أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)















المزيد.....



الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 8118 - 2024 / 10 / 2 - 22:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" سورة الاحزاب، من الآية 33".
المقدمة:
منذ بدأت الكتابة وأنا أفكر في كتابة بحث عن الإمام علي، وذلك لأن الإمام يعد الرجل الثاني في الاسلام وله من الفضائل والمعرفة والعلم لم توجد عنده غيره، وأيضاً يعد الإمام باب الاسلام والذي اختلف فيه الكثير وقالوا عنه الكثير، أضف إلى ذلك الكتابة عن الإمام يعد شرفاً عظيماً لي، لكن الكتابة عن الإمام ليست سهله كما يتصورها البعض، بل غاية في الصعوبة، بل من اصعب البحوث التي كتبتها، لأنك سوف تكتب عن شخص ليس اعتيادي شخص لا يمكن أن توصف دينه أو أخلاقه أو تواضعه أو علمه أو زهده أو مواقفه الرجولية، أو بكونه أول فدائي وجد في الاسلام، ومع ذلك قررت الكتابة، لعل الله يكتبها في ميزان حسناتي وأن يعفو ويغفر لي فهو التواب الرحيم.
يعد الإمام علي من ابرز اعلام التاريخ الاسلامي، كلفه الرسول(ص) بالكثير من الجلائل المهمات المتعلقة بروح الدعوة الاسلامي، فأثبت جدارته وصدق إيمانه وسعة اطلاعه، فالحديث عن الإمام علي إنما يعني الحديث عن الاسلام كله والمبادئ كلها والقيم برمتها، فالإمام تربى في حجر الرسول(ص) وكان له الرسول(ص) بمثابة الأب وخديجة(ع) بمثابة الأم واستنشق الخلق المحمدي العظيم، إذ كان ملازماً له، ملازمة الظل لصاحبه مع ما وهبه الله من إمكانات عقلية وجسدية ونفسية غير عادية، وأدرك بالمحسوس إرهاصات النبوة الأولى، وأول الذكور اسلاماً وتصديقاً بالرسول(ص) ، وهو الذي لم يسجد لصنم، ولم يشرك بالله شيئاً، وصدق الرسول(ص) وناصره ، وهو الذي جعل الله الحق معه في جميع المعارك التي خاضها، وهو مولى كل مؤمن بعد رسول الله(ص) ،وهو أول صحابي يخرج للمبارزة ونزل فيه قوله تعالى" هذان خصمان اختصموا في ربهم" سورة الحج، من الآية 19، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى أن نستخرج سيرة الإمام لندرسها حقيقة ونعمل بها واقعاً في ظروف طغت فيها المادة على حياة الناس وهيمن التطرف والتشدد والتعصب بدلاً عن الحب والسماحة التي وجب علينا أن نتعلمها من الإمام، فعندما تقرأ سيرة الإمام ستجد حياته كلها كانت عطاء متواصل من أجل خدمة قضايا أمته، ونشر رسالة الاسلام إلى العالم، والتضحية بمصالحه الشخصية من أجل مصالح الأمة، والصبر على الجراح والمعاناة، من أجل اسعاد الآخرين، بل والتنازل عن حقه في الحكم والخلافة من أجل حفظ وحدة المسلمين، وتقوية الاسلام وهذا هو من اعظم العطاء، وأيضاً كان الإمام يبحث عن الفقراء من أجل مساعدتهم، فيقدم الآخرين على نفسه، ويبحث عمن يعطيه ويعتبر ذلك ديناً عليه، فيقول:" الكريم يرى مكارم أخلاقه ديناً عليه يقضيه، واللئيم يرى سوالف إحسانه ديناً له يقضيه". ولذلك فإن الإمام يبحث عن ذوي الحاجة ليعطيهم، فالإمام ما كان ينتصر حتى يسأل سائل، بل كان يبحث هو بنفسه عن صاحب الحاجة، ويمضي إليهم ويعطيهم من ماله ما يعتقد أنه حق لهم معلوم، وكان يقول:" السخاء ما كان ابتداء أما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم". وحينما رزق الله المسلمين غنائم كثيرة واتسع رزق المجاهدين منهم اتخذ بعضهم المزارع والدور الكبير، أما هو ونفر من الصحابة، فقد كانوا يتصدقون بما يغنمون، بل ولم يكن يذخر العطاء من الليل إلى النهار، ويروي أحمد بن حنبل واسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري أنه لم ترد في أحد من الصحابة من الفضائل كما وردت للإمام علي، ويتفق الأخوة السنة على حقيقة هذا القول وهو ما ذكره الإمام علي عن قول الرسول(ص):" لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". ويقول جورج جرداق:" أن محاولات إطفاء نور الإمام علي ربيب الرسول(ص) وسيد صحابته وأخيه وزوج أبنته وأبي سبطيه والإمام الحق من بعده، وتغييب دوره اللامع على الإنسانية لهي محاولات بائسة خاسرة، وهي أحقر مما يتصور الطغاة المتجبر واصحاب المطامع الدنيوية الذي كانوا يلهثون وراء المال والسلطة بدافع من هيمنة المستعمرين الذي يكيدوا للإسلام ويكيدون للإنسانية قبل أن يكيدوا للحق وأصحابه، ويقول ميخائيل نعيمة:" أن بطولات الإمام علي ما اقتصرت يوماً على ميادين الحرب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه وسحر بيانه وعمق إنسانيته وحرارة إيمانه وسمو دعته ونصرته للمحروم من الظالم، وتعبده للحق أينما تجلى له الحق وهذه البطولات ومهما تقادم بها العهد لا تزال مطلعاً غنياً نعود إليه اليوم وفي كل يوم، و كلما اشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة فاضلة". ويذكر الدكتور والداعية الشيخ أحمد الكبيسي، بأنه عندما نفاضل بين أبي بكر وعمر وعثمان لا ندخل الإمام علي في هذه المفاضلة، لأنه الرجل الثاني في الاسلام، وهو من آل بيت النبوة، والإمام نزلت فيه آيات لم تنزل في أحد من الصحابة، فهو العملاق الثاني بعد الرسول(ص). ويذكر الدكتور عدنان إبراهيم، الإمام علي يمثل الاسلام الصرف والمحض والصحيح والاسلام العالمي، ويقول أنه إذا قيل وذكر لفظ الإمام مباشرة يتبادر اللفظ من قبل السنة والشيعة إلى أبي الحسنين الإمام علي، ويرى أن للإمام أربع خصال لم نجدها عند كل المسلمين وهي:
1_أول العرب والعجم صلى مع الرسول(ص) قبل أن تفرض الصلاة فكان الرسول(ص) والإمام يصليان من الصباح إلى المساء.
2_ دفعه الرسول(ص) في معظم الحروب على الاطلاق.
3_ثبت مع الرسول(ص) حين فر غيره فالإمام لم يفر أطلاقاً.
4_ تولى غسل الرسول(ص) ودفنه يوم كان الصحابة مشغولين بالخلافة بعد الرسول(ص) في سقيفة بني ساعدة.
وخلاصة الكلام أن مظاهر العطاء في سيرة الإمام، لا تقتصر على جانب دون آخر، ولا على شريحة دون أخرى، ولا على مناسبة دون مناسبة، فحياته كلها عطاء، ولذلك سيبقى الإمام على مر الدهر والسنين، ولن تستطيع كل الحواجب أن تمنع شمس عظمته من الاشراق والانتشار، فحقيقة الإمام كالشمس لا يحجبها الغربال، فلتكن حياتنا عطاء واقتداء بمولانا أمير المؤمنين.(1)
الإمام علي سيرة وفكر ومواقف:
ولادته:
احست السيدة فاطمة بنت اسد بوجع الولادة وهي في الشهر التاسع من الحمل، واقبلت إلى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة، ثم وقفت للدعاء والتضرع ليسهل عليها الولادة، قائلة:" يا رب أني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته وكل رسول ارسلته ومصدقة بكلامك وكلام جدي إبراهيم الخليل(ع) وقد بنى بيتك العتيق، واسألك بحق الانبياء والمرسلين وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين في احشائي، إلا يسرت علي ولادته". وما انتهت من الدعاء انشق جدار الكعبة من الجانب المسمى(المستجار) ودخلت السيدة فاطمة إلى جوف الكعبة وأرتاب الصدع وعادت الفتحة والتزقت وولدت هناك، وكان ذلك في يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، وبالحساب الميلادي كانت ولادته 600م وقد ولد قبل البعثة النبوية ب12 عاماً، وقيل أقل من ذلك في الكعبة المشرفة بعد مولد الرسول(ص) بثلاثين سنة، ومن المعلوم أن للكعبة باباً يمكن الدخول منه والخروج، ولكن الباب لم يفتح، بل انشق الجدار ليكون أبلغ وأوضح وأدل على خرق العادة وحتى لا يمكن اسناد الأمر إلى الصدفة، ولا يزال الأثر موجوداً على جدار الكعبة حتى اليوم، وبقيت السيدة فاطمة في الكعبة ثلاثة أيام وانتشر الخبر في مكة وجعل الناس يتحدثون، حتى ازدحم الناس في المسجد الحرام، ليشاهدوا مكان الحادثة، حتى كان اليوم الثالث وإذا بفاطمة قد خرجت من الموضع الذي كان قد انشق لدخولها وعلى يدها صبي كأنه فلقة القمر، وأسرع البشير الى ابي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين وتقدم من بينهم محمد المصطفى (ص) فضمه الى صدره وحمله الى بيت ابي طالب.(2)
اسمه ونسبه:
يذكر الإمام أن أمه اسمته(حيدرة) وقد ارتجز بذلك يوم خيبر فقال" أنا الذي سمتني أمي حيدرة، كليث غابات كريه المنظرة". فقد ذكروا أن الإمام ولد وأبو طالب غائب، فسمته أمه (حيدرة) اسم من اسماء الاسد، وهي اشجعها، فلما قدم أبو طالب سماه علياً، والإمام هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو أصغر ولد أبيه أبي طالب أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها، ويرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي، وللإمام علي أخوة هم طالب وعقيل وجعفر وأخوات هن أم هانئ وجمانة.(3)
زواجه:
تقدم إلى السيدة فاطمة الزهراء كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر، وكان رد الرسول(ص)"أنتظر بها القضاء" وعندما تقدم الإمام علي وافق الرسول(ص)،وكان الإمام علي لا يمتلك شيء غير سيفه ودرع الحطيمة( وسمي بهذا الاسم لأنه في المعارك كانت السيوف تتحطم به) وكان مهر السيدة فاطمة الزهراء هو درع الحطيمة، ولم يتزوج الإمام عليها في حياتها.(4) ومن زوجات الإمام:
1_فاطمة الزهراء(ع)
2_خولة بنت جعفر
3_ليلى بنت مسعود
4_أم البنين بنت حزام(ع)
5_اسماء بنت عميس الخشعمية
6_أم حبيب الصهباء بنت ربيعة
7_أمامة بنت أبي العاص بن الربيع
8_أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي
9_محياة بنت أمرئ القيس الكلبية.(5)
أولاده:
للإمام علي 21 ولداً من الذكور و19 من الإناث:
أبناؤه الذكور:
1_الحسن(ع)
2_الحسين(ع)
3_المحسن
4_محمد أبن الحنفية
5_عمر الأكبر
6_العباس الأكبر(ع)
7_محمد الاصغر
8_العباس الاصغر
9_عثمان الاكبر
10_جعفر الاكبر
11_عبدالله الاكبر
12_أبو بكر عتيق
13_عثمان الاصغر
14_جعفر الاصغر
15_يحيى
16_عبدالله الاصغر
17_عمر الاصغر
18_عبدالله
19_عبدالرحمن
20_حمزه
21_عون.
أما بنات الإمام:
1_أم كلثوم الكبرى
2_زينب الكبرى(ع)
3_أم كلثوم الصغرى
4_زينب الصغرى
5_رقيه الكبرى
6_رقيه الصغرى
7_فاطمة الكبرى
8_فاطمة الصغرى
9_رملة
10_ميمونة
11_خديجة
12_أم سلمة
13_أم جعفر واسمها جمانة
14_أم الحسن
15_أم هانئ
16_أم الكرام
17_أمامة
18_فاختة
19_أمة الله.(6)
كنيته:
كني الإمام بكوكبه من الكنى الشريفة وهذه بعضها:
1_ أبو الريحانتين، وهما الإمام الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وكناه بذلك الرسول (ص).
2_ أبو السبطين، كني بولديه الإمامين الحسن والحسين(ع).
3_ أبو الحسن، كني بأبنه الأكبر الإمام الحسن السبط الأول للرسول(ص).
4_ أبو الحسين، كني الإمام بولده الشهيد مفخرة الاسلام والمجدد الاعظم لدين الاسلام، الإمام الحسين الذي استشهد من أجل أن يقيم دولة القرآن الكريم، ويحطم الدولة الأموية التي استهدفت القضاء على الاسلام.
5_ أبو تراب، أن هذه الكنية من أحب الكنى عند الإمام، فقد كناه الرسول (ص).
القابه:
من القاب الإمام علي وهي:
1_ الصديق، لقبه الرسول (ص) لأنه صدق رسول الله(ص)، وآمن بجميع ما جاء به من عند الله تعالى، وقد اسلم قبل أن يسلم غيره، ويذكر قول للإمام علي :" أنا الصديق الاكبر " وقد اشتهر في هذا اللقب في عصره وعرف به، وكان قد عرف الرسول (ص) بهذا اللقب قبل أن ينزل الوحي، ويذكر عن الصحابي مالك الاشتر مخاطباً الإمام" أنت الصديق الأكبر".
2_ الوصي، من الالقاب الكريمة أيضاً للإمام ، أي وصي رسول الله(ص) وقد اضفاه عليه الرسول (ص) وقد منحه ذلك في كوكبه من الاحاديث منها، قول الرسول (ص):" هذا وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي".
3_ الفاروق، لقب الإمام بالفاروق لأنه يفرق بين الحق والباطل، وقد اقتبس هذا اللقب من الاحاديث النبوية التي اضفت عليه ذلك، وهذه بعضها، قول الرسول (ص):" إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل".
4_ يعسوب الدين، لقبه الرسول (ص) فقد قال عنه:" علي يعسوب المؤمنين".
5_الولي، من الالقاب الرفيعة التي تقلدها الإمام وقد منحته السماء هذا الوسام العظيم، قال تعالى "إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، سورة المائدة، الآية55". ونزلت الآية الكريمة في حق الإمام حينما تصدق بخاتمه على المسكين.
6_ أمير المؤمنين، من الالقاب الشائعة للإمام ، وبهذا الصدد يقول الدكتور زكي مبارك:" أمير المؤمنين هو اللقب الاصطلاحي لعلي بن أبي طالب، فإن رأى القارئ في كتاب قديم من غير نص على اسم فليعرف أن المراد هو علي بن أبي طالب". وهذا اللقب افاضه الرسول (ص) عن الإمام بقوله:" يا انس، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، ثم دخل الإمام واستقبله الرسول (ص).
7_ الامين، من القاب الإمام، ولقب بذلك لأنه كان أميناً على أمور الدين واسرار خاتم المرسلين(ص) وقد منحه هذا اللقب الرسول (ص)، فقد قال له:" يا علي أنت صفيي وأميني".
8_الهادي، من القاب الإمام، فقد كان هادياً للمسلمين ومرشداً للمتقين وولياً للمؤمنين، وقد اقتبس هذا اللقب من قول الرسول (ص):" أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يهتدي المهتدون".
9_ الأذن الواعية، من القاب الإمام فقد كان أذناً واعية لجميع ما أنزل على الرسول (ص)، وقد قال له الرسول (ص) عندما نزلت الآية "وتعيها أذن واعية، سورة الحاقة، من الآية12".وسألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي، فقال الإمام :" فما نسيت شيئاً بعده، وما كان لي أن أنسى".
10_ المرتضى، لقب بذلك لأن الله ارتضاه خليفة للرسول(ص) من بعده.
11_ الانزع الأبطين، لقب بذلك لأنه كان عظيم البطن ولكن بلا بطنة، وقد رثاه الجواهري في بيته قائلاً
فيا بن البطين بلا بطنة ويا بن الفتى الحاسر الانزع
12_ الشريف، فقد كان الإمام من اشرف الناس بحسبه ومثله وروعة وتقواه، وقر بذلك حتى خصومه واعداؤه.
13_ خير البشر، لقبه الرسول (ص) بخير البشر، وقد ورد ذلك في كوكبة من الاحاديث ومنها قول الرسول (ص):" علي خير البشر من شك فيه كفر".
14_ سيد العرب، من القاب الإمام، واضافه الرسول (ص) بقوله:" أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب".
15_ حجة الله، من القابه العظيمة حجة الله، فقد كان حجة من الله على عباده يهديهم للتي هي اقوم وينير لهم طرق الهداية، منحه هذا اللقب الرسول (ص) بقوله:" أنا وعلي حجة الله على عباده".(7)
صفاته:
كان حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسناً، وكأن عنقه أبريق فضه، ضحوك السن، وإذا مشى تكفأ على نحو مشية الرسول(ص) وكان شديد الساعد واليد، وإذا مشى للحرب هرول، ثبت الجنان وقوي الشجاع، ومن أجمل الناس وجهاً واحسنهم اخلاقاً، وكانت اسارير النور على وجهه الشريف، وقد وضعت ملامحه بصفات كثيرة منها ما وصفه الرسول (ص) له" من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب". وقد وصفه ولده محمد أبن الحنفية، بأنه ربع القامة أزج الحاجبين، أنجل، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسناً وهو إلى السمرة، أصلع، له حقاف، من خلفه كأنه إكليل، وكأن عنقه ابريق فضة وهو أرقب، ضخم البطن أقرا الظهر، عريض الصدر، محض المتن، ضخم الكسور، لا يبين عضده من ساعده، تدامجت إدماجاً عبل الذراعين، عريض المنكبين عظيم المشاشين، كمشاش السبع الضاري، له لحية قد زانت صدره، غليظ العضلات حمش الساقين.(8)
شجاعته:
أبرز ما يميز الإمام بطولته وفروسيته وجرأته وشجاعته التي كانت مضرب الأمثال، فجعل صدره ونحره درعاً واقياً للإسلام ونبيه(ص) وكان سيفاً شهاباً راصداً للأعداء ينازل الرجال ويجندل الابطال، وينصر دعوة الحق، ليث الحروب وفارس الميادين ومقدم المجاهدين وخاض مع الرسول(ص) جميع غزواته واعطاه الراية واللواء وكان النصر معقوداً على جبينه، فالإمام يعد تاريخاً حافلاً من النضال والفداء والتضحية والكرم والسخاء والجود والعطاء، ومن المواقف التي يظهر الإمام فيها شجاعة لا نظير لها في معركة أحد وعندما حاصر الكفار الرسول(ص) فبقي الإمام وحده يدافع عن الرسول وسمع صوت من السماء وهو صوت جبرائيل(ع)" لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار". ومن المواقف الشاهدة على شجاعته، وهي عندما اجتمعت قريش في دار الندوة، واجمعوا على قتل الرسول(ص) اعلم الله الرسول(ص)، فأمر الرسول(ص) الإمام أن ينام في فراشه ويتسبح ببرده الحضرمي الأخضر، وكان لا يستطيع احد أن يجرئ أن ينام ويبقى في مكان الرسول(ص) والاعداء احاطوا بالبيت يتربصون به لقتله، ومن يفعل هذا ويستطيع البقاء في هذا البيت وهو يعلم أن الاعداء لا يفرقون بينه وبين الرسول(ص) في مضجعه، أنه لا يفعل ذلك إلا أبطال الرجال وشجعانهم بفضل الله تعالى، ولهذه الليلة عدة دروس وعبر منها:
1_ أن خطة الرسول(ص) وضع الإمام في مكانة، هي مشاغلة الاعداء وخروج الرسول(ص) سالماً من مكة.
2_ أن تلبية الإمام لهذه الدعوة تمثل مثال الجندي الصادق والمخلص لدعوة الاسلام.
