|
نوري المالكي - تحليل سيكولوجي لشخصيته وادائه السياسي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 22:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نوري المالكي تحليل سيكولوجي لشخصيته وادائه السياسي
أ.د. قاسم حسين صالح
كثر الحديث الآن عن السيد نوري المالكي في حملة تدعو الى (تسقيطه) سياسيا . وفي الوقت الذي ما كان الا القلة من عراقيي الخارج ينتقدون سياسته في ادارة شؤون الدولة (2006-2014)، فاننا نشرنا دراسة موثقة في كتابنا (الشخصية العراقية في نصف قرن –ص 51) و الحوار المتمدن عن العقد النفسية في شخصيته وفكره الدوغماتي المصاب بحول عقلي ، ودعوته لأجراء حوار او مناظرة في قناة فضائية يختارها هو.. وما استجاب.
ولكي تكون هذه (الحملة) موضوعية فأننا نلتقط من تلك الدراسة العلمية ما يمكن توظيفه ايجابيا لتعزيزها بما يخدم تصحيح مسار العملية السياسية في العراق.
بدءا ،يحسب للسيد المالكي انه من عائلة مرموقة، أبرزهم جده محمد حسن أبوالمحاسن،الشاعر والثائر ضد الاحتلال البريطاني للعراق في عشرينيات القرن الماضي، الذي يرى كثيرون انه كان مصدر الهام له،ونفترض انه كان قد تماهى سيكولوجيا بجده في مرحلتي الطفولة والشباب لاسيما في كرهه للمحتل الاجنبي..بريطانيا بزمن جده وامريكا بزمنه.
ويرى فيه انصاره انه سياسي محنك وجريء وشجاع..يكفيه انه صادق على حكم اعدام صدام حسين، ورفض السماح للقوات الامريكية بالبقاء في العراق بعد عام 2011.ويحسب له ايضا انه واجه خلال مدة رئاسته الحكومة ( 2006-2014 )) احداث عنف طائفي هددت وحدة البلاد وتمكن من تجاوز تهديدات خطيرة كادت تؤدي الى التقسيم وأخرى كانت تستهدفه.
اما ما يحسب عليه فهو في رأي خصومه ومحللين..كثير،أخطرها انهم يحمّلونه سقوط مدينة الموصل وفاجعة سبايكر وشيوع الفساد،والفشل السياسي الذي يعترف به السيد المالكي شخصيا ،ولكن بصيغة الـ(نحن)..الشركاء.
توطئة في متابعتنا للمقابلة التي اجرتها معه فضائية الشرقية مساء (18/8 /20) تحدث السيد نوري المالكي عن هيبة الدولة،واصفا اياها بأنها ضائعة ومستشهدا بوجود مدن شبه ساقطة كالناصرية..ومن استطراده في التفاصيل استنتجت أن هيبة الدولة عند السيد المالكي تعني (طاعته!)،ومن يخالفها فهو فوضوي ومخرّب..وسيكولوجيا،يعني هذا القول من رجل حكم العراق ثمان سنوات أن في داخله شخصية مستبد،لأن هذه الصفة هي القاسم المشترك عند كل الحكّام الطغاة..قديما وحديثا.
في هذه الحلقة نركز على مفاهيم نظرية يبدو لي انها غائبة عن فهم السيد المالكي او يتجنب الأشارة لها،فيما توجه الثانية تساؤلات واتهامات وتقديم مؤشرات سيكولوجة لشخصية المسؤول الأول الذي اضاع هيبة الدولة العراقية..وللسيد المالكي الردّ هنا او في مناظرة تلفزيونية في الشرقية او بفضائية عربية محايدة.
هيبة الدولة
لأن مفهوم هيبة الدولة (حمّال اوجه) فان الأمر يتطلب الوصول الى فهم مشترك نبدأه بفك الخلط بين الدولة والحكومة..فللدولة كيان يقوم على ثلاثة مكونات:الشعب والأرض والحكومة،ما يعني انه لا يصح ان نساوي بين الدولة والحكومة التي تتحدد أهم مسؤوليتين لها في :تحقيق العدالة الأجتماعية وتطبيق القانون. وما يتصف به كل الحكّام المستبدين( والمستبد لا يعني فقط الحاكم الطاغية او الدكتاتور،بل يشمل ايضا كل حاكم يستفرد بالسلطة او بالثروة أو بالقرار السياسي) انهم يساوون بين الحكومة والدولة،فيما يذهب الحكام الطغاة لأبعد من ذلك فيساوون بين انفسهم والوطن(صدام هو العراق مثالا)..ويصدرون القوانين التي تخدم بقاءهم في السلطة ويسوقونها للشعب بأنها الضرورات التي تحفظ هيبة الدولة .
