سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 18:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استهلال وتوطئة...
يحدثنا تاريخنا العربي والإسلامي بزهو وخيلاء عن خصال وطباع وطريقة تعاملنا مع أسرى أعدائنا في الحروب والمعارك، فلا غرو أن تلك الخصال والطباع الأصيلة والنبيلة إنما هي مستمدة من كتابنا المجيد أولا، ووصايا رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) ثانيا، حيث ورد في القرآن الكريم، وتحديدا في الآية 8 من سورة الإنسان ما يؤكد ويحض على حُسْن معاملة الأسير في الحرب، حيث يقول تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً"، هذا كما وأوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بعد انتهاء أولى معارك المسلمين في بدر بحُسْن معاملة أسرى المشركين، حيث قال لهم: "إستوصوا بالأسارى خيرا"، فامتثل الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم) لما جاء بكتاب الله تعالى ولوصية النبي (صلى الله عليه وسلم)، فضربوا أروع الأمثلة في حُسْن معاملة الأسرى، فكان بذلك الإسلام أول من حافظ على حقوق وسلامة الأسير، وظلت هذه الطباع الأصيلة ملازمة لنا نحن معشر المسلمين ولا تفارقنا أبدا!!
لقد حث الإسلام على معاملة الأسير معاملة كريمة، فلا تهان فيها كرامته، ولا تنتهك حرمته، دون اعتبار لاختلاف الدين أو كونه من الأعداء، وعَدّ تلك المعاملة من صفات الأبرار، وتلك هي لعمري باختصار شديد طباعنا ومآثرنا نحن المسلمين في الرفق بالأسير وحُسْن معاملته، فإن أردت حقا ويقينا أن تعرف طباع وسلوكيات (شُذاذ الآفاق) فما عليك إلا أن تبحر في بطون كتبهم وأسفارهم وثقافتهم لترى العَجَب العُجَاب لما سطرته أقلامهم وتعاليمهم المحرفة، ولتشمئز نفسك!!
وما حدث في فجر الإسلام، فقد تكرر بحمدالله ولطفه مشهده جليا واضحا إبان معركة طوفان الأقصى الخالدة ولمرتين اثنتين، حيث ضرب مقاتلو القسام في كليهما أروع صور التمسك بكتاب الله تعالى ووصايا رسوله الكريم في حُسن معاملة الأسير والرفق به، سواء داخل أماكن حجزهم، أو أثناء تبادلهم خلال جولتيّ تبادل الاسرى مع العدو الإسرائيلي وكالتالي:
أولاهما ... تلك التي تمت في نوفمبر 2023، حيث أُعلن عن هدنة إنسانية خلال حرب الإبادة بقطاع غزة شملت إفراج فصائل المقاومة عن 50 محتجزا إسرائيليا مقابل 240 أسيرا فلسطينيا (بينهم 169 طفلا وفتى و71 أسيرة)، فرأينا الأسرى الاسرائيليين عبر شاشات التلفاز آنذاك بكامل اناقتهم وعافيتهم، كما وظهرت الأسيرات وهن يبتسمن لرجال المقاومة ويلوحن لهم بالود والتودد من داخل سيارات الصليب الأحمر، فيما ظهر مقاتلو القسام وهم يتلطفون بأسراهم الإسرائيليين أثناء تسليمهم للصليب الأحمر الدولي، فتراهم يربتون على ظهور الأطفال منهم، ويترفّقون بالمسنين، في مشهد واضح بهي يسر الناظرين جمع بين صورة المقاتل القسامي ذي البأس الشديد في ميادين القتال، وصورته كإنسان يعطف على الضعيف والصغير والمسن، التزاما منه وتمسكا بشرائع الدين الإسلامي ووصايا رسولنا الكريم والمواثيق والأعراف الدولية!!
