتى وقت استخدامها.
في الأدب : وردت اللفظة في الشعر العربي كرمز للحفظ والقوة والعدة، كقول الشاعر:
إذا ما أراد الرامي السهامَ ... وجدها في كنانته محفوظةً معدةً
هناك أيضاً استخدامات مجازية.. يمكن أن تُستخدم الكنانة للدلالة على وعاء أي شيء محفوظ بعناية , أو لوصف شخص يُخفي في قلبه أمورًا كثيرة (من العلم أو الحكمة أو الأسرار).

وفي حين الربط بين سؤال الكنانة والكينونة هل هناك فرق بين معنى الكنانة وبين الكينونة .. أو بمعنى آخر هل هناك صلة بينما ؟؟
إن لفظتي : "كنانة" و"كينونة"هما كلمتان مختلفتان اشتقاقيًا ودلاليًا، لكن يجمعهما جذر مشترك في أصول اللغة .. وهو الجذر: ك-ن-ن , وهذا الجذر فيه معنى : الستر، الحفظ ، الاحتواء، الوجود في مكان محفوظ أو مستتر..
أما معنى "الكنانة ": كما ذكرنا فهو وعاء السهام أو مجازًا: وعاء الحفظ لأي شيء , فهي حاوية تحفظ شيئًا بداخلها .. معنى "الكينونة":مصدر من كان / يكون تعني : الوجود ، الحالة التي يكون عليها الشيءأي هي تحقق الوجود أو كون الشيء في وضع معين مثلًا :كينونة الإنسان في هذا العالم أي : وجوده، حاله، طبيعته ..
مما يدلل على أن هناك صلة بينهما من ناحية الجذر: فهما يشتركان في الجذر ك-ن-ن الذي فيه معنى الحفظ والستر والوجود.. ولكن من حيث الاستعمال والمعنى الاصطلاحي :
"الكنانة" : وعاء مادي (أو مجازي) لحفظ شيء..
أما "الكينونة" : فهي حالة وجود أو تحقق الشيء (فلسفية /وجودية).. في التوسع الفلسفي : لو أحببنا أن نتأمل :
الكنانة تحفظ أشياء لها كينونة (وجود) ، فهي حافظة للوجودات (السهام، الأسرار، الأفكار) فلو أردت أن تصوغ علاقة شعرية أو رمزية : " الكنانة وعاء الكينونات "
"الكنانة و الكينونة" في أعماق اللغة، حيث تتوارى الألفاظ في خدر الجذور، يلتقي معنى الكنانة بمعنى الكينونة على عتبة الحفظ والوجود .. فالكنانةُ وعاءٌ، تحفظ فيه السهام كما تحفظ الأمهات الأمنيات في قلوبهن، وكما تحوي الكتب أسرار العصور.
والكينونةُ، هي أن يكون الشيءُ، أن يتجلى، أن يتحقق، أن يتنفس حضوره وسط الغياب.كأنما الكنانةُ هي حضن الوجودات الصغيرة، تحميها من العدم حتى يأتي أوان انطلاقها.وكأن الكينونةَ لا تنبت إلا من كنانةٍ ما؛ تحفظ بها احتمالات أن تكون أو لا تكون. فكل كينونةٍ كانت يومًا كنزًا في كنانةٍ ما:فكرةٌ في خيال شاعرسهمٌ في جعبة محارب .. رجاءٌ في قلب عاشق .. وطنٌ في صدر مغتر .. فالكنانةُ تحفظ، والكينونةُ تتحقق.. وكأن الوجود كله كنانةٌ كبرى، تنطوي فيها كينونات الأشياء، متوارية، حتى إذا شاء الزمان، رماها القوس، فأصاب سهمها غيمًا أو قلبًا.
تعبر الكنانة والكینونة : عن وعاء الوجود ووجود الوعاء في اللغة العربية ، تنبض الكلمات بأسرارها حين نقترب منها بخشوع.. ليست اللغة مجرد وسيلة للبيان، بل هي كائن حي يتنفّس في طيات الحروف، يحمل بين جذوره الحسية والمعنوية ما يشبه الأسرار المدفونة في تربة الزمان . ولعل من الكلمات التي تستحق هذا التأمل العميق: " الكنانة " و**" الكينونة "**.
الكنانة : وعاء المعاني والأشياء