3_ في هذا الحدث العظيم في دلالة قاطعة على شجاعة الإمام.(9)
قضاءه:
طالما رفعت إلى الإمام مشاكل عجز عنها القضاء وحار فيها الفكر، ووقف دونها العقل، فيرجع إليه فهو المفزع والملجأ، وعند فصل الخطاب والحكم الفصل ولا غروا أن يكون كذلك وقد قال فيه الرسول(ص):" اقضاكم علي". ويعد الإمام صاحب قدر كبير عند الصحابة، فقد كان يستشيره ابو بكر وعمر وعثمان في أيام خلافتهم، ويقول عنه عمر" لا بارك الله في معضلة لا تحكم فيها يا آبا الحسن". وله قول آخر:" لولا علي لهلك عمر". وله قول آخر:" لا يفتني أحد في المسجد وعلي حاضر".(10)
تواضعه:
من الاخلاق القرآنية التي تجسدت في شخصية الإمام التواضع، فمن اقواله في التواضع:" تواضع المرء يكرمه". فالعبد كلما رسخ في العلم بالكتابة والسنة وعمل بها، وعرف حقيقة نفسه، أزداد تواضعاً لله تعالى ولخلقه، وقد روي عن الإمام أنه اشترى تمر بدرهم فحمله في ملحفه، فقالوا نحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال لا أبو العيال أحق أن يحمل، وكان يسير وحده في الأسواق حين كان خليفة للمسلمين، ويرشد من كان ضالاً طريقه، ويساعد الضعيف، ويحث التجار على العدل، وعدم الغش، وإيفاء المكيال والميزان، وتقوى الله، وينهاهم عن حلف اليمين في البيع، لما فيه من إنقاص للبركة، فهذه أمثلة من تواضعه وهو بهذا يجعل من نفسه قدوة حسنة للمسلمين في التواضع، وكان الإمام شديد الحياء من الله تعالى، وظهر ذلك في قوله:" أني لأستحي من الله أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري أو خلة لا يسدها جودي". فهذه أربع صفات من النقص قابلها الإمام بأربع صفات من الكمال، فالحياء من الله عز وجل يقتضي من الإنسان أن يتصف بالعفو عند المقدرة، وذلك فيما إذا لم يكن الذنب فيه حد من حدود الله تعالى، وأن يتصف بالعلم الذي يحتوي جهل الجاهلين، وأن يكون ستاراً لعيوب الناس، وأن يتسع كرمه لسد حاجة من احتاج إليه.(11)
زهده:
عاش الإمام حياة الزهد منذ كان صغيراً في كنف الرسول(ص) ونشأ على ذلك وشب عليه، وعندما تزوج من السيدة فاطمة الزهراء ضرب معها أروع أمثلة النبل والتقليل من الدنيا، حتى إذا آلت إليه الخلافة توج سيرته بنفس الهدى فلم يرزأ بيت مال المسلمين، إلا بما يقيم الأود ويستر الجسد، ويأكل الخشن ويلبس المرفوع، ويقول للدنيا غري غيري، وعلى الرغم من زهده الواضح والذي ظهر في شخصيته، إلا أنه لم يكن عبوساً ولا ثقيل الظل، بل كان ودوداً بشوشاً فيه دعابة ملحوظة، وقد جاء في وصفه كان حسن الوجه، ضحوك السن، خفيف المشي على الأرض، ويعتبره المتصوفة من الزهاد والتصوف عندهم واجد اصوله وبذوره في الإمام علي.(12)
صبره:
صبر الإمام في حياته كثيراً، وذلك منذ صغره، ومنذ بداية الاسلام، وفي المرحلة السرية من الدعوة، و ما تعرض له في الغزوات والفتن التي واجهها أثناء خلافته، وكان يحث الصحابة على الصبر، وقد روي أنه قال للأشعث بن قيس: "إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأزور"، ويشار إلى أنه تحلى بالصبر في كل مرحلة من مراحل حياته.
عبادته:
امتثل الإمام لعبادة الله الشاملة في كل جوانب حياته، فكان من أصحاب التهجد في الليل، يحث غيره على مخافة الله، واستشعار مراقبته لهم، والتوجه إليه خوفاً من عقابه، ورجاء لرحمته، مبيناً لهم أن النفع والضر بيده وحده، وأنه المنعم الوحيد عليهم، ومالك كل شيء.
فصاحته:
اتفقت كلمة الأدباء على أن الإمام علم من أعلام البلاغة وإمام من أئمة الفصاحة، وقد أثرى أسلوبه الخطابي وتشبعه من القرآن الكريم والبيان النبوي الرفيع، فضلا عما لسليقته العربية التي ارتوت من معين فصاحة الأعراب وبلاغة أهل مكة من فضل وأثر، وكثيراً ما كان يضمن في خطبه وشعره التعبير القرآني والمفردة النبوية والمثل السائر البليغ، حتى صار موروثه الأدبي مطلباً لكل طالب أدب وبلاغة على مر الدهور، وقد اشتهر الإمام عند المسلمين بالفصاحة والحكمة وحدة الذكاء وسرعة الفطنة ومواقفه الارتجالية الكثيرة تشهد له بقوة البديهة التي لم يكن يجاريه فيها احد، وطالما كان يرسل المثل السائر والحكمة الرائعة وهو يرتجل في انصاره أو في اعدائه، وربما كان الإمام فريد زمانه في سرعة الفطنة إلى معضلات الحساب، وكان معاصروه يعدون هذه المعضلات ألغازاً قلما تفقه سرها العقول، وقلما تدرك إلى حلها سبيلاً، وينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة.
استشهاده:
استشهد الإمام علي يوم 21 رمضان للسنة 40 للهجرة، بعد ضربه بسيف مسموم يوم 19 رمضان، أي استشهد بعد يومين، من قبل الخارجي عبدالرحمن بن ملجم، وبينما كان الإمام قبل ساعة من ضربته يوقظ النائمين في المسجد، وصوت أذانه يدوي في أرجاء الكوفة، ثم بدأ بالصلاة وفي الركعة الثانية تلقى الإمام الضربة اثناء صلاة الفجر ، لذلك لقب بشهيد المحراب، وقال عبارته الشهيرة المدوية" فزت ورب الكعبة". ثم اتم صلاته من جلوس، فجعل يشد الضربة ويضع التراب على رأسه وهو يقول "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، سورة طه، الآية 55". وأيضاً يقول: "هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، سورة الاحزاب، من الآية 22". وكان الناس حتى الأمس وحتى البارحة يسمعون صوته الملكوتي ، وفجأة تناهى إلى أسماعهم صوت هاتف يقول: (تهدمت والله أركان الهدى، قتل علي المرتضى) وهكذا سمع أهالي الكوفة ومن بعدهم جميع العالم، أما أبن ملجم فقد أوصى الإمام بعدله وعطفه ودينه أروع مثال للعدالة، إذ قال لولده الإمام الحسن: "ارفق يا ولدي بأسيرك، وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما ولا تغل له يدا، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، وإن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به".
الامام علي في بيت الرسول(ص):
تربى الإمام في بيت الرسول(ص) منذ صغره، وذلك لأن أبي طالب كان وضعه المادي ضعيف فأراد الرسول(ص) وعمه العباس التخفيف عن كاهله، فأخذ الرسول(ص) الإمام علي وأخذ عمه العباس جعفر وبقى عقيل مع أبيه أبي طالب، وبذلك تربى الإمام في كنف الرسول(ص) منذ نعومة أضافره، وقد انضم الإمام إلى بيت أبن عمه الرسول(ص) وعمره 6 سنوات حتى جاء الاسلام فأسرع إلى الإيمان برسالة الرسول(ص) ولازمه ثلاثة عشر سنة طيلة الفترة المكية، وهو يعيش معه فيوضات الوحي ونزول جبرائيل بالقرآن الكريم غدوة وعشياً، ويقتبس من هدية الخير والفضائل والمكارم، ويقتدي به في ملكه داخل البيت مع أهله وأقاربه وعشيرته وخارجه مع عامة الناس وتنمو ملكاته ومعارفه من خلال تلك المواقف وتقلبات الحياة وظروف الدعوة السرية والجهرية والمواجهة والبلاغ عن الله جل جلاله إلى الناس كافة، ويتعهده الرسول(ص) بالتربية والتوجيه وتكليفه بالمهمات التي تنصر الدعوة وتدعم انطلاقاتها، حتى أنهى المرحلة المكية بحادثة الهجرة الجليلة، وبذلك يعد الإمام علي أول المسلمين، إذ بعد أن هبط الوحي على الرسول(ص) في غار حراء، كان أول من صلى معه زوجته خديجة والإمام علي، وكانا أول الناس إيماناً بالرسول(ص)، فلما بلغ ذلك أبي طالب، قال لولده الإمام ، ما هذا الذي أنت عليه، فقال الإمام يا أبت، آمنت برسول الله (ص) وصدقت ما جاء به وصليت معه واتبعته، فقال أبو طالب يا بني أنه لم يدعك إلا إلى خير فألزمه، وبذلك الإمام منذ صغره آمن برسول الله(ص) وبالرسالة الاسلامية ونصيراً لها، ونما خلق الإمام على شمائل بيت النبوة، وقد أشار الإمام في خطبته التي تسمى القاصعة وفيها يقول:" وقد تعلمون موضعي من رسول الله(ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه ويمسني جسده ويشمني عرقه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به". ولقد فتح الإمام عينه على الطريق الذي رسمه أبن عمه رسول الله(ص) وعرف العباد أول ما عرفها من صلاته، ونعم بعطفه وحنانة وإخائه وخفق قلب الإمام أول ما خفق بحب أبن عمه الرسول(ص) ونطق أول ما نطق بما لقنه إياه من رائع القول، فالإمام أسلم وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد (ص)، الإسلام على أقاربه من بني هاشم، تنفيذا لما جاء في القرآن، وقد ورد في بعض المصادر أن الرسول(ص) قد جمع أهله وأقاربه على وليمة، وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليي ووصيي وخليفتي من بعدي، فلم يجبه أحد إلا علياً، و سمي هذا الحديث بحديث يوم الدار، أو إنذار يوم الدار، أو حديث دعوة العشيرة.
لم يهاجر الإمام إلى الحبشة في الهجرة الأولى حين سمح الرسول لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هرباً من اضطهاد قريش، وقاسى معه مقاطعة قريش لبني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب، كما رافق الرسول(ص) في ذهابه للطائف لنشر دعوته هناك بعد أن اشتد ايذاء قريش له، ومكث مع الرسول(ص) في مكة حتى هاجر إلى المدينة، وفي اليوم الذي عزم فيه الرسول(ص) على الهجرة إلى المدينة ، اجتمع سادات قريش في دار الندوة واتفقوا على قتله، فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، فطلب الرسول(ص) من الإمام أن يبيت في فراشه بدلاً منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو الرسول(ص) وبهذا غطى على هجرة الرسول(ص) وأحبط مؤامرة أهل قريش، وفي بعض الروايات أنه سأل أصحابه من يبيت على فراشه فلم يجبه إلا الإمام ثلاثاً، ويعتبر الإمام أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة التي عرفت فيما بعد بليلة المبيت، ويروى المفسرين في تفسير الآية القرآنية" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد، سورة البقرة، الآية 207". أنها نزلت في الإمام حين نام في فراش الرسول، وبعدها أمره الرسول(ص) أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل، حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند الرسول(ص)، وكانوا في مكة يعلمون أن الإمام يتبع الرسول(ص) أينما ذهب، لذا فإن بقاءه في مكة بمثابة تمويه لجعل الناس يشكون في هجرة الرسول(ص) لاعتقادهم بأنه لو هاجر لأخذ الإمام معه، وبقي الإمام في مكة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة الرسول(ص) يأمره فيها بالهجرة للمدينة، وخرج الإمام للهجرة إلى المدينة وهو في الثانية والعشرين من عمره، وحسب رواية أبن الأثير فقد خرج الإمام وحيداً يمشي الليل ويكمن النهار، بينما تذكر مصادر أخرى أنه اصطحب ركبا من النساء هن، أمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الرسول(ص) وفاطمة بنت الزبير وزاد البعض فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، لذلك سمي بـركب الفواطم، ولم تمض غير أيام قليلة حتى وصل الإمام إلى قباء حيث انتظره الرسول(ص) بها ورفض الرحيل قبل أن يصل الإمام الذي كان قد أنهكه السفر وتورمت قدماه حتى نزف منهما الدم، وبعد وصوله بيومين نزل الإمام مع الرسول(ص) إلى المدينة، وحين وصل الرسول(ص) إلى المدينة قام بما عرف بمؤاخاة المهاجرين والأنصار وآخى بينه وبين الإمام علي وقال له: "أنت أخي في الدنيا والآخرة".
كان الإمام موضع ثقة الرسول(ص) ، فكان أحد كتاب القرآن الكريم و أحد سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل للإسلام، واستشاره الرسول(ص) في الكثير من الأمور، وأيضاً الإمام قام بتدوين وثيقة صلح الحديبية، و يذكر أن الرسول(ص) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم فبقي هناك ستة أشهر فلم يجبه أحد فبعث الرسول(ص) الإمام علي إلى اليمن فأسلمت على يديه قبيلة همدان كلها، وتتابع بعدها أهل اليمن في الدخول إلى الإسلام، ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يذهب فيها الإمام إلى اليمن حيث ولاه الرسول(ص) قضاء اليمن لما عرف عنه من عدل وحكمة في القضاء، فنصحه ودعا له، كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل، وقد ذكر أنه عند فتح مكة أراد سعد بن عبادة دخول مكة مقاتلاً عكس ما أمر به الرسول(ص)، حيث أنه أراد دخول مكة بلا قتال، فحين سمع الرسول(ص)، ذلك أرسل الإمام خلف سعد فلحقه وأخذ الراية منه ودخل بها مكة، بعدها أمره الرسول(ص) بكسر الأصنام التي كانت حول الكعبة.(13)
يوم الغدير:
عيد الغدير أو يوم الولاية، هو عيد يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة من كل عام هجري احتفالاً باليوم الذي خطب فيه النبي محمد(ص) خطبة عين فيها الإمام علي مولى للمسلمين من بعده، حيث أعلن النبي محمد(ص)، علياً خليفة من بعده أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يسمى بـ (غدير خم) سنة 10 هـ، ويحتفل الشيعة بهذا اليوم ويعتبرونه ثالث الأعياد وأعظمها، أما سبب التسمية بالغدير فقد سمي بهذا الاسم لاجتماع النبي(ص) بأمر من الله عز و جل في هذا اليوم مع عشرات الآلف من صحابته لدى عودته من حجة الوداع في موضع بين مكة و المدينة المنورة يسمى بغدير خم، فسمي اليوم باسم الموضع.
في السنة العاشرة للهجرة أعلن النبي الأكرم (ص) بشكل رسمي لأول مرة النفير العام للحج، وأن يحضر جميع الناس في تلك المراسم مهما استطاعوا، وسميت هذه السفرة باسم (حجة الوداع) وكانت سفرة نبوية عظيمة، اقترنت بذكريات عميقة عن سيرة النبي (ص) وتبليغه رسالة ربه، وترسخت في وعي المسلمين ومصادر حديثهم وتاريخهم، وكان الهدف النبوي من هذه السفرة بيان ركنين من أركان الإسلام ليتم بهما تبليغ الإسلام، أحدهما الحج، والآخر الخلافة والولاية على الأمة بعده، ولهذا اليوم معنى يتصل بالخط الإسلامي الذي يؤكد على قضية القيادة والولاية، كأساس من أسس توازن المجتمع الإسلامي وصلاحيته وصحة مسيرته، وقبيل الظهر من يوم الاثنين في الثامن عشر من ذي الحجة ولدى وصولهم إلى منطقة غدير خم جاءه جبرئيل(ع) لخمس ساعات مضت من النهار وقال له: يا محمد، إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك" يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدى القوم الكافرين، سورة المائدة، الآية67". فتسمر النبي (ص) في مكانه وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف وغير مسيره إلى جهة اليمين وتوجه نحو الغدير وقال: "أيها الناس، أجيبوا داعى الله، أنا رسول الله". ثم قال: "أنيخوا ناقتي، فو الله ما أبرح من هذا المكان حتى أبلغ رسالة ربى". وأمرهم أن يردوا من تقدم من المسلمين ويوقفوا من تأخر منهم حين يصلون إليه، وبعد أن صدر الأمر النبوي المذكور توقفت القافلة كلها، ورجع منهم من تقدم ونزل الناس في منطقة الغدير، وأخذ كل فرد يتدبر أمر إقامته هناك حيث نصبوا خيامهم وسكن الضجيج تدريجياً، وشهدت الصحراء لأول مرة ذلك الاجتماع العظيم من الناس، وقد زاد من عظمته حضور الأنوار الخمسة المقدسة: الرسول الأكرم(ص) والإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (ع)، وقد اشترك في ذلك التجمع الجماهيري الرجال والنساء من مختلف الأقوام والقبائل والمناطق، وبدرجات متفاوتة من الإيمان، انتظاراً لخطبة النبي (ص)، ونزل الرسول (ص) عن ناقته وحط رحال النبوة عند غدير خم، وكان جبرئيل إلى جانبه ينظر إليه نظرة الرضا، وهو يراه يرتجف من خشية ربه وعيناه تدمعان خشوعاً وهو يقول: "تهديد ووعد ووعيد لأمضين في أمر الله فان يتهموني ويكذبوني فهو أهون عليه من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة". وكانت حرارة الصحراء ووهج الشمس من القوة والشدة بحيث أن الناس ومنهم النبي (ص) وضعوا قسماً من ردائهم على رؤوسهم والقسم الآخر تحت أقدامهم، وقد بلغ الأمر لدى البعض أن لفوا عباءتهم حول أقدامهم من شدة حرارة أرض الصحراء، ودعا رسول الله (ص) أربعة من خواص أصحابه وهم المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار، وأمرهم أن يهيِؤوا المنبر تحت الأشجار القائمة على امتداد واحد، فقاموا بكسح الأشواك تحت تلك الأشجار ورفع الأحجار وقطع الأغصان المتدلية إلى الأرض، ونظفوا المكان ورشوه بالماء، ومدوا ثياباً بين شجرتين لتكميل الظلال، فصار المكان مناسباً، ثم بنوا المنبر في وسط الظلال، فجعلوا قاعدته من الأحجار ووضعوا عليها بعض أقتاب الإبل، حتى صار بارتفاع قامة ليكون مشرفاً على الجميع ويرون النبي (ص) ويسمعون صوته، فقال رسول الله(ص) تخلفوني في الثقلين فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد على الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت الآية" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، سورة المائدة، من الآية 3". فقال الرسول(ص) :" الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي". ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين وممن هنأه في مقدم الصحابة: أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
اختلف كل من الشيعة والسنة بشكل واسع في تفسير وتأويل دلالات تلك الحادثة المهمة، فبالنسبة للجانب الشيعي، أصبحت واقعة غدير خم حادثاً مفصلياً في بناء المذهب الشيعي برمته، ذلك أن علماء الأمامية اعتبروا أن تلك الحادثة قد شهدت وصاية صريحة من الرسول (ص) باستخلاف الإمام علي خليفة للمسلمين من بعده، وأن تلك الوصاية تمنع أن يتولى أي من الصحابة هذا المنصب، لأنه أمر إلهي لا يجوز للبشر الاختيار فيه أو مخالفته. أما بالنسبة للسنة، فقد نظر علماؤها لما وقع في غدير خم على كونه أمر نبوي بضرورة إظهار الحب والمودة والولاء للإمام، وأنه لا يوجد في الحديث ما يدل صراحة على النص بالخلافة أو ولايته لأمر المسلمين. من جهة أخرى أكد أهل السنة أن يوم الغدير يوم عادي ورفضوا الإقرار بكونه يوم عيد. (تعقيب، يتفق كافة المسلمون أن الرسول(ص)" وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، سورة النجم، الآيتان 3_4".إذاً أن الرسول(ص) عندما أوصى بولاية الإمام علي وأوضح بشكل صريح وواضح بأن الحق مع الإمام علي، دعنا نرجع للقاعدة الإيمانية الصريحة التي يتفق عليها المسلمون بأن الرسول(ص) " وما ينطق عن الهوى ". فهذه قاعدة لا تقبل الشك أبداً، ولو قلنا كما يقول الأخوة السنة أن الرسول(ص) أراد بيوم الغدير يظهر الفضل وترشيح الإمام من بعده، فهل كان هناك أعقل واحرص من الرسول(ص) على أمته، نصل إلى نتيجة منطقية وهي حقيقة ولاية الإمام علي كالشمس لا يحجبها الغربال، وسنعرض بعض من مواقف علماء السنة بخصوص يوم الغدير، فهذا أبن تيمية مع شدة معارضته للشيعة لكنه يثبت صحة يوم الغدير، أما أبن حجر فيقول :" إن حديث الغدير صحيح لا مريه فيه وقد أخرجه جماعة، كالترمذي والنسائي، ورواه ستة عشر صحابياً وشهدوا به للإمام علي لما نوزع أيام خلافته، وكثير من اسانيدها صحاح ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده". ويقول سبط بن الجوزي:" اتفق علماء أهل السير على أن قصة يوم الغدير كانت بعد رجوع الرسول (ص) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وجمع الصحابة وكان عددهم مائة وعشرين ألف، وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وبصريح العبارة دون التلويح أو الاشارة". ويذكر مسلم في صحيحه، قام الرسول(ص) بعد حجة الوداع بين مكة والمدينة، ثم قال أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله وأهل بيتي". واخرجه الحافظ النسائي في الخصائص" لما رجع الرسول (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم، قال كأني دعيت فأجيب وأني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فأنظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يرد على الحوض، ثم قال أن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد الإمام علي فقال من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". ويقول الشهرستاني في الملل والنحل ومثل ما جرى في كمال الاسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى" يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، سورة المائدة من الآية67". فلما وصل غدير خم أمر بالدوحات فقممن، ونادوا الصلاة جامعة، ثم قال وهو يؤم الرحال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار ألا هل بلغت؟ ثلاثاً".(14)
مواقفه مع الخلفاء:
بعد أن خالف الصحابة وصية الرسول(ص) بوصيته لخلافة الإمام علي وما حدث في سقيفة بن ساعدة ومبايعة أبي بكر، هنا أختلف الكثير من المسلمون هل الإمام بايع أبي بكر أم لم يبايع، لكن الثابت والصحيح أن الإمام أختار الحفاظ على وحدة المسلمين وقال قوله الشهير "والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين". ومع ذلك كان خير عون لأبي بكر في خلافته فقد استشاره في الكثير من الأمور ، أما في عهد عمر بن الخطاب فقد كان الإمام قاضي في الكثير من الأمور وخاصة المستعصية منها، وكان يستشيره في كثير من القضايا والأمور الفقهية والسياسية، وفي العديد من المواقف المعقدة التي احتاجت دراية بالأحكام الفقهية ويعمل بمشورته، حتى قال عمر في ذلك: "لولا علي لهلك عمر". أما في عهد عثمان فقد احتفظ الإمام بمكانته الدينية والاجتماعية وأيضاً كان يقضي في الكثير من الأمور.
