أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليندا كبرييل - هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7















المزيد.....


هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 6336 - 2019 / 8 / 30 - 13:20
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


أرجو من القارئ الكريم التفضّل بالاطلاع على المقالات الستة السابقة لربْط الأحداث . المعذرة لحصول خطأ في الترقيم في المقالات السابقة . في ملحق هذا المقال تجدون الروابط، وشكراً.

الموضوع يتناول جدالاً حاداً بين مجموعة من الأجانب، حول عقبات الاندماج الثقافي التي تُواجِه الإنسان في بلاد الغربة، وما تشهده أوروبا من رياح التغيير الشديدة مع تدفُّق الهجرة.


فجأة سمعتُ مُشادّة باللغة العربية وباللهجة المصريّة !
كانت بين الحضور الأجنبي ثماني سيدات من أصل عربي، شغَّلوا حواراً غير مُجْدٍ حول أزمات المهاجرين في الغرب على مدى أكثر من ساعتين، ولم يبْقَ على انتهاء وقت الندوة إلا القليل.

التفتُّ.. لِأشْهد فَرْش المِلايات والردْح بأصوله بين طرفَيْ النزاع : السيدة المُحجَّبة المصرية، وزميلتها السيدة القبطية.
بدأ الجدل اللفظي الخَشِن خجولاً لم يلفت نظر الحضور المُنْخرِط في أحاديث جانبية، ثم ما لبث أن تطوَّر إلى مشاجرة عنيفة وأخْذٍ وردٍّ حاد :
ــ أنتم المستعمر العربي ونحن أصحاب الأرض الأصليين اِرْحلوا إلى صحرائكم.
* هنا أزْهرِنا والألف مئذنة، ولا إقصاء للإسلام عن هوية دولتنا.
ــ أنتم حُماة دستور عنصري.
* وأنتم مواطنون بشروط الدولة الإسلامية.
ــ تبَّتْ أياديكم ..تحرقون زرعنا ومتاجرنا وكنائسنا.
* نحرق أرْضَ منْ يقول إن الله ثالث ثلاثة وله ولد.
ــ ثوابتكم المقدسة تكفير اليهود والمسيحيين.
* لا أخوة بين المسلمين والكافرين.
ــ الستات المُلَثَّمات من فوق يُصَرِّحْنَ : الكاشِفات من تحت لجهاد النكاح : الكَشْفة بعشر أمثالها.
* مِن شرِّ ما خَلَق ومِن شرّ حاسِد إذا حَسَد.
ــ وقال بنوا كنيسة إلى جانب مسجد .. ليـــــه ؟! ليقوم المسجد بحرْق الكنيسة فالحريق بعشْر أمثاله من الحوريات!
* لا يُقام صرح ديني إلا للإسلام.
ــ جهاد الإرهاب.
* بل جهاد في سبيل الله.
ــ لِيُقتَل الأغبياء ويعيش أمراء القتل يا حُماة التخلُّف.
* ويا عملاء المنظمات الأجنبية وأُجَراء الهيئات المشبوهة.
..........

بدتْ لي المصرية المحجبَّة مسرورة بِتَشَفّيها وإغاظة زميلتها . وبدتْ القبطية كالنمرة الشرسة تَفُور نظراتها حَنَقاً . وفي اللحظة التي انتترتْ قائمة بعصبية لتردّ الإهانة الأخيرة، انتفضتْ زميلتها المحجبة مُتحفِّزةً.
شعرتُ بخطورة الموقف، وخشيتُ أن ينفجر الغضب لِيتحوَّل إلى انتقام أو أذى . سارعتُ إلى القبطية ومسكتُها من كتفيها وقلتُ لها متوسِّلة :
ــ لا ترُدّي، أنتِ تقتلين قِيَمك المسيحية بالردّ على مُهاترات مُشينة لها.
قالت المحجبة بمَرَح فيه سخرية واستخْفاف :
ــ يا لهوي .. قيم ؟ الله الله على قيم وأخلاق ديانةٍ مُحرَّفة شبه وثنية خرافية عملتْ لنا مَعْجَنة وطلَّعتْ لنا (الله).
ضغطتُ على كفّ القبطية لأثْنيها عن الردّ، فلبَّتْ نظرة الرجاء في عيني وهدأتْ، وعاد كل فرْد إلى مكانه.

