بهاء الدين الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 15:15
المحور:
الادب والفن
صلاح چاهين وعصره.
قلائل هم المبدعون الذين يعبرون عن عصرهم على مستوى إستجاباتهم الشخصية حيث التنقل من حالة إلى حالة وفق طبيعة ذلك العصر وأولهم صلاح چاهين ولعل السبب الرئيسي في ذلك طريقة تربية النمط الابداعي عند صلاح چاهين وكذلك الأصول الوطنية لديه حيث صياغة وعيه الإبداعي وكذلك الدور الذي قام به صلاح چاهين عن وعي تام بموقعه من السلطة وليس بموقفه من السلطة وهنا مسالة الموقف من السلطة مرتبط بفكرة الرفض أو الإيجاب ولكن صلاح جاهين كان عنده منطقة غامضه في هذا الإتجاه فقد كان معترضا في أحيان كثيرة على نمط السلطة وقتذاك ولعل ذلك كله تبدى في رباعياته حيث أستغل فكرة الذكاء المصري في فن البليق ولكن مع مهارة وسمو لفظي متوافق مع مرحلة الستينيات وحجم الأحلام العظيمة التي حملها الواقع المصري وقتذاك وكان يسعى إلى طرحها لولا أزمة 1967 ذلك العامل المحوري الذي أدى إلى إجهاض ذلك المشروع وإحلال مشروع سلفي عن وعي يدبر له من 1870 عن طريق طاهر الجزائري الذي أخلف عندنا محمد رشيد رضا الذي أخلف عندنا الاستاذ حسن البنا رائد الاسلام السياسي في مصر والذي أجاد اللعب على التناقضات السياسيه في مصر ما قبل 1952 حيث مأزق الليبرالية المصرية وقتذاك من قدرة الملك على التلاعب بالوزارات. وقد اشترك معه في نفس الموقف توفيق الحكيم ولكن الفارق أن صلاح چاهين لم يتبرأ من موقفه من تجربة الستينيات كما تبرا توفيق الحكيم من تلك التجربه وهنا الفارق حيث الوطنيه عند توفيق الحكيم وطنيه عقلية أما فكرة الوطنيه عند صلاح چاهين فهي جزء عاطفي محض مرتبط بلحمة جسده ولحمة نفسيته وهنا طبيعة المهنة، فكره المهنة كوكيل نيابة عند توفيق الحكيم حيث دراسته للحقوق ، وفكرة عمل صلاح چاهين كرسام وشاعر. هنا أداة إدراك العالم الكلمة، أما أدة إدراك العالم عند توفيق الحكيم فهي البحث عن التناقضات بفقدان التعاطف مع الأخر الذي أمامه بحثا عن الخلل في ادائه الإنساني لكشف الجريمة.
هنا يكون السؤال كيف تمت صياغة المبدع صلاح چاهين؟
هنا نرى أن صلاح چاهين إبن المستشار بهجت حلمي رئيس محكمه إستئناف المنصورة وحفيد الصحفي أحمد حلمي أول صحفي في مصر يعاقب بتهمة الإساءه للذات الملكية، وأحمد حلمي هو الجيل الثاني من رواد الحزب الوطني الذي أنشاه مصطفى كامل وأبيه كان يعالج القضية الخاصة بفلاحين بهوت 1951 تلك الثورة التي صارت على آل البدراوي في المنصورة.
وقد ألف صلاح جاهين ما يقرب من 161 قصيده منها على إسم مصر/ تراب ودخان /ثم الرباعيات التي حملت فلسفته وأطلقوا عليه فيلسوف الفقراء وهو إسم لا يحمل القيمة الفعلية لصلاح چاهين لأن الرباعيات هي مجمل الموقف المعرفي والانساني الخاص بصلاح جاهين وإبستمولوجيا موقفه أمام عصره لأن نرى أن صلاح چاهين كان يعاني من فكرة القلق الوجودي حيث تمزقت ذاته ما بين زملائه الذين اخذوا في الإعتقالات التي تمت في خمسينيات القرن الماضي وبدايه الستينيات فلم يكن صلاح جاهين يوما ما مروجا أو دعائيا لصالح أحد ولكنه كان يمارس مقولاته عن قناعه تامة بحكم أن جده وطني قديم وهو الصحفي أحمد حلمي والمسمى على إسمه ميدان أحمد حلمي بالقاهرة وكذلك إنتمائه إلى بيئه فلاحية حيث حكايه الفلاحين في قريته (السماعنة واشكر) التابعة لمدينةفاقوس محافظة الشرقية، ولقد تجلى ذكائه كله في رسم الكاريكاتير الذي بدأه مع مجلة صباح الخير عام 1956 وبدأ رساما ثم ناقش عبر رسومه ظواهر وقضايا عامه كثيرا ما كان يضمن معها عبارات نثرية كي تتم مسألة التحفيز المعنوي الخاص بالقضية المراد الإشارة إليها وقد إبتكر شخصية علي عليوه ذلك الانتهازي مستغلا التراث الشعبي في (أغنية علي عليوه يلي) والدليل على أن صلاح چاهين لم يكن يوما بوقا لأحد تلك الرباعيه التي نشرها حول قتل شهدي عطيه عام 1960 حيث قال فيها: قتلوه من التعذيب وقالوا إنتحر /فكرت لحظه وقلت آه يا غجر /لو جنسكم سبناه يعيش في الحياة- اللي راح إنتحر يبقى جنس البشر.
