علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب
(Ali Tabla)
الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 00:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حول تعليق السيد صباح البدران:
"الحزب الشيوعي العراقي اسقط اللينينية من مصادره الفكرية في مؤتمره الخامس 1993..
فكيف اثرت اللينينية على امكانية فهمه للطائفية والحزب لم يعد يعتبرها من ادوات تحليله وعدته النظرية؟
من حيث الوقائع التنظيمية، نعم، أقرّ المؤتمر الوطني الخامس للحزب الشيوعي العراقي عام 1993 تعديلات فكرية، كان من أبرزها الانتقال من “المرجعية الماركسية-اللينينية” إلى “المرجعية الماركسية”، أي حذف لفظ “اللينينية” من الصياغة الرسمية¹. لكن هذا التعديل لا يمكن فهمه باعتباره إسقاطًا كليًا لللينينية من فكر الحزب، بل يُفهم ضمن سياق مراجعة نقدية أوسع جرت على مستوى عالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وشملت أحزابًا شيوعية كثيرة أعادت النظر في علاقتها بالنموذج السوفييتي تحديدًا.
إذن، ينبغي التمييز بين أمرين:
1. اللينينية كنصوص تاريخية وتجربة سياسية مرتبطة بالحقبة البلشفية والسوفيتية.
2. اللينينية كمنهج لتحليل الصراع الطبقي وبناء التنظيم الثوري.
الحزب، في مؤتمره الخامس، لم يُسقِط اللينينية بمعناها المنهجي كأداة تحليل سياسي – بل خفّف من التبعية لنموذجها الستاليني أو الشمولي، خصوصًا في جانبه المتعلق بمركزة القرار، واحتكار الحقيقة الحزبية، وأولوية الدولة على المجتمع. وهذا ما عبّر عنه الحزب بوضوح عندما قال في وثائق المؤتمر:
“نعيد التأكيد على تبنّي الماركسية كمنهج، نستلهم من تراثها العام، ومن التجربة اللينينية ما هو حيّ ومفيد ومتفاعل مع واقعنا وظروف بلدنا”².
وبالتالي، فإن القول بأن الحزب أسقط اللينينية بالكامل لا يصمد أمام التوثيق السياسي والنظري للحزب نفسه.
أما بخصوص أثر اللينينية على فهم الطائفية:
ما قلناه في المقالة لم يكن ادعاءً بأن الحزب يطبّق “اللّينينية بحذافيرها” اليوم، بل أن أزمة الطائفية في العراق تُظهِر الحاجة للعودة إلى أدوات التحليل الطبقي التي طوّرها لينين، خاصة في ما يخص العلاقة بين الهوية والسلطة، وبين الاضطهاد السياسي والبنية الاقتصادية.
فمثلًا، حين كتب لينين عن القومية في الإمبراطورية الروسية، ميّز بين نضال الشعوب المضطهدة من أجل المساواة، وبين استخدام النخبة القومية للهوية كغطاء لاستغلال شعوبها³. أليس هذا التحليل مفيدًا اليوم لفهم كيف تُستخدم الطائفية في العراق لتفتيت الطبقة العاملة وتحقيق مصالح الطغم الحاكمة؟
إذا كان الحزب لم يعد يستحضر “اللينينية” بالاسم، فإن الضرورة التاريخية للينينيات جديدة – أي أدوات تحليلية تربط بين البنية الطبقية والبُنى الفوقية من طائفية وقومية ودين – ما زالت قائمة. وأي حزب يدّعي الجذرية دون أدوات من هذا النوع، سيكون محكومًا بالعجز.
⸻
خلاصة القول:
نعم، الحزب خفف رسميًا من مرجعيته اللينينية عام 1993، لكن لم يتخلّ عن كامل أدواتها التحليلية. وما نطرحه في مقالتنا لا يفترض التزامًا حرفيًا، بل يطالب بإعادة استلهام اللينينية – كمنهج نقدي – لفهم تعقيدات الهويات في مجتمعات ما بعد الاستعمار، ومنها العراق.
