أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله سلمان - العقيدة التفاوضية الإيرانية بين فقه الخميني والمصلحة السياسية















المزيد.....

العقيدة التفاوضية الإيرانية بين فقه الخميني والمصلحة السياسية


عبدالله سلمان
كاتب وباحث

(Abdallah Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 19:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن فهم العقيدة التفاوضية الإيرانية بمعزل عن السياق التاريخي العميق الذي صاغ الذهنية السياسية الفارسية منذ العصور الساسانية وحتى الجمهورية الإسلامية. لطالما عُرف الفرس بقدرتهم الفائقة على المناورة السياسية وتاريخهم الدبلوماسي حافل بتكتيكات المساومة الخبيثة التي استلهمته من دهاليز الكهنوت المجوسي وتبديل المواقع واستخدام اللغة المزدوجة الممزوجة بالمداهنة والخداع. هذه المهارة لم تكن مجرد رديف للضعف بل كانت أداة بقاء لإمبراطوريات امتدت جغرافيًا وزمنيًا وتطلبت قدرة عالية على احتواء الخصوم وتحقيق المكاسب دون صدام مباشر دائم.
وعندما جاء الخميني واسس الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 شكّل الفكر السياسي للخميني حجر الأساس للعقيدة الحاكمة في ايران بنظرية فقهية لم يقطع الإرث التاريخي الفارسي بل ألبسه ثوبا دينيا شيعيا و أعاد تأويل الموروث الشيعي من خلال نظرية "ولاية الفقيه" والتي منحت الفقيه الجامع للشرائط سلطة مطلقة تتجاوز حتى بعض الثوابت العقدية في المذهب الإثني عشري ووضعت اطار ناظم لسلوك سياسي مرن يمكنه من تعليق الاحكام وتجاوز الثوابت متى ما استدعت الضرورة تحت عنوان حفظ النظام . وهكذا تلاقت البراغماتية الفارسية التاريخية مع الاجتهاد الفقهي للخميني لينتج عنها نموذج تفاوضي خاص يدمج بين الصبر الاستراتيجي والتهديد المضمر وتجرع السم وشعارات محسوبة دون أن يغفل المصلحة القصوى في بقاء الدولة وتعظيم النفوذ حتى لو كلف ذلك تجاوز الحدود العقائدية أو إعادة تأويلها بالكامل.
في هذا الإطار تبرز عبارة صادمة واردة نصًا في الجزء الخامس عشر الصفحة 315 من كتاب الخميني "الحكومة الإسلامية"، يقول فيها إن "حماية النظام الإسلامي مقدّمة على كل شيء، حتى على حفظ شخص الإمام المهدي نفسه عليه السلام إن تطلّب الأمر ذلك" هذه العبارة لا تعبّر فقط عن أولوية الدولة على الغيب بل تؤسس لعقيدة سياسية ذات طابع براغماتي وتطرح اكثر من تساؤل و ترى في بقاء النظام غاية تبرّر أحيانًا تجاوز ما هو مقدّس في الوعي الشيعي .
ننطلق من هذه المقولة كمفتاح لفهم العقيدة التفاوضية الإيرانية التي وإن رفعت شعارات الثبات والمواجهة فإنها عند التأمل تقوم على مبدأ التكيّف مع الضرورات وتقديم مصلحة النظام السياسي كقيمة عليا افضل من المعتقدات المعلنة .
منذ مجيئ الخميني للسلطة عام ٧٩ شكّل العداء للولايات المتحدة أو "الشيطان الأكبر" كما وصفها الخميني أحد أعمدة الخطاب السياسي والإعلامي لإيران هذا العداء تحوّل إلى مكوّن بنيوي في الثقافة السياسية الإيرانية وتجاوز الداخل الإيراني ليتم تصديره إلى امتدادات طهران الإيديولوجية في الإقليم لا سيما في لبنان والعراق واليمن لكن وعلى الرغم من هذا التصعيد اللفظي المستمر فإن الواقع العملي للعلاقات الإيرانية الأمريكية قد سار في اتجاه مختلف تمامًا فعلى امتداد أربعة عقود لم تشهد العلاقة بين الطرفين مواجهة عسكرية مباشرة تُجسّد ذلك العداء المعلن بل تميزت بتجنّب الصدام المباشر وتكريس قنوات خلفية للاتصال والتفاوض .
وتتجلى هذه البراغماتية بأوضح صورها خلال التعاون المشترك في احتلال أفغانستان والعراق كما صرح الكثير من المسوؤلين في طهران وكذلك في مسار مفاوضات الملف النووي في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي توّجت بتوقيع الاتفاق النووي في عام 2015. ففي تلك المرحلة قدّمت الولايات المتحدة تنازلات جوهرية لطهران شملت رفع عقوبات اقتصادية والسماح لها بالاحتفاظ ببنية تحتية نووية في مقابل التزامات جزئية قابلة للتنصل و اطلاق النفوذ بالمنطقة.
ان من أبرز ما يميز النظام الإيراني عن غيره من الأنظمة هو اعتماده على مبدأ "ولاية الفقيه" الذي لا يمنح فقط الفقيه سلطة دينية بل سيادة مطلقة في اتخاذ القرار السياسي والديني على حد سواء. هذه النظرية كما صاغها الخميني لا تقوم فقط على إدارة شؤون الأمة في غياب الإمام المهدي المنتظر حسب منهاج الخميني بل تتجاوز ذلك لتمنح "الولي الفقيه" صلاحية تعطيل حتى بعض الأحكام الشرعية إذا اقتضت مصلحة النظام ذلك ، وفي هذا الإطار يتحوّل التفاوض حتى مع "العدو العقائدي" إلى ضرورة شرعية إن كان في مصلحة الدولة وبقاء النظام لا يُنظر إليه كتنازل أو ضعف بل كحكمة سياسية يباركها الغطاء الفقهي وهنا تتجلّى المفارقة العميقة بينالخطاب الثوري الذي يرفض التنازل أو الحوار مع "الشيطان الأكبر" لكن فقه الضرورة يُجيز التفاوض بل ويفرضه أحيانًا إذا كان يحقّق مصلحة أكبر أي استمرار النظام .