خلافة الإمام علي:
لم يكن الإمام علي وآل بيت الرسول(ص) وجل المهاجرين حضوراً في اجتماع السقيفة، لأنهم كانوا مشغولين بتجهيز الرسول(ص) والاعداد لدفنه، فلم يعلموا بخبر الخلافة إلا بعد أن بويع أبو بكر واقبلت الجماعة التي بايعته تزفاً زفاً إلى مسجد رسول الله(ص) فلم يكن إلا ذهولاً اصحاب النفوس، إذ كيف تسنى لأولئك أن يبرموا أمراً في مثل ذلك اليوم العصيب دون أن يستشار جميع أولي الأمر، وعلى ذلك الاساس بنى الإمام فكرته فيما أثر عنه من قوله لأبي بكر، فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب، وبذلك الإمام لا يعتقد أنه ثمة شورى في انعقاد البيعة لأبي بكر، لأن الشورى تقتضي حضور جميع من يهمهم الأمر، وأن ما حدث في سقيفة بني ساعدة من مجادلات انتهت ببيعة أبي بكر، انبثق شرط اختيار أهل الحل والعقد، وصار شرطاً اساسياً في صحة انعقاد الإمامة، ثم في عهد عمر تكون الخلافة في ستة يتفقون فيما بينهم لاختيار أحدهم خليفة، ويعلق الإمام على حادثة السقيفة بقوله:" لقد علمتم أني أحق بها من غيري، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفة وزبرجة".
بعد مقتل عثمان ذهب الصحابة وعرضوا الخلافة للإمام علي لكنه رفض، فأوضح للمسلمين الذين لجأوا إليه ليبايعونه فقال لهم: "دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ،ولا تثبت عليه العقول". لكن في المقابل اصر الصحابة على الإمام تولي الخلافة وكان ذلك بدون شورى، وقد كان الإمام في منزلة واضحة، وأنه أولى الناس بالخلافة وذهابهم الوحيد إلى الإمام دون تشاور من أكبر الدلالات على أحقيته وشرعيته بيعته وخلافته، فإن الشورى إنما تكون في الأمور الملتبسة والمشتبهة، وقد بويع بالخلافة سنة 35 هـ بالمدينة المنورة، وبايعه غالبية الصحابة ومنهم طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد أبن زيد بن عمرو، وعمار بن ياسر واسامة بن زيد وأبو أيوب الانصاري ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وخزيمة بن ثابت وجميع من كان بالمدينة من اصحاب رسول الله(ص) وغيرهم، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة، ورغم أن الإمام لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون، وكان يدير حكمه انطلاقاً من دار الإمارة، كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر الإمام علي أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة، ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص، وظهرت جماعات تعاديه وتتبرأ من حكمه وسياسته سموا بالنواصب ولعل أبرزهم الخوارج.
تسلم الإمام مقاليد الدولة الاسلامية، وهي في طريق الانهيار لافتقاد المسلمين روح المؤاخاة، واساس المواطنة الاسلامية ويرجع سبب ذلك إلى الاتجاه المادي البحت، ونجوم النعرة القبلية ثانية بعد أن خمدت وكادت جذورها تنطفئ، وتسلم الإمام مقاليد الدولة الاسلامية بعد تفكر من قبل الإمام واصرار الكثير من الصحابة، ورفض الإمام وذلك بإحساسه بثقل مسؤوليته في إعادة بناء النسيج الداخلي من جديد، لأن التصور الواضح للدولة في فكر الإمام، هو الرجوع إلى المواطنة داخل المجتمع، ولم يكن بوسع أحد من صحابة الرسول(ص) أن يتحمل عبئ الخلافة وتركاتها الثقيلة، بعد مقتل عثمان، لأن الحياة في المدينة قد آلت إلى الفوضى والاضطراب بحيث لم يعرف أي فرد موضع قدمه، كما أن اختلاط الأمور جعل الكثير لا يميز بين الصح والخطأ، فكل تلك الاحداث تعني أن وضع الأمة الاسلامية قد تعقد للغاية بحيث لم يعد بوسع احد أن يتصدى لتلك الفتنة، وإعادة الأمور إلى نصابها، وتأمين أهل المدينة مما اعترضهم من خوف وهلع، فلا بد لذلك الظرف الدقيق الحساس من رجل حازم، يستطيع أن يقود الأمة إلى بر الأمان، فوقع الاختيار على الإمام، لكن الإمام تردد كثيراً قبل أن يستجيب لنداءات الناس الملحة من كل صوب، واضعاً نصب عينيه أمرين:
1_مسؤولية أخماد الفتنة من قتل عثمان وتأمين الناس.
2_العدل في العطاء.
أما الأمر الأول، يحتاج إلى الحكمة وسعة الصدر لاستدلال ما في نفوس العامة من غيظ، مع الصبر في معالجة القضايا حتى تنكشف الجوانب المبهمة لمعاقبة الجناة والعودة بالحياة إلى طبيعتها، ولكن رفض طرفي النزاع الجاني والمجنى عليه لتلك السياسة المرحلية سيؤدي إلى وضع الأمة على طريق غامض مظلم، لتعارض أهداف طرفي النزاع، مما يعني أن قتل عثمان لم يكن إلا بداية خطيرة كامنة في النفوس.
أما الأمر الثاني، في تحقيق العدالة فهو وأن كان مطمع الثوار والفئات المستضعفة الناقمة على سياسة عثمان، إلا أنه يتعارض تماماً وطموحات القريشيين من أمثال طلحة والزبير.
القضية التي كانت تشغل الإمام اثناء خلافته ليست بيعة الامصار، ولكن كيفية التعامل مع رجال السياسة من الصحابة وغيرهم من علية القوم، الذين يرون لأنفسهم أحقية التفضل مادياً ومعنوياً على غيرهم من أفراد الأمة خاصة أن سياسة التي أعلن عنها، في خطبته الأولى بعد المبايعة لا تتناسب وطموحاته تلك الفئة فقوله" أن الله سبحانه أنزل كتاباً هادياً، بين فيه الخير والشر، فخذوا الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تؤد بكم إلى الجنة، أن الله حرم حراماً غير مجهول، واحل حلالاً غير مدخول". يعني ألغاء الامتيازات والمفاضلة، والالتزام التام بما جاء في الكتابة والسنة والمساواة التامة بين جميع المسلمين في الحقوق والواجبات، وذلك بالطبع لا يرضى اصحاب الطموحات المادية الذين يريدون خليفة يحافظ على امتيازاتهم ومكاسبهم، ولكن تصميم الإمام على المساواة والحد من اطماعهم جعلهم يتألبون عليه ويحرضون الناس على محاربته وعرقلة سياسته، وقد استعملوا شتى الوسائل للوصول إلى غايتهم ومنها:
1_مطالبتهم الإمام بالاقتصاص من قتلة عثمان في حينه، أي بعد توليه الخلافة مباشرة، لأدراكهم أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بعد أن تهدأ النفوس وتنجلي الحقيقة.
2_التغاضي عما حققه الأمويون من مكاسب على حساب المسلمين أثناء خلافة عثمان وهو ما لا يتسق السياسة الدينية التي ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً، مما جعلهم يرفض مطالبهم.(15)
سياسته:
لم تكن عملية وصول أمير المؤمنين إلى السلطة وتوليه القيادة قد سارت بشكل تقليدي كالخلفاء الذين سبقوه، إذ أن الإمام قد بويع بالخلافة بعد ثورة جماهيرية واسعة قادتها قطاعات واسعة من المسلمين آنذاك، بعد أن مارست دور المعارضة ردحاً من الزمن ، وكانت هذه الثورة حصيلة لمجموعة من الممارسات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية غير التنظيمية التي مارستها السلطات الحاكم، وفي ضوء ذلك باشر الإمام في الأيام الأولى لخلافته بعزل عمال الخليفة السابق وولاته على الأقاليم، مؤكداً في ذلك أهمية اختيار الكادر السياسي الذي بموجبه يدير أقاليم الدولة، ولقد سبب هذا القرار السياسي للإمام تبعات سياسية أبرزها امتناع والي الشام معاوية بن أبي سفيان عن تنفيذ القرار، فضلاً عن تحالف الولاة الآخرين معه لإحداث حلف سياسي معارض يحاول إسقاط التنظيم السياسي الجديد، وقد تزامن هذا كله مع تأمر الزبير وطلحة على الإمام والتشكيك بشرعية سلطته وخلافته على الرغم من بيعتهما له ولكنهما نكثا البيعة وتحججوا بدم الخليفة المقتول وبضرورة الاقتصاص من قاتليه، وبالتالي فإن التنظيم السياسي الجديد ومشروعه التغييري قد واجه تحديات جسيمة، كانت تستدعي من الإمام ضرورة استعمال القوة الشرعية لإمضاء المشيئة السياسية التنظيمية الجديدة، ومن جانب اخر أحدث الإمام تغييرات جذرية وشاملة ، ولعل مصداق سياسته الجديدة متجسدة في قوله :" والذي بعث محمد بالحق أنه لابد أن يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا ".
أن سياسة الإمام هي امتداد لسياسة الرسول(ص) والركيزة الاساسية في فكر الإمام هو خضوع السلطة المدنية للسلطة الدينية خضوعاً مطلقاً، فالقيادة الحقه هي التي تؤدي إلى الجنة وهي غاية الاسلام من الحكم كما يراها الإمام، مما يؤكد الارتباط الوشيج بين الدين والدولة في النظام الاسلامي، فسياسة الإمام قائمة على قواعد اجتماعية مرتبطة بالقاعدة المكونة من السواد الاعظم من الناس الفقراء والمعدمين، وأن الجهاز الحكومي عند الإمام يعتمد في سير شؤون الدولة الاسلامية ويميل إلى البساطة، وأن هذا الجهاز مبني في الاساس على قيم أخلاقية عالية تضع في الاعتبار مصلحة عامة الناس قبل خاصتهم، فهو اجتماعي أخلاقي، وأن مفهوم السياسة عند الإمام يستقي معناه من المفهومين القرآني والنبوي، وحيث وردت في الحكم السياسية القصار للإمام مفردة السياسة، وما يتعلق بها من حاجة المجتمع الإنساني لها ومن قيم سياسية وجمالية (العدل والعفو)، وتربية نفسية للقائم على العمل السياسي (جهاد النفس)، بمعنى من ينتصر على نفسه الأمارة بالسوء ينتصر في ميدان السياسة، وأن مستقبل الساسة رهين بـ حسن السياسة، ويقول الإمام في حكمه السياسية القصار:
1. من ساس نفسه أدرك السياسة.
2. الاحتمال زين السياسة.
3. حسن السياسة يستديم الرياسة.
4. بئس السياسة الجور.
5. ملاك السياسة العدل.
6. رأس السياسة استعمال الرفق.
7. حسن السياسة قوام الرعية.
8. من حسنت سياسته وجبت إطاعته.
المعروف عن عالم السياسة في كل وقت أنه عالم لا يعترف بالأخلاقيات والمثل والقيم والمبادئ، فهو عالم يدور في دائرة المصالح الذاتية والشخصية للحاكم فقط، وتأسيساً على ذلك فكل حاكم أو ملك أو سلطان أو أمير إذا أراد لسلطانه أو ملكه البقاء والاستمرار أن يلجأ في الأعم الأغلب إلى كافة الوسائل والأساليب في هذا السبيل، وإن كانت منافية للأخلاق والأعراف والفضيلة، هذه النظرية عمل بها الحكام الظلمة من الانتهازيين والوصوليين على مدى التاريخ، ولكنها أصبحت نظرية سياسية على يد (نيقولا مكيافيلي) الذي يعده الكثيرون من أهل الفكر والفلسفة والثقافة والسياسة بأنه رائد فن السياسة ومؤسس قواعده، لكن نجد بالمقابل الشيء البارز في سياسة الإمام هو التزام الصراحة والصدق في جميع شؤونه السياسية، فلم يوارب ولم يخادع، وإنما سلك الطريق الواضح الذي لا التواء فيه، وسار على منهج أبن عمه رسول الله (ص)، ومضى على طريقته، وواكب جميع خطواته، ولو أنه التزم بالأعراف السياسية التي تبيح وسائل الغدر والنفاق في سبيل الوصول إلى الحكم، لما آلت الخلافة إلى عثمان، فقد ألح عليه عبد الرحمن بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير على سيرة الشيخين، فامتنع الإمام من إجابته، وصارحه أنه يسير بالأمة على ضوء كتاب الله الذي وعاه، وعلى ضوء سنة الرسول (ص)، وليس غيرهما رصيد يعتمد عليه في عالم التشريع، ، فيقول الإمام: "لولا أن المكر والخداع في النار لكنت أمكر الناس". وأنكر الإمام على من قال فيه أنه لا دراية له بالشؤون السياسية، وأن معاوية خبير بها، فقال :" والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس". على هذا الخلق بنى الإمام سياسته التي أضاءت في دنيا الإسلام، وكان السبب في خلوده واعتزاز الإنسانية به في جميع الأجيال.(16)
الدولة:
الدولة في فكر الإمام يجب أن تقوم على التجانس الإنساني داخل المجتمع، بصهر الطبقات في بوتقة المساواة، وأذابه فوارق الجنس والتعصب للأخلاق الحميدة، وهو ما يمكن أن نلمسه ضمن قوله لأبناء مجتمع الكوفة" فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الافعال ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل، بالأخلاق الرغبية والاحلام العظيمة والاخطار الجليلة والآثار المحمودة، تعصبوا لخلال الحمد من الحق للجوار، والوفاء بالذمام والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل والكف عن البغي والاعظام للقتل، والانصاف للخلق والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض".(17)
السلطة:
لم يجعل الإمام السلطة سلطة شخصية، إذا رحل رحلت معه، فالسلطة في فكر الإمام لا تكسب صاحبها الشرعية في تولي رقاب الناس، مهما بلغت قوته، لأن الحاكم من وجهة نظر الإمام هو من يستطيع امتلاك زمام نفسه وينأى بها عن شهوة الامتلاك لغاية اشباع رغبة جامحة في استبعاد الناس والتصرف في حقوقهم، ولن يأتي ذلك إلا من تتوفر فيه مزايا يستطيع من خلالها مباشرة الحكم، ومن تلك المزايا يتولد الرضا عن الحكومة، لأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم ليست علاقة قهر وإنما هي علاقة تبادل حقوق، فالحاكم على هذا الاساس مثله مثل أي فرد في الدولة وليس متميزاً على أحد إلا بكونه يحمل من التبعات ما لا يستطيع غيره تحملها، وهي من منظور الإمام " أن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدروا انفسهم بضعفة الناس ". وبذلك أن مسؤولية الحكم في فكر الإمام تكمن في أمرين اساسيين، إقامة الحق بمفهومه الاسلامي ودفع الباطل، فإذا لم تتمكن الحكومة من الوفاء بهذه الشروط فلا قيمة لها ولا جدوى من ورائها، والإمام لم ينظر إلى السلطة كـ مغنم، إذ لم يتصارع من أجلها، كما فعل الكثيرون، وإنما هي التي تصالحت معه، فالسلطة عبر التأريخ لم تتصالح مع أحد، سوى مع الإمام، فالسلطة عنده وسيلة وليس هدف، ويقول : "اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك". فدوام السلطة وبقائها عند الإمام رهين بإقامة العدل والقسط، ويقول : "العدل فضيلة السلطان". وقد صور لنا الإمام واقع المتكالبين على السلطة تصويراً دقيقاً، في مواضع متعددة من نهج البلاغة، فصنهم إلى أربعة اصناف:
1_ الصنف الأول، هو المتقاعس عن طلب السلطان لا لشيء، إلا لشعوره بحقارة نفسه وضعفه عن مقارعة المتنافسين بسبب قلة الأعوان وعدم امتلاك الثروة فهو" لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره".
2_الصنف الثاني، المتمثل في الإنسان الحاقد الذي يقوم بتنحية القيم الإنسانية جانباً وتحكيم السيف في رقاب العباد من أجل إرضاء غرور النفس في حب التسلط فهو" المعلن بشره المجلب بخيله ورجله، وقد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقتب يقوده أو منبر يقرعه".
3_الصنف الثالث، هو المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن برفع الشعارات البراقة واتخاذ الدين وسيلة للوصول إلى السلطة، بالتصنع في الأقوال والافعال وهو من " اتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية".
