عبدالإلاه خالي
(Abdelilah Khali)
الحوار المتمدن-العدد: 6776 - 2021 / 1 / 1 - 02:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فيما يلي نماذج من تحريف بيرغ لأخطاء الالتفات الجنسي الوارد في القرآن:
🔅 النحل 66:
﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾
في هذه الآية التفات من مؤنث إلى مذكر، ف"أنعام" اسمٌ مؤنثٌ ورد في صيغة الجمع، بينما ورد ضميرٌ متصلٌ عائدٌ عليها مفرداً مذكراً، وهو هاءُ "بطونه". وهذا خطأ لغوي لأن الضمير يتبع المَعُودَ عليه تذكيرا وتأنيثا، إفرادا وجمعا.
وتجدر الإشارة إلى أن نفس الآية وردت سليمة في موضع آخر من القرآن، ففي "المؤمنون 21" قال: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾؛ لذا قال شرعيو الإسلام تبريرا لهذا العيب أن الأنعام لفظ يُذكّر ويُؤنث في اللغة العربية.. قال الألوسي: [ وضمير { بُطُونِهِ } للأنعام وهو اسم جمع، واسم الجمع يجوز تذكيره وإفراده باعتبار لفظه، وتأنيثه وجمعه باعتبار معناه، ولذا جاء بالوجهين في القرآن وكلام العرب كذا قيل ] [1].
وبتحريف ذكي عَمّى بيرغ على هذا الخطإ، إذ ترجم "الأنعام" في الآية الأولى بِمُرَادِفٍ لا يَرِد في اللغة النرويجية إلا مفرداً مذكراً وهو لفظ "kveg"، فكل ضمير عاد عليه وجب تذكيره وإفراده، فنقول: "sitt indre بطنه، بطونه" ولا نقول: "hennes indre بطنها" أو "deres indre بطونها".
بينما ترجمها في الآية الثانية بمرادفة تُجْمَع وتُفْرَد في اللغة النرويجية، وهي لفظة "et husdyr النَّعَمُ"، إذ أتى بها في صيغة الجمع "husdyrene الأنعام"، فكان لِزَامًا جَمْعُ الضمير العائد عليها: "deres indre بطونها".
فتأمل:
Annahl 66: ﴾ Også i kveget har dere en lærepenge, Vi gir dere å drikke av det de har i sitt indre...﴿
أي:
( وإنَّ لكم في النَّعَمِ لَعِبْرَةٌ، نسقيكم ممّا في بُطُونِهِ... )
Almuminoun 21: ﴾ I husdyrene er også noe å lære for dere. Vi gir dere å drikke av det som er i deres indre... ﴿
أي:
( وَإِنَّ في الأَنْعَامِ لَعِبْرَةٌ لكم، نسقيكم ممّا في بُطُونِهَا... )
🔅 الأحزاب 32:
﴿ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾
في هذه الآية التفات مزدوج: الأول جنسي من مؤنث ( نساء ) إلى مذكر ( أَحَد )، والثاني عددي من الجمع ( نساء ) إلى المفرد ( أحد ). وهذا عيب مُرَكَّبٌ لأن المُفَضَّلَ ينبغي أن يطابق المُفَضَّلَ عليه عَدَدًا وَجِنْسًا.
ولَمَّا كانت هذه الآية لا تستقيم حتى مع تقويم الالتفات الجنسي، لجأ بيرغ إلى تحريفٍ طَمَسَ من خلاله الالتفاتين معًا، فتأمل:
﴾ Dere profetens hustruer, dere er ikke som andre kvinner... ﴿
أي:
( يَا نِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَبَاقِي ٱلنِّسَآءِ )
🔅 الجمعة 11:
﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً .. ﴾
تتضمن هذه الآية التفاتا من مذكر إلى مؤنث، حيث جاء بالضمير في ( إِلَيْهَا ) مؤنثا، والمفروض أن يأتي مذكرا لعوده على المذكر ( تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ).
لتبرير الخطإ ادّعى بعض الفقهاء أن بالآية حَذْفًا وقع على اللهو، فالمقصود عندهم: ( وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهِ وَتَرَكُوكَ قَآئِماً.. ). قال الزمخشري: [ فإن قلت كيف قال "إِلَيْهَا" وقد ذكر شيئين؟ قلت تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، وكذلك قراءة من قرأ «انفضوا إليه». وقراءة من قرأ «لهوا أو تجارة انفضوا إليها» وقرىء «إليهما» ] [2].
وزعم البعض أنه أَوْثَرَ ضميرا واحدا لأن العطف ب "أو" لا يُثنَّى معه الضمير، فهو لأحد الشيئين[3]. أما تخصيصه التجارة بالضمير فَتَهَمُّمًا بها، إذ هي الأهمُّ من حيث السبب. قال الألوسي: [ وَوُحِّد الضمير لأن العطف بأو، واختير ضمير التجارة دون اللهو لأنها الأهم المقصود، فإن المراد باللهو ما استقبلوا به العير من الدف ونحوه، أو لأن الانفضاض للتجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموماً فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو وهو مذموم في نفسه؟! ] [4].
ورأى البعض أن الضمير يعود على الرؤية المدلول عليها بقوله: ﴿ رأوا ﴾. قال اطفيش: [ ويجوز قيل رد الضمير إِلى الرؤية المأخوذة من رأَوا على حذف مضاف أي إِلى مرآها أو إِلى مطلوبها وذلك خلاف الظاهر ويجوز تأويل التجارة واللهو بالخصلة أو بنحو ذلك من المفردات المؤنثة، فيصلح رد الضمير إِليها شاملة لهما شمولا بدليا ] [5].
