أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - اسكندينافيا من مجتمع الفايكنغ الى مجتمع ما بعد المسيحية















المزيد.....

اسكندينافيا من مجتمع الفايكنغ الى مجتمع ما بعد المسيحية


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 6526 - 2020 / 3 / 29 - 22:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الفيلم "فايكنغ" (Vikings) الذي تم عرضه على Netflix، يقوم راغنار لوتبروك (Ragnar Lothbrok)، بطل الرواية، بتحدي رئيس القبيلة "هارلدسون (Haraldson) ودعوته لمنازلته في القتال، للانتقام منه. لم يكن بإمكان الرئيس، رفض التحدي، على الرغم من معرفته بقوة عدوه، لأنه فيما لو فعل لسقط في عين شعبه أولا، ولأغلقت ابواب فالهالا (Valhalla) في وجهه ساعة الموت. فالهالا هذه هي جنة الابطال الذين يسقطون في ساحة المعركة. هناك يجلسون مع اودين (Odin) وسائر الآلهة يشربون الخمر ويتبارزون بانتظار المعركة العظمى (Ragnarok) . هذه المعركة المصيرية سوف تؤدي في نهاية العالم، الى إبادة الجنس البشري باستثناء رجل وامراة والى مقتل العديد من الآلهة ومن بينهم أودين اله الحرب. الآلهة الرابحون في نهاية هذه الحرب الأبوكاليبسية (Apocalyptic) يلتقون ويعقدون العزم على إحياء الجنس البشري من خلال الرجل والامرأة الوحيدين الذين بقيا على قيد الحياة.

بعدما سقط الزعيم هارلدسون إثر منازلته راغنار، نظر الى السماء وقال "أستطيع الآن أن أجلس على مائدة الابطال لأشرب مع الآلهة" وأسلم الروح. عند دفن الرئيس او المحارب العظيم في حضارة الفايكنغ، يتم اختيار (او تختار) احدى الجواري ان ترافق سيدها الى مؤاه الأخير. يتم تحضيرها كما تحضر العروس. خلال المراسيم تجول الجارية على الرجال. تدخل خيمة كل رئيس وتمارس الجنس معه. لدى خروجها من الخيمة يقول لها رئيس القبيلة "قولي لسيدك اني قمت بهذا العمل تعبيرا عن حبي وولائي له". عندما يحين وقت الدفن تدخل الفتاة خيمة حيث يقوم ستة من الابطال بممارسة الجنس معها ومن ثم يقومون بتثبيتها على الارض حتى تأتي امرأة عجوز تدعى ملاك الموت، فتربط حبلا حول عنقها وتطعنها في صدرها. في هذه الاثناء، يكون جسد المحارب ممددا على سفينة ومحوطا بالهدايا الثمينة التي قد يحتاجها في فالهالا. يتم اشعال النار في السفينة بعدما يتم جرها الى وسط النهر.

النظرة الماورائية للفايكنغ لا تختلف كثيرا عما نعرفه عن باقي الثقافات القديمة. على غرار أودين( Odin) وثور (Thor ) آلهة الفايكنغ، يجتمع آلهة الاغريق وعلى رأسهم زوس ( Zeus ) في جبل الاولمب حيث يتحاربون ويأكلون ويشربون ويمارسون الجنس ويتزوجون وينامون ويموتون ويقومون. المشهد نفسه يتكرر مع جوبتير ( Jupiter) رئيس آلهة الرومان وطغمته ومع بعل رئيس آلهة الكنعانيين ومجموعته من الآلهة في الجبل المقدس.