4_الصنف الرابع، هو الذي أقعده عن طلب السلطة اقتناعه الداخلي بأنه ليس أهلاً لها لعدم قدرته على التعامل مع الناس، وهروباً من ذلك ولبس زي الزهاد، واتخذ القناعة ستاراً فهو الذي" أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال عن حاله فتخلى باسم القناعة وتزين بلباس أهل الزهاد، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى".(18)
هيكلية الحكومة:
في فكر الإمام الحكومة ضرورية فيقول الإمام:" لا بد من أمارة ولا يزال أمرنا متماسكاً مالم يشتم آخرنا أولنا، فإذا خالف آخرنا وأولنا وافسدوا هلكوا وأهلكوا". فالحكومة كما يتضح من قول الإمام مؤسسة اجتماعية هدفها تنظيم العلاقات ومتى أختل النظام بين المؤسسة وبين أفرادها جراء انحراف في أحد الطرفين، فإن ذلك يؤدي حتماً إلى الفوضى واختلال النظام، فالحكومة في فكر الإمام لم تنشأ لحماية حقوق فئة معينة، ولا يمكنها أن تكون أداة توزيع بين جميع فئات المجتمع، إلا أذا وضعت في حسابها أن النظام والقانون يطبقان على الجميع دون استثناء. وبذلك تتشكل الحكومة عند الإمام من:
1_الوزارة، فيضع الإمام الوزير في مرتبة المستشار الذي لا تتعدى صلاحيته الاستشارة ويأتي في مرتبة دون الوالي ويجب أن تتوفر في الوزير مواصفات منها:
أ_ أن لا يكون بخيلاً أو جباناً أو حريصاً، لأن " البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله".
ب_ أن يكون ذا ماضي مشرف ونظيف ولم يشارك الاشرار في حكومات سابقة، حتى ولو كان مؤهلاً لذلك المنصب.
ت_ أن يكون شديداً في أمر الله لا ينافق في الحق ولا يعرف سواه طريقاً.
2_ الجيش، يعطي الإمام اهمية كبرى للمؤسسة العسكرية، ويضعها على رأس الطبقات التي يوصي عماله بها خيراً، فيقول لمالك الاشتر" الجنود بأذن الله، حصون الرعية، وزين الولاية، وعزالدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم". فالعسكر في فكر الإمام للبناء والسلام والجهاد والمحافظة على الاستقرار والأمن، مما يعني أن لهم مؤسستهم الخاص القائمة بذاتها التي عادة ما تكون تحت اشراف الوالي مباشرة، ومن الشروط التي تتوفر لها كي تقوم بتأدية واجبها على اسس اخلاقية:
أ_ أن يكون الانخراط فيها تطوعياً، لأنها مؤسسة ذات طابع اخلاقي هدفها الاسمى تثبيت القيم وازهاق الباطل، ويجدر بالمنتسب إليها أن يكون مؤمناً بذلك، وأن تكون المادة عنصراً ثانوياً بالنسبة إليه.
ب_ أن يكون الترابط بين الجند وقادتهم محكماً لذلك فقد عول الإمام على قاعدة في اختيار قادة الجيوش قوامها الكفاءة القتالية المقرونة بالأخلاق العالية.
ت_ أما اختيار القادة من حيث الخبرة فيجعلها الإمام في ذوي النسب الشريف والمجد من الشجعان الكرام الذي لا يبطرهم مركز لكونه لا يرفع من منزلتهم ولا يزيدهم شرفاً، وبذلك الإمام يربط بين الخبرة والاخلاق.
ث_ أن تكون العلاقة بين القادة وجندهم علاقة إنسانية تحكمها الرأفة والعطف والحب، بعيدة عن روح التسلط، فالقادة عند الإمام من" واسى جنده في معونته وأفضل عليهم من جدته".
ج_ أن انخراط الجندي إلى التطوع لا يعني حرمانه من المادة في فكر الإمام، بل جعل التطوع في المقام الأول، لكونه واجباً دينياً، ويحكم على كل مسلم قادر مباشرته، إذا دعت الحاجة، إلا أنه في نفس الوقت وضع للمادة، اعتبارها وتأثيرها في الروح القتالية بالنسبة للجند ويجعلهم يدركون أن من ورائهم حكومة تتفقد أمورهم الدنيوية بما يكفل لهم ولأولادهم ونسائهم وعجزتهم الحياة الكريمة.
أما السياسة العسكرية في فكر الإمام فيمكن حصرها في أربعة محاور وهي:
أ_ علاقة الخليفة أو القائد العام بأمراء الجيوش، أن العلاقة بين الخليفة والقادة يجب أن تبنى على تبادل الحقوق، فمن حق القادة الاطلاع على جميع اسرار الدولة العسكرية والأمنية، كما أنه على الخليفة ألا يفضل قائد على آخر ويلتزم أيضاً بأداء جميع حقوقهم المالية والقانونية كاملة.
ب_ علاقة أمراء الجيوش بالجند، يوصي الإمام الامراء أن يراعوا راحة العسكر ولا يرهقهم بالقيام بمجهودات شاقة تحول بينهم وبين تأدية الواجب على أتم وجه، وبذلك الراحة البدنية والترويح عن الجنود، تجعلهم في حالة نفسية مرتفعة أثناء الحرب، ولكن ليس معنى ذلك استعمال الليونة التي تؤدي بالجنود إلى التهالك، فالإمام يرى أنه من مميزات الفكر أن يتحمل خشونة العيش وصعوبة الحياة والتعود على البعد عن الأهل، أما عن علاقة القائد بجنوده حين ملاقاة العدو من واجبه أن ينظم صفوفه باتخاذ الموقف الوسط من جنده ويضبط نفسه ويكبح جماحه باستعمال عقله، ولا يغامر بالدخول مع العدو في حرب، ومن واجبه إيثار السلم وحفاظاً على الأرواح وأن يدعوهم لما فيه خير وأمن البلاد والعباد، ولا يلجأ إلى الحرب إلا بعد أن يستنفذ كل ما لديه من اعذار سلمية، لأن سلامة الأرواح عند الإمام فوق كل اعتبار، ما لم يتعارض ذلك مع الغاية النبيلة المتمثلة في إحقاق الحق وتقوية دعائم الدين، فالقائد بالنسبة لجنوده أب رحيم، وبالنسبة لأعدائه داعية سلام، أما الحرب فهي العلاج الأخير.
ت_ الطلائع والعيون، المخابرات العسكرية من أهم الدعائم التي اعتمدتها الدول لحفظ أمنها منذ أقدم العصور، إذ عن طريقها تعرف حركات العدو، وما يمتلكه من سلاح وعتاد، ومواضع الضعف والقوة في دفاعاته، ورسم الخطط والخطط المضادة للهجوم المباغت، لذلك فقد أهتم الإمام اهتماماً عظيماً وجعلها ضمن مخططات مؤسسته العسكرية، فاستعمل العيون والطلائع فقد كانت له عيون بالشام ترصد له تحركات معاوية، كما كانت له بعض العيون في جيش معاوية بصفين، هذه بالإضافة إلى الطلائع التي كانت يرسلها في مقدمة الجيش، ومع ذلك الإمام لم يحاول أن يستعمل العيون للقمع على الاطلاق، لأن الإمام لا يقمع أي إنسان في سبيل توطيد سلطته، فهو قائد يتجلى بروح الفروسية في انبل معانيها.
ث_ الصفات التي ينبغي للجندي أن يتحلى بها في نظر الإمام، هو الانضباط وتحكيم عقولهم ولا يبادروا بالقتال، فالبدئ بالقتال هو عدوان واستصغار للقيم وانهزاماً داخلياً للنفس المعتدية، ويؤدي بها إلى الانهيار، أما إذا اضطر الجنود للدخول في مواجهة حتمية مع العدو، فمن واجب كل جندي أن يعرف موقعه، ويلتزم بتوجيهات قيادته ليدفع عن نفسه الهلاك ويحقق النصر، كما على العسكر الالتزام بأخلاق الفرسان بتجنبهم كل ما يحط من القيمة الأخلاقية.
3_ القضاء، أهتم رسول الله(ص) كثيراً بالقضاء فقد كان يقضي بين المسلمين في المدينة بنفسه، ويرسل من يتوخى فيهم العلم والدراية والانصاف من صحابته للقضاء، بين الناس في الولايات البعيدة، ومن أولئك الذين اعتمد عليهم الرسول(ص) في القضاء الإمام علي وهو من أجل القضاة، وقد أهتم الإمام بالقضاء في دولته وذلك لسببين وهما:
أ_ مكانة القضاء كمنصب ديني يهم كافة الناس بالفصل في الخصومات، وأخذ الحق للمظلوم وردع الظالم وإقامة الحدود بما يتطابق وأحكام القرآن الكريم والسنة.
ب_ مباشرة الإمام بالقضاء بنفسه في عهد الرسول(ص) وعهد الخلفاء، جعل على دراية تامة بخبايا تلك الوظيفة الحساسة، وما تحتاجه من علم وخبرة، وسعة اطلاع في طبائع البشر، لمعرفة الاعيب المحتالين، إذ على القاضي أن يتحرى الحق وأن يحكم بالعدل دون أي التباس.
وضع الإمام شروط شاملة ودقيقة لتولي ذلك المنصب المهم وهي:
أ_ الشروط الأخلاقية، ولا بد أن يتحلى القاضي بالأخلاق الحميدة، وتتجلى أخلاقه في الصبر والتأني والثبات، ولا يكون عسير الخلق لجوجاً.
ب_ الشروط الثقافية، بالإضافة إلى تبحر القاضي في الشريعة الاسلامية يجب أن يكون مزوداً بثقافة موسوعية عامة، فلا يقصر نظره في قضايا الناس على ما يتبين له من براهين لأول وهله، بل يجب أن يستقصي في دراسته لتلك البراهين كل الأدلة الشرعية الناتجة عنها، ويجب أن يتحرز من الوقوع في الشبهات، ولا يبت في حكم إلا بعد أن يطمئن إلى عدالته، ثم أنه يجب أن يكون ممن يعتمد في قضائه على سماع جميع أقوال المخاصمين ويزنها بميزان العدل بإرجاعها إلى الاصول المعتبرة، ومقارنتها بمثيلاتها، ومن ثم يصدر حكمه بناء على قوة الحجج، لا من حيث الجدال والمماحكة، وقوة الاسلوب ولكن من حيث قوة المنطق ومطابقته للحق.
ت_ الشروط النفسية، يرى الإمام أن المؤهل لمنصب القضاء ممن " لا تشرف نفسه على طمع". ومن خاصية القاضي أن يكون منشرح الصدر يستمع إلى الخصوم بإصغاء دون ملل.
4_ بيت المال، يعتبر المال مهم في بناء الدول وسياستها ومن أهم موارد الدولة المالية في عهد الإمام هي:
أ_ الزكاة، أو الصدقة وينبع الاهتمام بها في الاسلام لكونها ضمن العبادات، وهي الركن الثالث في الاسلام، استناداً لقول الرسول(ص):" بنى الاسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان". وقد اعطى الإمام للزكاة مكانة هامة، جعلته يتبع جمعها من المسلمين منذ بداية العملية حتى اللحظة الأخيرة من توزيعها على مستحقيها.
ب_ الخراج والعشر، أو ضريبة الأرض، وقد اهتم بها المسلمون بها اهتماماً بالغاً لكونها المصدر الرئيسي لتمويل مشاريع الدولة، وصرف مرتبات الجند والقضاة والعمال وغيرهم من الموظفين.
ت_ التجارة والصناعة، هما من مصادر الدولة المهمة في عصر الاسلام، وقد افرد لها الإمام مساحة كبيرة من اهتمامه، لأنها ضرورية واساسية في حياة الناس، ولأنها توفر ما يحتاجونه من طعام وكساء، هذه بالإضافة إلى ما تدره على بيت المال من دخل يتمثل في الجباية، بالإضافة إلى الضرائب التي يدفعها التجار مقابل ما يجلبونه من مؤن وبضائع إلى البلاد، لذا من واجب الحكومة أن ترعاهم بما يكفل لهم الربح المعقول، وتجنبهم الخسارة بتوفير الأمن والحماية لهم، إذ لا يمكن أن تستقر تجارة إلا في مجتمع مستقر، لكن مع ذلك الإمام لم يترك التجار يتفرقون في الاسواق كما يشاؤون، بل مراقبة الاسعار ومنع الاحتكار، وبذلك التجارة وأن كانت ضرورية، ومصدراً مهماً من مصادر الدخل، إلا أنها مقننه بما يتماشى في تطبيق شرائع الاسلام طبقاً للكتابة والسنة، أما الصناعة والصناع، فأوصى الإمام بحمايتهم وحماية صناعتهم، حتى لا يتضرر الناس ويتأثر الاقتصاد.
قسم الإمام بيت المال إلى:
أ_ ديوان الزكاة، وهو مؤسسة مالية قائمة بذاتها تختص بجمع الزكاة ثم توزيعها على مستحقيها بالعدل في جميع أرجاء الدولة الاسلامية، تحت إشراف الخليفة وأموال هذا الديوان لا يبقى الإمام منها شيء لكونها من المنصوص عليه في القرآن الكريم.
ب_ ديوان العطاء، وهو مؤسسة مالية قائمة بذاتها ويعطي فيها الإمام كل ذي حق حقه بالعدل بموجب ما يدخل فيه من مال وثمر وعسل وغيره من الصناعات، وجميع أموال هذا الديوان لا تدخل ضمن الصرف على مشاريع الدولة، لذلك يقوم الإمام بتقسيم جميع أمواله حتى لا يبقى فيه شيء. ت_ بيت المال، أو خزينة الدولة، ومن مهامه الصرف على ديوان الجند وما يتعلق بمشاريع الدولة من اصلاحات واعمار ودفع مرتبات الولاة والقضاة والعمال وغيرهم من موظفي الدواوين.
يقسم الإمام ميزانية الدولة إلى:
أ_ الصرف على المشاريع العمرانية من طرقات وجسور وقنوات وتعهد للأرض، مما يعني ضمناً أن العمران من أول واجبات الحكومة نحو البلاد.
ب_ إفراد ميزانية خاصة بالمؤسسة العسكرية، يصرف منها على الجند ورجال الأمن، مع توفير ما تحتاجه الدولة من عتاد وعلاج.
ت_ إفراد ميزانية خاصة لدفع مرتبات الموظفين، من قضاة وعمال ومراقبين وكتبه، وكل ما يتعلق بالدواوين الحكومية من مخصصات.
ث_ تخصيص ميزانية للصرف على العجزة والمسنين وذوي العاهات من المسلمين أو معاهدين يعيشون في كنف الاسلام.
أن فكر الإمام الاقتصادي لم يقتصر على جمع الأموال وصرفها بعد ذلك في وجوهها المستحقة، بل وضع في الاعتبار، كما تعتقد ما يسمى في العصر الحديث بموازنة الداخل بالخارج، والحساب للمستقبل حتى تتجنب الحكومة أية طائفة مالية، وتتفادى أية أزمة اقتصادية، لذلك يقول الإمام:" إن من لم يحذر من هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحرزها". أي أن من لم ينظر بعين العقل إلى المستقبل ولم يحسب لعواقب الأمور، لم يستطع أن يجنب نفسه اللجوء إلى الحاجة والوقوع في الكوارث، وعلى هذا الاساس يمكن أن يقال أن سياسة الإمام مبنية على نهج علمي وتخطيط سليم، انطلاقاً من لا إسراف ولا تقتير امتثالاً لقوله تعالى:" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً، سورة الاسراء، الآية29".
ج_ العمال، وهم الذين يباشرون جمع الزكاة وجباية الخراج ومراقبة الاسواق، واهتم الإمام بهذه الفئة وذلك لاتصالهم المباشر بمختلف طبقات المجتمع، ومن الشروط التي وضعها في هذا الجهاز وهي:
1_ الاعتماد على النزاهة في تعيين أفراده والبعد عن الوساطة.
2_ يجب على ولي الأمر مراقبتهم وتجنبهم الإغراءات المادية التي تجعلهم عرضة للسقوط، وذلك بتوفير الرزق الكافي لهم.
ح_ الكتاب، أولى المسلمون الكتابة اهتماماً بالغاً ففي صدر الاسلام على عهد الرسول(ص) باشر الكثير منهم الكتابة، واهتم الإمام بأمر الكتاب ووضع عدة شروط للتعيين في هذا الموقع ومنها هو أن يعمل مع ولي الأمر ولا يخالفه، وأن يكون نبيهاً وغير متساهل، وحازماً وذا خبرة تامة بأساليب الكتابة التي لا يدخلها الخلل من حيث المنافذ القانونية ولديه قدرة فائقة في التحكم بأساليب اللغة، ويكون عارفاً بقدر نفسه، واثقاً من مقدرته على أداء ما يناط به من مهام كتابية وضبط هذا الجهاز الوظيفي في الدولة ويجب قبل مباشرة الكاتب معرفة ماضيه، وتحديد مسؤولياته وذلك من خلال تعيين رئيس لكل شعبة، ويكون الرئيس ذا شخصية قوية ومتمرساً في الوظيفة.
خ_ الرقابة الإدارية، مهما بلغت مؤسسات الدولة من الجدية والاحكام والإخلاص، فإنها لا يمكنها الاستمرار في السير في الطريق السليم ما لم تكن تحت إشراف الخليفة مباشر، ولا يمكن للخليفة أن يلم بكل التبعات إلا بمعاونة من جهاز يعتمد عليه في سير دواليب الدولة سيراً متوازناً وسليماً، لذلك استعمل الرقابة الإدارية كمؤسسة قائمة بذاتها يمكن من خلال موظفيها معرفة سيرة الولاة واحوال الولايات.(19)
الحاكم:
الحاكم عليه مسؤولية كبيرة كما يرى الإمام فيقول" اتقوا الله في عبادة وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم". والحاكم ذو شخصية واحدة تمقت التلون وتنأى عن الازدواجية، فلا يأمر بطاعة إلا وجبها على نفسه أولاً، ثم يطبقها على غيره بعد ذلك، ولا ينهى عن معصية إلا وهو القدوة في تجنبها، وعلى ذلك فهو فرد من أفراد الأمة مساو في المنزلة لأي فرد من أفرادها مهما كانت منزلته الاجتماعية، لا لشيء إلا لأنه قدوة والقدوة مثال يجب أن يحتذي من قبيل الشرائح الواسعة بين طبقات الأمة، والغاية من الحكم في فكر الإمام بقاء قواعد الاسلام قوية، ويعطي الإمام اهمية كبيرة بالنسبة للحاكم على اعتبار أنه قلب الأمة والخيط الجامع لها، ولخطورة ذلك المنصب بالنسبة لصلاح الأمة، فقد كان الإمام حريصاً على صيانته عن كل ما يسيئ له. ومن مميزات الحاكم في فكر الإمام وهي:
1_الإيمان القوي التام.
2_الورع والنزاهة.
3_ الخوف المؤدي إلى محاسبة النفس على كل حقير أو عظيم.
4_ العدل بمعناه الشامل لكل الاشياء ولجميع أفراد الولاية الفقير قبل الغني والضعيف قبل القوي.
5_ ثقافة واسعة تمكن الوالي من الدراسة التامة بأحوال البلاد وما مر عليها وعلى مواطنيها من حكومات سابقة اتصفت بالعدل أو بالجور لمقارنة حكمه بحكم أولئك وتلمس الطريق الأصوب والاسلم في سياسته.
6_الشجاعة والقوة والجرأة.
7_الائتمار التام بأمر الخليفة في كل ما يعترضه من مهام خطيرة تتعلق بالبلاد والعباد قبل أن يتخذ رأيه فيها.
8_أن يكون قدوة في القول والفعل بالنسبة لمواطني ولايته، متبعاً الصراحة بمكاشفتهم بالأمور المتعلقة بمصالحهم، إضافة إلى ذلك الحكم وسعة الصدر.
العلاقات الاجتماعية بين الحاكم والأمة في فكر الإمام تنحصر في نقطتين:
1_ بالنسبة إلى الحكومة:
أ_ العدل واجتناب الظلم من قبل أولي الأمر.
ب_ التواضع وتجنب التكبر، والنأي بالنفس عن حب الإطراء والفخر، فالحاكم من وجهة نظر الإمام خادم للمجتمع وما يؤدي من اعمال لصالح الناس هي من واجباته الاساسية التي لا تدعوا إلى شكره والثناء عليه، حتى لا يظن أن ما قام به من الواجبات، أن هي إلا تفضل منه فيغتر بذلك، وتتعالى نفسه ويتجبر ثم ينسى واجباته في خضم الشعور ويتضخم الذات.
ت_ المبادرة بإنجاز حقوق الناس دون تعطيل أو تسويف حتى تتجنب الحكومة، وسخط عامة الناس الذي قد يؤدي إلى أفشال مخططاتها ويخل بالنظام.
