أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - كاليجولا ومطاردة القمر














المزيد.....


كاليجولا ومطاردة القمر


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7175 - 2022 / 2 / 27 - 15:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
١٢٤ - كاليجولا ومطاردة القمر

الإنسان غريب عن ذاته، ألقي به في هذه الصحراء من الكينونة الباردة، بالصدفة وبدون هدف محدد، ومن غير إرادته. وهو مضطر ومحكوم عليه أن ينجاوز ذاته وكينونته المزرية، ويتجاوز وجوده المادي إلى حريته. وحريته ليست شيئا آخر، ولا تتحقق سوى في هذا التجاوز المستمر الأبدي. غير أنه كما سبق القول هو ممزق بين هذه الحرية وبين كينونته المادية التي تجذبه على الدوام نحو الطبيعة والطبيعي، نحو كينونة التراب والأحجار. ولكن الإنسان كوعي فاقد لبراءته الأولية، فإن حريته تتطلب الكينونة، غير أن هذه الحرية لا تطارد الكينونة كي تسجنها في صندوق حديدي مقفل، الحرية تريد إكتشاف الكينونة ودلالاتها ومعانيها الظاهرة والخفية، تريد كشف الإشارات الدالة عليها وعلى مصدرها ومناطق ظهورها، بإختصار، حرية الإنسان تتطلب منه أن يفهم ويكتشف معنى الكينونة.
ها هو كاليجولا، بعد موت المرأة الوحيدة التي يحبها، حبيبته وأخته "دروزيللا"، يختفي لمدة ثلاثة أيام، قضاها وهو يجري، يطارد القمر. كان يريد أن يمتلك هذا القرص الفضي الذي يراقبه من السماء، ولأن القمر من الأشياء التي لا يمتلكها، ولأنه بحاجة لشيء مستحيل التحقق. نظام الأشياء كماهي، أي الكينونة عموما لا تناسيه : " هذا العالم بحالته التي هو عليها، لا يطاق. لهذا أحتاج إلى القمر أو الفردوس أو الخلود، لأي شيء، حتى ولو كان جنونيا، فقط ألا يكون من هذا العالم." وهذا الجنون ينبع من إحساس عميق بتعاسة البشرية، وبوجود حقيقة لا يستطيع إحتمالها وهي موت الناس وهم ليسوا سعداء، مما يحرمه من راحة البال ومن الراحة الجسدية " إذا ذهبت للنوم، فكيف سأحصل على القمر .. "
كاليجولا ليس مجنونا ولكنه يبحث عن ذاته، أي عن وجوده الحقيقي وراء كينونته، إنه يبحث عن كيفية أن يكون حرا. فيتخذ قرارات عجيبة في وظيفته كحاكم مطلق، من أجل ملء خزينة الدولة، يقرر يقرر إلغاء نظام الوراثة، بحيث ترجع كل أموال الأغنياء والنبلاء إلى الخزينة العامة بعد موتهم. ولكي يتم الإسراع بهذه العملية، يتم قتل النبلاء من قبل الدولة، حسب جدول عشوائي. ويقول بخصوص السلطة التي يتمتع بها كإمبراطور " أخيرا أدركت فائدة السلطة. إنها تعطي المستحيل حظوظا ما، ومن الآن فصاعدا سوف أترك العنان لحريتي لتجول أينما تريد، دون حدود." ويذهب أبعد من هذه الحرية المتعلقة بالسلطة السياسية، إنه يريد أن يتجاوز الألوهية : " من هو هذا الإله كي أرغب أن أتساوى معه ؟ الذي أسعى إليه الآن مستخدما كل قواي، هو أن أترفع عن جميع الآلهة ( .. ) أريد أن أذيب السماء في البحر وأن أصهر الجمال مع القبح، وأن أخلق من الألم فقاعات من الضحك."
كاليجولا كان يطارد القمر، لأنه كان يجري وراء الكينونة، وكان يحاول أن يدرك العالم المحيط به ويفهم أسراره. غير أن هذه الكينونة، عندما ندركها ونحاول الإمساك بها، سرعان ما تنزلق كالسمكة من بين أصابعنا، ما أن نرفع عنها الستار حتى تتبخر وتختفي عن الأنظار وتتحول بطريقة سحرية إلى "وجود". هدف هذه الحرية المجنونة هو الوجود من خلال كثافة الكينونة الهاربة والمفقودة على الدوام. هذه الحركة المستمرة والدائبة، وهذا التجاوز والتخطي الدائم للإنسان نحو مشروعه الوجودي، يتطلب أن تكون هذه "الحرية-الوجود" مفتوحة على المستقبل وتطل على مواقف لانهائية، وأن تتخلص من الحصار وتفجر كل الأسوار والبوابات والحدود، بحيث تستطيع في كل لحظة وكل موقف أن تتجاوز ذاتها إلى ذاتها، أن تلغي ذاتها لتوجد.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرير بروكست
- بين الوجود ولكينونة
- أدونيس وتعطيل العقل
- جريمة في القطار
- أدونيس وعمامة رامبو
- الجرذ المحاصر
- الوعي وال - أنا - المتعالية
- الساحرة
- المعرفة عند الحلاج
- الحلاج
- ليلة الحشيش والبيرة
- النمل وكأس المساء
- المتسكع
- الشاعر الصوفي
- عن القهوة والبطيخ
- الشعر والصوفية
- الأنا والغيرية
- الشك
- تعرية الله
- الوعي وتكوين ال - أنا -


المزيد.....




- شاهد أول رد من رئيس وزراء كندا على فرض أمريكا رسوم جمركية عل ...
- مستغربة طبع السعوديين وأسلوب تعاملهم مع الضيف والسائح ترويها ...
- طائفة سرية أجبرت أتباعها من الأمهات حديثات الولادة على التخل ...
- كيف علقت كندا والمكسيك والصين على فرض ترامب رسوماً جمركية عل ...
- ستارمر يستقبل شولتس في مقره الريفي ويبحث معه حرب أوكرانيا
- الولايات المتحدة.. انفجار وحريق هائل في مصفاة نفطية (فيديوها ...
- قوات كييف تستهدف بلدة في كورسك بصواريخ -هيمارس- أمريكية (فيد ...
- زاخاروفا تقترح تحويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى و ...
- إجلاء 37 مريضا من غزة لتلقي العلاج في مصر
- حاول الهرب فعلق أسفل جسر.. شاهد ما حدث لسارق تطارده الشرطة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - كاليجولا ومطاردة القمر