أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع















المزيد.....


قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 06:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاتفاقية الموقعة بين قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، السيد مظلوم عبدي، ورئيس الجمهورية العربية السورية، السيد أحمد الشرع، الذي كان قائداً لهيئة تحرير الشام، تفتح الباب أمام نقاش سياسي عميق حول مستقبل الإدارة الذاتية ودورها في سوريا القادمة.
لأول مرة في تاريخ الحركة الكوردية، لا يقتصر الأمر على مجرد الاعتراف بالكورد، بل يتم التوصل إلى اتفاق على مستوى الدولة السورية، وهو تحول سياسي بالغ الأهمية، ورغم أن هذه اللحظة لا ترقى إلى مستوى القضية الكوردية ولا تعكس حجم التضحيات المبذولة، إلا أنها تمثل إنجازًا سياسيًا بارزًا، وإثباتًا لواقع لا يمكن تجاهله بعد الآن.
لطالما أكدتُ أن الثقة بالذات، والإيمان بالقدرات والإمكانات الذاتية، هما المفتاح لتحقيق المكتسبات السياسية، فعلى الرغم من التهميش المتعمد طوال القرن الماضي، أثبت الكورد، شعبًا وحراكًا سياسيًا، قدرتهم ليس فقط على المطالبة بحقوقهم، بل على الوصول إلى مستوى يُمكّنهم من المشاركة الفاعلة في بناء الدولة وإدارتها.
هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عقود من النضال والتضحيات، ودليل على أن الحضور الكوردي لم يعد مسألة خلافية قابلة للتفاوض، بل أصبح واقعًا سياسيًا يجب على الجميع التعامل معه بجدية، كحقيقة ثابتة لا يمكن الالتفاف عليها أو تجاوزها.
رغم ذلك فما تم اليوم ظهور ثمانية بنود عامة، بقدر ما حملت من تطمينات، أثارت الشكوك داخل المجتمع الكوردي، فلا يمكن لالتزامات بهذا الحجم أن تبقى مبهمة دون تفاصيل واضحة تحدد آليات التنفيذ والضمانات المرتبطة بها. لا شك أن هذه البنود إما أنها تحمل في طياتها تفاصيل سيتم دمجها لاحقًا في الدستور السوري القادم، أو أنها تركت عمدًا مفتوحة لتظل مرنة أمام التفاوض السياسي.
وربما كان تجنب الخوض في التفاصيل مقصودًا، استنادًا إلى مبدأ أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، حيث قد تؤدي الصياغة الدقيقة إلى فتح المجال أمام المتربصين لاستغلال الثغرات، وتأجيج الانقسامات، وإفشال الاتفاق قبل أن يرى النور، لكن في المقابل، فإن الغموض يفتح الباب أمام التأويلات المتضاربة، ويجعل الاتفاق هشًا أمام المتغيرات السياسية، ما قد يجعله مجرد اتفاق مرحلي لا يضمن استقرارًا طويل الأمد.
في ضوء هذا التطور، من الضروري إعادة النظر في موقع الإدارة الذاتية، والأطراف الأخرى من الحراك الكوردي، داخل هذه المعادلة، فالسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
أين هي الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي والأطراف الكوردية الأخرى من هذه الاتفاقية؟
هل كانت قسد تدير المنطقة سياسيًا، أم أنها كانت فقط تؤدي دورًا عسكريًا لحمايتها من التنظيمات الإرهابية؟
قبل شهر، طرحتُ في مقال نشرته على المواقع، أهمية الفصل الواضح بين قوات قسد العسكرية والإدارة السياسية، وطالبت أن تكون تابعة للإدارة الذاتية وليست منافسة لها أو تهيمن على مقدراتها، أي بمعنى آخر، ضرورة أن يكون هناك فصل بين قسد كقوة عسكرية، وبين الإدارة الذاتية ككيان سياسي ومدني، هذه الجدلية تقودنا إلى تساؤل أكثر جوهرية:
هل تخضع مناطق الإدارة الذاتية لحكم عسكري أم لسلطة مدنية؟
السيد مظلوم عبدي، بصفته قائدًا عسكريًا، يمتلك شرعية التفاوض في البعد العسكري، لكنه لا يملك صلاحيات اتخاذ قرارات سياسية أو إدارية بحجم توقيع اتفاقيات تؤثر على مستقبل الإدارة الذاتية، أو كتابة الدستور، إلا إذا تم تعيينه كرئيس للإدارة الذاتية كما تم مع أحمد الشرع.