ث_ على الحاكم أن يستخبر عن احوال الناس، لمساعدتهم في حل مشاكلهم، خاصة الفقراء والمحتاجين، مع تجنب تقصي عورات الناس واستعمالها كوسيلة من وسائل الإرهاب، لأن في تجنب مثل تلك الاساليب، وإرساء لدعائم الثقة بين الحاكم والحكومة، والمحافظة على القيم الإنسانية التي أوصى بها الاسلام، وفي ذلك يقول الإمام لمالك الاشتر:" أن في الناس عيوباً والوالي أحق من سترها، فلا تكشف عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك".
ج_ على الحاكم أن لا يستغل سلطته ليولي رقاب الناس أهله وقرابته، ليستمد منهم القوة على عامة الناس، وبذلك ينأى بالحكومة عن مواضع التهم ويجنب أجهزتها مزالق المفاضلة بين الناس على اساس من الوساطة والمحسوبية والقرابة.
2_ بالنسبة للمجتمع:
أ_ إطاعة أولي الأمر، والامتثال لأوامر الحكومة ونواهيها فيما تسنه من نظم وقوانين تنظم العلاقات الاجتماعية بين مختلف الفئات، شريطة أن تفي الحكومة بكل التزاماتها تجاه الأمة، وفي هذا الصدد يقول الإمام:" أما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين أمركم".
ب_ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صميم واجبات كل فرد من أفراد الأمة وليس قصراً على الحكومة أو فئة معينة، لذلك فمن واجب كل قادر أن يباشر بالإصلاح في مجتمعه قولاً وعملاً قدر استطاعته وبالأسلوب المتاح له.(20)
العدالة:
العدل من وجهة نظر اسلامية قيمة خلقية ذات أهمية كبيرة جداً بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء، حتى نكاد نتصور استحالة الحياة في مجتمع يفتقر إلى أبسط قواعد العدل، وهو على ما يبدو من خلال ممارسته نوعان، نوع يوصف به الفرد فيقال إنسان عادل، ونوع يوصف به المجتمع والحكومة، وقد أمرنا القرآن الكريم بمباشرة العدل في جميع مجالات الحياة، نظراً لقيمته الأخلاقية الهامة والكامنة أولاً وقبل كل شيء في تفاهم الفرد مع نفسه كما في قوله تعالى" يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم، سورة النساء، من الآية 135". ويشكل مفهوم العدل عند الإمام قيمة أخلاقية تتسع لتشمل جميع النواحي الاسلامية، وهو في هذا يسير في ظل النص القرآني وعلى نهج السنة النبوية الشريفة، ويعتبر العدل من الدعامات الأخلاقية الهامة التي يقوم المجتمع عليها، لذلك باشر في تنفيذ العدل منذ الوهلة الأولى التي تسلم فيها مقاليد الخلافة غير آبه بما يجري عليه، فمفهوم العدل في فكر الإمام لا يمكن إدراكه إلا من خلال مباشرته العملية له قولاً وفعلاً، لأنه جزء لا يتجزأ من تصرفاته الحياتية سار معه رحلته الطويلة منذ مقتبل العمر حتى آخر ساعة من حياته، لذلك فنظرته الثاقبة في العدل تتمثل في قوله " العدل صورة واحدة، والجور صور، لذا سهل ارتكاب الجور، وصعب تحري العدل، وهما يشبهان الاصابة في الرماية والخطأ فيها، وأن الاصابة تحتاج إلى ارتياض وتعهد، والخطأ لا يحتاج إلى شيء من ذلك". فالعمل بالعدل في فكر الإمام صعب والسير في طريقه شاق، بعكس الجور الذي لا يحتاج فعله إلى أي مجهود فطرقه كثيرة وسهله ،ونجد العدل في فكر الإمام ميداناً واسعاً ومنها:
1_ العدل مع النفس، ويقصد منه المصالحة مع النفس ولا تفرط في حقوقها على سبيل إرضاء الغير ويمثل قوله مع أبنه الإمام الحسن خير مثال:" اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين الآخرين". فالعدل في المصالحة مع الذات ينطوي على كل القيم الخلقية من صرف وأمانة واخلاص ووفاء وشجاعة، لأن الإنسان العادل هو الذي يمكنه أن يوازن بين حق نفسه وبين حقوق الآخرين من حوله وفق معايير أخلاقية ثابتة قوامها الخير والحب للجميع.
2_ العدل الاجتماعي، العدل الذي يتوق الإمام إلى تحقيقه، يشمل حتى الحيوان ويصل العدل ذروته في قوله:" والله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت". والعدل نابع من اقناع ذاتي وإيمان راسخ وتام لا يمكن زعزعته تحت أي ظروف، لذلك جاهد الإمام في وضع فكرة العادل موضع التنفيذ سواء في معاملاته الخاصة أو العامة أو على مستوى الحكم في الاقاليم الاسلامية.
أ_ على المستوى القضائي، كان يضع شروط متناهية لمن يرشح لمنصب القضاء، والحث على تطبيق العدالة، وذلك اقتناعه بأن العدل يجب أن يأخذ مجراه مهما كانت الظروف.
ب_ على المستوى الاجتماعي، فقد باشر الإمام بإقامة العدل مبتدئاً بالأسواق المحك الحقيقي لشرائح المجتمع والميزان الذي تتنافس الاطماع فيه لامتلاك زمام المادة على حساب الكادحين والمستضعفين، فقد كان يجوب الاسواق بنفسه، لمراقبة الاسعار من أجل إرساء دعائم العدل، واهتمام الإمام بالعدل في الاسواق، لأنها الأماكن التي تتواجد فيها كل الطبقات الاجتماعية للتعامل فيما بينها بالأخذ والعطاء، ولا يتأتى ذلك إلا في جو يتميز بالأمن والطمأنينة والثقة، والعدل هو الذي يمنح تلك الميزات للمتعاملين، لأن تطبيقه يكسبهم الراحة النفسية، وعدم الشعور بالغبن أثناء المعاملات والمبادلات.
3_ العدل في ميدان السياسة، أن سياسة الإمام في الاصل سياسة اجتماعية، تضع مصلحة عامة الناس من الطبقات الفقيرة في مقدمة الأوليات، واهم ما يوصي به الإمام الحاكم في سياسته للرعية، أن يعمل بالعدل في كل صغيرة وكبيرة من افعاله، حتى في النظر إلى رعيته، فلا يميل به الهوى إلى النظر بازدراء إلى الفقير لفقره، والسياسة العادلة عند الإمام أن لكل المواطنين أمام القانون سواء مسلمين وغير مسلمين وعدم دخول هؤلاء الاسلام لا يفقدهم حقوقهم الإنسانية، فالناس كما يقول الإمام ضمن عهده لمالك الاشتر:" صنفان إما أخ لك في الدين أو شبيه لك في الخلق". فالحكومة الحقيقية هي التي تقدس العدل، وتختار لحكمها رجالاً يعرفون طريقة ويسيرون على نهجه، ولن يأتي ذلك كما يرى الإمام إلا إذا عرفوا أن يأخذوا العدل من نفوسهم، ومن خاصة أهلهم وأقاربهم، فالإمام حين يأمر بالعدل بين رعيته، يكلم فيه الضمير ويحرك داخله الوازع النفسي مصدر القيم الخلقية، فالعدل في فكر الإمام هو ميزان الأخلاق.
الإمام علي هو صوت العدالة وضمير الإنسانية الخالد، وأفضل شخصية نموذجية جسدت العدالة والحق على أرض الواقع، وهو شخصية فريدة ومتميزة في الوجود وبعد شخصية رسول الله(ص)، ويرى جورج جرداق أن العدالة عند الإمام علي اصل في البنيان الاخلاقي، وهي مادة ركب منها بنيانه الجسماني وهي دم في دم وروح في روح، فالعدالة عند الإمام ليس مذهباً مكتسباً وليس خطة أوضحتها السياسة وليست طريقاً، ويذكر جرداق أنه لم يوجد في التاريخ مثل الإمام كان خليفة، ويأمر ولاته بأن يتواضعوا ويوصيهم بقوله:" اعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه". وإن منهج الإمام في العدالة الاجتماعي ينقسم إلى محورين: الأول هو التربية الدينية المؤمنة بالفرد والمجتمع، والثاني السياسة الاقتصادية الناجحة، أما المحور الأول فإذا تم التأسيس للتربية الدينية بالشكل الصحيح فالكل سيعرف حقوقه وواجباته، وبالتالي لا ظالم ولا مظلوم، وهذه دعوه صريحه للتسامح الاجتماعي والمساواة في تقبل الآخر وينطلق من التفهم الديني كتربية وتهذيب وزرع النفوس الطيبة فكلما ارتقى الإنسان بتعاليمه الدينية كلما وصل إلى مرحلة السمو الاجتماعي. أما المحور الثاني فهو السياسة الاقتصادية والتي يمكن أن تعرف بمجموعة من الإجراءات التي تسعى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وانطلاقاً من إيمانه بالعدالة الاجتماعية وأن لا تمايز بين المسلمين أبداً، وقد اتخذ الإمام قراره الاقتصادي التنظيمي الأبرز وهو مساواة المسلمين في العطاء، وفي هذا الإطار يعلق مجموعة من الباحثين على هذا القرار منهم على سبيل المثال محمد عمارة قائلا : "ومن هنا كان قرار الإمام العدول عن تمييز الناس في العطاء والعودة الى نظام المساواة قرار من أخطر قراراته الثورية، لأنه كان يعني انقلابا اجتماعيا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات، كما كان رد فعل الأغنياء، وفي مقدمتهم ملأ قريش وابناؤهم ضد الإمام وقراره، وهذا بداية الثورة المضادة لحكمه". ومن جهة أخرى فان هذا القرار كان بمثابة مصدراً لعملية التغير الاجتماعي وبالفعل فقد كان هذا القرار التنظيمي "المساواة في العطاء" محفزاً رئيسياً لإحداث تحولات وتغيرات اجتماعية واسعة النطاق، إذ كان من أبرز تداعياتها هو إعادة بناء التراتب الاجتماعي أو الفئوي الطبقي للمجتمع الإسلامي آنذاك من خلال إحلال المساواة الاجتماعية محل الامتيازات، ويعد الإمام أول من طبق سياسة من أين لك هذا، لذلك رأى الإمام كل ما اعطي بغير حق هو مردود في بيت المال.(21)
المساواة:
اهتم الإمام بالمساواة بشكل خاص وأعاد الاعتبار إليها خلال فترة حكمه بعد أن استهين بها وضيعت في فترات سابقة لحكمه، وانطلق في تطبيق قيمة المساواة من خلال دعوته إلى ضرورة:
المساواة في الحقوق والواجبات.
المساواة في العطاء.
المساواة أمام القانون.
وقد ألزم قادته وولاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم وانتماءاتهم وخلفياتهم العقائدية والسياسية دون تحيز أو تمييز حزبي أو سياسي أو اجتماعي، حتى لو كانوا معارضين لحكمه ودولته، طالما لم يحملوا السلاح في وجه الدولة بهدف إسقاطها بالقوة والعنف، وقد عامل الجميع كرعايا (مواطنين) في دولة الحق والعدل والمساواة، ويقول الإمام: في بعض رسائله إلى مالك الأشتر "واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وأَلن لهم جنابك”. وبهذا فإن الإمام ركز على البعد الاجتماعي لزرع الوطنية والمواطنة في دولته، لأن المضمون الاجتماعي والاقتصادي للوطنية هو العدالة الاجتماعية، بينما التفاوت الهائل في الملكية والثروات يخلق الكثير من السلبيات.
حقوق الانسان:
يذهب الإمام بعيداً في معنى المساواة بين الناس في الحقوق، ورأى أن الأموال العامة هي أموال الشعب بكامله، فهي حق من حقوق الشعب كله، وفي هذا الضوء ساوى الإمام في العطاء بين الناس لا قريب فيهم ولا بعيد ولا شريف ولا غير شريف، وبذلك الأموال العامة هي ملك الناس والولاة كما يقول الإمام هم " خزان الرعية ووكلاء الأمة". وبذلك أن موقف الإمام من حقوق الإنسان والتي كانت جل آرائه في صميم الاسلام وتدور على محو رفع الاستبداد والقضاء على التفاوت الطبقي بين الناس، والسعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وحكومته وسياسته، فكان صوته في معركة العدالة الاجتماعية مدوياً، ودفاعه عن قيم الإنسان عظيماً أبداً، شديداً لا هوادة فيه، وكان في حكومته المثل الاعلى للحاكم للوعي لحقوق الإنسان في تلك الحقبة من تاريخ البشر، والعامل على تنفيذ منطوقها بكافة ما لديه من وسائل.(22)
المواطنة:
من يراجع أدبيات فكر المواطنة وبناء الدولة عند الإمام علي، سيجد توسعاً في الحديث عن قيم ومبادئ حقوق الإنسان كقاعدة لبناء الإنسان المسلم المؤمن، وبالتالي بناء الدولة العادلة القوية، فلا دولة قوية من دون أفراد أقوياء، ولا دولة عادلة من دون أفراد عادلين مع أنفسهم، كما ركز الإمام الى السعي نحو تحقيق الأمن والأمان الاجتماعي والسياسي في الدولة، وتمكينها اقتصادياً وتنموياً وحقوقياً، بما قد يمنع نشوب الصراعات والفتن والعداوات بين أبنائها وأهلها ومختلف مكوناتها المتعددة والمختلفة، وهذا الثبات والاستقرار القائم على العدل والحقوق عموماً، هو الذي يمنع دخول الأعداء من ثغرات المجتمع وأمراضه الداخلية كالظلم والحرمان ولا مساواة وغيرها، ويقول الإمام:" ثبات الدولة بإقامة سنن العدل". والعدل لا يتقوى في حركة الدولة والمجتمع إلا بتوافر حكام ومسؤولين إداريين من ذوي الأخلاق والفضيلة والتقوى ممن أسسوا بنيانهم النفسي على العدالة مع أنفسهم كشرط للعدالة مع الخارج، وبالتالي زرع روح المواطنة من خلال العدل والمساواة، كما ربط الامام الوطنية والمواطنة بـ ( الحاكم القدوة)، فهو الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وسياسته، وبهذا زرع الامام روح المواطنة والوطنية وحب الوطن عن طريق سلوكياته واصلاحاته الاجتماعية ونبذ الفوارق الطبقية، والاهم هو جعل الناس عبادا لله سبحانه وتعالى، فجعل الدين اساساً لحياة الانسان واساساً لدولته واساساً لكل افعاله وافعال رعيته ، فلا وطنية ومواطنة بلا دين وعبادة يرتضيها الله سبحانه وتعالى للإنسان.
الحرية:
يرى الإمام الحرية هي عمل وجداني خالص ملازم للحياة الداخلية التي ترسم بذاتها الخطوط والحدود والمعاني فلا تقسر عليها، لأنها نابعة من الذات لا تلقائية ولا خارجية، وهي إذا كانت كذلك فليس لأحد أن يكره الآخر أو يجبره في هذا النطاق، لأن عمله هذا يأتي فارغاً من أي معنى، خالصاً من أي أثر، وبذلك الحرية عند الإمام هي اعتراف الافراد بحقهم في الانتخاب والاعتزال، وفي القول والعمل وفي العيش الكريم، ثم يساوي بينهم جميعاً في الحقوق والواجبات، ولا يجعل لهذه الحرية حدوداً إلا إذا اقتضت مصلحة الجماعة مثل هذه الحدود، والحرية عند الإمام مكفولة في نهج الإمام ودستوره في الناس، يكفلها الوجدان الإنساني بوصفه قوة لا تعمل بالإكراه، وتكفلها قوانين الطبيعة التي لا يمكن الاعتداء على حركتها الحرة في قليل أو كثير ويكفلها العمل الاجتماعي الصحيح الذي لا يستقيم إلا بمقدار ما هو خاضع لأصول الوجدان الإنساني وقوانين الطبيعة الثابتة على حريتها، فالإنسان إذاً حر بأصوله، يحس حراً ويفكر حراً ويقول حراً ويعمل حراً، ولا يجوز اجباره في غير هذه الحدود، وقد جعل الإمام حرية الفرد في نطاق من حرية الجماعة ومصلحة أهلها، فالناس مرتبطين بالمجتمع، ولا بد لهم من توجيه شعورهم بالحرية توجيهاً معيناً، لا يحد من اصول هذه الحرية، بل يمنع استعمالها على اسلوب بدائي، فحرية الأفراد لدى الإمام ليست الحرية الاباحية الرعناء، بل هي مقترنة بالشعور بالمسؤولية، لذلك لجأ الإمام إلى توسيع معنى الحرية في مدارك الناس، وفي الوقت نفسه لجأ إلى توسيع معنى الشعور بالمسؤولية، ولم يجعل المسؤولية بحدودها الشكلية الظاهرة هي المحرك والباعث على العمل الصالح، بل جعل الحرية نفسها مسؤولة وجعل الاحرار انفسهم مسؤولين، وناط مقدار هذه المسؤولية بمقدار الحرية، فإذا كانت المسؤولية لا تتبلور في الافكار الجامدة والقلوب المأسورة والعواطف المكبوتة والشخصيات المحدودة فلأنها لا تتبلور إلا في نطاق الحرية التي تطلق الأفكار والعواطف الشخصية، وتمدها بالفداء النافع المعنوي، وبهذه النظرة يكون الإمام قد رفع القيود الضيقة والاغلال الثقيلة التي تفرضها السلطات على الناس.(23)
حروب الإمام:
شهد الإمام علي جميع المعارك مع الرسول(ص)، وسلم له الراية في الكثير من المعارك، ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول(ص) على المدينة، وعرف الإمام ببراعته وقوته في القتال، ومن الغزوات و المعارك التي شهدها:
1_ غزوة بدر الكبرى، وقعت هذه المعركة سنة 2هجرية، وتعتبر أول معركة فاصلة بين المسلمين ومشركي مكة، وكان للإمام فيها مواقف مشهورة ومكارم مأثورة، لاتزال نبراساً للأجيال في الشجاعة والبطولة والفداء والتضحية والذكر الجميل.
2_غزوة أحد، في سنة 3هجرية وقعت هذه المعركة والتي أراد فيها الكفار استعادة هيبتهم بعد معركة بدر، وكان للإمام مواقف بطولية، ومنها عندما حاصر الكفار الرسول(ص) واثقل بجراحاته لم يبقى معه أحد يدافع عنه فقط الإمام، وقد اصيب الرسول(ص) و الإمام بعدة ضربات في هذه المعركة.
3_ غزوة الخندق، في شوال من سنة5هجرية جاءت جموع الاحزاب من قريش وغطفان في عشرة الآلف مقاتل إلى المدينة، يريدون في محاولة يائسة أخيرة استئصال الاسلام والمسلمين، وظاهرهم على ذلك يهود بني قريظة، وكان المسلمون قد حفروا الخندق في السهل الواقع شمال غرب المدينة، والجانب المكشوف الذي يخاف منه اقتحام العدو، وفي هذه الواقعة غلبت عبقرية الإمام الحربية وبطولته وشجاعته الفطرية والنفسية والجسمية والقتالية، وإيمانه ويقينه واخلاصه وثباته، وذلك في منازلته الفارس المشهور الذي كان يقوم بألف فارس(عمرو بن عبد ود العامري) وقتله.
4_ غزوة بني قريظة، بعد الفراغ من غزوة الخندق، توجه الرسول(ص) إلى يهود بني قريظة، لأنهم نقضوا عهدهم مع المسلمين وغدروا بهم وتأمروا مع الاحزاب ضدهم، وقد شهد الإمام هذه المعركة وكان له دور كبير في الدفاع عن الاسلام ورسوله(ص).
5_ صلح الحديبية، في ذي القعدة من سنة6هجرية، خرج الرسول(ص) مع جيش من المهاجرين والانصار، قاصدين الاعتمار إلى بيت الله الحرام، فصدهم الكفار ووقع بين الطرفين معاهدة صلح الحديبية، وكان للإمام موقف جليل في كتابة صلح الحديبية بين الرسول(ص) والكفار.
