طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 21 - 02:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تذكر صحيفة الغارديان البريطانية ان الشعبوية-الشعوبية ذات جاذبية جنسية. في عام 1998 ذكرت الصحيفة مصطلح "الشعوبية" 300 مرة. في عام 2016 ذكرته 2000 مرة. فماذا حدث ولماذا؟ تقول صحيفة الغارديان ان واحدا من كل اربعة اوربيين انتخب حزبا او زعيما شعبويا.
Why is populism suddenly all the rage?
https://www.theguardian.com/world/political-science/2018/nov/20/why-is-populism-suddenly-so-sexy-the-reasons-are-many
ما هي الشعوبية-الشعبوية؟
يميل الشعوبيون إلى تأطير السياسة باعتبارها معركة بين الجماهير "العادية" الفاضلة وبين النخبة الشريرة أو الفاسدة - ويصرون على أن الإرادة العامة للشعب يجب أن تنتصر دائمًا. تتبنى الغارديان التعريف الكلاسيكي للشعوبية الذي اقترحته عالمة السياسة كاس مود. وتقول إن الشعوبية غالباً ما يتم دمجها مع أيديولوجية "مضيفة"، والتي يمكن أن تكون إما على اليسار أو اليمين.
فالشعوبية قديمة قدم الديمقراطية نفسها, لكن السنوات العشر الأخيرة أثبتت خصوبتها بشكل خاص: فالقادة الشعوبيون يحكمون الآن البلدان التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة ما يقرب من ملياري نسمة, بينما تكتسب الأحزاب الشعبوية أرضية في أكثر من عشرة ديمقراطيات أخرى، كثير منها في أوروبا.
(كاس مود باحثة في الشؤون الدولية في جامعة لايدن في هولندا ومؤلفة كتب عديدة منها
Populism: A Very Short Introduction
الشعبوية: مدخل قصير جدا
https://global.oup.com/academic/product/populism-a-very-short-introduction-9780190234874?cc=at&lang=en&
على هذه الخلفية, قامت صحيفة الغارديان مؤخرا باجراء سلسلة تحقيقات مدتها ستة أشهر لاستكشاف من هم الشعبويون الجدد, وما هي العوامل التي أوصلتهم إلى السلطة، وماذا يفعلون بمجرد توليهم السلطة.
ويشير البحث بخصوص الشعبوية الذي مولته الغارديان والذي يستند إلى تحليل الخطابات العامة textual analysis لرؤساء الوزراء والرؤساء والمستشارين في 40 دولة إلى أن عدد الزعماء الشعبويين قد زاد بأكثر من الضعف منذ أوائل العقد الماضي.
ويكشف البحث أيضًا كيف يتبنى السياسيون في جميع أنحاء العالم تدريجيًا المزيد من الحجج الشعبوية, حيث صاغوا خطاباتهم السياسية باعتبارها المعركة "المانوية" بين إرادة الناس العاديين والنخب الفاسدة التي تخدم نفسها بنفسها.
( المانوية Manichean ديانة قديمة تقّسم كل شيء إلى خير أو شر. هذا يعني أيضًا إذا كان تفكيرك مانوي, فسترى الأشياء باللون الأسود والأبيض فقط . ولكن هنالك بالتأكيد العديد من الذين هم ليسوا اتباع هذه الديانة ومع ذلك يفكرون بنفس الطريقة اما/ او. فنهج الرئيس بوش الابن في السياسة هو مانوي رغم مسيحيته, وذلك عندما اعلن في حربه على الارهاب المزعوم: اما ان تكون معي او ضدي! والفاشية كحركة سياسية هي الاخرى مصابة بمرض عمى الالوان الفكري-سياسي. في العراق يتكلم العديد من الساسة والكتاب عند معالجتهم الوضع الحالي وكأنه معركة بين الحسين او من يمثله- المرجعية الدينية (الخير!) واعدائه, يزيد او من يقوم مقامه الآن (الشر!)
أشرف على مشروع الغارديان شبكة عالمية من علماء السياسة الذين هم رواد في استخدام "التحليل النصي" في دراسات الشعوبية. تم تجميع أبحاثهم في قاعدة البيانات العالمية للشعوبية, وهي أكثر المقتطفات شمولية وموثوقية للخطاب الشعبوي عالميا.