فهل تمت الاتفاقية باسمه كقائد عسكري، أم باسم الإدارة الذاتية؟
إذا كان توقيع الاتفاقية تم بصفته ممثلًا للإدارة الذاتية، فالأمر يفرض ضرورة تعيينه رئيسًا رسميًا للإدارة الذاتية لضمان وضوح الصلاحيات والتوجهات السياسية.
لا يمكن تجاهل أن الاتفاقية تمت تحت إشراف أمريكي مباشر، وبتنسيق مع قوى إقليمية مثل تركيا وبعض الدول العربية والكوردستانية.
هذا يدل على أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في قوات قسد ركيزة أساسية في استراتيجيتها في سوريا، وأنها ليست بصدد التخلي عنها بسهولة. فالحديث عن انسحاب أمريكي من سوريا كما حصل مع القوات الروسية وترك المجال مفتوحًا لتركيا، يبدو غير واقعي في هذه المرحلة، لأن ذلك سيؤثر على مصالحها وأمن حلفائها، بما في ذلك أمن أوروبا وإسرائيل.
رغم وجود نقاط إيجابية في الاتفاقية، مثل وقف الحرب والحد من الاعتداءات التركية على المناطق الكوردية، إلا أن بنودها العامة والمبهمة تثير الكثير من المخاوف.
فمثلًا، الحديث عن "حق المواطنة" دون معرفة تفاصيل الدستور القادم، لا يرقى إلى مستوى تطلعات وتضحيات الشعب الكوردي، الذين كانوا المكون الثاني في سوريا، وخاضوا صراعًا طويلًا ضد النظام البعثي لتحقيق مطالبهم، المواطنة الحقيقية لا تعني فقط الاعتراف بوجود الكورد، بل تتطلب نظام فيدرالي لا مركزي، وهي من الضمانات الدستورية التي تكفل حقوقهم السياسية والثقافية والإدارية.
أحد أخطر التحديات التي قد تنجم عن هذه الاتفاقية هو إمكانية تغلغل الفكر الإسلامي المتطرف داخل المؤسسات والمراكز التعليمية، هذا يشكل تهديدًا مباشرًا لنهج الإدارة الذاتية المبني على التعددية والعلمانية والتنوع الثقافي. من هنا، فإن التساهل في هذا الجانب قد يؤدي إلى صدام كارثي بين قوى الإدارة الذاتية، بل والحراك الكوردي بشكل عام وخاصة الحراك الثقافي وهذه الأيديولوجيات المتطرفة، مما قد يهدد استقرار المنطقة على المدى الطويل.
رغم المخاوف، تحمل الاتفاقية بعض الإيجابيات، وأهمها وقف الحرب، وهو ما قد يجبر تركيا وأدواتها على تقليل الاعتداءات على المناطق الكوردية، كما أن سيادة الدولة السورية ستشمل المؤسسات والمعابر الحدودية، لكن الإدارة الذاتية ستبقى الجهة المسؤولة عن إدارتها، ومع ذلك، من الضروري ضمان أن تكون الكوادر التي تدير هذه المؤسسات من أبناء المنطقة الكوردية، وليس شخصيات مفروضة من خارجها.