جابوا الأقْرع يُونّسهم قَلَع الطاقيَّة وخَوَّفهم !

لكن القبطية لم تترك غريمتها المحجبة تَنْعَم بفوزها الرخيص .. نظرتْ إليها وسألتْها بضيق :
ــ ألا تُحدِّثينا عمّا دعاكِ إلى الهجرة إلى أميركا بلد المَعاصي الكافر والتجنُّس بجنسيتها ؟
نظرت المحجبة إلى القبطية من الأعلى إلى الأسفل ثم أجابتْها بفتور :
ــ الفتوى تجيز هذا إنْ كانت هناك ضرورة أو مصلحة.
تمعّنت القبطية في وجه زميلتها ثم قالت :
ــ لكن سلطات بلد الفجور العلماني تفرض على المُهاجِر تأدية القَسَم .. قسم الولاء والانتماء قبل أن يتمتَّع بكافة حقوق المواطنة!
هزَّت المحجّبة كتفها مُستهينة بسؤال غريمتها وأجابت :
ــ هه .. إذا كان النظام في بلدٍ غير إسلامي يوجِب ذلك على المسلم الذي اضطرتْه الظروف إلى الهجرة، فالفتوى تُجيز القَسَم في حال الضرورة للحصول على جنسية البلد الكافِر، ويتعيّن على المؤمن وهو يتلفَّظ بقَسَمهم شفهياً أن ينوي في قلبه قَصْر الولاء على الولاء لمُسْلميهم، والسَعْي إلى هداية أهل البلد الجديد وإدخالهم في الإسلام . أما تمتُّعنا بحقوق المواطنة فلا تنسي أننا نعيش على أرض الله، وعلى جزيل عطائه للبشرية من خيره ونعمه.
لَوَّحتْ القبطية بيدها ساخرة وسألت :
ــ وماذا عن التوقيع على العقد الذي تُلزِمنا به السلطات التي وثِقَتْ بنا وائْتَمَنَتْنا، حيث يتعهّد المهاجر بموجبه الوفاء للوطن الجديد والإخلاص في خدمته؟
ردّتْ المحجبة بلهجة ممطوطة وكأن الأمر مما لا حاجة لِشَرْحه أكثر مما وضَّحتْ قبل قليل :
ــ نحن نتَّبِع ما تقوله الفتوى : على المؤمن الالتزام بما فَرَض عليه بلد المهجر كي لا تسقط عنه الجنسية، ولكن لا يمكن للمؤمِن المُوَحِّد أن يُوالي المشركين، فالتبرُّؤ منهم هو الأصل.
قالت القبطية بحدّة :
ــ هذا شَطَط في الفتوى لا يعبِّر عن موقف عاقل.
ردَّتْ المحجبة بلا مبالاة :
ــ نحن لا نَعْتَدي .. أين الخطأ في بُغْض المشركين الضالّين ومُعاداتهم في القلب لا في العلن، حتى يؤمنوا بالله الواحد ؟
حدّجتْ القبطية زميلتها المحجبة بنظرة غاضبة وقالت بحدّة :
ــ ليس ما يدخل الفم يُنجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم ! ما الفرق إذاً بينكِ وبين البرابرة الذين لا يُعِيرون التِفاتاً للأخلاق والقيم ويَسْخَرون من الطوباويين ؟

وهَبَّتْ ذات الصوت المبحوح للردّ على السيدة المحجبة المصرية، وكادت تختنق وهي تجيب بانفعال :
ــ ما هذا التعالي ! منْطِقكِ مُعِيب يُعبِّر عن تربيتك في وسط فاسد ! كان عليك وأنتِ ترتدين الحجاب أن تتمثَّلي قيم الدين التي تدعو إلى التعايُش المشترك والتواصُل الإنساني .. فإذا بسلوككِ يتناقض مع مبادئ دينكم الذي تقولون عنه إنه يتفوَّق على كل الأديان خُلُقاً وحكمة وشرفاً !!
ــ المؤمن يا زميلة مأمور بالامْتثال لحُكْم الله والصدق في النية والقول والعمل.
وكاد صوت المبحوحة يغيب وهي تزعق :
ــ بئس القول والعمل ! كل الأديان تُشدِّد على الطهارة الداخلية وتركّز على الوسيلة الأخلاقية في التعامُل مع البشر، وتصريحاتك هذه تُنْبِئ عن شخصية مهزوزة لا قيمة لديها للمبادئ السامية، وأنتِ بهذا التبرُّؤ من قسم الولاء، وإضْمار البُغْض لأهل البلد رغم أفضالهم عليك حتى يؤمنوا بإلهك، لا تختلفين عن المُتَغَطْرِسين اللاإنسانيين ! ولو أُتِيح لرؤساء طائفتك الوصول إلى الحكم، لفعلتم من الدنايا أكثر من الغربيين الذين تتهمونهم بالوحشية.

