أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد خالص - -الناموس في الاقاليم المغربية الصحراوية: بين الخصوصية العرفية والسياق القانوني-














المزيد.....

-الناموس في الاقاليم المغربية الصحراوية: بين الخصوصية العرفية والسياق القانوني-


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 00:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عمق الجنوب المغربي حيث تقع الأقاليم الصحراوية، التي عانت من الاحتلال الإسباني لأكثر من ستة عقود، تتأثر الحياة اليومية بشكل كبير من المناخ القاسي والتحديات الجغرافية.
في هذه المناطق، التي تختلط فيها الرمال بالزمن، وتصاغ فيها الهويات على وقع الإبل والتجارة والزراعة في الواحات، وسط أصوات المروءة والشرف، انبثق ما يُعرف بـ "الناموس"، الذي يعد من أرقى وأقوى المنظومات العرفية التي حكمت حياة الفرد والقبيلة لقرون.
الناموس هو أحد أبرز المكونات العرفية والثقافية في المجتمعات الصحراوية المغربية. فهو يتجاوز كونه مجرد مجموعة من القواعد غير المكتوبة ليشكل منظومة أخلاقية واجتماعية تنظم العلاقات داخل القبيلة وبين القبائل، ويكرس قيمًا عليا مثل الصدق، الشرف، الكرامة، الأمانة، الوفاء، الكرم، الصفح، وغيرها من القيم الإنسانية الأساسية.
الناموس ليس مجرد عرف تقليدي، بل هو مؤسسة اجتماعية وثقافية وقانونية، تحمل في طياتها عناصر مثل الضبط الذاتي، التحكيم الجماعي، وردّ الاعتبار. كما يمثل خلاصة العقل الجماعي الذي بلور معايير محددة لما هو مشرّف وما هو معيب. ويُحدد أيضًا ما يستوجب التدخل الجماعي وما يُحلّ داخليًا داخل القبيلة.
في الثقافة المغربية الصحراوية، لم تكن هنالك حاجة للعقود ولا للقوانين المكتوبة ولا للمحاكم الرسمية، بل كان يكفي أن يُقال عن شخص "عندو ناموس" حتى يُحترم وتُؤتمن كلمته. أما من "سقط ناموسه"، فإن مكانته الاجتماعية تسقط بالتبعية، بغض النظر عن مكانته المالية أو سلطته.
يحمل الإنسان الصحراوي إذن إرثًا قيميا قويًا مثل درع يحميه، وكالسيف الذي لا يُصد. وكان الناموس ينظم المجتمع وفق هذه القيم التي لا تُشترى ولا يُغفر خرقها. لم تكن القبائل الصحراوية تنتظر من المستعمر الإسباني "التنظيم" أو "الحماية" أو "العدالة" - شأنها شأن القبائل الأمازيغية بالنسبة للمستعمر الفرنسي حيث كانت تحتكم لأزرف - بل كانت تعتمد على أعرافها القديمة، أي على "الناموس"، لتنظيم العلاقات القبلية وضبط الاتفاقات المتعلقة بالرعي، المرور، التبادل، التحالفات، وحتى التوارث. كما كان يقنن داخل القبيلة استخدام بعض الموارد مثل المياه (الآبار)، الأراضي الرعوية، ومناطق التخييم، وكان يساهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار من خلال تحديد العقوبات التقليدية مثل الغرامات، الدية، النفي، فضلاً عن فض النزاعات وفرض العدالة في القضايا المتنوعة مثل القتل، الضرب، الاعتداء على الأرض أو الماء، قضايا العرض والشرف، وعقاب من يخرق السلم القبلي أو يثير الفتنة.
الناموس يُلزم القبيلة ايضا بالتكافل في العديد من الحالات مثل الجفاف، والحرائق، والحروب، والكوارث الطبيعية. كما كان الناموس في المجتمع الصحراوي أداة هامة للوساطة وحل النزاعات. إذ كان يشجع على الصلح والتسامح بدلًا من الانتقام، ويمنح الكلمة للشيوخ والوجهاء الذين يُعتبرون حكماء في المجتمع لحل الإشكالات بين الأطراف المتنازعة.
الناموس شكل لقرون حجر الزاوية في الحياة الاجتماعية والثقافية للقبائل الصحراوية المغربية لأنه لم يكن مجرد عرف تقليدي بل هو منظومة متكاملة توازن بين الأخلاق والقانون، وتضمن العدل والضبط الاجتماعي. بفضل الناموس، ظلت القبائل الصحراوية قادرة على الحفاظ على قيمها وهويتها وسط التحديات الكبرى التي واجهتها، ابتداء من قساوة الطبيعة مرورا بتواجد المستعمر، حيث اعتُبر الناموس بمثابة الضمانة لاستقرار المجتمع وحمايته من التفكك.
وبالرغم من أن الناموس لا يُنظَّم بنص تشريعي صريح، فإن القضاء المغربي، خاصة في المناطق الجنوبية، كثيراً ما يستأنس به اليوم في حل النزاعات، خاصة: عند غياب نص قانوني صريح؛ وفي المنازعات ذات البعد العائلي أو العقاري أو المتعلق بالعرف القبلي؛ في إطار تطبيق الفصل 474 من قانون الالتزامات والعقود، الذي ينص على أن العرف يعتبر مكملاً للقانون، متى ثبت واستقر العمل به.
وقد دأبت المحاكم المغربية في الأقاليم الصحراوية، استناداً إلى هذا الفصل، على اعتبار الناموس ــ وهو عرف قبلي متجذر ــ مرجعاً لتحديد الحقوق والالتزامات، خصوصاً فيما يتعلّق بالأعراف المحلية ولا سيما تنظيم الأراضي الجماعية، أو حلّ النزاعات المرتبطة بالمياه والرعي والحدود وكل ما يرتبط بالعلاقات بين القبائل.
كما أن الناموس، بما يختزنه من قواعد متراكمة ومرضية للطرفين، يُعتبر في بعض الأحيان أداة فعالة لتحقيق العدالة التصالحية، التي تراعي الخصوصية المجتمعية دون الخروج عن الضوابط العامة للنظام العام المغربي.
وسنعمل على نشر بحث أكاديمي حول الموضوع في مجلة مصنفة بحول الله..
دكتور في الحقوق
4 أبريل 2025
(مقتطف من دراسة ل"الناموس في الأقاليم المغربية الصحراوية : بين الخصوصية العرفية والسياق القانوني" والتي تدخل ضمن سلسلة بحوث الأستاذ خالد خالص في الشأن القانوني والاجتماعي).



