|
اللامساوة في الرأسمالية
سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن في عالم غريب نكاد لا نفهمه ... يقول ابن خلدون المغلوب دائما يتشبه بالغالب .. في كل حياته لغته وملبسه وطريقة حياته واسلوبه في ادارة الدولة ... ربما لذلك بعد 2003 كانت لنا امريكا القدوة في كل شيء واستوردنا اسلوبها في الحياة وطريقة ادارتها للدولة بمحاولة منا بجعل دولتنا تشبه هذه الدولة المتطورة جدا ... وهكذا استوردنا اسلوبها في ادارة الدولة ... من دستور وبرلمان وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية .. وانتخابات ... واهم شيء ... استوردنا ... السوق الحر ... السوق الذي سوف ينظم كل شيء ..ينظم ذاته بذاته ..دون تدخل من الدولة ... ودخلنا الى الرأسمالية ... باوسع صورها ... وتخلينا عن النظام الاشتراكي ... والذي اعتقدنا انه سبب تخلفنا وجعلنا من العالم الثالث ... ونريد ان نكون بمصاف دول مثل المانيا والبابان ... النظام الرأسمالي له صور رائعة وبراقة واضواء تعمي العيون ... لكن تخفي داخله " عالم من الفقر وعدم المساوة والبطالة وتوسع الفجوة بين الفقير والغني .. وانعدام الطبقة المتوسطة والتي بوجودها تخلق الاستقرار في اي مجتمع ... ماركس يقول عن الراسمالية .. " • إن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع، هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر. " وهذا صحيح ... ولكنها تظهر بصورة اخرى للناس وكأنها فائزة بكل شيء وتعطي انطباع للانسان البسيط انها تعطيه فرصة العمر .. بالفوز باليانصيب والذي يصل قيمته احيانا 10 مليون دولار الحلم الذي يجعل الانسان مليونير بلمح البصر ... الم يقولوا عن امريكا انها ارض الفرص ارض العسل ... عبقرية النظام الرأسمالي الحقيقية تكمن في أنه يمثل صفقة رابحة للجميع، وإن بدرجات متفاوتة. أصحاب المشروعات من الرأسماليين يربحون أكثر بالطبع، ولكن الآخرين أحوالهم تتحسن أيضا،
في مقابلة مع بيل جيتس أغنى رجل في العالم سألته المذيعة ...ماهو سر نجاحك ؟ فأعطاها شيك من دفتر شيكاته و قال لها اكتبي المبلغ الذي تريدينه!!! فاندهشت المذيعة وقالت أنا لا أقصد هذا سيدي ثم عرضت عليه السؤال بطريقة أخرى فأجاب نفس الإجابة أعطاها شيك فرفضت أن تأخذه فمزق الشيك ثم قال لها سر نجاحي هو : أنا لا أضيع الفرص كما فعلت أنت الآن ... كان من الممكن أن تكوني أغنى مذيعة في العالم فكرت المذيعة وسألته : هل من الممكن أن تعاد الحلقة؟؟!! فرد لا مشكلة ! ولكن الفرصة لن تعاد مرة أخرى ...
هذا الاسلوب الراسمالي بجعل الاحلام تتحقق فقط أذا بادرت باستغلال الفرص ... وهذا قمة جبل الجليد ... لكن ماذا عن القاع ... في القاع تنتشر البطالة والمخدرات والدعارة والربا والمشردين الذين يفترشون الشوارع ... تنشر المافيات ومنظومة الفساد في كل شيء ..دولة عميقة داخل الدولة تسيطر على كل شيء ... الراسمالية مبنية على عدم العدالة ,,, واللامساوة .. والغريب انها تجعل اللامساوة والبطالة وكأنه ركن اساسي في تكوينها ... المعضلة أن الرأسمالية تقوم على فكرة "التدمير الخلاق" التي تحدث عنها "شومبيتر" حيث السلع والمنتجات وطرق الإنتاج والتنظيم الجديدة تزيح القديمة باستمرار. من شأن هذه الدينامكية أن تجعل البطالة جزء لا يتجزأ من المنظومة الرأسمالية. تختفي أنشطة وتبزغ أخرى، ومن ثم يصعد أناس وينزلق آخرون إلى درك البطالة والعوز. مع البطالة يأتي انعدام المساواة. بهذا المعنى، فإن اللامساواة ليست محصلة لتطبيق سياسة بعينها، أو لانحياز طبقة ما. اللامساواة مفهوم لصيق بالرأسمالية نفسها، وجزء لا يتجزأ من نسيجها.