والثانية ... التي جرت قبل ثلاثة أيام في ساحة السرايا وسط غزة في إطار المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق التبادل ووقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في قطاع غزة يوم الأحد الموافق 19 / 1 / 2025، حيث أقدم مقاتلو القسام أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاثة الى الصليب الأحمر الدولي في خطوة ذكية ومدروسة منهم، من خلال تقديمهم (حقائب الحرية) إليهن والتي حوت على هدايا تذكارية تضمنت خريطة لقطاع غزة، وصورا للأسيرات أثناء فترة أسرهن مع شهادة (الافراج عن الأسير)، علما بأن هيئة البث العبرية الرسمية قد نوهت عن ذلك، وكما يقول المثل العربي: الفضل ما شهدت به الأعداء، فها هي القناة 14 الإسرائيلية، تؤكد بإن الفحوص الطبية الأولية للأسيرات الإسرائيليات الثلاث اللائي أفرج عنهن بأن أوضاعهن الصحية جيدة!!، مما يؤكد التزام مقاتلي القسام بشرع الله ووصايا نبيهم الكريم والمتمثلة بحماية حياة أسرى إسرائيل في غزة، وتوفير مستلزماتهم اليومية من مأكل ومشرب وعناية طبية طيلة مكثهم في الآسر حتى تسليمهم للصليب الأحمر الدولي!!
وما دمنا قد تحدثنا عن أخلاقيات فرسان القسام وحُسْن تعاملهم الإنساني مع أسرى العدو الغاصب الإسرائيلي، فلابد أن نذكر بعضا من سلوكيات أعدائنا من شذاذ الآفاق والتي مارسوها مع أسرانا البواسل، ليميز الخبيث من الطيب، ونعرف الفرق الشاسع والواضح بين أخلاقيات فرسان القسام وبين أخلاقيات شذاذ الآفاق، فلقد تناقلت القنوات الفضائية شهادات بعض أسيراتنا وأسرانا عن ظروف احتجازهن داخل معتقلات وسجون الاحتلال، وكيف أن سجانيهم يسومونهم شتى أنواع التعذيب والاضطهاد والترهيب والتجويع، وهذا غيض من فيض ما نشر، وكما يلي:
1- ما كشفه نادي الأسير الفلسطيني من شهادات جديدة حول الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق معتقلي قطاع غزة في سجونها، ووفقا لنادي الأسير الفلسطيني فقد تنوعت وسائل التعذيب والإذلال التي تتبعها القوات الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين في سجون النقب ونفتالي وعوفر والدامون وسيدي تيمان.
وأشار النادي في بيانه إلى أن طواقمه التقت في الفترة ما بين 6-1-2025 حتى 8-1-2025 بـ23 معتقلا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية، وأبلغوا الهيئة بمعاناتهم وتحديدا في الفترة الأولى من اعتقالهم.
وتضمنت الشهادات تفاصيل صادمة عن عمليات التعذيب الممنهجة التي تعرض لها المعتقلون في الفترة الأولى على اعتقالهم وفي فترة التحقيق، شملت التعذيب النفسي والجسدي والتنكيل والتجويع والجرائم الطبية، والضرب المبرح وعمليات القمع إلى جانب ظروف الاحتجاز القاسيّة، واستمرار تفشي مرض "السكايبوس – الجرب" بين صفوفهم.
وأكد البيان أن "معسكر "سديه تيمان" الذي شكل العنوان الأبرز لعمليات التعذيب لم يعد المعسكر الوحيد الذي مورست فيه عمليات التعذيب والاعتداءات الجنسية بحق المعتقلين الفلسطينيين، بل إن شهادات المعتقلين في غالبية السجون المركزية والمعسكرات عكست ذات المستوى من التعذيب والتنكيل وتحديدا في سجن النقب وسجن ومعسكر عوفر"!!
2- وعن شهادات لأسرى فلسطينيين من غزة بأنهم يتعرضون لاعتداءات وعنف جسدي من قبل ضباط وجنود في مراكز اعتقال تابعة للجيش الإسرائيلي، وفي مركز اعتقال (عناتوت) قال أسرى إن الضباط والجنود يقومون بإيقاظهم بشكل متكرر في ساعات الليل ضمن إجراءات تنكيلية!!
3- وقالت الصحفية والمدونة الفلسطينية المحررة رولا إبراهيم حسنين إن الأسيرات الفلسطينيات تعرضن لانتهاكات خطيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن قوات الاحتلال تعمدت إذلالهن من خلال تفتيشهن عاريات ومصادرة ملابسهن الخاصة، كما وتحدثت عن سياسة التجويع الممنهجة التي تعرضت لها الأسيرات، مشيرة إلى أن الطعام المقدم "لا يكفي لإطعام عصفور"، مما أدى إلى فقدان العديد من الأسيرات لأوزانهن، وأكدت أن نوعية الطعام وكميته كانت محدودة للغاية، في إطار سياسة متعمدة للضغط على الأسيرات!!