سادتْ لحظات صمت قطعتْها السيدة الألمانية بقولها :
ــ أذكِّركم بمثلنا الألماني : " عندما يعطى المرء إصبعه الصغير للشيطان فسيأخذ الشيطان اليد كلها ". المهاجرون لا يتمتَّعون بروح المسؤولية تجاه المجتمع الذي احْتَضنَهم وحَماهم من الذلّ والظلم والاضـــ...
قاطعتْها المحجبة بحدّة :
ــ هل نحن في درس أخلاق وتربية ؟

قالت القبطية :
ــ دعونا يا زملاء نسمع المُتديِّنة صادِقة النيّة والعمل، التي تأمرها مكارم الأخلاق بإشاعة جو التسامح والمودة، والإعْراض عن الخصومة والضغينة، نسْمعها كيف تُوَفِّق بين تعهُّدها للسلطات بِنَبْذ الولاءات المُضِرَّة بمصلحة المجتمع، وبين تأييدها عمليات القتل التي يقوم بها الجهاديون الإرهابيون في بلاد العالم، وتعود عليهم هم أيضاً بالضرر؟
زمَّتْ المحجبة شفتيها وقالت بغضب :
ــ اِسمعوا جيداً : المعارضة السلمية لا تنفع .. العمليات التي تقولون عنها إرهابية هي عمليات بُطولِيَّة، وهي الردّ الحاسم على اسْتِباحة الغرب لأوطاننا، لمقدساتنا، والاستهزاء برموزنا .. نحن نَسْتَعْلي على قيم مجتمعكم المتردّي في أوحال العلمانية الإلحادية .. ثم إن الجماعات التي تقولون عنها إرهابية قد ساهمَ الغرب بذاته في صناعتها، وسيتخلّى الغرب عن أدواته هذه في اللحظة التي يستنفِد أغراضه منها.
ثم رفعتْ من مستوى هجومها وتابعت بِرُوح مَنْ يلقي خطاباً حماسياً :
ــ كل هذا يدفعني ويدفع كل مهاجر إلى إعلان التحدّي للعَوْلَمة التي تريدون فرْضها علينا، ولا نتردَّد في التصريح بما نؤمن به : أننا جُنْد الإسلام على أرض الكفر.
وقف الشاب الأميركي العشريني وأجابها :
ــ قال رئيسنا : لن نسمح للأيديولوجيا البغيضة للإسلام المتطرف بالإقامة أو الانتشار داخل بلادنا . وأعتقد أن هذا التوجُّه يسود العالم الغربي اليوم.