حصل كل قائد على مقاسه في الشعبوية, بناءً على مدى احتواء الخطاب على أفكار شعبوية. تحدد البيانات الخطاب الشعبوي للقادة في جميع أكبر الدول في أوروبا والأمريكتين, وكذلك الهند. صنف الباحثون خطبهم على نطاق 0-2 ، تراوحت بين عدم الشعبوية والشعبوية للغاية.
تضاعف متوسط ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------درجة الشعبوية، في جميع البلدان الأربعين التي´شملتها الدراسة, من 0.2 في أوائل 2000s إلى حوالي 0.4 اليوم. كما تضاعف عدد البلدان التي صُنف قادتها على أنهم شعبويون على الأقل "درجة 0.5 فأكثر" في تلك الفترة, من سبعة في عام 2004 ، إلى حوالي 14 دولة في السنوات الأخيرة.
تسلط الدراسة الضوء أيضًا على مسار كل دولة على حدة مثل فنزويلا, حيث استمرت مستويات عالية من الخطاب الشعبوي حيث خلف الرئيس نيكولا مادورو هوغو تشافيز - الأكثر شعبية في قاعدة البيانات.
يتناقض ذلك مع دول مثل الهند والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل, حيث نادراً ما استخدم القادة أي خطاب شعبي قبل الانتخابات الأخيرة, عندما غير المرشح الناجح لرئاسة الوزراء أو الرئاسة شروط الحوار او النقاش.
يتم التركيز على طبيعة الصعود في الخطاب الشعبوي عند النظر في حجم البلدان المتأثرة. في بداية 2000s كانت فنزويلا والأرجنتين وإيطاليا هي الدول الوحيدة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة يحكمها زعماء شعبويون.
زاد حجم النادي الشعبوي بشكل ملحوظ بين عامي 2006 و 2009 ، عندما جاء الإكوادوري رافائيل كوريا وإيفو موراليس من بوليفيا وميرك توبولانيك من جمهورية التشيك إلى السلطة - وبدأ التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين استخدام الخطاب الشعبي.
ومع ذلك, فقد حدث أكبر توسع في الخطاب الشعبوي في السنوات الخمس الماضية, عندما وصل المزيد من الشعوبيين إلى السلطة في وسط وشرق أوروبا, وانتخاب دونالد ترامب, الهندي نارندرا مودي, والمكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور, والبرازيلي جاير بولسونارو. وهؤلاء يحكمون البلدان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.
الشعوبية آخذة في الارتفاع في أوروبا والأمريكتين, وربما ايضا في منطقتنا التي, حسب علمي, لم تجرى فيها دراسات علمية حول الشعبوية. يتفهم العلماء على نحو متزايد القوى الشعوبية من حيث أفكارها أو خطابها بكونها تلك التي تتصور الصراع الكوني بين إرادة عامة الناس والنخبة المتآمرة. في كتابهم
The Ideational Approach to Populism
https://www.routledge.com/The-Ideational-Approach-to-Populism-Concept-Theory-and-Analysis-1st/Hawkins-Carlin-Littvay-Kaltwasser/p/book/9781138716537
يقترح هوكنز وزملائه برنامجا بحثيا لدراسة الشعبوية بتبيان اسبابها وإرشادات منهجية بخصوص البحوث الخاصة بهذا النهج الفكري. يجادل هذا البرنامج بأن الشعوبية موجودة كمجموعة من المواقف واسعة الانتشار بين المواطنين العاديين, وأن هذه المواقف تبقى راقدة حتى يتم تفعيلها بسبب ضعف الحكم الديمقراطي وفشل السياسة. ويقدم منهج البحث مبادئ توجيهية منهجية للباحثين الذين يسعون لقياس الأفكار الشعوبية واختبار آثارها. ولتأسيس البرنامج بشكل تجريبي, يختبر الباحثون هذه النظرية على مستويات متعددة من التحليل باستخدام بيانات أصيلة من الخطاب الشعبوي عبر أنظمة الأحزاب الأوروبية والأمريكية؛ دراسات حالات فردية case studies للقوى الشعبوية في أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة؛ بيانات المسح في أوروبا وأمريكا اللاتينية؛ والتجارب في شيلي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. والنتيجة هي منهج مقارن ومنهجي حقًا يساعد في الإجابة على أسئلة حول أسباب وتأثيرات الشعوبية.