⸻
هوامش:
1. الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني الخامس، بغداد، 1993.
2. المرجع السابق، ص. 14.
3. Lenin, V.I., The Right of Nations to Self-Determination, Collected Works, Vol. 20, Progress Publishers, Moscow, 1963.
————————————————————————————————————————————————————
في البدء أنا لست المتحدث باسم الحزب، ولست الناطق بلسانه، أنا ببساطة وبكل تواضع، باحث مهتم بهذه المواضيع
اليكم الخطوط العامة لمقالة موسعة اعدها تتناول السؤال المحوري الان وهو:
هل أسقط الحزب الشيوعي العراقي اللينينية؟
في نقد التباسات الفكر اليساري ومستقبل الماركسية في العراق
⸻
مقدمة
منذ أن أعلن الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الخامس عام 1993 “تجاوز اللينينية” كمرجعية فكرية مباشرة، لا تزال هذه الخطوة تثير جدلاً داخل أوساط اليسار العراقي والمثقفين النقديين. هل يعني ذلك قطيعة تامة مع الفكر اللينيني؟ وهل يمكن لحزب ماركسي أن يفهم الطائفية وأشكال الهيمنة المعاصرة دون أدوات لينين التحليلية؟
السؤال المطروح من أحد المعلقين – “كيف أثرت اللينينية على فهم الحزب للطائفية وهو لم يعد يعتبرها من عدته النظرية؟” – سؤال مشروع، لكنه يفترض ثنائية مبسطة: إمّا التزام حرفي باللينينية أو إسقاط تام لها. بينما الواقع – من حيث السياسة والفكر – أكثر تعقيدًا وتداخلاً.
⸻
أولاً: ماذا جرى في المؤتمر الخامس؟
صحيح أن الحزب الشيوعي العراقي أقرّ في مؤتمره الوطني الخامس عام 1993 تعديلات فكرية هامة، كان أبرزها حذف “اللينينية” من تعريفه الرسمي لنفسه، واعتماد “الماركسية” بدلاً منها كمرجعية منهجية¹.
لكن لا ينبغي اختزال هذا التحول بوصفه “إسقاطًا كاملاً” للينين أو لنموذجه السياسي. بل جاء هذا التحول نتيجة أزمة مزدوجة:
1. أزمة نظرية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث بدا للكثير من الأحزاب الشيوعية أن تجربة الدولة اللينينية قد وصلت إلى نهايتها.
2. أزمة تنظيمية داخل الحزب نفسه، دفعت نحو مرونة سياسية أكبر، ومحاولة التكيّف مع المتغيرات داخل المجتمع العراقي بعد الديكتاتورية والحصار.
في الوثائق الصادرة عن المؤتمر، لا يُلحظ أي “قطيعة مفهومية” مع اللينينيات المفيدة، بل ورد نص واضح يقول:
“نعيد التأكيد على تبنّي الماركسية كمنهج، نستلهم من تراثها العام، ومن التجربة اللينينية ما هو حيّ ومفيد ومتفاعل مع واقعنا”².
أي أن اللينينية لم تُلغَ، بل أُعيد تقييمها خارج الصيغة العقائدية الجامدة.
⸻
ثانيًا: هل يمكن فهم الطائفية دون اللينينية؟
في مقالة سابقة بعنوان “اللّينينية بين ضرورة التجديد وتحديات الطائفية”، طُرح أن اللينينية، كمقاربة تحليلية، تقدم أدوات لا تزال نافعة لفهم كيفية استخدام الهويات الفرعية – كالدين والطائفة – كأدوات للهيمنة السياسية في المجتمعات المركّبة مثل العراق.
