عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)
الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 08:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نواصل في هذا المقال عرض تحريفات بيرغ لأخطاء التقديم والتأخير في القرآن:
🔅 فاطر 27:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾
تتضمن هذه الآية اضطرابا لغويا يتمثل في تقديم النعت ( َغَرَابِيبُ ) على المنعوت ( سُودٌ )، فغرابيب جمع غِربيب أي شديد السواد، لذا وجب القول ˝سود غرابيب˝ وليس ˝غرابيب سود˝.
تبريرا للعيب ذهب الشيوخ إلى أن النص يعتريه حذف وإضمار، فزادوا للعيب القرآني عيبا آخر! قال الزمخشري: [ فإن قلتَ الغربيب تأكيد للأسود. يقال أسود غربيب، وأسود حلكوك وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه. ومنه الغراب ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع، وأبيض يقق وما أشبه ذلك. قلتُ وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر، كقول النابغة
وَالْمُؤْمِنُ العَائِذَاتِ الطَّيْرِ...
وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد، حيث يدلّ على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً، ولا بدّ من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } بمعنى ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود، حتى يؤول إلى قولك ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفاً ألوانها { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ } يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه. ][1]!
أخفى المترجم هذا الاضطراب اللغوي بحذف النعت وتَرْكِ المنعوت، فتأمل:
﴾ Du har vel lagt merke til hvordan Gud sender vann fra oven, og med det frembringer Vi frukt av forskjellige farger? I fjellene finnes forskjellige lag, hvite, røde og svarte﴿
أي:
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا؟ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا: بِيضٌ، َحُمْرٌ وَسُودٌ )
🔅 الجاثية 23:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾
في هذا النص قُدِّم المفعول به الثاني ( إلهه ) على المفعول به الأول ( هواه ) بشكل معيب، إذ صار المنطوق يفيد أن الله يذم من اتخذه هوًى أي محبوبا ومعبودا، وهذا لا يليق..
لتقويم العيب أقرّ معظم الفقهاء المسلمين بوجود تقديم وتأخير غَرَضُهُ الاهتمام والحصر، فمراد الآية ـ بحسبهم - هو: ˝أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ هَوَاهُ إلهَه˝! قال الجيلاني: [ { مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } أي: من اتخذ هواه ومشتهى قلبه إلهاً يعبده كعبادة الله، قدَّم المفعول الثاني؛ للغاية والاهتمام ][2]. وقال الطبطبائي: [ ومن هنا يظهر ما في قول عدة من المفسرين أن { هواه } مفعول أول لقوله { اتخذ } و { إلهه } مفعول ثان مقدم، وإنما قدم للاعتناء به من حيث إنه الذي يدور عليه أمر التعجيب في قوله { أرأيت من اتخذ } الخ، كما قاله بعضهم، أو إنما قدّم للحصر على ما قاله آخرون ][3].
وأنكر البعض وجود التقديم في الآية وقالوا أن الترتيب حقيقيٌ على أنّ الإله رَبٌّ غير الله! قال ابن عاشور مبرِّرا: [ { أرأيت من اتخذ إلٰهه هواه } إذا أجري على الترتيب كان معناه جَعَلَ إلهه الشيء الذي يهوى عبادته، أي ما يُحب أن يكون إلهاً له، أي لمجرد الشهوة لا لأن إلهه مستحق للإلهية، فالمعنى من اتخذ رباً له محبوبه فإن الذين عبدوا الأصنام كانت شهوتهم في أن يعبدوها وليست لهم حجة على استحقاقها العبادة. فإطلاق { إلٰهه } على هذا الوجه إطلاق حقيقي (... ) وإذا أجري على اعتبار تقديم المفعول الثاني كان المعنى من اتخذ هواه قُدوة له في أعماله لا يأتي عملاً إلا إذا كان وفاقاً لشهوته فكأنَّ هواهُ إلهه. وعلى هذا يكون معنى { إلهه } شبيهاً بإلهه في إطاعته على طريقة التشبيه البليغ. وهذا المعنى أشمل في الذم لأنه يشمل عبادتهم الأصنام ويشمل غير ذلك من المنكرات والفواحش من أفعالهم. ][4].