الاتفاقية تعني فعليًا أن الإدارة الذاتية ستستمر في إدارة المنطقة، ولكن هذه المرة تحت المسمى الرسمي للدولة المركزية، ومع أن البنود تبدو فضفاضة، إلا أنه من غير المرجح أن يتم فرض شخصيات من خارج المنطقة على المناصب الإدارية، حتى وإن كان هناك حديث عن الاعتماد على الكفاءات. فالمناطق الكوردية تمتلك من الكفاءات ما يكفي لشغل مواقع المحافظين ومدراء المناطق وغيرهم.
الفترة الزمنية المحددة لتطبيق البنود خلال عام واحد، تبدو أكثر ملاءمة للحكومة المركزية منها للإدارة الذاتية أو حتى لقوات قسد، فخلال هذه الفترة، قد تسعى الحكومة المركزية إلى تعزيز سيطرتها على المنطقة تدريجيًا، مما قد يضع الإدارة الذاتية أمام تحديات جديدة في الحفاظ على مكتسباتها.
لا يمكن تجاهل أن هذه الاتفاقية أتاحت لهيئة تحرير الشام التخلص جزئيًا من تصنيفها كمنظمة إرهابية، خاصة بعد المجازر التي ارتكبتها في المناطق العلوية، والتي كادت تؤدي إلى إدانة دولية في مجلس الأمن. هذا الاتفاق قد يكون وسيلة لتخفيف الضغط الدولي عنها وإعادة تأهيلها كطرف سياسي، رغم أنها لا تزال تمارس السلطة عمليًا حتى بعد إعلان حلّ نفسها نظريًا.
رغم كل هذه التطورات، لا تزال فكرة النظام الفيدرالي والإدارات الذاتية الموسعة في سوريا محل جدل، ولم تعد قضية تهم الكورد فقط أو قسد، بل باتت مشروعًا مشتركًا لقوى ومكونات أخرى داخل سوريا، فهناك قوى داخلية تسعى إلى إعادة تشكيل الدولة السورية على أسس جديدة، تضمن عدم العودة إلى المركزية المطلقة التي كانت أحد أسباب انهيار الدولة.
هذه الاتفاقية، بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات، تضع الكورد بشكل عام والإدارة الذاتية بشكل خاص أمام تحدٍ وجودي، فإما أن تستغل هذه الفرصة لتحصين مكانتها داخل الدولة السورية الجديدة، أو أن تجد نفسها مستنزفة بين الضغوط الإقليمية والدولية، وفي كل الأحوال، فإن مستقبل الكورد في سوريا سيعتمد على قدرتهم على تحويل هذا الاتفاق إلى نقطة انطلاق نحو شراكة حقيقية، تضمن حقوقهم السياسية والإدارية، بدلاً من أن تكون خطوة لتهميشهم داخل الدولة المركزية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام الس ...
- سوريا بين المركزية القاتلة والفيدرالية المنقذة
- بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...
- كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
- ميلاد كوردستان بداية الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...


المزيد.....




- روسيا تعلن استعادة 100 كيلومتر مربع في كورسك وتهدد قدرات كيي ...
- مصر.. الداخلية تعلن ضبط 3 تشكيلات عصابية جديدة تحتال على الم ...
- -لا مقارنة إطلاقا-.. نجيب ساويرس يرفض تشبيه خالد مشعل حرب 19 ...
- اتفاق قسد والحكومة السورية بين شبح الحرب الأهلية وسوريا لامر ...
- الجزائر تستورد مليون رأس ماشية استعداداً لعيد الأضحى
- فيديوهات تحريضية ضد العلويين في سوريا تثير غضبا
- مفاوضات السلام في السعودية: زيلينسكي يعرض خطته لوقف الحرب مع ...
- هل يصوم لامين يامال في رمضان؟
- انتخابات مصيرية في غرينلاند: الاستقلال أم النفوذ الأمريكي؟
- كيف صارت السعودية وسيطا أساسيا في الأزمات العالمية؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - قراءة سياسية في اتفاقية مظلوم عبدي وأحمد الشرع