وهيبة الدولة لا تتحقق الا بشروط نوجزها بالآتي:
• تطبيق حكم القانون ما يشترك به الحكّام المستبدون والدوغماتيون انهم يفهمون تطبيق القانون في حدود سيادة الأمن المجتمعي وعدم حدوث ما يهدد وجود الحكومة في السلطة،فيما يعني في جوهره ان الدولة يجب ان تكون دولة مؤسسات مدنية يطبق فيها القانون على الحاكم والمحكوم ولا يستثني احدا بمن فيهم رئيس الحكومة..وبهذ الشرط يشعر المواطن ليس فقط بالخوف من تجاوز القانون بل..والرهبة التي بها تتحقق هيبة الدولة.
• الهوية الوطنية حين يوحد جميع افراد الشعب مبدأ المواطنة،وحين تعلو الهوية الوطنية على الهويات الفرعية(قومية،طائفة،دين،مذهب،عشيرة..)عندها يشعر الجميع بأنهم ينتمون الى وطن واحد،وبه تتحقق هيبة الدولة.
• العدالة الأجتماعية تعني العدالة الاجتماعية في النظام الديمقراطي ان تكون ثروة الوطن ملكا لجميع افراده توزع بطريقة يأخذ فيها المواطن استحقاقه منها ولا يشعر بالحيف..وبهذا الشرط يحترم المواطن الدولة ويهابها صحيح ان الهيبة تثير مشاعر الخوف الذي يكون زمنه محدودا، والرهبة التي يكون زمنها طويلا،ولكنها سيكولجيا تثير مشاعر التقدير والاجلال والحب..ولهذا يوصف الحاكم العادل بأنه مهاب الجانب.وبهذا المعنى توجد لدينا نوعان من هيبة الدولة:الدكتاتورية القائمة على الخوف ،والديمقراطية القائمة على التقدير والمحبة.
• الكفاءة والخبرة والنزاهة حين يتم انتقاء الخط الأول للقيادات الأدارية في المؤسسات الرسمية من اصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة الذين يحملون هموم الناس ويعملون على تغيير واصلاح اوضاعهم الحياتية..عندها يتحقق شرط خفي هو قيام الموظف العام بفرض هيبة الدولة.
• فهم الحاكم للسلطة الدولة التي يؤمن فيها الحاكم بأنه سيكون غدا محكوما تكون مهابة،والدولة التي يعمل فيها الحاكم بطريقة مشروعه او غير مشروعة على البقاء في الحكم ويعتبر نفسه انه الأفضل في البقاء على كرسي الحكم تضعف فيها هيبة الدولة والحاكم الذي يتعامل بشفافية، ولا تتطابق افعاله مع اقواله، ولا يفي بوعود يتعهد بتنفيذها لما يخدم شعبه والوطن..لا تكون فيه الدولة مهابة.
• الفساد حين يشيع الفساد(السياسي والمالي والأداري) في مؤسسات الدولة ويقف الحاكم عاجزا عن الحد منه،او يعترف بأنه غير قادر على مواجهته..عندها لا تبقى اية هيبة للدولة في نظر شعبها والعالم.
تلك ستة معايير اساسية لهيبة الدولة..فمن الذي اضاعها في العراق؟ نتفق على ان الاحتلال الامريكي كان قد اسقط دولة وليس نظاما فقط كما اعلن،وبه اطاح بهيبة الدولة العراقية..وكان على النظام الديمقراطي في تشكيله لأول حكومة ان يستعيد هيبة الدولة..فما الذي حصل؟
كان السيد نوري المالكي قد كلفه رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني في نيسان 2006 لرئاسة حكومة تنهي حالة جمود سياسي استمر شهورا بعد حكومة اياد علاوي المؤقته(2004-2005) وحكومة ابراهيم الجعفري(2005-2006)اللتين لا يمكن تحميلهما مهمة استعادة هيبة الدولة لقصر المدتين ولهشاشة الوضع السياسي.
وعليه ،يكون السيد نوري المالكي هو المسؤول الأول عن استعادة هيبة الدولة لأنه تولى رئاسة الوزراء ثمان سنوات (2006- 2014).صحيح انه واجه احترابا طائفيا وحربا داعشية شرسة..لكن هذا لا يعفيه من امكانية استعادة هيبة الدولة..فلنبدأ بمساءلته عن اخطر معيار انهى هيبة الدولة في زمنه..الفساد..وله في العراق حكاية.