الكنانة ، في أصل معناها، هي الجعبة التي يوضع فيها النبل ’ أو وعاء يحفظ السهام حتى يأتي وقت الرمي . غير أن هذا المعنى البسيط يفتح لنا أفقًا رمزيًا واسعًا ؛ فالكنانة ليست مجرد حافظة أشياء ، بل هي وعاء لاحتمالاتٍ كامنة.. كما أن السهام في الكنانة ليست مجرد أدوات قتال ، بل أفكارٌ لم تُقال بعد، قراراتٌ تنتظر لحظتها ، وأقدارٌ لم تتحقق.
كأن لكل إنسان كنانته : يضع فيها ما يخاف فقدانه .. ما ينتظر وقته .. ما يحتفظ به لنفسه بعيدًا عن أعين الآخر.. ينقد تكون هذه الكنانة صندوقًا خشبيًا، أو دفترًا معتقًا، أو قلبًا متعبًا .
أما الكينونة : تجلّي الوجود .. أو هي حالة الوجود ذاتها ، أن يكون الشيء، أن يتحقق، أن يتجلى في عالم الواقع أو الخيال .
الكينونة ليست جامدة ولا ثابتة ، بل متحركة بين إمكان التحقق ومجال العدم .كل فكرة تمر بنا، كل شعور يتسلل إلينا ، كل موقف نقفه ، هو جزء من كينونتنا التي تتشكل باستمرار .
الوجود بهذا المعنى ليس فقط الحضور الفيزيائي، بل هو تحقق المعنى وظهور الأثر.
بين الكنانة والكینونة : علاقة الحفظ والتحقق .. وما يثير الدهشة أن الكنانة في جوهرها تحافظ على احتمالات الكينونة.. فكل سهم في كنانته هو وجود مؤجل، وكل فكرة في دفترها كينونة تنتظر من يمنحها فرصة البوح .. لو أردنا أن نستعير هذه الصورة للحياة : نحن نحمل في دواخلنا كنائن صغيرة ، تحفظ رغباتنا، مخاوفنا، أفكارنا، ومشاعرنا.. بعضها يظهر إلى السطح في لحظة مناسبة فيتحقق ، وبعضها يبقى في كنانته ، لا يتجاوزه الزمن ولا يفسده النسيان.
الكون كله يمكن تخيله كـ"كنانة كبرى"، تحفظ كينونات الأشياء الممكنة. وبين لحظة وأخرى، يسحب الوجود سهمًا من كنانته ، ليمنحه شكله، مكانه، وزمانه.
حين نصبح نحن الكنانة أحيانًا نصير نحن كنائنَ لآخرين : نحمل أسرارهم ..نحتفظ بحكاياتهم .. نحتوي مشاعرهم الهاربة من العلن .. ونصبح نحن حاضنة الكينونة المؤجلة..
ألا يبدو هذا المعنى شديد الجمال؟ أن تكون كنانةً تحفظ كينونة الآخر حتى ينضج وقته؟
في خاتمة التأمل : ما بين الكنانة والكینونة، تمضي الحياة متأرجحة.. كل ما نحمله، وكل ما نؤجله، وكل ما نُخفيه أو نعلنه ، هو جزء من هذا الحضور الحي.. أن نحيا يعني أن نحفظ وأن نُطلق.. أن نؤجل وأن نُحقق.. أن نكون، وألّا نكون… حتى نكون.

موضوع للمناقشة



#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرض وتيار الوعي .. بين ضفة المعنى .. وفضول العدم دراسة .. ...
- الأرض وتيار الوعي .. بين ضفة المعنى .. وفضول العدم .. دراسة ...
- كادر .. ام كوادر ؟ كتابة عبر نوعية
- على شو .. بدنا نحكي ..
- مصر التي في خاطري ..
- حروف .. العطف
- استقرار ..
- شيخ .. الجامع
- ثقافة ..
- إغراء ..
- من اول السطر ..
- في مصر ..
- عيون القلب
- الضفة الأخرى من الحلم ..
- المكوك ..
- المدرسة اللبنانية
- الدامور ..
- الحفار ..
- ميرفت ..1
- من أوراق مخيم 1 ..


المزيد.....




- لماذا يعارض مؤيدون بارزون لترامب قبول الطائرة القطرية؟
- -هذه ليست حقبة حرب-، مودي يوجّه أول خطاب للأمة منذ بدء الضرب ...
- رئيس حكومة الوحدة في ليبيا: وزارتا الداخلية والدفاع حققتا إن ...
- إسرائيل تغتال الصحفي حسن إصليح خلال تلقيه العلاج في مستشفى ن ...
- ليبيا: اشتباكات ليلية بين مجموعات مسلحة في طرابلس ووزارة الد ...
- هدية -القصر الطائر- لترامب.. ماذا يقول القانون الأميركي؟
- وكالات أنباء -ممنوعة- من مرافقة ترامب بجولة الشرق الأوسط
- بيان عاجل بشأن -أحداث طرابلس-.. والدبيبة يعلق
- ترامب في طريقه للشرق الأوسط.. ويصف زيارته بـ-التاريخية-
- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل فؤاد عبيد - وعاء الوجود .. حين تلتقي - الكنانة بالكينونة -