ولعل قصة شهدي عطيه الذي تعرض للتعذيب في السجن ومارست الحركة اليسارية عبر العالم الضغوط للإفراج عنه ولكن سبق السيف العزل ، مشهورة للجميع ومعروفه. ونعود هنا الى مدرسة صباح الخير حيث تحدى صلاح جاهين الجميع وأتى بإصدقائه من اليسار واستكتبهم في صباح الخير بأجر وذلك منعا لمسألة الفاقة خاصة بعد خروجهم من السجن، علاوه على تبنيه لعدد من الشعراء مثل فؤاد قاعود الذي كان يعمل عاملا في مطابع الصحافه ولكن صلاح جاهين إكتشفه وابدع في تقديمه للعالم فصار شعره علامة على التطور الشعر المصري،
هنا من الواجب أن نقرر أن صلاح چاهين رآه يحيى حقي من منظور آخر عبر تقديمه لنسخة الرباعيات الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة حيث يؤكد في عدة نقاط الاتي:
١ صلاح چاهين سمح لنفسه أن يحدثنا عن نفسه عن صفاته وأوهامه ومخاوفه ونوع النكتة التي يحبها فهو لم يشكل علينا بنظريات مجردة بل قدم لنا ترجمة ذاتية تنبض بالحياة.
٢ الفارق بين رباعيات الخيام ورباعيات صلاح چاهين الاولى تشكلت بعد أن إستقر الخيام على رأي فلسفي في الحياة نضج أولا وتحدد ثم تكامل وإتسق حتى وإن كان قوام هذا الراي القاطع هو الحيرة فانها حيرة مقننة ثابتة، إنه المحور المرسوم من قبل وذلك بحكم طبيعة عمر الخيام كعالم رياضيات وفلكي بارز وبالتالي وجد منهج علمي حيث أن كل رباعية جزء من خصائص الكل في الرباعية تتعلق بالرأي وحده دون صاحب الرأي فليس فيها إشارة تنبئ عن شخصيته او هيئته او صفاته ، أما صلاح چاهين كتب رباعياته منجمة في اعداد صحفية إسبوعية تأتي وفق طبيعة الأحداث مرة عن شخصه ومرة عن غيره.
٣ فطريه الرباعيات التي عامت فوق بحر التصوف دون أن تغرق فيه لأن الإهتمامات الأولى لصاحبها -كما تفهم - هي البحث عن حلول مادية لمشكلات روحية.
٤ السؤال الأهم هل جاءت تلك الرباعيات بجديد؟ تأتي الإجابة أن الرباعيات لا تنفي عالم المثل الذي قال به افلاطون ، ولكن صلاح يرى أن فصاما تاما وإستحالة إتصال بين عالم المثل والوجود الحسي.
ثم يؤكد يحيى حقي أنه لم يهدد أحد اللغه العربية كما هددها صلاح چاهين لأن صلاح رفع العامية بعد أن طعمها بالفصحى وثقافة المثقفين، هي في الحقيقه ترتفع إلى مقام اللغة الثالثة التي تستطيع أن تعبر عن الفلسفة شعرا لأن صلاح جاهين نجح في تفادي الإبتذال بفضل رقة حسه ومزاجه وذلك تفضيلا له عن بيرم التونسي الذي إقتصر على المحاكاة والوصف.
أما اللوم عليه بأنه كان مغنيا للثوره هذا أمر يرد عليه رجاء النقاش مؤكدا أن الشعر الشعبي يعيش على ثلاثه أسس : اللهجة المحلية - الغناء- والعمل. وسئل سؤالا أن مصر لم تنجب شاعرا كبيرا من ابنائها منذ الشاعر المصري القديم( بنتاؤور) فيجيب رجاء النقاش لأن الحكم المنعزل عن الشعب كان يحتاج إلى فن منعزل عن الشعب أيضا ، أما الشعب فله فنه الخاص حيث يذكر سليم حسن أن نشاة الشعر الشعبي مرتبطه بالعمل من الناحية الإجتماعية ومن الناحية النفسية يقوم الشعر الشعبي بتوفير الحاجة النفسيه كتيسير المشقات عبر العمل الشاق ولعل أبرز مثال على ذلك جماعة الصعايدة وعمال البناء.
ولعلق القاموس اللغوي لصلاح جاهين على مساء غرار: يا عندليب على المشنقة عشه.
ولعل ابتعاد صلاح جاهين عن المشهد بعد هزيمه 1967 تعكس نوعا من الصدق وعدم عودته إلى الساحة مرة أخرى مغنيا لأحد ،هنا الفارق ما بين المثقف الحقيقي الذي يقتص من ذاته لصالح مبادئه والمثقف الذي يتغذى على مبادئه ليحقق من خلالها بعض المكاسب الإجتماعية والصعود الاجتماعي غير الشريف هنا الفارق ما بين توفيق الحكيم كمثقف وصلاح جاهين كمثقف من تاريخ مرحله معينه هنا حاسب ذاته ولم يحاسب غيره.
يبقي صلاح چاهين مثقف شامل لم يعني بشرح نفسه لأحد بل ترك تدفقه الإبداعي للأجيال القادمة التحكم من باب الصدق المتدفق عبر كلماته الخالدة عبر مفهوم تكاملية الفنون كمدخل تعبيري عن دور الفنون في الواقع ومسئولية المثقف العضوي الذي بلوره صلاح چاهين عبر حياته العملية حيث كان جسده ضريبة وعيه ،فمات إكتئابا كعنوان لمرحلة العجز عن الإجابة لمعجم الإسئلة الوجودية التي تعتلج الإنسان الطبيعي ،دونما خلفية تبريرية تخلق ذلك المثقف الصانع لقاهره ،
رحم الله صلاح چاهين.
#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