رغم الطابع العقائدي الذي يغلّف الخطاب الإيراني الرسمي فإن التطبيق العملي يكشف عن حقيقة أكثر دنيوية وهي توظيف النصوص الدينية وخاصة أحكام الخميني حول حفظ النظام لحماية مصالح طبقة معينة داخل الدولة تتكوّن أساسًا من رجال الدين الملالي وقادة الحرس الثوري لان هذه النخبة تتمتع بامتيازات اقتصادية وأمنية هائلة تجعل من بقاء النظام شرطًا لبقائها لذلك يصبح استخدام فتوى الخميني حول "أولوية النظام على الإمام المهدي" أداة فقهية لحماية هذه المصالح الشخصية أكثر من كونها اجتهادًا عقائديًا خالصًا أي جعل الدين في خدمة الملالي والنخبة الحاكمة بمجموعها .

هذا التوجه لم يقتصر على الداخل الإيراني بل انعكس على وكلاء طهران في المنطقة إذ تبنّى حلفاء إيران من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن والميليشيات الولائية في العراق خطاب العداء المطلق للولايات المتحدة مع تطبيق عملي لا يخلو من براغماتية وانخراط في تسويات وتهدئات مرحلية تحفظ بقاءهم.

لكن ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية باتت الميليشيات العراقية تحديدًا أمام اختبار وجودي لا سيما في ظل الدعوات المتزايدة لحصر السلاح بيد الدولة. كل هذا يضعها في موقع هش ويجعل من أي تفاهم أمريكي إيراني تهديدًا صريحًا لبنيتها وامتيازاتها وشعور متزايد بالتخلي الإيراني عن اذرعها لصالح بقاء النظام .