الاسباب الكامنة وراء تعاظم الشعبوية ليست مفهومة بشكل تام. والدراسة تشير الى بعض الاسباب:
اولا, عندما يكون المجتمع أكثر فردانية, ويكون الناخبون أكثر استقلالية وتحررًا, يميل التقلب الانتخابي إلى أن يكون أعلى مما هو عادة. مثل هذه الظروف ستعزز من احتمال ترجمة المواقف الشعبوية إلى أصوات شعبية حقيقية. بعد كل شيء, وبدون درجة معينة من الانفصال عن الأحزاب التقليدية السائدة, من غير المرجح أن يتحول الناخبون فعليًا عنها ويلجئون إلى الشعبويين.
ثانياً، هناك أرض خصبة لتربية الشعبويين عندما تتقارب الأحزاب اليمينية واليسارية أيديولوجياً ( في العراق, كمثال, تحالف الحزب الشيوعي العرافي مع التيار الديني الصدري او عمل الاول في مجلس حكم الاحتلال حاله حال كل الاحزاب والقوى اليمينية او الرجعية). إذا كان هذا هو الحال, فسيكون العديد من الناخبين عرضة للرسالة القائلة بأن الأحزاب السياسية الرئيسية جميعها متشابهة------------------- وفي العراق يرفض المتظاهرون الاحزاب المشاركة في العملية الساسية كلها. ومن الأمثلة الاخرى على ذلك هو كيف قامت الجبهة الوطنية في فرنسا (الآن التجمع الوطني) بدمج أسماء UMP من يمين الوسط و PS من يسار الوسط في "UMPS" في حملتها - المكافئ السياسي لـ Tweedledum و Tweedledee اي ان الاحزاب متشابهة ومتجانسة ويصعب التفريق يينها بخصوص سياساتها وبرامجها وطرق عملها. علاوة على ذلك, عندما تتماثل الأحزاب السائدة, فإنها تترك بورا كبيرا من الحيز الإيديولوجي، وبالتالي فهي تميل إلى عدم الاستجابة لهواجس وتطلعات المواطنين الأكثر راديكالية.
ثالثا. الأزمات يمكن أن تنّشط المواقف الشعوبية. فالأزمة المالية, على سبيل المثال, تجعل الأحزاب السائدة معرضة بدرجة كبيرة للنقد القائل بأن "النخبة الراسخة-المتسلطة" أفسدت الأمور. وفرت أزمة اللاجئين الأوروبيين للأحزاب الشعبوية ذخيرة للحجة التي مفادها أن النخب الحاكمة قد فتحت الحدود ولم تكن قادرة على التعامل مع تدفق المهاجرين.
رابعا, الفساد المنتشر يلعب مباشرة في أيدي الشعبوية. إذا اتضح أن الأحزاب السياسية فاسدة إلى حد كبير, فإن الادعاء الشعبوي بأن الناس يستغلون من قبل سلطة النخبة سيجد دعمًا شعبيًا واسع النطاق. هذا بالضبط ما حدث في إيطاليا في أوائل التسعينيات, على سبيل المثال. كنتيجة للتحقيق القضائي على مستوى البلاد في الرشوة والمحسوبية وغيرها من أشكال الفساد, انقلب نظام الحزب بالكامل رأساً على عقب. وهذا مهد الطريق لصعود الشعبويين مثل سيلفيو برلسكوني.
حول منهجية البحث ومحدوديته واسماء الباحثين يمكن مراجعة
How we combed leaders’ speeches to gauge populist rise
https://www.theguardian.com/world/2019/mar/06/how-we-combed-leaders-speeches-to-gauge-populist-rise
والدراسة كانت باشراف جامعة Central European University
https://www.ceu.edu/project/comparative-populism
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