أما مترجمنا فإنه لم يجد غضاضة في تحريف النص العربي، إذ تبنّى الترتيب السليم وقدّم النص بشكل لا يثير تساؤلا لدى القارئ النرويجي! تأمل:
﴾ Hva mener du om den som gjør sin egen oppfatning til gud, og som Gud etter kunnskap om dette lar seile sin egen sjø, og setter segl på hans ører og hans hjerte og dekker over hans øyne? Hvem skal veilede ham, etter Gud? Vil dere da ikke komme til ettertanke? ﴿
أي:
( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ هَوَاهُ إِلَـهَهُ، وَتَرَكَهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ يَضِلُّ، وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً؟ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّـهِ؟ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ؟ )
🔅 الأنعام. من الآية 100:
﴿ وَجَعَلوا لِلَّـهِ شُرَكاءَ الجِنَّ ﴾
ركاكة التقديم والتأخير بهذه الآية تجرح أذن كل من يفقه لغة الضاد، لذا ذهب معظم المفسرين في تبريرهم لهذا العيب البنيوي إلى أن المراد "وَجَعَلوا الجِنَّ شُرَكاءَ لِلَّـهِ"، وقُدِّم المفعول ˝شركاء˝ على المفعول ˝الجن˝ لأنّه أولى وأهمّ في نظرهم. يقول الرازي: [ قوله تعالى: "وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ" معناه: وجعلوا الجن شركاء لله. فإن قيل: فما الفائدة في التقديم؟ قلنا: قال سيبويه: إنهم يقدمون الأهم الذي هم بشأنه أعنى، فالفائدة في هذا التقديم استعظام أن يتخذ لله شريك سواء كان ملكاً أو جنياً أو إنسياً أو غير ذلك ][5].
وتلقف بيرغ دعوى المبررين وترجم على أساسها الآية، فتأمل:
﴾ Men de setter dsjinnene som Guds jevnbyrdige.. ﴿
أي:
( وَجَعَلُواْ ٱلْجِنَّ شُرَكَآءَ للَّهِ .. )
🔅 الأنعام. من الآية 137:
﴿ وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثيرٍ مِنَ المُشرِكينَ قَتلَ أَولادِهِم شُرَكاؤُهُم .. ﴾
هذه آية أخرى تُشَتِّتُ ذهن القارئ وهو يحاول القبض على ناصية الكلام، فالبحث عن الفاعل والمفعول يصيب الرأس بالدوران.
تبنّى المفسرون مبدأ التقديم والتأخير. قال طنطاوي في "الوسيط": [ "شُرَكَآؤُهُمْ" فاعل "زَيَّنَ" وأخِّرَ عن الظرفِ والمفعولِ اعتناءً بالمُقَدَّمِ واهتماما به، لأنه موضع التعجب ][6].
المترجم ˝Berg˝ كان رحيما بقارئه إذ جَنَّبَهُ الدَّوَرانَ فحرَّف النص وأوردَ جملةً عناصرُهَا مُرتّبَة بشكل سليم، فتأمل:
﴾ Enn videre har avgudene latt det fortone seg som prydelig adferd for mange av avgudsdyrkerne å ofre sine barn.. ﴿
أي:
( وَكَذلِكَ زَيَّنَ الشُّرَكَاءُ لِكَثيرٍ مِنَ المُشرِكينَ قَتلَ أَوْلَادِهِم .. )
🔅 البقرة 124:
﴿ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ ﴾
انحرف التركيب اللغوي في هذه الآية عن مقتضيات اللغة السليمة حيث قدم المفعول به ( إبراهيم ) عن الفاعل ( الرب )، وهو تقديم قبيح برّره الفقهاء بقولهم أن الغَرَضَ منه الاهتمامُ بابراهيم وبيانُ قصته والإعلامُ بخبره؛ وكأنه لو قال: ( وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ الرَّبُّ إِبْرَاهِيمَ ) لَأُبْهِمَتِ القصة ولَخَفِيَ الخبر! قال القرطبي: [ وقدّم ( إبراهيم ) على الفاعل للاهتمام إذ كون الربّ تبارك وتعالى مبتلياً معلوم، وكون الضمير المفعول في العربية متَصلاً بالفاعل موجب تقديم المفعول فإنما بُني الكلام على هذا الاهتمام ][7].
صحح بيرغ ما زلّ فيه القرآن وأورد النص بما يتماشى مع المعيار اللغوي المألوف، فتأمل:
﴾ En gang satte Gud Abraham på prøve med visse ord, og han oppfylte dem. Gud sa: «Jeg vil innsette deg som leder for folket,» og han svarte: «Og hva med mitt avkom?» Gud sa: «Min avtale gjelder ikke de urettferdige.» ﴿
أي:
( وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ. قَالَ اللهُ: « إِنِّي جَاعِلُكَ إِمَاماً لِلنَّاسِ، » قَالَ: « وَمِن ذُرِّيَّتِي؟ » قَالَ اللَّهُ: « لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ. » )
يتبع
الهوامش:
[1] الزمخشري. الكشاف. تفسير سورة الجاثية. الآية 23.
[2] الجيلاني. تفسير الجيلاني. سورة الفرقان. الآية 43.
[3] الطبطبائي. الميزان في تفسير القرآن. سورة الفرقان. الآية 43.
[4] ابن عاشور. التحرير والتنوير. تفسير سورة الفرقان. الآية 43.
[5] الرازي. مفاتيح الغيب. تفسير سورة الأنعام. الآية 100.
[6] طنطاوي. الوسيط في تفسير القرآن الكريم. تفسير الأنعام. الآية 137.
[7] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. تفسير سورة البقرة. الآية 124.
#عبدالإلاه_خالي (هاشتاغ)
Abdelilah_Khali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