6_ غزوة خيبر، خيبر مدينة معروفة قائمة إلى الآن في السعودية، وتبعد عن المدينة المنورة حوالي 165 كم شمالاً على طريق الشام، وكانت مستعمرة يهودية ذات اهمية عسكرية واستراتيجية، تتضمن قلاعاً حصيناً وقاعدة حربية لليهود، وكانت آخر معقل من معاقلهم في جزيرة العرب، وكانوا يتربصون بالمسلمين ويتآمرون مع يهود المدينة، وخارجها لغزو المدينة، فأراد رسول الله(ص) أن يستريح ويأمن من جهتهم، فغزاهم الرسول(ص) سنة 7هجرية ومعه زهاء 1600 صحابي ودفع الراية إلى الإمام، وأظهر الإمام في هذه الغزوة ألواناً من الشجاعة والبطولة ما خلدته صفحات التاريخ، وقد توجه الرسول(ص) إلى خيبر ونازل حصونها، وبدأ يفتحها حصناً حصناً، واستعصت عليه بعض الحصون، فبعث الرسول(ص) أبا بكر برايته فقاتل ثم رجع ولم يكن الفتح، ثم بعث عمر فأخذ الراية فقاتل ولم يكن الفتح، فقال الرسول(ص):" لأعطينه الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح على يديه". فبعث الإمام ففتح الله على يديه، وتقدم الأمام إلى أمنع الحصون وهو (القموص) لفتحه، وكان فيه جيش من المقاتلين وعلى رأسهم فارسهم المشهور(مرحب) فنازله الإمام وقتله وكان الفتح.
7_ فتح مكة، شهد الإمام فتح مكة وكان له فيها مواقف جليلة مع الرسول(ص) وتنفيذ أوامره ونصرة الاسلام على اعدائه.
8_ غزوة حنين وقعت بعد فتح مكة مباشرة وذلك في السنة الثامنة للهجرة في منطقة حنين، بين جيش المسلمين بقيادة النبي محمد(ص) ومن جهة بين المشركين من قبيلتي هوازن وثقيف الساكنين في منطقة الطائف، وقد شهد الإمام مع الرسول(ص) غزوة حنين، وكان ممن ثبت معه حين ولى الناس منهزمين.(24)
حروب الإمام أثناء خلافته:
1_ معركة الجمل(الناكثين)
النكث، هو المخالفة بعد اظهار الاتفاق، والناكثون هم اصحاب واقعة الجمل، إذ بعد استلام الإمام الحكم ببضعة أشهر، وقعت معركة الجمل (36 هـ) التي كان خصومه فيها طلحة والزبير ومعهما السيدة عائشة الذين طالبوا بالقصاص من قتلة عثمان، وفي الحقيقة هم كانوا لديهم اطماع سياسية ومادية، وعندما رفض الإمام مطالبهم لجأوا للحل العسكري، ولقد سار طلحة والزبير الى مكة فلقيا فيها السيدة عائشة ، فسارا بها نحو البصرة لإثارة الفتنة والحرب، وجمع الرجال والاموال لقتال الامام ولما أحس الإمام بذلك سار بجيش الى البصرة، ونصح الناكثين كثيرا وناشدهم الله أن لا يقوموا بفتنة في الاسلام يقتل فيها المسلمون بعضهم بعضاً، وسميت هذه الواقعة بالجمل، لأن السيدة عائشة كانت تقود الجيش على جمل، والرجال تقاتل من حوله، وكان من نتيجة هذه الحرب مقتل طلحة والزبير، وتشتت جيشهما، وانتصار الإمام، أما السيدة عائشة فبعد أن عقر جملها وكادت تهلك، أخذها الامام وأحسن معاملتها وأرجعها الى بيتها في المدينة، كرامة للنبي (ص).(25)
معركة صفين(القاسطين):
القاسطون في اللغة هم الجائرون الباغون وقد جاء في القرآن الكريم" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا، سورة الجن، الآية15". لذلك قيل قسط الرجل، إذا جاء واقسط إذا عدل، ومفردة قاسط التي تعني الجور كمصطلح سياسي وقد اطلقت على الأمويين ومن شايعهم، فخروجهم على الإمام ومحاربتهم له بصفين، وقد أثر عنه قوله:" عهد إلي رسول الله أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين". ولقد شكل الأمويين خطراً حقيقياً على الاسلام باستعمالهم الملتوية للوصول إلى غاياتهم دون مراعاة لأية قيمة دينية، فمثلاً معاوية يعقد صفقة بينه وبين عمرو بن العاص حين يجعل مصر التي لم تكن تحت أمرته طعمه لعمرو بن العاص، كما استغلوا المال ابشع استغلال لشراء ضمائر ذوي الاطماع، فقد أخذ في مكاسبه وجوه أهل العراق والبذل لهم بالسخاء في سبيل تخذيل الناس عن الإمام، ولقد بذل الأمويون كل ما في وسعهم من جهد لزحزحة الإمام عن موقفه، فلم يتمكنوا واستمر الإمام بمقاومتهم، ولما احسوا بعدم قدرتهم على مقاومته وأن نهايتهم قد قربت في صفين، لجأوا إلى حيلة رفع المصاحف كورقة أخيرة يدارون بها الهلاك عن أنفسهم، مما فتح للإمام جبهة معارضة ثالثة، تولدت هذه المرة من بين اصحابه الذين حارب بهم اصحاب الجمل، والأمويون في صفين فاضطر غير راغب إلى مواجهة تلك المعارضة التي اطلق على رجالها لقب المارقين، ويرى أبو بكر بن العربي في كتابه العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة الرسول(ص) أن معاوية غير محق في طلب قتلة عثمان، فالطالب لدم لا يصح أن يحكم وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده، فإن ظهر له القضاء والا سكت وصبر، وموقف الإمام من رفع المصاحف والتي أراد بها جيش معاوية التفرقة في جيش الإمام، كان موقف الإمام الاستمرار في القتال، لأن الإمام كان يقول:" ليدينوا بحكم القرآن، فأنهم عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه".(26)
معركة النهروان(المارقين):
المروق هو الخروج من غير مدخله، والمارقة أو الذين مرقوا من الدين لفلوهم فيه، وقد اطلق لقب المارقين على الخوارج لغلوهم في الدين وتكفيرهم كل من يخالف عقيدتهم، ومعركة النهروان هي المعركة التي وقعت بين جيش الإمام علي وبين الخوارج الذين تمردوا على خلافته وعاثوا في الأرض فساداً بعد عملية التحكيم المعروفة والتي ساهمت في انهاء معركة صفين، هذه المعركة وقعت سنة 38 هـ بعد أن نصحهم قبل المعركة، ولكن بقي عدد منهم فحاربوه، فلم ينجوا منهم إلا القليل، ولم يقتل من أصحاب الإمام إلا القليل.(27)
تراثه الفكري:
علمه:
الإمام علي فذ من أفذاذ العقل، وهو بذلك قطب الاسلام وموسوعة المعارف العربية، فليس من علم عربي إلا وقد وضع أهله أو ساهم في وضعه، ويعد الإمام مؤسس علم النحو، فقد أوصى أبا الأسود الدؤلي وقال له اكتب ما أملي عليك، فقال الإمام:" إن كلام العرب يتركب من اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم، ولا فعل وأن الاشياء ثلاثة، ظاهرة ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، يعني اسم الاشارة على قول بعض النحاة". ثم قال لأبي الاسود" أنح هذا النحو يا أبا الاسود". فعرف هذا العلم بعلم النحو من ذلك اليوم، ويرى جورج جرداق أن الإمام تكلم في جميع العلوم، فيعتبر الإمام أول المتكلمين، بل آبا علم الكلام، فإن الأوائل من اصحاب هذا العلم لم يستقوا إلا من معين الإمام، ولم تتوفر لديهم اسبابه إلا عن طريقه، وأن الأواخر ضلوا يهتدون به ويعتبرونه إمامهم وإمام الأولين، فالإمام ليس من الذين يكتفون بالنظر في الأمور نظرة عابره، بل يتوخون أن ينفذوا من كل مشكلة إلى بابها، فقد أمعن النظر في القرآن الكريم وموضوعه الدين إمعاناً ينساق إليه المفكرون انسياقاً، فإذا به يجعل الدين موضوعاً من موضوعات التفكير والتأمل والتبصر، وطالما كانت ترد للإمام اسئلة جدلية كثيرة، فيجيب عليها بالبداهة ويفصل اجوبتها باللحظة، فالمسلمين كانوا يتعرضون لكثير من الاسئلة الجدلية، وكان الإمام هو المفزع في المهمات والملجأ عند الشدائد ومن الأمثلة على ذلك سأله أحد النصارى عن اخباره عن وجه الله تعالى، فدعا الإمام بنار وحطب، فأضرمه فلما اشتعلت قال الإمام أين وجه النار، قال النصراني هي وجه من جميع حدودها، فقال الإمام هذه النار مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله لا يخفى على ربنا خافية.
كان الإمام من علماء الصحابة الكبار، وقد تميز بجده في التحصيل والتحري في قبول العلم، والسؤال في طلبه، واستعمال وسائل ضبط العلوم في زمنه، من كتابة وتعهد ولزوم الرسول(ص)، وكان يحذر الناس من ترك العلم بسبب الحياء، فقد قال:" لا ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم". وكان الإمام من بين القلة من المسلمين الذين كانوا يعرفون الكتابة في صدر الاسلام، وفوق هذا فقد كان من كتاب الوحي لرسول الله(ص) وقد ساعدته هذه المهارة في القراءة والكتابة على التبحر في العلوم الشرعية، وكان يرى أن العالم لا يسمى عالماً إلا إذا كان عاملاً بعلمه، لذا يقول مخاطباً حملة العلم، يا حملة العلم، اعملوا به فإن العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله.(28)
نهج البلاغة:
الشريف الرضي(ت406ه) هو من جمع نهج البلاغة، وقد نال كتاب نهج البلاغة ما لم ينله كتاب في العربية من الشهرة والانتشار، والذي جمعه الرضي بين دفتيه الكثير مما أثر عن الإمام من خطب ووصايا وعهود ورسائل وحكم ومواعظ، أما سبب تسميته بنهج البلاغة، فلأنه كما كان يقول جامعه" يفتح للناظر فيه من أبوابها، أي أبواب البلاغة، ويقرب عليه طلابها" لأن ما حواة ذلك الكتاب عليه مسحة من بعد الشريف من تناول محتوى الكتاب بالشرح، فقال هبة الله الراوندي عن محتواه إنه" دون كلام الله ورسوله وفوق كلام البشر". وفي نفس السياق قال عنه أبن أبي حديد" هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق". وقد تناوله العلماء والادباء والبلغاء منذ زمان وحتى اليوم بالقراءة والإقراء والدرس والتدريس والشرح والتحقيق والتعليق للوقوف على وجوه بلاغته ومواطن روعته، ويشمل نهج البلاغة:
1_الخطب: 244
2_الرسائل: 61
3_الوصايا 14
4_العهود4
5_الحكم القصار 489
يظهر نهج البلاغة بأن نصوصه وأن تنوعت فهي متكاملة من حيث الاسلوب والنبع الفكري، ويتمثل الإمام بأنه الفارس الذي يجيد القتال بسيفه وجواده، وهو السياسي الذي يجادل، وهو الأديب الذي يجيد صياغة اللفظ في أروع ما تكون الصياغة، وهو الفيلسوف الذي ينزع بفلسفته إلى ضم الكون كله في أحكام موجزة ومركزة نافذة إلى صميم الحق، ولقد انفرد هذا المصنف بسمات قلما نجد لها مثيلاً في أي كتاب إسلامي آخر سوى القرآن والسنة النبوية، إذ لا نكاد نرى كتاباً تميز بقطعات مختلفة يجمعها سلك واحد من الشخصية الواحدة والأسلوب الواحد كما نراه في (نهج البلاغة)، ويشمل نهج البلاغة على قيم ومنها:
1_القيمة الأدبية، فنصوص النهج واساليبه الرفيعة شحذت عقول الدارسين وحيرت أفهامهم، لأنها اتخذت من القوالب الجمالية غاية، بل لأن العقلية الفذة التي صاغتها استطاعت توظيف البلاغة العربية في طبيعتها الخالصة، لمعالجة موضوعات الحياة، معالجة تتسم بالحيوية والصدق، فأذابت الفروسية والسياسة والأخلاق والفلسفة والزهد في قوالب محكمة من المتعذر الفصل بين عناصرها وإقامة أي عنصر منها وحده بعيداً عن سائر العناصر.
2_القيمة التاريخية، أن في نهج البلاغة نصوصاً كثيرة تؤرخ لمعظم تلك الحوادث عن مشاهدة وعيان، لأن قائلها طرف أصيل في تلك الحوادث في بداية الدعوة الاسلامية، وبذلك تعتبر نصوص نهج البلاغة من اصدق الوثائق التاريخية التي أرخت لتلك الفترة ومن أهمها أيضاً، وتتجلى أهمية تلك الوثائق التاريخية في عدم اقتصارها على سرد الحوادث ووصف المشاكل التي عرضت للمجتمع الاسلامي، بل في مناقشتها تلك المشاكل من جميع الوجوه مع محاولة لوضع الحلول المناسبة لها، فالنصوص في النهج، تعطي صورة واضحة عن نظراته الثاقبة وآرائه البعيدة في مبادئ السياسة واساليب حكم الرعية وإدارة شؤونها والحث على دفع الفتن عنها.
3_ القيمة الفكرية، تعتبر النواحي الفكرية من الركائز التي أنبنى عليها الكثير من نصوص النهج التي عرضت لمعالجة قضايا العدل والتوحيد وعلم الاخلاق والسياسة والمجتمع وإلى غير ذلك من موضوعات ماورائية تتعلق بالحياة والموت، وذلك ما جعل النهج مصدراً مهماً واساسياً بالنسبة لجميع الفرق الاسلامية على اختلاف مشاربها.(29)
شعر الإمام علي:
للإمام علي الكثير من الاشعار ومنها:
1_ في فضل العلم:
الناس من جهة التمثال اكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من اصلهم شرف يفاخرون به فالطين والماء
لا فضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم اعداء
فقم بعلم ولا تبغي له بدلاً فالناس موتى وأهل العلم احياء
2_ في الدنيا:
تحرز من الدنيا فإن فناءها محل فناء لا محل بقاء
فصفوتها ممزوجة بكدورة وراحتها مقرونة بعناء
3_ في فضل الحث على الجود:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طراً إنها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
4_ في العقل:
وافضل قسم الله للمرء عقله فليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا اكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه
يزين الفتى في الناس صحة عقله وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله وإن كرمت أعراقه ومناصبه
ومن كان غلاباً بعقله ونجده فذو الجد من أمر المعيشة غالبه
5_ في الحث على الأدب:
كن أبن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محمودة عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسان له ولا أدب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
6_ في الموت:
الموت لا والداً يبقي ولا ولداً هذا السبيل إلى أن لا ترى أحداً
كان النبي ولم يخلد لأمته لو خلد الله قوماً قبله خلداً
للموت فينا سهام غير خاطئة من فاته اليوم سهم لم يفته غداً
7_ في غم الدنيا:
عش موسراً إن شئت أو معسراً لا بد في الدنيا من الغم
دنياك بالهم مقرونه لن تنقضي الدنيا بلا هم
8_ في تسلية النفس:
أني أقول لنفسي وهي ضيقة وقد أناخ عليها الدهر بالعجب
صبراً على شدة الأيام إن لها عقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسب
سيفتح الله عن قريب بنافعة فيها لمثلك راحات من التعب
9_في الفرج بعد الشدة:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في اماكنها الخطوب
ولم ير لانكشاف الضر وجه ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يجيء به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذ تناهت فموصول به الفرج القريب.(30)
التربية:
التربية عملية معقدة تتداخل ضمنها عدة علوم إنسانية ترمي إلى مساعدة الطفل والمراهق والبالغ على تكوين شخصيته وتنميته، من حيث العقل والسلوك والوجدان والعلاقات الاجتماعية، وهي من وجهة نظر اسلامية موازنة الفرد نفسه بين المطالب الدنيوية والمطالب الآخروية، طبقاً لقوله تعالى" وابتغ فيما إتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، سورة القصص، من الآية77". وذلك التوازن يقتضي بطبيعة الحال تدريب ومران على يد عدة جهات، والتربية في فكر الإمام ليس قصراً على الاسرة وحدها، بل من مسؤولية الحكومة، وتهدف التربية عند الإمام إلى سعادة الإنسان وتنمية شخصية الفرد، وبناء الفرد، بناءاً تكاملياً في ظروف العصر الذي يعيش فيه، انطلاقاً من قوله:" لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". ولا يعني الإمام ترك الأمر كما يشاؤون متنكرين لأصالتهم، ونابذين تقاليدهم، فالهدف الذي يرمي إليه الإمام هو محاولة الآباء تفهم العصر الذي يعيشه الأبناء بما يتمشى والتطورات العصرية التي تحدث فيه، شريطة عدم التنكر للأصالة، وأيضاً يوصي الإمام بالحفاظ على اجسامهم وعقولهم، فالإنسان يجب أن يحرص على استغلال كل طاقاته الفكرية للتفاعل مع مجتمعه بالمساهمة البناءة والاستفادة من تجارب الآخرين استفادة علمية، لأنه يرى أن" العقل حفظ التجارب وخير ما جربت ما وعظك". وحث الإمام على التربية العلمية ويهدف منها إلى جعل العالم والمتعلم مثالاً متكاملاً من حيث العطاء والأخذ في جميع ميادين الحياة العلمية والأخلاقية والإنسانية، على اساس العلم هو المحور الذي به تستقيم الحياة وتنمو ولا يمكن أن يتطور ويثمر، لذلك فقد كان حريصاً كل الحرص على تعليم الناس وحثهم على سؤاله في كل وقت فلم يكن أحد من الناس يقول سلوني غير الإمام، وبذلك الإمام كان مثال شخصية العالم والمتعلم الذي يريد من العلماء الاقتداء حذوه بإثراء العقل وتزويده بالعلوم والخبرات على الدوام وبذل العلم في كل وقت لمن طلبه وسار نحوه، وعلى المربي أن يعرفوا أن العلم لا يتمثل في الحشو الكثير، والمطولات المملة أو المختصرات المخلة، بل يجب أن تكون قواعد في اساليب واضحة ومحددة، لا تشتت ذهن المتعلم لأنه" إذا أزدحم الجواب خفي الصواب". أي أنه كلما كانت الإجابات على المسألة والقضية العلمية متعددة الجوانب متشعبة الطرق كلما خفيت الحقيقة المرجوة منها، ويجب على المربي أن يأخذ به، وأيضاً يحث الإمام المتعلمين على المناظرة بإزالة عقدة الخوف والخجل من نفوسهم، ومن المهام المناطة بالمربي كما يبدو في فكر الإمام على تعويد المتعلم على البحث فيما هو مكلف به ومسؤول عنه بمعرفة كل ما يحيط به من سلبيات وايجابيات، وتحديد كل ذلك في إطاره السليم، والقيام بإداء كاملاً بثقة وصدق واخلاص.(31)
الصداقة:
وضع الإمام عدة مواقف لعلاقة الصداقة ومنها:
1_ يجدر بالصديق من أجل المحافظة على الصداقة والوفاء لعهدهما أن يراعي صديقه في كل الأحوال، وأن يجد له من المبررات والاعذار ما يبقي على الحبل الود متصلاً مهما كانت الظروف.
2_ اجتناب صداقة من يكن البغض والعداوة لأحد الاصدقاء المخلصين حتى لا تسوء نفسه، وتكون موضع تهمه، ويقول الإمام:" لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك".
3_ استعمال الصراحة والصدق في بذل النصيحة دون أدنى تحفظ أو مجاملة، مهما كان وقعها على نفسه، لأنه إذا كان صديقاً حقيقياً فتكشف له بصيرته مدى حبك له وخوفك عليه ويكمن ذلك في قول الإمام:" امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة".
4_ صيانة حقوق الصديق المادية والمعنوية، وعدم التفريط في شيء منها اعتماداً على متانة الصداقة لأنه" ليس لك بأخ من اضعت حقه".
