طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 04:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن إرجاع جذور الأزمة الحالية في العراق إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. على المحك, هو المخطط النيوليبرالي للعراق ما بعد الغزو، والذي يدافع عنه الآن في جهد منسق بين حكومة بغداد ومؤيديها الغربيين. تقول مجلة الرأسمالية العالمية, الايكونومست, ان تجربة غزو العراق هدفت الى تحقيق الحلم الرأسمالي
Iraq s economic liberalisation, Let s all go to the yard sale
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2003/09/25/lets-all-go-to-the-yard-sale
تكتب المجلة ان برنامج الصدمة للإصلاحات الاقتصادية, الذي اشرت له في حلقة سابقة, يهدف الى احداث تغييرات جذرية في العراق. التغييرات, التي أعلن عنها حكام البلاد المؤقتون في المخيم السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في دبي, يمكن أن تحدث تحولا في الاقتصاد العراقي المنهك واحالته إلى منطقة تجارة حرة بالكامل. إذا تم تنفيذ هذه الإجراءات, تقول المجلة, فستمثل هذه الإجراءات قائمة الأمنيات التي يحلم بها المستثمرون الأجانب والجهات المانحة للأسواق النامية. سيتم السماح للمستثمرين في أي مجال, باستثناء إنتاج وتكرير النفط المهيمن, بملكية الأصول العراقية بنسبة %100 وارسال الأرباح المستحصلة الى دول الجهات المستثمرة, والحصول على تعامل قانوني للشركات الاجنبية على قدم المساواة مع الشركات المحلية. ستكون البنوك الأجنبية موضع ترحيب لإنشاء متاجر على الفور, أو شراء المشاريع العراقية. سيتم تحديد ضريبة الدخل وضرائب الشركات بنسبة 15٪--------------- وسيتم تخفيض التعريفة الجمركية إلى معدل عالمي قدره 5٪----------------
وعلينا ان نتسائل: هل سمعت من قبل بقرارات الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال, بول بريمر, ال 100؟
إذا كانت الإجابة ب"لا" فأنت لا تستطيع فهم التدمير الحقيقي للعراق او بالاحرى جذوره ومسبباته. هذا ليس شيئًا ما يخجل منه؛ فقد امتنعت وسائل الإعلام العالمية, التي يقودها مردوخ عن عمد الى الامتناع عن تغطية القرارات بأية تفاصيل, لأنهم إذا كشفوا عن مدى الدمار, فسيكون "المواطنون الأمريكيون الصالحون" غاضبين! ولكن ما هو حال المواطنين العراقيين الصالحين؟ لا استطيع الاجابة بشئ من اليقين على هذا السؤال. ولكني اعلم علم اليقين, كما يعلم ايضا آخرون, ان كل اعضاء مجلس حكم الاحتلال برئاسة بريمر, وبضمنهم ممثل الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد, قد صادقوا على هذه القرارات. وكل الاطراف الموقعة تتآمر مع فوكسنيوز او CNN فامتنعت هي الاخرى عن اعلان مصادقتها على هذا القرارات, وتمارس الكذب والخداع والنفاق باحط اشكاله, وهي سمات اخلاقية نيوليبرالية تضع قناع الاسلام السياسي او غير السياسي, قناع شيوعي العملية السياسية او قناع قوى ترفع راية الليبرالية او الاشتراكية الديموقراطية (كذا!). كلهم بلعوا السنتهم رغم ان صنعتهم المفضلة هي الثرثرة. لقد التمسنا من قيادة الحزب الشيوعي العراقي اصدار بيان حتى ولو من بضعة كلمات لتكذيب مصادقته على قرارات بريمر, فلم يفعل. والبحث في ادبياته منذ التصديق على القرارات ولحد الآن لم يسعفنا باي دعوة صريحة او مبطنة من قبله لالغاء قرارات بريمر. ونواب الحزب لم يدعوا البرلمان الى الغاء هذه القرارات. والكل في العملية السياسية يتكلم عن الاصلاح! والاصلاح هو بضاعة بائرة وهراء. انهم يضحكون على الذقون ويزرعون آمالا كاذبة, و الاصلاح هو الدعوة المشفرة التي يبشر بها المؤمنون, او بعضهم, بظهور المهدي (عجل الله فرجه!) لاحقاق الحق وازهاق الباطل! انهم يكذبون على الشعب وفسادهم الاخلاقي لايقل قيد شعرة عن فسادهم في الجبهات الاخرى, المالية والادارية وغيرهما. والنيوليبرالية هي آيديولوجية شمولية متلونة تلون الحرباء ولكنها تتبرقع ببرقع العلم- المزيد عن ذلك لاحقا: النيوليبرالية هي الآيديولوجية الرسمية للعملية السياسية. الكل نيوليبرالي ولكن القناع قد يكون اسلامي, شيوعي, قومي, ليبرالي, الخ. وكلما زاد تعدد الاقنعة كلما زاد الخلط من اجل التمويه على الاجندة الحقيقية, الاقتصاد والسياسة والثقافة النيوليبرالية-وبضمنها ما يسمى طقوس عاشوراء. لذا ان ما يجتره البعض, بحسن او سوء نية, بان تكاثر الاحزاب والصحف ووسائل الاعلام في العراق هو دليل على ديموقراطية العراق هو وهم قاتل وخداع مبين. ان التعددية هنا تؤكد تحكم السياسات والرؤى النيوليبرالية وتوسعها وانتشارها انتشار السرطان, على الصعيد الرسمي والشعبي ايضا, ولذا هي في حاجة الى المزيد من الاقنعة لغرض التمويه.