وفي ظل هذه المعادلات المعقّدة، يبقى مسار التفاوض بين إيران و امريكا والغرب مفتوحًا على أكثر من احتمال فبين تشدد داخلي يحاول فرض شروط أكثر تطرفًا وبراغماتية سياسية تدفع باتجاه تخفيف العزلة وتفادي الانهيار الاقتصادي يبدو أن القرار النهائي سيتأرجح بين موازين القوى داخل النظام نفسه وبين شكل التنازلات الممكن تمريرها دون أن تُحدث شرخًا في قناعة المؤمنين بفكر الخميني لاستمرار الإبقاء على التبعية العقائدية والحفاظ على هيمنة رجال الدين على مواقعهم بين الناس للحصول على الأموال والنفوذ .
وفي نهاية المطاف تكشف التجربة الإيرانية عن دولة دينية تتقن لغة المصالح وتُعيد باستمرار تأويل النصوص لتبرير خياراتها السياسية ما يجعل العقيدة التفاوضية الإيرانية في جوهرها منظومة براغماتية مغلّفة بغطاء ديني لا أكثر.
على حلفاء إيران في المنطقة وفي العراق على وجه الخصوص أن يُعيدوا النظر بعمق في موقعهم داخل المشروع الإيراني فالتجربة أثبتت أن بقاء النظام في طهران هو الأولوية القصوى حتى لو تطلب ذلك التخلي عن الحلفاء والأدوات متى ما استدعت موازين القوى ذلك ومن يراهن على ثبات الدعم الإيراني دون اعتبار لحسابات المصالح قد يجد نفسه في لحظة ما ورقة محروقة على طاولة تفاوض لا يجلس عليها أصلًا.



#عبدالله_سلمان (هاشتاغ)       Abdallah_Salman#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الكادر السياسي في العراق مقاربة نقدية في ضوء فكر ديمترو ...
- طفولية المعارضة العراقية
- بريطانيا. راعية النظام الطائفي في العراق ومخططها لتدجين المع ...
- بريطانيا.. راعية النظام الطائفي في العراق وأساليبها في تدجين ...
- الزمن الجميل: بين السردية التاريخية والتعايش المجتمعي
- قرأة في القانون والفقه الدستوري
- تعريف كتاب الديمقراطية في العراق بين النظرية والتطبيق
- الانتخابات الامريكية ووسائل ادارة النفوذ في العالم
- من احتلال بغداد الى دمــار غزة
- السطو الاعظم
- المقترح الامريكي لانهاء العدوان على غزة لماذا الان ؟
- تعريف كتاب العلمانية منهج فكري ام عقيدة دينية (رؤية تحليلية ...
- تحت وطأة التحديات فشل استراتيجية الردع في الشرق الأوسط
- تجاوزات الاعلام الغربي ، استخفاف واستغفال مواطنيهم
- اشكالية الانسان في الاعلان العالمي لحقوق الانسان
- للانتصار وثبة وفرح
- مسرحية التبادل تمثيل امريكي هابط
- بلينكن واكاذيب امريكا المتجولة
- قراءة في المشروع الامريكي – البريطاني في تكوين شرق اوسط جديد ...
- محمد شياع السوداني وبناء عالم افتراضي


المزيد.....




- زاخاروفا ترد على تصريحات زيلينسكي حول -استعادة- شبه جزيرة ال ...
- مراسل RT: تبادل لإطلاق النار في طرابلس إثر محاولة توقيف أحد ...
- أوكرانيا -قد تضطر- للتخلي عن أراضٍ لصالح روسيا وترامب يؤكد أ ...
- مجلة أمريكية تطلق عدًا تنازليًا لانتهاء ولاية ترامب.. ما الق ...
- -دون شروط- - واشنطن تفرج عن 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية ل ...
- مناورات جوية واستثمارات ضخمة .. رسائل من مصر والصين لترامب؟ ...
- ترامب: ويتكوف عقد -اجتماعا جيدا- في الكرملين
- ترامب: تحدثت مع نتنياهو وطلبت منه -الترفق- بقطاع غزة
- مستشار الخارجية الأمريكية الأسبق: زيلينسكي لن يغتنم فرصة الس ...
- -جيش- من البعوض يغزو طائرة بأكملها! (فيديوهات)


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله سلمان - العقيدة التفاوضية الإيرانية بين فقه الخميني والمصلحة السياسية