5_ عدم البدء بقطيعة الصديق مهما كانت الظروف، مع محاولة بذل كل جهد لإبقاء العلاقة متواصلة، بتحمل الإساءة منه ومحاولة مقابلتها بالإحسان وإبقاء الود، وتمكينا لدوامها متينة وقوية، وفي حالة الاضطرار إلى قطعها فليبق على بعض الود ما يمكن من خلاله عودتها إلى حالها يوماً ما.
6_ الصداقة اخلاص في المغيب والمحض، ورعايتها وتتطلب من الفرد أن يحافظ عليها في مال الصديق وعرضه وعهده، وكما يقول الإمام:" الصديق من صدق غيبه".(32)
الآيات التي نزلت بحق الإمام علي:
اختص الإمام علي بالكثيرة من الآيات التي بينت فضله ومنزلته وخصائصه ومكارم أخلاقه ووجوب طاعته، وهي كثيرة، عبر عنها حبر الاُمة عبد الله أبن عباس بقوله: "ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في الإمام". ومن الآيات التي نزلت في حق الإمام:
1_"إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، سورة المائدة، الآية55". وقد أجمع الكثير من المفسرون أن الآية نزلت في حق الإمام.
2_" قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، سورة الشورى، من الآية23". والقربى هم علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) والأئمة من ولد الحسين (ع).
3_" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، سورة المائدة، من الآية 67". والآية نزلت قبل غدير خم فامتثل النبي (ص) أمر الله تعالى بالتبليغ وأعلن ولاية الإمام.
4_" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، سورة المائدة، من الآية 3".نزلت بعد واقعة غدير خم أي بعد ما بلغ الرسول(ص) ولاية الإمام في غدير خم.
5_"وتعيها أذن واعية، سورة الحاقة، من الآية12". قال رسول الله (ص) "هي اذنك يا علي".
6_" أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون، سورة السجدة، الآية 18". نزلت في الإمام والوليد بن عقبة، فعن أبن عباس وقع بين الإمام وبين الوليد بن عقبة كلام، فقال له الإمام: " يا فاسق " فرد عليه، فنزلت هذه الآية بحق الإمام.
7_" يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، سورة المجادلة، من الآية 12". ولم يعمل بهذه الآية غير الإمام وقال :" آية في كتاب الله ما عمل بها أحد من الناس غيري، النجوى كان لي دينار بعته بعشرة دراهم فكلما أردت ان اناجي النبي (ص) تصدقت بدرهم ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي".
8_" إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وداً، سورة مريم، الآية 96". نزلت في الإمام كما في تفسير الثعلبي وتذكرة الخواص سبط أبن الجوزي والدر المنثور للسيوطي.
9_" إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، سورة البينة، الآية7 ". نزلت في الإمام كما في تفسير الدر المنثور وغيره.
10_" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" سورة الاحزاب، من الآية 33". وعن ام سلمة قالت: نزلت هذه الآية حينما جلس رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين(ع) تحت الكساء.
11_" أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه، سورة هود، من الآية 17". وكما ذكر في الدر المنثور قول الإمام علي :"رسول الله (ص)على بينة من ربه وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه".
12_" إني جاعلك للناس أماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين، سورة البقرة، من الآية 124". فعن رسول الله (ص): "أنا دعوة أبي إبراهيم، ثم قال: فانتهت الدعوة إلي وإلى علي لم يسجد أحد منا لصنم قط فاتخذني الله نبياً واتخذ علياً وصياً".
13_" الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانية، سورة البقرة، من الآية 274". وفسرها العلماء أنها نزلت في حق الإمام علي وقد كان عنده أربع دراهم فأنفق باليل واحداً وبالنهار واحداً وبالسر واحداً وبالعلانية واحداً.
14_" فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين، سورة آل عمران، الآية 61". وقد اجمع علماء المسلمين أن الله سبحانه وتعالى عنى بالأبناء الحسن والحسين وبالنساء فاطمة الزهراء وبالأنفس رسول الله(ص) والإمام علي(ع).
15_"ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد، سورة البقرة، الآية 207". ويذكر الإمام الباقر عن قوله تعالى:" إنها أنزلت في الإمام علي حين بذل نفسه لله ولرسوله (ص) ليلة اضطجع على فراش رسول الله (ص) لما طلبته كفار قريش".
من اقوال الرسول(ص) في الإمام علي:
1_ " أن الله أمرني بسد الأبواب إلا باب علي"
2_" يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلوا حتى يكونوا كالأوتار، وبغضوك لأكبهم الله في النار".
3_" من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".
4_" من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوالي علياً من بعدي وليوالي وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين لهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي".
5_" يا علي أن الله أخذ حبك على البشر والشجر والثمر والبذر فما أجاب إلى حبك عذب وطاب وما لم يجب خبث ومر".
6_" من فارق علياً فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله".
7_" عادى الله من عادى علياً".
8_" يا علي أن الله قد غفر لك ولذريتك وولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك فأبشر فإنك الانزع الابطين".
9_" علي بمنزلة رأسي من بدني".
10_" أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الجنة فليأتها من بابها".
11_" يا علي أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي".
12_" حب علي براءة من النفاق".
13_" لولاك يا علي ما عرف المؤمنون من بعدي".
14_" عنوان صحيفة المؤمن حب علي".
15_" حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب".
16_" حب علي براءة من النار".
17_" أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب".
18_" يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة".
19_" علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يرد علي الحوض يوم القيامة".
20_" علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا حتى يردا علي الحوض".
21_" أنا اقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله".
22_" أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي".
23_" ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري".
24_" أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من اشجار شتى".
25_" لا يجوز أحد من الصراط، إلا من كتب له علي الجواز".
26_" علي خير البشر من شك فيه كفر".
27_" لكل نبي وصي ووارث، وإن علياً وصيي ووارثي".
28_" حق علي على المسلمين حق الوالد على الولد".
29_" يا علي أن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإنك ولي المؤمنين بما جعله الله وجعلته فمن أقر بذلك وكان معتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له".
30_" يا علي إنك أول من يقرع باب الجنة، فتدخلها بغير حساب بعدي".
31_" يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة".
32_" حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة".
33_"أن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه , وجعل ذريتي في صلب علي".
34_"أن الله اطلع إلى أهل الارض فاختار منهم محمداً فجعله نبيا , ثم اطلع ثانيه فختار علياً فأوصى إلى نبيه أن يتخذه وارثاً ووصياً".
35_"أن وصيي وموضع سري خير من اترك بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن ابي طالب".
36_"يا انس , أول من يدخل عليك هذا الباب أمام المتقين وسيد المسلمين ويعسوب الدين وخاتم الوصيين وقائد الغر المحجلين, قال انس فجاء علي , فقام إليه رسول الله فعانقه وقال له أنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي".
37_"من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه وإلى آدم في علمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في فطنته وإلى عيسى في زهدة فلينظر إلى علي بن أبي طالب".
38_"يا علي طوبى لمن احبك وصدق فيك , وويل لمن ابغضك وكذب فيك".
39_"هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الاكبر وهذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المؤمنين".
40_"أن هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا".
41_"يا عمار , إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ودع الناس فأنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من هدى".
42_"أنك ولي كل مؤمن بعدي".
43_"من كنت مولاه فهذا علي مولاه".(33)
آراء في الإمام علي:
1_أبو بكر الصديق(573_634) " أمسيت يا أبن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة".
2_عمر بن الخطاب(586_644) " لولا علي لهلك عمر".
3_عثمان بن عفان(576_656) " لولا علي لهلك عثمان".
4_أم سلمة(596_680) "والله أن علي بن أبي طالب لعلى الحق قبل القوم عهداً معهوداً مقضياً".
5_ عائشة بن أبي بكر(604_678) " ما رأيت رجلاً أحب إلى رسول الله(ص) منه".
6_ابو سعيد الخدري(612_693) "كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي".
7_سعد بن المسيب(637_715) "ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب".
8_عمر بن عبدالعزيز(681_720) أحد خلفاء الاسرة الأموية" ما علمنا أن أحداً من هذه الأمة بعد رسول الله(ص) أزهد من علي بن أبي طالب، وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة في الدنيا".
9_الخليل بن احمد الفراهيدي(718_790) "أن علي بن أبي طالب كان يمتاز بمميزات كبرى لم يجتمع لغيره، هو أمة في رجل".
10_محمد بن اسحاق الواقدي(747_823) "إن تصديق علي وهوما عليه من البراعة في البلاغة هو بنفسه دليل على أن القرآن وحي إلهي، كيف وهو رب الفصاحة والبلاغة، وهو المثل الأعلى في المعارف".
11_احمد بن حنبل(780_855) "ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله(ص) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب، إن علياً كان من معجزات النبي(ص) كالعصا لموسى، وإحياء الموتى لعيسى".
12_الجنيد البغدادي(830_910) سئل الجنيد عن محل علي بن أبي طالب في هذا العلم أي علم التصوف ـفقال :"لو تفرغ إلينا من الحروب لنقلنا عنه من هذا العلم ما لا يقوم له القلوب ذاك أمير المؤمنين".
13_أبن الحديد المعتزلي(1190_1258) الإمام علي مشرع الفصاحة، وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق فقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي، ومن عجائبه التي انفرد بها، وأمن المشاركة فيها، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حظ له في غير الزهاد، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت، أو انقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلا حسه ولا يرى‏ إلا نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه، فيقط الرقاب، ويجندل الابطال، ويعود به ينطف دماً، ويقطر مهجاً، وهو مع ذلك الحال زاهد الزهاد، وبدل الأبدال".
14- جان جاك روسو(1712_1778) "ما وجدت في التاريخ من يستحق كلمة استاذ بمفهومها سوى رجل واحد هو علي بن ابي طالب".
15_ادوارد جيبون المؤرخ البريطاني (1737_1794) "الإمام علي شخصية فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي أخلاقية وإنسانية، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيماً جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي وأحبائي، حقا كان هارون المتجدد صديق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد(ص)".
16_غوته(1749_1832) من المفكرين الأجانب الذين أحبوا بشكل كبير شخصية الإمام، فإن النمط الفكري لغوته والآثار الفكرية الهائلة التي خلفها وراءه قد فتحت أبواب الثقافة على مصراعيها أمام أدباء و مفكري أوروبا المسيحية كي يعيدوا حساباتهم عن الإسلام وعن رسالة نبينا محمد ( ص) ، ومن ثم أن يحسنوا ظنهم بالرسول الكريم(ص) الذي جاء ليخرج الناس جميعاً من كهوف الظلام إلى مرابع النور والضياء، حيث يصف غوته الإمام في كتابه ( الشعر والحقيقة ) بالمؤمن الأول بالرسالة السماوية إلى جانب السيدة خديجة، ويصف غوته ذلك الإيمان المبدئي من الإمام بأنه الانحياز الكلي والمطلق إلى رسالة الرسول (ص)، ومن الجدير بالذكر الإشارة بكل فخر واعتزاز أن غوته قد ألف مسرحية قصيرة تفيض رقة وعذوبة ، وتتناول تلك المسرحية دور الإمام الإيماني إلى جانب زوجته فاطمة الزهراء في محاولتهما الصادقة و الدؤوبة لجعل الدين الجديد ينتشر خارج حدود القبيلة والعشيرة.
17_واشنطن ايرفنغ(1783_1859) "كان الإمام علي من أنبل عائله من قبيلة قريش، لديه ثلاث صفات يعتز بها العرب، الشجاعة والبلاغة، والسخاء، وروحه الباسلة استحقت لقباً خالداً من النبي محمد (ص) أسد الله، ونماذج بلاغته لا زالت مؤثرة على كل لسان عربي، وعلى كل تفسير قرآني، وعلى كل مثل وقول ساد الأمة العربية إلى يومنا هذا، إذ كان الإمام في كل جمعة كان يلقنهم حكمته، وما انزل على النبي محمد (ص)، ليذكرهم بما وعاه صدره، وفيه خزائن العلوم الإلهية، وهذا دليل على سخائه وتواضعه وحبه، دون شرط مسبق".
18_توماس كارليل(1795_1881) ما يكاد يأتي كارليل على ذكر الإمام علي ، حتى تهزه شخصية الإمام من اعماقه، ويندى قلمه من تلقاء ذاته، ليتغنى ببطولات الإمام، حتى ليشعر القارئ بأن صاحب هذا القلم إنما هو من أهل العقيدة الراسخة في الإسلام وفي حب الإمام، فيقول كارليل في كتابه (محمد المثل الأعلى): "أما علي فلا يسعنا إلا أن نحبه ونعشقه، فإنه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبراً، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف، ورأفة وحنان، جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطى، وقد قتل بالكوفة غيلة ". ويستغرب كارليل أيضاً، الإنسانية والسماحة في نفسه، وهو الأمر المستغرب من حاكم تعرض للاغتيال وكل همه وضع قاتله، إذ أوصى بإطعامه، وسقياه، ثم قال قبل موته حينما أستشير في أمر قاتله: "إن أعش فالأمر لي وإن مت فالأمر لكم، فإن آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربة".
19_أمرسون(1803_1882) الأديب والمفكر والفيلسوف الأمريكي الذي كان بمثابة الأب الروحي لعملية استقلال أمريكا عن بريطانيا ، فقد كان شديد التأثر بمبادئ الإمام الإنسانية و بمنظومته الفكرية الشاملة ، وقد حاول أن ينقل شيئاً من أفكار ومبادئ الإمام إلى عقول و قلوب الشعب الأمريكي من خلال مقالاته وقصائده و مؤلفاته الفكرية الأخرى.
20_المستشرق الاسكتلندي سير ويليام موير (1819-1905) كتب عن أمير المؤمنين "بذكائه المتألق، وعطفه، وتأثيره الساحر في حياة من خالطه وجالسه، وكونه موضع ثقة صحبه ومجتمعه، منذ كان فتى صغير السن وهو يبذل ويجود بروحه وحبه للدفاع عن النبي محمد(ص) ورسالته السمحاء، متواضع وبسيط، يوم حكم نصف العالم الإسلامي بالخير لا بالسوط".
21_شبلي شميل(1850_1917)" الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء، نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً".
22_ المؤرخ والمستشرق الفرنسي البارون كارديفو (1867- 1953) قام بتقصي الأسباب والعلل في حوادث الإسلام، ليستجلي حقائق كثيرة بأسلوب متماسك جذاب، كما تحدث عن بطولة الإمام في حروب المسلمين، حديثا تملؤه عاطفة الإعجاب، ويقول في كتابه (مفكرو الإسلام) "حارب علي بطلاً مغواراً إلى جانب النبي محمد (ص)، وقام بمآثر ومعجزات، ففي موقعة بدر كان علي، وهو في العشرين من عمره يشطر الفارس شطرين بضربة واحدة من سيفه، وفي موقعة أحد تسلح بسيف النبي(ص) ذي الفقار، فكان يشق المغافر بضربات سيفه، ويخرق الدروع، وفي الهجوم على حصون خيبر، قلع باباً ضخماً من حديد، ثم رفعه فوق رأسه متخذاً منه ترساً، أما النبي محمد (ص)، فكان يحبه ويثق به ثقة عظيمة، وقد قال ذات يوم وهو يشير اليه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". ويضيف كارديفو: "وعلي هو ذلك البطل الموجع المتألم، والفارس الصوفي، والإمام الشهيد ذو الروح العميقة القرار، التي يكمن في مطاويها سر العذاب الإلهي". وأيضاً يذكر "ليس في سير العظماء بعد النبي محمد (ص) واحدة كسيرة الإمام علي تحرك المشاعر، وتوقظ الأحاسيس الحية، في كيان من يتعرض لها بدرس أو بحث".
23_جبران خليل جبران(1883_1931) يقول في الأمام " عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح الكلية، وجاورها، وسامرها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته، وظلمات ماضيهم، فمن أعجب به كان إعجاباً موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهلية، وأن بلاغة علي هي النور ذو المناهج والطرق التي تاه عنها العرب فلم يفهموها، ومات علي بن أبي طالب شهيد عظمته، مات والصلاة بين شفتيه مرت، وفي قلبه الشوق إلى ربه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره، ومات قبل أن يبلغ العالم رسالته كاملة وافيه، مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلد ليس ببلدهم، وفي زمن ليس بزمنهم، ولكن لربك شأن في ذلك، وهو أعلم و أغمض عينيه الكريمتين عن هذا العالم، وأنوار الصلاة الرحمانية تسطع على شفتيه بهاءً ملكوتياً وأنه ترك هذا العالم قبل أداء رسالته القرآنية بسبب وجوده بين قوم أعشت قلوبهم الأحقاد الجاهلية وشهوة حب التسلط، فلم يقدروه حق قدره، فحاربوه، وحرموا البشرية من تحقيق أمانيه في الحرية والمحبة والإخاء، والمساواة، والعدل الاجتماعي والاقتصادي، تلك الأماني التي كان يريد أن يصبها على الناس أجمعين نعيماً فياضاً بالخير، والبركات، والعيش البهيج الرغيد".
24_ عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1889_1973) يقول: "الإمام علي له فضائل كثيرة يعرفها له أصحاب النبي(ص) على اختلافهم، ويعرفها له خيار المسلمين من التابعين ويؤمن بها أهل السنة، كما يؤمن له بها شيعته".
25_عباس محمود العقاد(1889_1964) يقول تحت عنوان (مفتاح شخصية الإمام علي):" آداب الفروسية هي مفتاح هذه الشخصية النبيلة الذي يفض منها كل مغلق، ويفسر منها كل ما يحتاج إلى تفسير، وقد بلغت به نخوة الفروسية غايتها المثلى، ولا سيما في معاملة الضعفاء من الرجال والنساء، فالإمام فارس لا يخرجه من الفروسية فقه الدين، بل هو أحرى أن يسلكه فيها، ولا تزال آداب الفروسية بشتى عوارضها هي المفتاح الذي يدار في كل باب من أبواب هذه النفس، فإذا هو منكشف للناظر عما يليه ويتابع قائلاً: وما استطاع أحد قط أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحق الصراح في سلمه وحربه، وبين صحبه أو بين أعدائه، وكان أبداً عند قوله علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك، وألا يكون في حديثك فضل على علمك، وأن تتقي الله في حديث غيرك". ثم يقول العقاد: "إن ثقافة الإمام هي ثقافة العلم، المفرد، والقمة العالية بين الجماهير في كل مقام ،وإنها هي ثقافة الفارس، المجاهد في سبيل الله، يداول بين القلم والسيف، ويتشابه في الجهاد بأسه وتقواه، لأنه بالبأس زاهد في الدنيا، مقبل على الله، وبالتقوى زاهد في الدنيا مقبل على الله، فهو فارس يتلاقى في الشجاعة دينه ودنياه وهو عالم يتلاقى في الدين والدنيا بحثه ونجواه وكان علي المسلم حق، المسلم في عبادته، وفي علمه، وفي قلبه وعقله، حتى ليصح أن يقال، إنه طبع على الإسلام وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاماً منه، ولا أعمق نفاذاً فيه".
26_جيرالد دي غارودي(1897_1984) احتك دي غارودي بالعرب بحكم عمله كضابط اتصال بريطاني، وكون علاقات وطيدة مع الأسرة الهاشمية إبان الثورة العربية الكبرى، الأمر الذي أتاح له مجالاً واسعاً لدراسة الطبيعة الخاصة للفكر العربي، فكتب كتاباً استشراقياً مميزاً بعنوان (حكام مكة) جاء فيه وصف فريد للإمام علي ويقول:" الإمام علي عميد الأسرة الهاشمية، أبن عم وصهر النبي(ص) من احترمه كل العرب، العجيب أنه لم يطلب الخلافة فور موت النبي محمد(ص) كما فعل بعضهم، وهو أول من أسلم وقال له النبي محمد (ص) إنك للأمة كهارون إلى موسى، حكم بالحكمة والنبل أمة الإسلام وكانت فصاحته لغة حكمته".
