|
كمشة مفارقاتٍ سورية
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 16:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن نتطرق إلى الأحداث التي جرت مؤخراً في كل من الصنمين بمحافظة درعا، وكذلك الأمر ما جرى في قرى جبلة وأحياء من مدينة اللاذقية في الساحل السوري والمظاهرات الأخيرة في محافظة السويداء جنوب سوريا، باعتبار أن وسائل الإعلام أشبعتها بالتغطيات الإخبارية المباشرة، كما أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تنشر كل ما يتعلَّق بذلك أوَّل بأول، بما أنَّ الأحدات في بلدٍ يشهد الحرب منذ أكثر من 13 سنة غدت من عاديات الحياة اليومية ومتوقع حدوثها، كما أنَّ الكثير من الأحداث هي أشبه بالقشور اليابسة التي تشتعل بسرعة وتنطفئ بنفس السرعة وليس لها تبعات كبيرة على المناخ العام، بينما ما نركز عليه في هذه المادة القصيرة هي الظواهر السلبية في المجتمع والتي تستمر ولا تموت بسهولة، إنما تبقى كالجذوة المشتعلة في قلب الرماد ومهيَّأَّة لإحداث حرائق كبيرة إن جاء من يُحركها أو يستثمرها في أيّ مشكلةٍ أو مناسبةٍ أو حدث. *** ليس من الخفايا ولا هو اتّهامٌ القول إنَّ فئة لا بأس بها من السوريين طوال السنوات الماضية اعتمدت على طرف خارجي واستقدمته بكل مقوماته العسكرية لضرب أحد مكونات البلد، ولم يخطر على بال أبناء تلك الفئة المجتمعية الانتباه إلى أنه من اللاإنصاف، ومن المعيب، ومن اللاوطنية أن تستقوي بداعم خارجي لضرب أبناء البلد، بل وما يزالون يستمرون في تعويلهم على ذلك الطرف الخارجي لقصم ظهر أحد مكونات البلد، واليوم بقدرة قادر صار أبناء الفئة ذاتها وطنيين ويتحدثون عن مساوئ الاعتماد على الفواعل الخارجية وضررها على البلد وعلى العلاقات الاجتماعية بين أهل البلد! علماً أنَّ ذلك الطرف الذي يشيرون إليه لم يطلب الدعم الخارجي لضرب أبناء البلد، ولا طالبَ ذلك العامِل الخارجي ليُقصم ظهر إخوانهم في البلد كما فعل الطرف الأوَّل، إنما كل ما في الأمر هو أنَّ ذلك الطرف الدولي هو الذي أعلن من تلقاء ذاته في الإعلام بأنه سيدافع عن ذلك المكون إذا ما تعرض لأي اعتداءٍ من قبل السلطة الجديدة في البلد، ولكن فجأةً تذكر المنتقدون بأنَّ الإنسان الوطني لا يعوِّل على طرف خارجي ولا يستقوي به على أبناء البلد، أما أن يُطالب هو بجيش دولة خارجية ليقصم به ظهر إخوانه فهو أمر مقبول بالنسبة إليه ولا ينتقص من وطنيته المشروخة! فهو بكل بجاحة يسمح لنفسه الاعتماد على عامل خارجي بينما يحرم على غيره فعل ما يفعله هو منذ سنوات! ناسياً إبان حميته الوطنية أنَّ المعارضة السورية نفسها طالبت مراراً دول العالم بتقديم العون للتخلص من نظام حزب البعث البائد، ولكن نفس الذين طلبوا العونَ من الغرب اليوم يخوِّنون آمال أو توجهات بعض أبناء البلد الذين باتوا شبه معارضين للنظام الجديد! *** الفئة الرخيصة التي تتقرب من السلطة أياً تكن من أجل التلويح بسيفها، هي تفعل ذلك ليس حباً بالدولة وأجهزتها، ولا حباً بالقانون وتطبيقاته، ولا احتراماً لسيادة الدولة، ولا إيماناً بمؤسساتها، إنما تبقى تلك الفئة مقربة من السلطة وتحوم حولها وتصفِّق لها في الطلوع والنزول فقط لتعبِّر عن حبها للسطوة ولكي تمارس شناعتها من خلال تلك السلطة، وذلك أياً يكن القابع على عرشها، إذ أن أقبح ما يُلاحظ في سوريا الآن هو أن نفس الفئات البشرية الرخيصة التي كانت تمارس سطوتها بسيف السلطة وبلهجة الأخوة العلويين، اليوم ترتكب ذات الموبقات وتمارس بطشها بسيف السلطة الجديدة ولكن هذه المرة بلهجة أهل السنة! *** عندما كتب "جورج فاضل متى" عن الشعب السوري في مقالٍ طويل بأنه من "الشعوب الحقيرة" انزعج الكثير منا، ولكن أن تقوم شركة سيرياتيل للاتصالات بإضافة أغنية "أبو عمشة القيادة" إلى خدمة "رنة بغنية" حسب ما تم تداول الخبر القميء على وسائل التواصل الاجتماعي تأكيدٌ على أن "جورج فاضل متى" لم يكن مجافياً حقيقة الذوق العام الهابط في بلادنا، هذا إذا ما عرف الناس الماضي النتِن لذلك الشخص الذي غدا رمزاً وطنياً وهو خارج لتوِه من قمامة الانتهاكات إلى قمة المجتمع، والأنكى من ذلك أنَّ بعض الإعلاميين الذين من المفترض أن يقوموا بدورٍ إيجابي في رفع سوية الذوق العام، غدوا مثل العوام يتصرفون، إذ أنهم نكايةً بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يحاربها "أبو عمشة" ومن هم على شاكلته من الأدوات المحلية نيابةً عن طرف خارجي قاموا بنشر مقاطع من الأغنية التي تمجِّد ذلك المصنوع وراحوا يروّجون لتلك الثقافة الهابطة على وسائل التواصل الاجتماعي التي غدت مكباً لكل الآفات وعاهات المجتمعات الشرقية؛ وحقيقة إن تلك النكاية تذكرنا بالمثل الشعبي في منطقة عفرين: (Ji qereza şivanan re gewdeyên xwe dan gavanan) بمعنى أنهم نكايةً برعاة المعيز والأغنام سلَّموا أجسادهم لرعاة البقر، حيث أنهم نكايةً بـ "قوات قسد" راحوا يُمجدون أمثال أبو عمشة! *** واضح من خلال المتابعةِ أنَّ رئيس الحكومة الانتقالية في سورية أحمد الشرع يستخدم استراتيجية الفيلسوف اليوناني بلوتارخ، أي كيفية الاستفادة من أعدائه وخصومه إلى أبعد الحدود، ووفق مسار حياته فإن حاله حال من أشار إليهم بلوتارخ بقوله"بما أنه يستحيل على المرء أن يكون من غير أعداء، يجب عليه أن يتعلم كيف يستفيد منهم"، ومن المتوقع أن الشرع يعرف جيداً كيف يميز بين الأصدقاء والمتملقين المحيطين به والمتقربين منه أكثر من غيرهم عسى ولعل حضورهم الجسدي في حضرته يُخفي ماضيهم وما كانوا يقولونه سابقاً عن الرئيس في الفضائيات، ولأن الشرع يعرفهم جيداً لذا اختار من بينهم حسن الدغيم متحدثاً باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري! وحيال مَن كانوا يهجون أبو محمد الجولاني في الأمس ولكنهم غيروا تردُّد الموجة عندما صار الجولاني أحمد الشرع وتبوأ السلطة بدلاً من السلطان الهارب، فمن الطرائف التاريخية والمواقف المثيرة في التراث العربي يذكر الدكتور محمد رجب البيومي نقلاً عن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، أن الشاعر الأموي الكبير (الكميت الأسدي) هجا يوماً خلفاء بني أمية وندَّد بمظالمهم الكبيرة، وكان بين الشاعر وبين والي الكوفة خصومه قبلية بما أن الأسدي كان قد هجا اليمنية هجاءً فاحشاً، فأراد الوالي أن ينتقم من الشاعر، لذا قام بشراء عدة جوارٍ من المطربات وحفَّظهن أهاجي الكميت في بني أمية، كي يصدحن بها في قصر الخلافة إذا ذهبن إليه، وحين ذهبت الجواري إلى قصر الخلافة واستمع إليهنَّ هشام بن عبدالملك، هاج هائجه، وأرسل إلى خالد القسري يأمره بقتل الكميت وإرسال رأسه إليه، وسرعان ما قبض خالد على الشاعر وأودعه السجن. وعلى غرار الوالي الكوفي فإن كان هناك من يضمر الشر لبعض المتزلفين المحيطين بالرئيس الشرع ويود التخلص من طنينهم من خلال آلية "طق البراغي" ولإحداث الشرخ المفيد بين الرئيس وجمهرة المداهنين الذين كانوا يهجونه فيما مضى، فإن صانع الأسافين إن أراد محاكاة تجربة والي الكوفة فهو ليس بحاجةٍ إلى الرداحات والنوّاحات للغناء، إنما يكفي أن يتفق مع بعض موظفي قصر الشعب لينشروا من باب التذكير ومن حينٍ لآخر الفيديوهات السابقة للمتملقين في حضرة الرئيس الجديد.
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يأخذ عبدي بكلام البارزاني؟
-
حفنة من كشكول المجريات
-
عفرين لدى الإدارة الجديدة
-
أيكون الشرع مانديلا سوريا؟
-
الإرهاب المحبَّب والمكروه
-
ما تبقى من سورية
-
حذاقة الهيئة واستهتار الحُماة
-
لو كان الداعي صادقاً
-
في مديح العدو
-
تفعيل ما تبقى من الطائف
-
حياة الأوادم في الشمال
-
التوافق على النكوص
-
لأجل هذا خرجنا
-
الامتثال لأوامر المعتدي
-
مسارُ القطعانِ في السماء
-
فعاليتكَ تُغيظ المتكلسين
-
صفاقة المجلوب
-
كونوا رحماء كالسيّاف
-
الاستعراض الإيراني الناجح
-
زاهدي وعملية زوال إسرائيل
المزيد.....
-
شابان يحاولان تحدي رياح عاتية جدا أمام الكاميرا.. شاهد ما حد
...
-
المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بولر لـCNN: لسنا وكلاء لإ
...
-
صحيفة: مقهيان في كييف يشطبان اسم ترامب من تسمياتهما
-
هل التصالح مع ولي الدم، يوقف الإعدامات في مصر؟
-
تحليل: الاقتراض الخارجي للسعودية.. بين الضرورة والتحديات
-
النساء ينمن بشكل أسوأ من الرجال – وهذا ليس مصادفة!
-
محلل بريطاني: أمريكا تدفع لعزل الوفد الأوكراني عن زيلينسكي و
...
-
جورج كلوني وأمل علم الدين في طريقهما للطلاق.. كم سيكلف؟
-
روسيا تعلن انطلاق مناورات مع إيران والصين
-
حريق في مستودع بمقاطعة سمارا الروسية بعد إسقاط 3 مسيرات أوكر
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|