وفي تفاصيل مؤلمة عن لحظات الإفراج عنها، كشفت بأن السلطات الإسرائيلية أخضعت الأسيرات لتفتيش عارٍ قبل إطلاق سراحهن، وأجبرتهن على الانتظار في البرد القارس لساعات طويلة بملابس خفيفة في سجن عوفر!!
4- وفي خطوة خبيثة شيطانية من الكيان الإسرائيلي لتكدير صفو الافراج والتنغيص على الاسرى وذويهم، فقد تعمد الكيان الإسرائيلي على تأخير الإفراج عن الاسرى الفلسطينيين لساعات طوال، في حين احتشد عدد كبير من ذوي الأسيرات على مقربة من سجن عوفر العسكري الواقع غربي رام الله انتظارا للحظة الإفراج في جو بارد قارس، ولقد ذكرت الأنباء أن الاسيرة الفلسطينية المحررة (حليمة أبو عمارة ) قد وصلت الى منزلها بنابلس بعد أكثر من 20 ساعة من الإفراج عنها من سجون الاحتلال الإسرائيلي، تكبدت فيها إجراءات قمعية فرضها جيش الاحتلال ومستوطنوه، كما وذكرت أيضا بأنها قضت لأكثر من 4 ساعات، في حافلة السجن المغلقة وذات المقاعد الحديدية الضيقة، حيث نُقلت الأسيرة المحررة حليمة وباقي الأسيرات وأيديهن وأرجلهن مكبلات بسلاسل حديدية، إلى سجن عوفر العسكري قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، حيث تم احتجازهن بظروف صعبة هناك لعدة ساعات!!
5- وفي إطار الانتقام الذي قام به الكيان الإسرائيلي لتهشيم صورة النشوة والفرح الذي عم غزة والضفة الغربية، فقد أعلنت «مصلحة إدارة» السجون الإسرائيلية أنها لن تسمح بتكرار صورة أسرى صفقة شاليط عام 2011، حيث خرج هؤلاء وهم يرفعون شارات النصر من نوافذ الحافلات، ولهذا قررت سلطات الاحتلال أن تكون نوافذ الحافلات التي ستقلّ الأسرى المُفرج عنهم مغلقة، أو مطلية باللون الأسود القاتم!!.
ختاما ...
يكفينا فخرا وزهوا ما نقرأه ونسمعه من ردود أفعال إسرائيلية بخصوص اتفاق التبادل ووقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في قطاع غزة الأحد الموافق 19 / 1 / 2025، فقد اجمعت "وسائل إعلام إسرائيلية" على فشل الحرب على غزة ،وأن حركة حماس قد حققت أهدافها الإستراتيجية، مع تصاعد الانتقادات من قادة أمنيين سابقين للتعامل الحكومي مع الأزمة، من بينهم رئيس المجلس الأمني السابق اللواء احتياط غيورا إيلاند، الذي وصف الحرب بأنها "فشل إسرائيلي مدو" مؤكدا أن حماس هي المنتصرة، فحماس لم تنجح فقط في منع "إسرائيل" من تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، بل تمكنت من تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في البقاء بالحكم!!.
وها هي صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية اليمينية والتي تعتبر منبرا للمتطرفين الأمريكيين وبوقا للصهاينة تعترف بفشل مخطط النتن ياهو حيث قالت نصا: "إن وقف إطلاق النار في غزة بدأ دون أن تحقق إسرائيل هدفها الرئيسي في الحرب بتدمير حماس"!!
وهكذا وضحت الصورة تماما، بكامل أبعادها، بين أخلاق فرسان القسام من خلال ظهور الاسيرات الاسرائيليات بكامل عافيتهن وتمام صحتهن لحرصهم على توفير احتياجاتهن الأساسية من مأكل ومشرب ورعاية صحية والمعاملة الحسنة، وبين طباع شُذّاذ الأفاق من خلال سوء معاملتهن لأسرانا الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم سلطات الاحتلال البغيض إذ بدت عليهم علامات التعذيب النفسي والجسدي والتنكيل والتجويع!!
قال تعالى في سورة الأنفال، الآية 37:
"لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون".
وإنه لجهاد ... نصر أو استشهاد!!
بغداد في 21 / 1 / 2025
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