بدتْ علامات القرف على وجه السيدة المصرية ، ثم مدَّت سبابتها باتجاه المجموعة الأميركية وقالت بصوت جَهْوَري :
ــ الكاوبوي المُتنَمِّر الذي تعهَّدتُ له بِنَبْذ الولاءات المُضِرَّة بمصلحة بلده، يَتباهى بحقوق الإنسان وهو يلعب بكل الأسلحة الدنيئة ؛ أميركا تسْتعبِدنا بالقروض، تُهيِّج الفوضى في العالم، تُوقِظ الحروب الحقيرة المُفتعَلة في بلادنا، تُصَفّي حساباتها السياسية مع خصومها على أرضنا .. الكاوبوي هذا مُنْحازٌ إلى العدو الصهيوني، المُتَمادي في سياسة الاستيطان وطرْد الفلسطينيين وتَهْويد أرض الحرم الشريف ..
وخرج الصوت الأميركي يقاطعها بعنف :
ــ ما بكِ هائجة ؟ كنتِ تتكلمين في مبادئ دينك الرفيعة وفجأة أصبحنا في السياسة .. اِخلعي حجابك عندما تتكلمين في العلاقات الدولية الغامضة ولا تَخْلطي في هذيان الدين بالسياسة .. إذا كانت السعودية أرض القداسة ومَعْقِل الإسلام لا تبدو مُهتمّة بِتَهْويد أرض الحرم، ولا مَعْنِيَّة بحلّ مشكلة الفلسطينيين، فعَلامَ كل هذا الحماس الأجوف أيتها الثرثارة !؟ والأهمّ أن لها علاقات قوية مع إسرائيل التي تتهمونها بالعنصرية والوحشية، وتخدم أميركا التي تجيد اللعب بالأسلحة الدنيئة ! السعودية غنيّة، فَلْتأخذْ على عاتقها سداد قروضكم ورفْع شعور الاستعباد والمذلّة عنكم، ألستم إخوة في الدين وفي العروبة ؟ سنموت كلنا ونحن لا نعرف حقيقة الأحداث التي تجري صناعتها في أقبية السياسة السِريَّة، وبلادكم الإسلامية تشارك فيها أيضاً بالدعم السياسي والمادي.

تصفَّحتْ المحجبة وجوه زملائها ثم قالت بنَزق :
ــ على كل حال، أنتم العنصريين الغربيين تتباهون بالدفاع عن المظلومين بِاسْم حقوق الإنسان، لكنكم في الواقع مُنافِقون ؛ تهبّون لنصرة الظالم حمايةً لمصالحكم مع النظم التعسُّفية في بلادنا، التي تُسهِّل لكم نَهْب ثرواتنا حِفْظاً لِعروشها .. تذلّون المهاجرين بقرارات مُجْحِفة مثيرة للكراهية، وإجراءات إصلاح بطيئة تُولِّد اليأس في النفوس ولا تحقِّق شيئاً جدِّياً .. تتطاولون على حرمة تقاليدنا لمجرد أن ثقافتنا تنفر من قوانينكم العلمانية الإباحِيَّة ....
هل تصدِّقون بعد كل هذا أني سأُخْلِص في تَعَهُّدي بالمؤازرة والوفاء لبلد الكاوبوي الهَمَجيّ الذي يُقوِّض مساعينا للنهضة؟
لعلكم تفهمون الآن لماذا وَصَلَ الشباب العربي المهاجِر إلى قناعة أن التمرُّد هو السبيل الأوْحد للتغيير، وأن العنف هو الترجمة الصحيحة لشعورهم بالقهر!
ردَّتْ السيدة المبحوحة :
ــ السياسة لا تعرف المبادئ والأخلاق ولا تترفَّع عن المبتذلات، وكلنا ضحايا أطماع الوحش الرأسمالي، ولكن علينا أن نقرّ أن استقبال الغرب الأعداد الهائلة من المهاجرين الفارّين من الاضطهاد، يؤكّد جوهر رسالة أوروبا الإنسانية، ومقابلة هذا الكرم الإنساني بالعمليات الإرهابية أو بالنفور الديني من المختلفين يدلّ على خلل في ثقافتكم.

كان وقت الندوة قاربَ على الانتهاء، وكانت مديرة الندوة الجزائرية الأصل تتشاور مع زميلتها حول موعد عقد الندوة القادمة، إلا أنه بَدَا بعد مداخلة السيدة المصرية المحجبة، أن الحضور مستعدٌّ للاستمرار في النقاش.