أما بيرغ، فبالتحريف طمس خطأ القرآن، حيث استغنى عن الضمير في ( إِلَيْهَا ) وأحل محله أداة الظرف ( هناك dit ).
فتأمل:
﴾ Men når de får øye på handelsvarer eller adspredelse under bønnen, så løper de dit og lar deg stå.. ﴿
أي:
( لَكِنْ عِنْدَمَا يَرَوْنَ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ يَجْرُونَ إلَى هُنَاكَ وَيَتْرُكُونَكَ قَآئِماً .. )
🔅 النور 45:
﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ.. ﴾
تتضمن الآية التفاتا من المؤنث ( دابة ) إلى المذكر ( منهم ). قال الزمخشري: [ ولما كان اسم الدابة موقعاً على المُمَيِّز وغير المُمَيِّز، غَلَّبَ المُمَيِّزَ فَأَعْطَى ما وَرَاءَهُ حُكْمَهُ، كأنَّ الدَّوَابَّ كلهم مُمَيِّزُون، فمن ثمة قيل فمنهم ] [6]. أي غَلّبَ الدوابَّ المميِّزة العاقلة كالإنسان واستعمل لذلك ضمير العاقل ( هم )!
لِطَمْسِ الخطإ حَذَفَ بيرغ الضمير "هُمْ" الدّال على المذكر، فتأمل:
﴾ Gud har skapt alle vesener av vann, noen går på buken, noen på to ben og noen på fire.. ﴿
أي:
( وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ الكَائِنَاتِ مِّن مَّآءٍ، البَعْضُ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ، وَالبَعْضُ عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَالبَعْضُ عَلَىٰ أَرْبَعٍ.. )
🔅 يونس. من الآية 24:
﴿ ..فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
هذه الآيةُ تصف أرضًا فَتأتي بالصفة على التذكير ( حَصِيداً )، وهي زلة لغوية لأن الوصف يُطَابِقُ الموصوفَ تذكيرا وتأنيثا.
اجتهد الفقهاء في تبرير الخطإ:
ـ فبعضهم قال أن ( حصيدا ) تعني محصودة لأن الكلمة على وزن فعيل، وفعيل بمعنى مفعول، أي أن حصيد تعني محصود، ومحصود في هذه الآية تعني محصودة لوجود قرينة التأنيث الواردة في لفظ ( الأرض )! قال الثعلبي: [ { فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً } مقطوعة مقلوعة وهي محصودة صُرِفَتْ إلى حصيد ] [7].
ـ وبعضهم قال أن حصيد على وزن فعيل، وفعيل لا تظهر فيه علامة التأنيث، كقولنا: امرأة جريح وامرأة قتيل! قال القرطبي: [ وقال «حَصيداً» ولم يؤنّث لأنه فعيل بمعنى مفعول ] [8].
- وقال البعض أن الضمير يعود على الزرع المحصود، وإلحاق الكلمة بالأرض بلاغة في التعبير من قبيل المجاز العقلي! قال ابن عاشور: [ والحصيد المحصود، وهو الزرع المقطوع من منابته. والإخبار عن الأرض بحصيد على طريقة المجاز العقلي وإنما المحصود نباتها ] [9].
- وذهب البعض إلى أن ثمة حذفا قدره ب "ذات"، أي أن المراد: "ذات حصيد"! قال اطفيش: [ وعلى كل حال لو جعلناها ذات حصيد، أي ذات زرع حصيد، فالمراد التشبيه بما حصد بنحو المنجل وذهب به ] [10].
- وقال البعض أن الآية تتضمن تعبيرا بلاغيا يسمى التشبيه بلا أداة ( أداة التشبيه )، فالتقدير: جعلناها كالحصيد، أي كالزرع المحصود! قال طنطاوي: [ { فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً }.. فجعلناها بما عليها كالأرض المحصودة، التي استؤصل زرعها ] [11].
واعتمد بيرغ في تحريفه على الرأي الأخير، إذ بَدَّلَ الوصف بالتشبيه فطمس بذلك التفات القرآن.
تأمل:
﴾ ..og Vi gjør den til en stubbmark, som om den ikke -var-i trivsel dagen før. Slik forklarer Vi ordet for folk som tenker etter. ﴿
أي:
( .. فَجَعَلْنَا هَذِهِ حَقْلًا مَقْطُوعًا، كَأَنَّهُ لَّمْ يَكُنْ مزدهرًا بِٱلأَمْسِ. كَذٰلِكَ نُبَيِّنُ الْكَلِمَةَ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. )
الهوامش:
[1] الألوسي .روح المعاني. تفسير سورة النحل. الآية 66.
[2] الزمخشري. الكشاف. تفسير الآية 11 من سورة الجمعة.
[3] وهذا تعليل تنقضه آيات أخرى حيث ثُنِّيَ الضميرُ مع أن العطف فيها ب "أو"، ومنها قوله في النساء 135: ﴿ إن يَكُنْ غَنِيًّا أو فَقِيراً فالله أولى بهما ﴾.
[4] الألوسي. روح المعاني. تفسير الآية 11 من سورة الجمعة.
[5] اطفيش. تيسير التفسير. تفسير الآية 11 من سورة الجمعة.
[6] الزمخشري. الكشاف. تفسير سورة النور. الآية 45.
[7] الثعلبي. الكشف والبيان. تفسير سورة يونس. الآية 24.
[8] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. تفسير سورة يونس. الآية 24.
[9] ابن عاشور. التحرير والتنوير. تفسير سورة يونس. الآية 24.
[10] اطفيش. هميان الزاد إلى دار المعاد. تفسير سورة يونس. الآية 24.
[11] طنطاوي. الوسيط في تفسير القرآن الكريم. تفسير سورة يونس. الآية 24.
#عبدالإلاه_خالي (هاشتاغ)
Abdelilah_Khali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