ما حصل عندنا زمن الاحتلال الأمريكي يشبه ما حصل زمن الاحتلالين العثماني والبريطاني في النصف الأول من القرن الماضي. اذ يذكر معروف الرصافي في كتابه "الرسالة العراقية " ، وهو رجل موثوق وعضو مجلس نواب،ما نصه بخصوص الفساد المالي والاداري: " وكانت الرشوة فاشية ، فكان الصعلوك اذا تسنم منصبا فلا تمر عليه أيام الا وقد أصبح من أهل الثراء.وكانت الأمور لا توسّد الى أهلها، فلا الكفاية ولا المقدرة ولا الاستقامة ولا الصدق والأمانة ..انما توسّد بأحد عوامل ثلاثة " المنسوبية " و" المحسوبية " و " الرشوة " ( ص 55).
غير أن واقعه في عهد المالكي كان أسوأ وأقبح وأوقح،يثبته أكثر من شاهد موثوق،نسوق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست بعددها الصادر في ( 23-9-08)بأن (13)مليار دولار من أموال الاعمار في العراق أهدرت أو نهبت عبر مشاريع وهمية وعناصر فاسدة في الحكومة العراقية،فيما نسبت الاذاعة البريطانية (بي بي سي في 28-9-08)الى لجنة تخصصية في حكومة المالكي وجود ثلاثة آلاف حالة فساد مالي موثقة بأدلة قاطعة.وانتقل العراق في زمنه من المرتبه 137 عالميا والاسوأ في الفساد بين الدول العربية الى المرتبة 160 ليحتل المركز الثالث عالميا والاول عربيا وفقا لتقرير المؤشر العالمي للفساد.وشهادة من السفير الامريكي لورانس بنديكت منسق مكافحة الفساد بالسفارة الامريكية في بغداد يحذر فيها بانه اذا لم تتم السيطرة على الفساد فانه يهدد استقرار العراق.وباعترافه في كلمته امام مجلس محافظة بغداد في( 20-9- 2008) قال المالكي بالنص " كثير من المسؤولين قد أثروا كثيرا"،مع انه هو رئيس الوزراء المسؤول عن هؤلاء المسؤولين!.
والأخطر من هذا الذي يفترض ان يعرضه لمساءلة قانونية هو اعترافه علنا بقوله:(لديّ ملفات فساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها)..لأنها تعد خيانة ذمة..ولا تفسير لها سوى ان بين الفاسدين الكبار من هم اعضاء في حزبه الحاكم،فخشي الخصوم ليعتمد واياهم مقولة (تسكت عني اسكت عنك). يتبع
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من عشرين سنة..السيناريو يتكرر في العراق!
-
خاطرة عراقية لمناسبة يوم المرأة العالمي
-
الصوم بمنظور علماء النفس- مواقف متضادة
-
المعلم العراقي في قرن!
-
شارع الثقافة في الناصرية يحتفي بالدكتور قاسم. الدكتور هيثم ع
...
-
عبد الجبار عبد الله ايقوة عالم الفيزياء العراقي
-
عبد الرزاق عبد الواحد. للذين سخروا من شاعريته
-
شباط 1963 يوم الدم العراقي (توثيق 3). ليلة التحقيق
-
شباط 1963 يوم الدم العراقي (توثيق 2)
-
8 شباط 1963 يوم الدم العراقي
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟ 10 . ابو حيان التوحيدي
-
مسلسل..مع الديم؟ ضد الدين. 9. معروف الرصافي
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟ 8.أحمد بن يحيى الراوندي
-
مسلسل..مع الدين ؟ضد الدين؟ 7 . الأمام جعفر الصادق
-
جواد سليم تحليل سيكولوجي لشخصيته واهم اعماله - لمناسبة ذكرى
...
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟ 5. موقف الفيلسوف ابو بكر الرازي
-
العراقيون بين زيارتين للأمام موسى الكاظم..هل ما تزال عرض مظا
...
-
بعد عشر سنوات ..جهة(...) تطلب من ادارة جريدة الصباح حجب صفحة
...
-
لأن ما طالب به العراقيون لم يتحقق..رأيكم في تجديده؟
المزيد.....
-
روسيا تعلن استعادة 100 كيلومتر مربع في كورسك وتهدد قدرات كيي
...
-
مصر.. الداخلية تعلن ضبط 3 تشكيلات عصابية جديدة تحتال على الم
...
-
-لا مقارنة إطلاقا-.. نجيب ساويرس يرفض تشبيه خالد مشعل حرب 19
...
-
اتفاق قسد والحكومة السورية بين شبح الحرب الأهلية وسوريا لامر
...
-
الجزائر تستورد مليون رأس ماشية استعداداً لعيد الأضحى
-
فيديوهات تحريضية ضد العلويين في سوريا تثير غضبا
-
مفاوضات السلام في السعودية: زيلينسكي يعرض خطته لوقف الحرب مع
...
-
هل يصوم لامين يامال في رمضان؟
-
انتخابات مصيرية في غرينلاند: الاستقلال أم النفوذ الأمريكي؟
-
كيف صارت السعودية وسيطا أساسيا في الأزمات العالمية؟
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|