تختلف الديانات القديمة باختلاف أسماء آلهتها وظروف حياتهم نسبة لاختلاف ثقافات المجتمعات التي يعيشون فيها وتاريخها وجغرافيتها. لكن هذه الديانات تتشابه الى حد كبير في نظرتها الماورائية. معظمها، ان لم يكن كلها، تمجد القوة وتستنسخ حياة البشرأي تتمثل بهم. فالهالا هي جنة المحاربين الفايكنغ، وهي تستثني من الدخول اليها الرجال الذين لم يمتهنوا الحرب والنساء. زوس الاغريقي هو اقوى الآلهة ويعيش في حرب مستمرة مع رفاقه الآلهة ومن نسله يخرج هركوليس البطل المحارب، نصف الإله ونصف الإنسان. لكل ديانة قديمة إله أو إلهة للحرب. ديانا (Diana ) هي إلهة الحرب الاغريقية. مارس ( Mars ) هو إله الحرب الروماني ويأتي الثاني في التسلسل التراتبي بعد جوبيتر. عناة الكنعانية ( Anat) هي إلهة الحرب في كنعان. أما ثقافات بلاد ما بين النهرين، فكان لها آلهة متعددة للحرب حسب تعدد ثقافاتها منهم عنانا (Inana)، أغاسايا (Agasaya ) وبلوس) Belus ).

العالم كما نعرفه اليوم لا يشبه لا من قريب ولا من بعيد ما عرفناه عن ثقافات اجدادنا القدامى. وحده الفكر اليهودي، الذي نشأ في بيئة صغيرة وضعيفة نسبيا، قدم صورة مخالفة لما عرفه الانسان القديم عن الله او الآلهة. مشى الفكر اليهودي ضد التيار ونزع عن الآلهة ثوبها البشري (مأكل، مشرب، جنس، موت، حرب، غريزة، حب السيطرة، الخ) ليلبس الله ثوبا روحيا لا يتأثر بالمادة. الله حسب اليهودية هو روح وهو خارج الزمان والمكان والمادة. الله لا يأكل ولا يشرب ولا غريزة جنسية له، لا يجوع ولا يعطش، لا يتعب ولا ينام. الصورة التي رسمتها التوراة عن الله لا تشبه اي صورة اخرى قبلها او بعدها. من اليهودية، خرجت المسيحية بإعلان اكثر وضوحا وصفاء عن الاعلان اليهودي. الاعلان المسيحي يتخطى فلسطين القديمة والشعب اليهودي ليخاطب فكر الانسان على اختلاف ثقافته او دينه او مسقط رأسه. المسيحية الغت الفوارق بين البشر وهذا ما يؤكده لنا بولس الرسول في غلاطية 3: 28 "لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. حسب علم الاحتمالات (Probabilities) ما كان بإمكان المسيحية النهوض في ظل الظروف التي نشأت فيها لولا فكرها الثوري الذي قدمته للبشرية. مؤسسها مات موت المجرمين على الصليب وذلك كفيل بأن يجعل ايا من أتباعها يشعر بالعار. كانت المسيحية تواجه عملاقا صغيرا (اليهودية) وعملاقا كبيرا وهائلا (الامبراطورية الرومانية). تم تسليط السيف الروماني على رقاب المؤمنين بهذا الدين الجديد. رفعت الصلبان في الساحات ليتم تعليق المؤمنين عليها، واحيانا حرقهم أحياء وهم مصلوبين. فتحت ابواب الكوليسيوم (Coliseum ) ليتم اطعامم المسيحيين للاسود الجائعة. تم نبذهم اجتماعيا وثقافيا وحرموا من ممارسة الاعمال المدنية، ومع ذلك، لا السيف ولا الصليب ولا الاسود الجائعة ولا النبذ استطاعوا الوقوف امام هذا الفكر الجديد. في بداية القرون الاولى للميلاد، اجتاحت المسيحية بقيمها وتعاليمها حدود آسيا واوروبا. شيئا فشيئا سقط بعل وزمرته وزوس وطغمته وجوبيتر واجناده وبالتالي تبدل وجه اوروبا وآسيا تدريجيا. آلهة الحرب زالوا من الوجود لصالح إله مصلوب. تمجيد القوة والكبرياء والعنجهية زال امام الوداعة وحب الآخر والتواضع. مفهوم جنة المحاربين الذين يشربون الخمر ويتبارزون تبدل ليشمل رجالا ونساء من كل امة وقبيلة ولسان، من خلفيات المجتمع كافة، يعيشون حياة قداسة وبر وسمو روحي، لا مكان فيه للجنس او المشروب او الطعام او النوم او المال. شيئا فشيئا، دخلت المسيحية الى البلاد الاسكندينافية لتغير ثقافة الفايكنغ. مع المسيحية، لم يعد المحارب يحظى بالاهمية التي كان يحظى فيها من قبل في مجتمعه. تم استبدال السيف بالكتاب. المحارب الذي كان يغير على شطآن إنكلترا وفرنسا وايطاليا ليسبي ويغتصب ويقتل ويغنم أصبح راهبا في صومعة يحمل قلما وكتابا او راهبة تهب نفسها لله ولخدمة الآخرين من خلال معالجة المرضى وتدريس الاطفال في زمن لم يكن فيه مدارس ومستشفيات. حلت مفاهيم جديدة محل القديمة مثل "من ضرب على خدك الايمن حول له الآخر" (لوقا 6: 29). زالت العبودية مع الوقت ولم يعد المواطن الاسكندينافي يشاهد جارية تجول على المحاربين عند وفاه سيدها لتمارس معهم شعائر الجنس المقدس. مع المسيحية حول المواطن الاسكندينافي سيفه الى منجل وسفينته الى مشروع تجاري ومعابده الى كنائس ومستشفيات ومدارس. ليس من الصدفة بمكان ان تكون البلاد الاسكندينافية على ما هي عليه اليوم لولا التغيير الجذري الذي حصل فيها ثقافيا ودينيا واجتماعيا وانسانيا. ما كان لهذه الثورة ان تحصل لولا دخول المسيحية الى اسكندينافيا بالفكر والكتاب ولا عجب ان نرى اليوم شعوب العالم تهرب من اوطانها البائسة والعنيفة لتستقر في هذه البقعة الباردة من العالم ما التي تتسم بتقبل الآخر والتواضع وقيم المساواة والحرية.