بادرت السيدة القبطية إلى الرد على زميلتها المحجبة وقالت :
ــ نحن المهاجرين لم نحصل على حق الإقامة والمواطنة مجاناً ؛ علاقتنا بالوطن الديموقراطي الجديد هي علاقة تَعاقُدِيَّة، وقد أدَّى المهاجر قسَم الولاء للوطن الجديد ولدستوره ونظامه واحترام حقوق مواطنيه قبل أن يتمتَّع بكافة حقوق المواطنة . وتبنّيكم هذه الأفكار الخطيرة يعني خيانة العهد، والطعْن في قَسَم الولاء للدولة التي آوَتْكم وحَمَتْكم من الظلم والاستبداد، ويعني الاحتيال والغَدْر بالمجتمع الذي وثقَ بكم وتعيشون على ضرائب أبنائه.
نظرت المحجبة إلى القبطية نظرة ازدراء وقالت بغلظة :
ــ رُوحي يا حبيبتي روحي ~ ناضِلي بهذه الشعارات في مؤتمراتكم القبطية الترفيهية ! وكما قالت لكم زميلتنا الصومالية : لا تنْخدِعوا بجميل الغرب وتَعَطُّفه علينا من ضرائب أبنائه .. إنجازاتهم العلمية التي أدَّتْ إلى ثرائهم الفاحش، استوردَتْها أوروبا بالأصل من حضارتنا الإسلامية ومن ثرواتنا الطبيعية الهائلة، ولا مِنَّة لهم علينا أبداً .. هذه بضاعتنا رُدَّتْ إلينا، فهمتم أم نُعِيد ؟! هذه أرض الله، اسْتُوجِب علينا تَعْميرها، ولا ولاء إلّا لطائفتنا ولا وفاء إلّا لِعقيدتنا ولا انضواء إلّا تحت راية ديننا.
صاحتْ السيدة الهنديَّة :
ــ بشرط ! ألا يكون باعِثاً على كراهية الآخر وألا يُحرِّض على القتل ؛ فارق كبير بين دين يعتبر العنف تجاه المختلف حقّاً للمؤمِن، وبين قانون علماني يعتبر هذا السلوك جريمة يُحاسَب عليها جِنائيّاً.
انتفضتْ السيدة المصرية وصاحت :
ــ مِنْ أين لِعابِدي الحيوان والأوثان أن يَسْتَوعِبوا فَحْوَى رسالتنا الإنسانية؟!
صمتت الهندية على مَضَض، فخاطبَتْها القبطية :
ــ مِن ثمارهم تعرفونهم، هل يمكن لشجرة الشوك أن تعطي عنباً؟
فأجابتْ الهندية برقّة:
ــ المرء يحتاج إلى ( أنْسَنة ) نظرته إلى المختلِف قبل أن يتحرَّر من نرجسيّته الدينية.

التفتَ السيد الإسباني إلى زميلته الفرنسية وقال لها بلهجة ساخرة :
ــ يا لحماقة أوروبا ويا لِبَلاهة الفلاسفة والمفكرين الذين صاغوا مبادئ حقوق الإنسان!
نظرتْ الفرنسية إلى زميلها شَزْراً وقالت باستياء :
ــ ما هذا الكلام!
أجابها الإسباني في احْتِداد :
ــ طبعاً ! إن ما أسمعه من السيدة المصرية يؤكّد لي قِصَر نظرِ فلاسفتنا ؛ كيف لعَظَمة عقولهم ألا تحسب حساب التهديد المُحْتمَل للحضارة الإنسانية من جحافل التخلف، المشحونة بالعقلية العَصِيَّة على التغيير؟ مع أن المُصْلِحين عاشوا إرهاصات عصر الجمود والانهيار العربي ! كيف لم يخطر في بالهم أن أمراً جسيماً كهذا يمكن أن يُحيق بجهودهم النبيلة؟

واندفعتْ عجلة الاتهامات .. قالت السيدة المصرية في تهكُّم :
ــ السبب في نظامكم العلماني، الذي يريدنا أن نتنازل عن خصوصيتنا الثقافية لصالح القادم الجديد ؛ لك أن تكون مؤمناً أيها المسلم بشرط : أن تبقى أخرس صامتاً أمام عَبَثِ الرعاع بمقدسك والاستهزاء بنبيك، فهذا يُسمّى في العلمانية حرية التعبير ! ولك حرية الاعتقاد بشرط : تعديل قناعاتك بما يتلاءم مع إيقاع الحياة العصرية، فهذه حداثة وتطوُّر ! ولك أن تكون مُتديِّناً .. مع الالتزام بأن تخلع امرأتك حجابها وتصافح الرجال، وأنتَ تُجالس الزناة والمخمورين والمثليين وترضى بالاختلاط، فهذا منطق الحياة الجارية الحديثة!
فَهِّموني .. ما قيمة مبدأ حرية الاعتقاد الذي تفخر العلمانية أنها أنجزتْه بنفسها مع تطاوُلكم الوقح على تراثنا وثقافتنا ؟ ألا يعني هذا أنكم تخرقون شرف مبادئ حقوق الإنسان التي تكفل الحريات؟