ان قرارات بريمر المائة دمرت الاقتصاد العراقي ليس فقط لسنوات ولكن لعقود قادمة. لقد فقدت بعض الأشياء التاريخية التي تعود إلى عشرة آلاف عام. قد يعتقد المرء أن ذلك مبالغة, لكنه ليس كذلك.
العراق هو موطن لأقدم التقاليد الزراعية في العالم. تُظهر الأدلة التاريخية والوراثية والأثرية, بما في ذلك تأريخ الكربون المشع للمواد, أن الهلال الخصيب، بما في ذلك العراق الحديث, كان مركزًا لزرع وتدجين مجموعة رائعة من المحاصيل الزراعية والحيوانات الرئيسية اليوم. كان القمح والشعير والعدس والأغنام والماعز والخنازير كلها في الأصل تحت سيطرة الإنسان حوالي 8000 قبل الميلاد. العراق هو المكان الذي نشأ فيه القمح البري وتم تصدير العديد من أنواع الحبوب الخاصة به وتكييفها في جميع أنحاء العالم. أدت بداية الزراعة بلا هوادة إلى تطوير الحضارة الإنسانية.
منذ ذلك الحين, استخدم سكان بلاد ما بين النهرين أنظمة إمداد البذور غير الرسمية لزراعة المحاصيل, التي تناسب بيئتهم الخاصة. كان توفير البذور وتقاسمها في العراق دائمًا مسألة غير رسمية إلى حد كبير. وتم تكييف الأصناف المحلية من الحبوب والبقوليات مع الظروف المحلية على مدار آلاف السنين. رغم أن الكثير قد تغير في آلاف السنين التي تلت ذلك, فإن الزراعة تظل جزءًا أساسيًا من تراث العراق. على الرغم من الجفاف الشديد, الذي يتميز بانخفاض هطول الأمطار وملوحة التربة، كان للعراق قطاع زراعي قياسي عالمي ينتج أغذية جيدة لعدة أجيال.
-نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية-
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=517264&r=0
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) التي تتخذ من روما مقراً لها, فإن 97 في المائة من المزارعين العراقيين في عام 2002 كانوا ما زالوا يستخدمون البذور المحفوظة من مخزوناتهم من حصاد العام السابق, أو تم شراؤها من الأسواق المحلية.
لذلك كان المشهد ثابتا. في عام 2002 لم تتغير الأمور كما هي منذ قرون. فلماذا كسر النظام الذي يعمل؟ ثم أتى بريمر بالإجابة:
Because doing so will generate profit for America
-لأن القيام بذلك سيولد ربحًا لأمريكا-!
بريمر لم يكن الخيار الأول لهذا المنصب. في أعقاب الغزو: قاد سلطة التحالف المؤقتة في الأصل اللواء جاي غارنر, الذي كان لديه خطط لمساعدة العراق فعليًا من خلال محاولة توجيه سلطة الائتلاف المؤقتة لإعادة السيطرة الى العراقيين في أقرب وقت ممكن وإجراء الانتخابات في وقت ممكن عملياً. بالنسبة للجنرال جارنر, فإن إدارة بوش لم ترد ذلك. تم إقالة الجنرال جارنر من منصبه في غضون شهر, تم تعيين بول بريمر في هذا المنصب.
بدأ بريمر, بناءً على أوامر من الإدارة وسادة الشركات, في التدمير المنهجي لأي فرصة كانت تتوفر للعراقيين في اعمار بلدهم. وبموجب ما يعرف منذ ذلك الحين بـقرارات بريمر المائة, شرع بريمر في تدمير عشرة آلاف عام من الاقتصاد العامل في العراق.
وكان الرجل المسؤول عن تفكيك وتحطيم الزراعة في العراق هو دانييل أمستوتز, المدير التنفيذي السابق لشركة كارجيل. تشتهر شركة كارجيل بكونها واحدة من أسوأ منتهكي حقوق واستقلال المزارعين الأسريين في جميع أنحاء العالم. تم تعيين أمستوتز لتقويض المزارعين العراقيين وتدمير قدرة العراق على إنتاج الغذاء لإطعام شعبه. كان تعيينه يهدف حصرا الى تطوير شركات الأعمال الزراعية الأمريكية.
Home Grown Axis of Evil
https://www.counterpunch.org/2005/07/22/home-grown-axis-of-evil/
لتحقيق مهمته, استعان أمستوتز بشركات عالمية كبرى مثل كارجيل ومونسانتو وداو وتكساس إيه آند إم برنامج الزراعة وفرعها شركة الأبحاث الزراعية ومقرها أريزونا, وشركة وورلد وايد ويت. من المعروف أن جميع هذه الشركات لديها سجلات غير عادلة بطبيعتها في تعاملها مع البلدان النامية و استعبادها المزارعين فيها.
Undermining Iraq’s Food Security
https://www.countercurrents.org/iraq-hassan010205.htm
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