بيل غيتس عبر عن هذا المعنى ذات مرة بقوله: "نعم! إن درجة ما من اللامساواة تعد جزء لا يتجزأ من الرأسمالية. هي مكون جوهري في النظام ذاته. السؤال هنا: أي مستوى من اللامساواة يكون مقبولا؟ ومتى يكون ضرر اللامساواة أكبر من نفعها؟". انتبه للسؤال أي مستوى من اللامساواة يكون مقبولا؟ ومتى يكون ضرر اللامساواة أكبر من نفعها؟".
هذا سؤال خبيث جدا .. يحعلك بالبداية على قناعة ان اللامساوة ضرورية للمجنمع وبالتالي على قناعة ان ما يحدث لك من فقر او بطالة يجب ان تتحمله انت , وبالتالي انت مسئول عن فقرك او بطالتك , وانها جزء من المنظومة ككل !!!
المدافعون عن الرأسمالية يقولون ... اللامساواة مفهوم لصيق بالرأسمالية نفسها، وجزء لا يتجزأ من نسيجها قد تتعجب قليلا من قول "بيل غتيس" لأنه ينطوي على تلميح بأن بعضا من اللامساواة لا يضر. هذا، في واقع الأمر، صحيح. إن مجتمعا يقوم على المساواة الكاملة والمطلقة بين أعضائه، هو في واقع الأمر مجتمع بلا حافز على التقدم والتميز والإنجاز الفردي. في مجتمع مثل هذا لا يجد البشر ما يدفعهم للاجتهاد ليكونوا أطباء على سبيل المثال. لا بد من تمييز في الدخول حتى يقبل الناس على مهن تتطلب اجتهادا استثنائيا ومهارات خاصة. والحال أن أكبر محرك لانعدام المساواة في ظل النظام الرأسمالي كان التكنولوجيا. منذ نهاية القرن الثامن عشر، ومع ظهور الماكينة والمحرك البخاري، تعمقت الفجوات داخل المجتمعات وبين البلدان . ويقولون ... واقع اللامساوة لا يجعل الرأسمالية نظاما شريرا. على أنه لا يتعين ـ من جانب آخر ـ التسليم بهذا الواقع والاستسلام له باعتبار ذلك ثمنا ضروريا لجني مكاسب الرأسمالية. الحال أن تاريخ الرأسمالية هو، في أحد جوانبه، تاريخ لمحاولات مستمرة لاجتراح الأدوات والمنظومات التي تجعل هذا النظام مقبولا من قبل الأغلبية. دائما في كل ظهورهم الاعلامي الأيحاء دائما بمحاولة التوفيق بين اللامساوة اللصيقة بالنظام الرأسمالي من ناحية، مع الحفاظ على حيوية هذا النظام الذي يزدهر بالحافز الفردي من ناحية أخرى .
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يخافون الفلسفة ؟
-
العراق الى اين
-
هل الشعب العراقي اهل غدر !!!
-
هل التغيير ممكن
-
هل يجوز العمل ضمن الاحزاب الغير اسلامية ؟
-
تفجير المنارة الحدباء...
-
ماذا تريد السعودية من امريكا ...
-
هل المسيحي كافر ..
-
حين يصبح المسجد مشكلة وليس هو الحل ..
-
اردوغان وحلم السلطنة ..
-
المرأة في عيدها ...
-
الكل يكره ميريل ستريب ...
-
افراح شوقي ... وطن اخر سقط
-
التانغو الاخير في باريس , جنون وابداع ...
-
مراقبة المسلمين في امريكا ..
-
ترامب ... حلم الرجل الابيض
-
خطيئة الشرق الاوسط
-
بالتأكيد الفلوجة سوف تتحرر ..
-
كيف تشكل الشرق الاوسط ...
-
ما يحدث في العراق هل هو بداية الفوضى ..
المزيد.....
-
أحمد الشرع والرئيس اللبناني الجديد يهنئان ترامب بعد تنصيبه
-
سفينة حملت رؤساء أمريكا سيتم إغراقها عن عمد..ما السبب؟
-
-سأزور السعودية إذا اشترت بما قيمته 500 مليار دولار-.. شاهد
...
-
ماذا قالت الصحف العالمية عن تنصيب ترامب
-
صُناع الكِتاب وَ مَهارة بٍناء فَريق العَمل التَطوعي..
-
قضية معاذ الكساسبة.. العدالة تطرق الأبواب من جديد
-
مشاركة عزاء للرفاق فؤاد ومفيد وزهير حبش
-
سعر خرافي لأغلى -كوب- في مصر وغزة كلمة السر
-
سوريا تطالب مجلس الأمن الدولي بوقف اعتداءات إسرائيل
-
بريطانيا.. اختبار غرسة دماغية لتحسين المزاج
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|