أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


امرأة رمضان آغا، المماثلة له في العُمر تقريباً، كانت أملاكها تضاهي أملاكه. لكنها ببساطتها وطيبتها، أودعت كل ما يتعلق بها في عُهدة الزوج. لقد استسلمت بوداعة ورضا لحياةٍ أسرية، لم يكن يحدّ من رغدها وسعادتها سوى الافتقار لذريّة مذكّرة ـ وهذا أيضاً، كان تضامناً منها مع شعور الرجل. ولو أنه القدرُ مَن أخذ أرواحَ ذريتها، الواحد بأثر الآخر. برغم مرضها، كانت ما زالت تأمل بإمكان إنجاب الصبيّ المأمول: لكن حينَ حصل ذلك مؤخراً، طالت عُمرَهُ الغض يدُ الموت بلا رحمة.. وها هيَ تحاول إلحاق أمه به.
إنها الآنَ منهكة القوى على أثر النفاس، لا تكاد تغادر فراشها إلا لماماً. فيما مضى، كانت تستعيد حيويتها بمجرد وصولها إلى الزبداني سواء أكان الوقتُ ربيعاً أو صيفاً. كان هذا المكان، المنفتح على طبيعة خلابة لا مثيل لها في بر الشام، يعوضها عن الأسر بين جدران دارها في الحي. كذلك كان حال غيرها من النسوة، اللواتي يتكرّم عليهن الأزواج كل عام بنزهة من عدة أيام إلى بضعة أسابيع إن كان في الريف أو الغوطة. إلا أن امرأة رمضان آغا، بأي حال، لم تفتقد السلوى ومشاعر الأمومة في آنٍ واحد، وذلك بوجود الابنة الحبيبة، التي بقيت لها من دون أشقائها الراحلين.

***
من هذا الباب بالذات ـ باب الابنة الوحيدة ـ دخل رمضان آغا في ذلك اليوم، المعقّب خفقان قلبه بشعور الحب غبَّ لقائه، مصادفةً، الفتاة الريفية الفاتنة؛ سميّة حوريّة الفردوس السماويّ. وجد امرأته، كالعادة، ملتزمة الفراش في حجرة النوم، المعبّقة برائحة الأعشاب الطبية، المعدّة بوساطة امرأة البستانيّ. ومثلما حالها المألوف أيضاً، استقبلت الزوجةُ رجلها بشيء من الخوف الممزوج بالابتهاج: المسكينة، كان يسرّها أقل التفاتة يُظهرها الرجلُ نحوها، ولو مجرد إلقاء نظرة عن بعد. لكنه الآنَ يتقدّم إلى سريرها، فيجلس على طرفه فيتناول يدها، الظاهرة فوق اللحاف. ظل ينظر إليها للحظات، وكانت السعادة تغمر محياه جميعاً. أسعدها ذلك، ولا غرو، وأنعشها؛ فعل الصوت والصدى في الوادي.
" أنتِ تحبسين نفسك هنا أكثر من اللازم، مع أننا وضعنا خصيصاً لك أريكة على التراس "، قال لها بلهجة حافلة بالحنو والشفقة. احمرت قليلاً، وكانت يدها ترتعش تحت يده.
" أنا أحاول الاعتياد على العزلة، لأنني قريباً سأكون في مكان تحت الأرض، عميق ومظلم ورطب ومتوحد "، نطقتها في صوتٍ وانٍ ينضح بالألم والتسليم بالمقدور.
" سوف تتحسنين بقدرة الله، ولو شئتِ لجلبت لك طبيباً من المدينة؟ "، قال ذلك مرتبكاً.
" كيف السبيل إلى الأطباء، وقد نُكبوا مذ بعض الوقت بما حدث لحي النصارى؟ "
" ثمة أطباء يهود، وكان أحدهم قد تولى سابقاً معالجتك "
" كان يقيم في نفس الحي المنكوب، وربما قضى مع من قضى من ساكنيه؟ "
" مهما يكن، سأكلفُ الوكيلَ بالأمر. فلعلّه يهتدي إلى أحد الأطباء هنا في الزبداني، أين يعيش العديد من أبناء الملة النصرانية "، أوضح الآغا وقد غلبته عاطفة الشفقة فسلا ما جاء من أجله. هكذا نهض واقفاً، ثم ما عتمَ أن ترك المريضة وغادر الغرفة.

***
حوريّة، ولسببٍ تكهّن هوَ به يومئذٍ ـ ثم علمَ به يقيناً فيما بعد ـ كانت قد تأخرت عن اللحاق بصُحبة صديقاتها، العائدات من النبع. صار رمضان آغا بمواجهتها على جواده، وذلك بحركة مقصودة بغيَة المداعبة. لكنها انزلقت بخفّة إلى طرف الطريق، فيما بسمتها تتألق على ثغرها المنمنم، الذي بلون تفاح الزبداني ذي الاسم المُتوَّج بهالة الشهرة. عوضاً عن شبكة الطرائد الدامية، كان يمسك بيده هذه المرة باقةً من الأزهار البرية، المحزومة بشريط نباتيّ.
" هذه لكِ..! "، قالها في صوتٍ مرتفع مع قذفه الباقة باتجاهها. كانت حركة طائشة، مثلما قدّرَ لاحقاً بكثير من الأسف، جديرةً بإنسان افتقد الدِرْبَة والخبرة فيما يتعلق بالتعامل مع فتاة يانعة السنّ. مع ذلك، تواترت ذبذبات قلبه حينَ التفتت، بلمحةٍ خاطفة، صفحةُ وجهها إلى جهته وكانت البسمة ما فتأت مغروسة فيها ـ كما كان حال الأزهار البرية، التي اقتطفها من السهل الممراح، المنسابة فيه الجداولُ من كل فجّ عميق انسياب الحب في قلب المرء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل العاشر


المزيد.....




- “بيان إلى سكان هذه الصحراء”جديد الكاتب الموريتاني المختار ال ...
- فيديو جديد من داخل منزل الممثل جين هاكمان بعد العثور على جثت ...
- نقابة الفنانين السورية تشطب قيد الفنانة سلاف فواخرجي
- قلعة القشلة.. معلم أثري يمني أصابته الغارات الأميركية
- سرقة -سينمائية- في لوس أنجلوس.. لصوص يحفرون نفقا ويستولون عل ...
- الممثلة الأميركية سينثيا نيكسون ترتدي العلم الفلسطيني في إعل ...
- -المعرض الدولي للنشر والكتاب- بالرباط ينطلق الخميس بمشاركة ع ...
- اللغة العربية في طريقها الى مدارس نيشوبينغ كلغة حديثة
- بين الرواية الرسمية وإنكار الإخوان.. مغردون: ماذا يحدث بالأر ...
- المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4