أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - خواطر من الزمن الغزي














المزيد.....

خواطر من الزمن الغزي


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7852 - 2024 / 1 / 10 - 15:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خواطر في الزمن الغزي
كان أبي يغضب ويصرخ بوجوهنا عندما كان يرى كسرة خبز على الأرض ويردد أمامنا :
- لو ذقتم الجوع.. أو عرفتم معنى أن تفتش على رغيف خبز ولقمة طعام فلا تجدهما وتنام أياماً وأنت جائع لما رميتم الخبز على الأرض ، لكن انتم جيل البطر ..!!
وكبرت وعرفت أن أبي من قرية مهجرة خرج ليلاً من قريته برفقة عائلته المذعورة تلاحقهم العصابات الصهيونية ، ناموا في العراء ، تحت الشجر ، جاعوا وأكلوا أوراق الشجر ، وعندما فكر شقيقه ، عمي أن يتسلل إلى قريتهم - المجيدل - حتى يأتي ببضع حبات من البندورة كانت جدتي قد زرعتها قبل هروبهم حول البيت ، قاموا بإطلاق الرصاص عليه وقتل .. وكان ذلك زمن النكبة .
كأن الصور التي تقذفها الفضائيات الآن من قطاع غزة ، تحمل روح أبي ، أرى فيها أبي وعائلتنا .. في غزة الآن الصور أكبر و أوضح ، الصور شرسة ، متوحشة ، مزنره بالصراخ والدموع والملامح الحزينة المقهورة المكتظة بالخوف والحيرة ، عيون الأطفال محدقة في فراغ يطل على تجارب أكبر من أعمارهم ، يحملون في صدورهم صوراً ملوثة بالغبار المتطاير من البنايات المهدمة ، وفقدان أم وأب وأخوة وأصحاب وجيران ، واتساءل لو عاش هذا الطفل كيف سيواجه مستقبله ؟ كيف سيتعامل مع أيامه ؟ أراهن علماء النفس والاجتماع أن هناك نظريات جديدة ستخرج من بين الاشلاء ومن تحت الركام .
قديماً كانت المخيلة عندي ضيقة ، ومع السنوات و القصص والحكايات وآهات الجدات والصور والقراءات والدراسات والأفلام الوثائقية كانت تكبر وتتسع ، ولكن الآن في الزمن الغزي كبرت جداً حتى بانت تجاعيد الوجوه الملفوفة بالقماش الأبيض ، الوجوه التي كانت تحتضن الحياة فصادرتها لعنات القذائف والرصاص ، كرهت اللون الأبيض أو الأكفان التي تحصي أرقام القتلى لقد كرهت هذا اللون لدرجة أحسست أنه وجد ونسج خصيصاً لعصر يدوس على رقاب البشر ، يفتش عن أحلامهم كي يسحبها ويلقي بها في حفر الموت .
ارتكب خطيئة الصمت ، أعترف أنني عاجزة ، أصبحت أنتمي إلى طائفة المحدقين في شاشات الفضائيات ، أنتمي إلى طابور المنتظرين تصريحاً وبياناً وكلاماً يربط حول صدري أحزمة الهدوء ، ويقنعني أن تكوم الجثث في السيارات أو على العربات ويلقون بها في الحفر التي يعدونها سلفاً ، هي جزء جديد من حكاية الفلسطيني ،الذي ما زال سقف بيته يطير من مكان إلى مكان ، وجثته لا تعرف العنوان ، الفرق أن التاريخ الآن يُسجل كل لحظة وثانية ولا مجال لتلاعب المؤرخين ورجال المفاوضات ، لا مجال لمهرجانات الكذب والخداع وابتسامات وضحكات الرؤساء والزعماء.
كتبت لي ابنتي أن الكرسي الذي تجلسين عليه أمام التلفاز قد أرسل رسالة لها قائلاً :
- قولي لوالدتك أنني زهقت منها أريد أن أتنفس وأنني أيضاً على وشك الجنون من شتائمها وصراخها ولعناتها !! .. قلت لأبنتي سأترك الكرسي ليس رحمة به .. بل لأن كلمة الكرسي أصبحت تثير القرف و الاشمئزاز ... فالعصر الغزي كشف عن حقيقة جلود الكراسي ، التي تبين أنها من قماش التآمر وخيطانها من العهر السياسي .
أجلس الآن على الأرض .. أحدق في الشاشات .. أنظر إلى الكرسي بشماتة .. وأردد أقسم بالله سأحطمك والقي بك في النار .. !! أنتظر عندما تنتهي الحرب ..!!
أعترف أنني قلت لأبنة صديقتي عندما أخبرتني أنها ستخطب ، أنا لو مكانك لخطبت أحد الشباب من جنوب أفريقيا ، أو أحد شباب اليمن ، أو أحد الشباب من غزة .. أو من جنين .. أو .. أو .. نظرت إلى باستنكار ، قالت لي : خالتي .. ما أن تنتهي الحرب حتى وأنت ... وضحكت .. !!
وأعترف أن أولادي أصبحوا يأكلون بصمت ، لا أحد يتذمر على أي طبخة .. أما بقايا الخبز فتقوم أبنتي بهدوء وتضعه في علبة الخبز .. !! لأنهم لا يريدون أن يسمعوا خطبتي المعروفة - لو أنكم في غزة لما وجدتم الخبز ما بتعرفوا قيمة الأكل حتى تفقدوه - لقد اكتشفت أنني أصبحت أرتدي لسان أبي حيث أردد كلماته .. !!



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين قبري ؟؟ وبابا نويل عارياً
- عندما تتكلم العيون الغزية
- ثرثرة سياسية في عيادة طبيب
- قصيدة غربة
- استقالة ورقة التوت
- دير أبو اليتامى في الناصرة المكان الذي لم يفقد الذاكرة
- لا يوجد عذراء في الشرطة الاسرائيلية
- تل ابيب تبيع توابيت الحزن
- الجزيرة والكلب وبينهما رصاص
- بين عري الجسد وعري القتل والدمار
- جنين مقياس ريختر للسلطة الفلسطينية
- الحب في الزمن اليمني
- ما زلنا في مغارة 5 حزيران
- يريدون تحويل دمنا إلى غبار
- صدور الطبعة الثانية من كتاب - مذكرات معلم - للكاتب تميم منصو ...
- يتباهون بسلخ جلودنا
- مشروع شهيد
- لماذا أكتب ؟
- الفلسطيني وفأر حوارة قلع الجزرة
- بين الصبر والصبر حقولاً من الصبر


المزيد.....




- في تركيا.. ماذا يُخبّئ هذا -الوادي المخفي- بين أحضانه؟
- جورج كلوني منزعج من تارانتينو بعد أن شكك بنجوميته
- فيديو جديد يظهر تحرك القوات الأوكرانية داخل روسيا مع تقدم تو ...
- الخارجية الروسية: نظام كييف الإجرامي يأمر بإطلاق النار على ا ...
- تدريبات بالذخيرة الحية للقوات الأميركية والكورية الجنوبية لت ...
- كيف يمكن أن تساعد -ممرات الهواء البارد- على خفض حرارة المدن؟ ...
- -البحر يغلي- ـ درجات حرارة قياسية في المتوسط للسنة الثانية
- سموتريتش يعلن إقامة مستوطنة جديدة جنوب القدس ويتعهد بمواصلة ...
- المخابرات الأوكرانية تعلن عن سرقة أموال مخصصة لتطوير حماية ا ...
- مصر.. تعديلات مفاجئة على عدد مواد الثانوية العامة


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - خواطر من الزمن الغزي