27_ميخائيل نعيمه(1889_1988) يقول :" إن علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان". وله قول آخر" أن الإمام علي هو من بعد الرسول(ص) سيد العرب على الاطلاق بلاغة وحكمه، وتفهماً للدين وتحمساً للحق، وتسامياً عن الدنيا".
28_ الأديب العربي الكبير توفيق الحكيم(1898_1987) أشار إلى علم الأمام وإلى سمو مكانته في الإسلام وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله( ص) ويشير إلى هذه الحقيقة التاريخية في مسرحيته الشهيرة ( محمد رسول البشر ) والتي طبعت أول مرة عام ( ١٩٣٦) في القاهرة .
29_هنري كوربان(1903_1978) فيلسوف ومستشرق فرنسي اعتنى بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وتحدث كوربان عن الإمام في كتابه (تاريخ الفلسفة الإسلامية)، إذ رأى كوربان أن الإمام من بين البشر جميعاً هو أقرب الناس إلى الرسول(ص)، تربط بينهما قرابة روحية، ونسب معنوي قبل القرابة الدنيوية الزمنية، مستدلاً على ذلك بما يروى عن النبي قوله: "أنا وعلي من نور واحد". ومما قاله أيضاً بما يختص بكتاب (نهج البلاغة)، إذ كشف كوربان عن قيمته ومنزلته، ومرجعتيه الدينية والفلسفية والأدبية، قائلًا: "الكتاب عبارة عن مجموعة خطب الإمام وفيه من مواعظ وأحاديث ورسائل، وتأتي أهمية هذا الكتاب في الدرجة الأولى بعد القرآن وأحاديث النبي، ليس بالنسبة للحياة الدينية في التشيع عموماً وحسب، بل بالنسبة لما في التشيع من فكر فلسفي، ويمكن اعتبار نهج البلاغة منهلاً من أهم المناهل التي استقى منها المفكرون الشيعة مذاهبهم والتي كانوا ينادون بها، وإنك لتشعر بتأثير هذا الكتاب بصورة جمة من الترابط المنطقي في الكلام، ومن استنتاج النتائج السليمة، وخلق بعض المصطلحات التقنية العربية التي أدخلت على اللغة الأدبية والفلسفية، فأضفت عليها غنى وطلاوة، ذلك أنها نشأت مستقلة عن تعريب النصوص اليونانية، ونحن عندما نعود إلى أحاديث الإمام مع تلميذه كميل بن زياد، عندما يجيب عن هذا السؤال: ما هي الحقيقة؟ وعندما يصف التعاقب الباطني للحكماء في العالم.. إلخ، نجد في هذه الصفحات نموذجاً خاصاً من التفكير يتسم بطابع يميزه عن غيره".
30_غارودي(1913_2012) يذكر عن الفيلسوف الفرنسي أن أحدى طالباته في جامعة السوربون ، حيث كان يمارس غارودي التدريس لمدة لا بأس بها، كثرة استشهاد بأقوال للإمام علي أمام طلابه، فسألته الطالبة عن سر انجذابه لشخصية تنتمي إلى فكر إسلامي دموي، بحسب زعمها فصمت غارودي قليلاً تاركاً الطالبة تكمل سؤالها قائلة: "أنت مدرسي وأنا احرص على قراءة كتاباتك ومقالاتك وحضور محاضراتك، وقد لفت نظري أنك تتكلم دائماً عن شخص مسلم اسمه علي، فـمن هو علي؟ ولماذا أثر فيك كل هذا التأثير؟". أجابها غارودي: "علي هو أبن عم نبي الإسلام محمد(ص)، وزوج ابنته، وقائده العسكري، وكان الرجل الثاني في الإسلام بعد محمد(ص)، وخليفته، وهو شخصية فذة لا مثيل لها، دعيني أنا الآخر أسألك سؤالاً لنتبين حالة أو جزء بسيطاً من هذه الشخصية". قالت الطالبة: "تفضل"، فسألها غارودي بروية: "لو أنك عبرت الشارع وجاءت سيارة مسرعة وصدمتك، ماذا سيحصل لك؟" فأجابت: "سأموت حالاً، أو يغمى علي!"، فأجاب غارودي: "هذا الرجل الذي تسألين عنه، تعرض لضربة سيف وهو ساجد يصلي، وقد وصلت الإصابة إلى داخل تجويف الجمجمة، أي أنها وصلت إلى الدماغ، فماذا تتوقعين منه؟" فأجابت: "سيموت حالاً أو سيفقد الوعي في احسن تقدير"، فقال لها غارودي: "تصوري أن هذا الرجل لم يمت في حينها، ولم يفقد الوعي، لقد وصلت الضربة إلى أعماق أعماق المخ، هناك حيث تقبع الحكمة والمعرفة، لكن دون أن يفقد وعيه، أو يحصل له ما يحصل للبشر في مثل هذه الحالات، وبعد يوم واحد فقط، راح يملي وهو على فراش الموت، والضربة القاتلة نافذة في أعماق المخ، وصية إلى أبنه البكر الإمام الحسن هي أروع ما عرفه التراث الإنساني عبر تاريخه على الاطلاق، تتضمن الحكمة والموعظة ، وقد بقي بكامل وعيه، وأملى أجمل وصية من أب لولده في تاريخ الإنسانية" .قالت الطالبة وقد بدا عليها التأثر: "وماذا قال فيها؟" أجاب غارودي: "سأروي لك بعض منها، قال لأبنه الحسن، ارفق يا ولدي بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، واشفق عليه، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً، ولا تغل له يداً، فإن أنا مت فاقتص منه، ضربه بضربة، ولا تحرقه بالنار، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت جدك رسول الله(ص) يقول، إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت، فأنا ولي دمي، وأولى بالعفو عنه".
31_عبدالرحمان الشرقاوي(1921_1987) ألف كتاباً عن الأمام علي (علي إمام المتقين ) وفيه يتحدث المؤلف عن الإمام تحت عنوان (جسد علي النبيل) وفيه يقول : "جسد رجل لم تعرف الإنسانية حاكماً ابتلي بمثل ما ابتلى به من فتن، على الرغم من حرصه على إسعاد الآخرين، وحماية العدل، وإقامة الحق، ودفع الباطل".
32_ المفكر والأديب المسيحي جورج جرداق(1933_2014)هو الكاتب اللبناني المعروف بشخصيته المحبة للخير والحق والتسامح أنحنى أجلالًا وإكبارا لشخصية أمامنا على بن أبي طالب، حيث تولع منذ الصغر بهذه الشخصية العظيمة حينما أهدى له شقيقه الأكبر كتاب (نهج البلاغة) وحثه على قراءته بكل جدية، ويمكن الإشارة هنا إلى أن جرداق عمق التقاء القواسم المشتركة بين الإسلام والمسيحية، واستكمالاً منه في البحث في أعماق المعارف والخوض في منهجية متعلقة بمبادئه وسيرته والإحاطة بها وبكل أنصاف، واستدراكاً لما أهمله المؤلفون بحق هذه الشخصية العظيمة، فقد ألف جرداق عدة مجلدات منها المجلد الأول بعنوان (علي وحقوق الإنسان) اثبت فيه بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة أن الإمام قد سبق مفكري العالم وأوروبا في هذا المجال أي في مجال حقوق الإنسان، والمجلد الثاني بعنوان (بين علي والثورة الفرنسية) أكد فيه سبق الإمام فلاسفة الثورة الفرنسية الكبرى العظام مبيناً إن التقاء الإمام مع فلاسفة الإنسانيين الكبار في خط ومنهج مقارب بالرغم من سبق الإمام لهم مؤكدا على ذلك في مجلده الثالث بعنوان (علي وسقراط) إلى آخر سلسلته المؤلفة من ستة مجلدات وآخرها يحمل عنوان (روائع النهج).
33_ الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان(1938_2018) يذكر وصية الإمام لمالك الأشتر" يا مالك، إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، هذه العبارة يجب أن تعلق على كل المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية وبعد أشهر اقترح عنان أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام إلى مالك الأشتر، و بعد دراسة طويلة ، رشح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي.
34_يان ريشار(1948_؟) هو عالم ايرانيات فرنسي وأستاذ في جامعة السوربون، له كتابات وتأليفات عدة في حقل الإسلاميات، وقدم ريشار في كتابه الصادر سنة 1991، بعضاً من رؤيته المتأصلة عن الإمام، منها ما أشار إليه عند حديثه عن علاقة الإمام بالنبي(ص)، وكيف أنه كان قريباً منه، قائلاً: "إن علي بن أبي طالب هو أبن عم النبي(ص)، وكان قد كفله النبي(ص) ،وعلى ذلك فقد كان أخاً للنبي(ص)، وكان قريباً جداً منه، ومن المعروف أن علياً نام في فراش النبي(ص) ليلة هجرته إلى المدينة حتى لا يقتله الكافرون، فضلاً عن أنه أول من آمن برسالة أبن عمه، وكان علي محارباً، وأمين سر النبي(ص) وسفيره في بعض الأحيان". و عند حديثه عن كتاب (نهج البلاغة)، مثنياً عليه قائلاً: "لا شك أن أقوال علي ومواعظه ورسائله، التي جمعت بعد ثلاث مائة عام من استشهاده في كتاب هو نهج البلاغة، تشهد على خلق عظيم، وقد اشتمل عليه من نصائح كريمة، ذات فضيلة نادرة، يبدو كجوهرة من جواهر الأدب العربي". ويؤكد على أن نهج الإمام ورسالته الأخلاقية النبيلة قد استمرت بعده من خلال أبنه الإمام الحسين، إذ يرى ريشار أن الإمام علي والإمام الحسين حاربا الظلم و العنف لدى الأمويين ، الذين كانوا ينسون الفضائل الاجتماعية و الأخلاقية للرسالة الإسلامية ، ويمارسون التحيز والمحاباة للأقرباء والأنصار ممارسة شاملة.
حكم للأمام علي:
لا يمكن حصر ما جاء من كلمات الإمام القصار، فقد ورد في نهج البلاغة ما يناهز الخمسمائة كلمة، وتحوي هذه الكلمات القصار من الأخلاق والعرفان والآداب والعلوم وما تحويه مطولات أخرى، وفيها البلسم الناجح لأمراضنا الخلقية والترياق المجرب لمشاكلنا الاجتماعية ومن هذه الكلمات:
1_" من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن الذنوب".
2_" يا أبن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمة وأنت تعصيه فأحذر".
3_" إذا كنت في ادبار، والموت في إقبال، فما اسرع الملتقى".
4_" اللسان سبع أن خلي عنه عقر".
5_" عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار".
6_" من اصلح بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن اصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ".
7_" عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينيك".
8_" يوم المظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم".
9_" لا طاعة في مخلوق في معصية الخالق".
10_" لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو آخر منه".
11_" من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومن من اساء به الظن".
12_" اتق الله بعض التقى وإن قل، وأجعل بينك وبين الله ستراً وأن رق".
13_" إن الله في كل نعمة حقاً، فمن أداه زاده منها ومن قصر عنه خاطر بزوال نعمته".
14_" مرارة الدنيا حلاوة الآخرة وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة".
15_" يا أبن آدم كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك".
16_" ما زنى غيور قط".
17_" اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم".
18_" أشد الذنوب ما استهان به صاحبه".
19_" العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى".
20_" لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه".
21_" لا صواب من ترك المشورة".
22_" الزموا السواد الاعظم، فإن يد الله مع الجماعة".
23_" قلوب الرعية خزائن راعيها، فما اودعها من عدل أو جور وجد فيها".
24_"لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً".
25_" من ترك الشهوات كان حراً".
26_" ما جاع فقير إلا بما منع به غني".
27_" ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع".
28_" الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له، والعزيز عندي ذليل حتى أخذ الحق منه".
29_" العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، وصنيعة المال تزول بزواله، ومحبة العالم دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته، مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة".
30_" من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخله النار، ومن نظر في عيوب غيره فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه".
31_" اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".
32_"إمام عادل خير من مطر وابل".
33_"الغريب من ليس له حبيب".
34_"رأس الدين صحة اليقين".
35_"السلامة مع الاستقامة".
36_"ظلم الضعيف أفحش الظلم".
37_"الفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير".
38_"أن أغنى الغنى العقل، وأكثر الفقر الحمق".
39_" ما أضمر أحد شيئاً إلا أظهر من فلتات لسانه وصفحات وجهة".
40_" إذا أقبلت الدنيا على رجل أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه".
41_" من خالط العلماء وقر، ومن خالط الأنذال حقر".
42_"من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته".
43_"أجل ما ينزل من السماء التوفيق، وأجل ما يصعد من الأرض الإخلاص".
44_" الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق".
45_"صلاح الدين من الورع وفساده من الطمع".
46_" طوبى لمن عمل بعلمه".
47_"قسوة القلب من الشبع".
48_" الشرف بالفضل والأدب، بالأصل والنسب".
49_"في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق".
50_"المعروف كنز من أفضل الكنوز".
51_" لا شرف مع سوء الأدب".
52_" لا راحة لحسود".
53_" ويل للباغين من أحكم الحاكمين".
54_"أخفاء الشدائد من المروءة".
55_" احسن إلى المسيء تسده".
56_" الاحسان يقطع اللسان".
57_" من قل صدقه، قل صديقه".
58_" من طلب ما لا يعنيه فاته ما يغيبه".
59_" صاحب الأخيار تأمن الأشرار".
60_" جليس الخير غيمه".
61_" صحبة الأحمق نقصان في الدنيا، وحسرة في الآخرة".
62_" لا تنظر إلى من قال وأنظر إلى ما قال".
63_" خير ينفع الناس من ينفع الناس".
64_" المرء مخبوء تحت لسانه".
65_" أخوك من وشاك في الشدة".
66_" احذر صوله الكريم إذا جاع، وصوله اللئيم إذا شبع".
67_" العجزة آفة، والصبر شجاعة، والزهد ثروة، والورع جنة".
68_" الناس نيام، إذا ماتوا انتبهوا".
69_" الناس اعداء ما جهلوا".
70_" ما هلك أمرؤ عرف قدره".
71_" رب كلمة سلبت نعمة".
72_" الآداب حلل مجددة والفكر مرآة صافية".
73_" اجمعوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان".
74_"بشاشة الوجه عطية ثانية".
75_" العفو عند المقدرة شكر للمقدرة"
76_" إعادة الاعتذار تذكير للذنب".(34)
الهوامش:
1_ينظر احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، ص178_179_ص201. ينظر أيضاً جورج جرداق: الإمام علي(صوت العدالة الإنسانية)، دار الأندلس، بيروت، ط1، 2010، ص6. وينظر أيضاً علي محمد علي دخيل: سيرة الإمام علي بن أبي طالب(ع) والخطبتان الخالية من الألف والخالية من النقطة، العتبة العلوية المقدسة، النجف، 1431، ص7_9. وينظر أيضاً محمد بن فوزي الغامدي: فضائل علي بن أبي طالب(ع)، ص6_7.
2_ينظر بيداء كريم طعيمة: قلم الله المبارك علي بن أبي طالب(ع)، ص8.
3_ ينظر عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، دار القلم، دمشق، ط1، 2015، ص25.
4_ ينظر إبراهيم عبد الفتاح المتناوي: طعنة في قلب
علي بن أبي طالب(ع)، ص6_7.
5_ ينظر عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص34_35.
6_ ينظر المصدر نفسه، ص35_36_37_38.
7_ ينظر احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، من ص226 إلى ص235.
8_ ينظر المصدر نفسه، ص237_238. وينظر أيضاً عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص27.
9_ ينظر عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص10_11. وينظر أيضاً علي محمد محمد: الكوكب الدري في سيرة أبي السبطين علي(ع)، مبرة الآل والاصحاب، الكويت، ط1، 2010، ص52_53.
10_ ينظر جورج جرداق: الإمام علي، ص114.
11_ ينظر علي محمد محمد: الكوكب الدري في سيرة أبي السبطين علي(ع)، ص45_47.
12_ ينظر المصدر نفسه، ص44.
13_ ينظر إبراهيم عبد الفتاح المتناوي: طعنة في قلب علي بن أبي طالب(ع)، ص34. وينظر أيضاً احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، ص202_208_209. وينظر أيضاً جورج جرداق: الإمام علي، ص62_67_68. وينظر أيضاً عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص46_69. وينظر أيضاً علي محمد محمد الصلابي: اسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) شخصيته وعصره، ج1، مكتبة الصحابة، الإمارات، 2004، ص43. وينظر أيضاً علي محمد محمد: الكوكب الدري في سيرة أبي السبطين علي(ع)، ص52.
14_ ينظر احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، ص116_117_118_123.
15_ ينظر إبراهيم عبد الفتاح المتناوي: طعنة في قلب علي بن أبي طالب(ع)، ص39_41_55_56. وينظر أيضاً جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع) كما يبدو في نهج البلاغة، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط1، 2014، ص215_253_257_258_259_316_317_318.
16_ ينظر جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص155_325.
17_ ينظر المصدر نفسه، ص382_383.
18_ ينظر المصدر نفسه، ص154_155_322_323.
19_ ينظر المصدر نفسه، من ص334 إلى ص373.
20_ ينظر المصدر نفسه، ص207_208_331_332_383_384_385_386_387_388_389.
21_ ينظر احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، ص19. وينظر أيضاً جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع)،ص451_452_454_455_456_458_459_460. وينظر أيضاً جورج جرداق: الإمام علي، ص47_48.
22_ ينظر جورج جرداق: الإمام علي، ص119_242_243.
23_ ينظر جورج جرداق: الإمام علي،ص146_149_155_157_161_164.
24_ ينظر عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص103_104.
25_ ينظر جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص259_267_268.
26_ ينظر المصدر نفسه، ص272_273_287_288_289_290.
27_ ينظر المصدر نفسه، ص290.
28_ ينظر جورج جرداق: الإمام علي، ص116. وينظر أيضاً علي محمد علي دخيل: سيرة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص49. وينظر أيضاً علي محمد محمد: الكوكب الدري في سيرة أبي السبطين علي(ع)، ص42_43.
29_ ينظر جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص19_20_133_135_136_137.
30_ ينظر علي محمد علي دخيل: سيرة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص70_73.
31_ ينظر جليل منصور العريض: فكر الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص481_183_184_500_501_522_523.
32_ ينظر المصدر نفسه، 511_512_513.
33_ ينظر احمد أبركان: محطات منيرة لأفضل سيرة، من ص182 إلى ص189.
34_ينظر عبدالستار الشيخ: علي بن أبي طالب(ع)، ص6_7_184_185. وينظر أيضاً علي محمد محمد الصلابي: اسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، من ص241 إلى ص245. وينظر أيضاً علي محمد علي دخيل: سيرة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ص46_47_48.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الميتافيزيقا
- الظاهرة العبثية الإلحاد
- الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
- مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
- فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
- مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
- المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ ...
- الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
- موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
- موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
- مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
- بيل جيتس
- فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)
- الطبيب الثائر، جيفارا
- زها حديد وفن العمارة التفكيكي


المزيد.....




- ماذا دار في لقاء رئيس إيران مع وزير خارجية السعودية في قطر؟ ...
- عاجل: إسرائيل تعلن تنفيذ غارة دقيقة وسط بيروت
- أول رئيسة في تاريخ المكسيك تُشارك في حفل للسكان الأصليين
- -قوة الرضوان لم تشترك بعد-.. حزب الله يخوض قتالا عنيفا مع ال ...
- -حزب الله- يصدر 27 بيانا حول عملياته ضد الجيش الإسرائيلي خلا ...
- مخطط إسرائيل.. إشعال صراع أمريكي إيراني
- الجيش الإسرائيلي يطالب سكان مبان في الضاحية الجنوبية بإخلائه ...
- وزير الخارجية المصري: نتفاعل مع قضايا المنطقة دون التورط عسك ...
- السلطات الأمريكية: الخطر الإرهابي في الولايات المتحدة سيبقى ...
- المخابرات العراقية تحرر فتاة ايزيدية في إحدى الدول الإقليمية ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)