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تقتل الجريمة أرواحًا لا تُرى
- في حضرة المناسبة
- -المحاماة وتحديات الاستقلالية والحصانة في ضوء المبادئ التوجي ...
- خطاب التخوين
- دور البرلماني وحدود الحصانة البرلمانية في ضوء الجدل حول مساء ...
- هل يمكن اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال ال ...
- جدران للمبكى وسعادة للبيع
- مدونة الأسرة بين صراع القيم وصخب النقاش العمومي
- النسبية أو التريث: فن التعامل مع الواقع
- التنمر والخطابات العدائية عبر الإنترنت في القانون المغربي
- النجاعة القضائية بين المفهوم والممارسة
- تعليق بيت الزوجية وعدم إدخاله ضمن إحصاء التركة: مسودة دراسة ...
- قراءة نقدية في مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المد ...
- من -المختصر في تاريخ مهنة المحاماة-
- لماذا خرج المحامون المغاربة للشارع ؟
- أي مستقبل لمهنة المحاماة في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية ؟
- عبد العزيز النويضي
- مطرقة القاضي
- حصانة المرافعة في القانون المغربي
- ادريس الضحاك


المزيد.....




- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...
- مشاهد مرعبة.. العثور على شقيقتين مقيدتين في -سجن خاص- قذر ح ...
- إدارة ترامب تمنع وكالات الأنباء من مرافقة الرئيس في رحلته إل ...
- موسكو: مناورات الدول الغربية في ليتوانيا موجهة ضدنا ونتخذ إج ...
- بينها دول عربية.. أفضل 20 مطارا في العالم لعام 2025
- الصين تطلق بنجاح قمرا للاتصال إلى المدار الفضائي
- وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تعلن انت ...
- إعلام: نهج نظام كييف أدى إلى انقسام بين الولايات المتحدة وأو ...
- بالفيديو.. نجاة مراهقة وسيارتها من الغرق بطريقة غريبة في الو ...
- غرينلاند تتولى رئاسة مجلس القطب الشمالي نيابة عن الدنمارك


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد خالص - -الناموس في الاقاليم المغربية الصحراوية: بين الخصوصية العرفية والسياق القانوني-