ولنأخذ مثالًا من نصوص لينين ذاته، حين كتب في مقاله “حق الأمم في تقرير المصير”:
“على البروليتاريا أن تكون الأكثر حساسية تجاه كل أشكال الاضطهاد القومي، لا لأنها تؤمن بالقومية، بل لأنها تدرك كيف تستخدمها البرجوازية لإضعاف وحدة الطبقة العاملة”³.
هذه الرؤية تنطبق تمامًا على الواقع العراقي:
حيث الطائفية ليست “انحرافًا عن الوعي الطبقي”، بل أداة هيمنة طبقية، تُستخدم لتقسيم الفقراء والكادحين، وتُدار كوسيلة لضمان الولاءات وتدوير السلطة داخل دوائر مغلقة.
اليسار الذي يتجاهل هذا التحليل، أو يكتفي بخطاب “الهوية الوطنية” دون أدوات مادية، يقع في شرك التبسيط. ومن هنا، يصبح استلهام اللينينيات الجديدة ضرورة فكرية، لا ترفًا أيديولوجيًا.
⸻
ثالثًا: الماركسية بعد لينين… لا ضدّه
لا يمكن تجديد الماركسية في العراق إذا كانت الحركة اليسارية تُعامل التراث اللينيني كملف مغلق.
في الحقيقة، ما نحتاجه هو ماركسية نقدية تضع اللينينية على الطاولة، لا في المتحف. أي أن تعيد النظر، لا في وجود الدولة العمالية فقط، بل في الحزب، في التنظيم، في العلاقة مع الجماهير، في مسألة المركزية والديمقراطية، وفي طبيعة التكوين الطبقي العراقي بعد الاحتلال.
الخطأ ليس في أن الحزب لم يعد “لينينيًا” بالاسم، بل في أنه لم يستبدل هذا الاسم بأدوات جديدة فعلاً، بل غالبًا ما تم ذلك الشكل كـ”تنازل” لا كمراجعة نقدية فعلية.
⸻
رابعًا: نحو أفق جديد للفكر اليساري في العراق
لكي تعيد الماركسية العراقية بناء نفسها، عليها أن تواجه خمس مهام نظرية أساسية:
1. تحليل الطائفية كأداة هيمنة طبقية – لا فقط كمشكلة ثقافية.
2. فهم الاقتصاد الريعي كحاضنة للولاءات الطائفية.
3. تفكيك الدولة الطائفية لا استيعابها داخل خطاب “مدني” سطحي.
4. استعادة مفهومي التنظيم والوعي من خارج القوالب البيروقراطية.
5. خلق لغة يسارية جديدة تربط بين الحاجات اليومية والفهم البنيوي للاستغلال.
هذه المهام لا يمكن إنجازها بلا تراث نقدي غني، وأدوات تحليلية متينة. وهنا، لا تزال اللينينية – بما هي مناهج تحليل وتكتيك ثوري – أحد أعمدة البناء الممكن.
⸻
خاتمة
ليس المطلوب هو العودة إلى اللينينية كعقيدة مغلقة، بل الانفتاح عليها كأداة تحليل ونقد اجتماعي حاد، خصوصًا في بلد مثل العراق، حيث تتقاطع فيه الطائفية مع الرأسمالية التابعة، ويتحول فيه الصراع الطبقي إلى سردية مقنّعة.
اليسار العراقي بحاجة إلى جرأة فكرية. والجرأة لا تعني إنكار ما سبق، بل نقده وتجاوزه. واللينينيات، بدل أن تُستبعد باسم “التجديد”، ينبغي أن تُستعاد كمنهج صراع، ضمن قراءة ماركسية حيّة، حاضرة، ومتصالحة مع زمانها.
⸻
الهوامش
1. الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني الخامس، بغداد، 1993.
2. المرجع السابق، ص. 14.
3. V. I. Lenin, The Right of Nations to Self-Determination, Collected Works, Vol. 20, Moscow: Progress Publishers, 1963.
#علي_طبله (هاشتاغ)
Ali_Tabla#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