لا شك ان السويد والنروج وكافة البلاد الاسكندينافية دخلت اليوم مرحلة ما بعد المسيحية (Post Christianity ) شانها شان اوروبا واميركا، إلا أنها حافظت على ارثها المسيحي من قيم مثل حرية الفرد، والمساواة بين البشر، ومحاربة الفساد، والصدق وبناء الانسان. من المؤكد ان الكثيرين من الاسكندينافيين تخلوا عن المسيحية كدين، لكنهم حافظوا عليها كإرث متجذر ومتعمق في المجتمع والممارسات . قد يكون المواطن الاسكندينافي قد فك ارتباطه بالمسيحة على الصعيد الروحي والماورائي، إلا أنه ومن دون ادنى شك، يحافظ عليها في وجدانه اللاواعي ارثا اجتماعيا واخلاقيا وفكريا وانسانيا.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الموت نهاية ام بوابة عبور؟
- هل ما زال المسيح حالة ملحة في ال 2020؟
- ما قبل المسيح وما بعده
- مفهوم الحرية والمساواة في المسيحية
- الجينات الوارثية بين التطور العشوائي والتصميم الذكي
- هل الالحاد دين؟
- القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟
- نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟
- لغز الوجود
- على خطى يسوع- 18- القيامة
- على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟
- على خطى يسوع- 16- ساعة الحقيقة
- على خطى يسوع- 15- لن تغسل رجلي أبدا
- على خطى يسوع- 14-دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
- على خطى يسوع- 13-الموت والحياة
- من وحي عيد الميلاد
- الخرافة المسيحية والعقل
- على خطى يسوع-12- الأعمى
- على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
- شبهة وردود 3- المسيح الارهابي


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - اسكندينافيا من مجتمع الفايكنغ الى مجتمع ما بعد المسيحية