رفعتُ يدي طالبة المداخلة، فقلت للسيدة المحجبة :
ــ حرية التعبير في النظام الديموقراطي تعني حريتي في التعبير عن معتقدي وما أُصدِّق به، وكذلك عمّا لا أصدِّق به، وتعني أيضاً حقّي في نَقْد كل ما من شأنه أن ينال من كرامتي ويمتهن إنسانيتي.
وقالت الفرنسية بعصبية :
ــ المبادئ العلمانية هي للدفاع عن كل إنسان مِن ظلم الإنسان، وهي حاضِرة ليس لحماية ما يشترك فيه المواطنون جميعاً على حد سواء فحسب، بل لحماية ما يميِّزهم عن بعضهم أيضاً .. فهمتُم أم نعيد ؟؟!
وعقَّبَ الإنكليزي :
ــ من حقكم بالتأكيد أن تملؤوا الدنيا ضجيجاً بتبشيركم ومواعظكم، ولكن من حقنا أن نعبِّر عما يدفعنا لرفْض ما نعتبره إهانة وعنصرية.
ردَّت السيدة المُنقَّبة اليمنيَّة :
ــ ليست مواعظ، وإنما الإلحاح على المطالبة بالمشاركة الفعّالة في صناعة القرار السياسي والاجتماعي، وهذا حقّ مشروع نطمح إلى تحقيقه بحُكْم الديموقراطية.
أجاب الألماني :
ــ هذا الموضوع أجَبْتُكِ عليه قبل قليل وأكرر : منهجكم في خَلْط الدين بالسياسة، ومحاولة الانخراط بهذه الصيغة في ميدان صناعة القرار، مرفوض ؛ فالعلمانية تَفْصِل بشكل قاطع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية وتُناهِض حق أي جهة امتلاك الحقيقة، والإنسان الأوروبي العلماني مثقف واعٍ يقدِّس حريته، ويتمرَّد على سكون العقل، من هنا نفهم لماذا يُعادي الإسلاميون العلمانية التي تكفل حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التغيير ! طموحكم محفوف بالمخاطر، خاصة مع صعود اليمين المتطرف وتَنَامي مشاعر العداء لانْغِلاقكم الفكري، والصدام يُنذِر بنتائج خطيرة ومُرعِبة للجميع.

رفعت المحجبة رأسها بكبرياء وقالت بثقة :
ــ العلمانية حركة فاسدة تنشغل بشهوات الحياة، تتنكَّر للدين وتَرْك العمل بأحكامه وحدوده تحت دعوى أنها تُنافي المرونة، وأن فيها بشاعة.
قال السيد الإنكليزي للسيدة المصرية :
ــ هي كذلك حقاً ! فشريعتكم تقوم على التمييز واللامساواة ( المسلم والذمي ) وهضْم حقوق الطفل والمرأة ( كالختان والميراث ) وإحْداث شروخ بين البشر ( كأهل الذمة وخير أمة ) وهذا كله تجهرون به باسم حرية العقيدة وتسعون إلى تطبيقه.
العلمانية لا يمكن أن تدافع عن طروحات تحثّ على اسْتِباحة حق الآخر وتدفع به إلى خانة التهميش والتذويب.
قاعدة الارتكاز التي تقوم عليها العلمانية هي الفصل بين الدين والسياسة، ووظيفتها الأصلية صيانة أساسيات المجتمع المدني، ومن واجبها حمايةً لِمبادئها أن ترفض منطلقات نسقٍ فكري يرفض التعددية .. لا يمكنها الدفاع عن ثوابت تَدَّعي الكمال، ولا تقبل المراجعة والنقد . وهذا ليس خَرْقاً لمبادئ حقوق الإنسان كما تقولين .
إن لم تتدخّل العلمانية لِتَعْقِل جَماح نظرية لا تؤسِّس للتعددية ولا تحقق الحرية والمساواة والكرامة، فإنها تكتب شهادة وفاتها بنفسها!!

أجابت المصرية :
ــ لكن العلمانيّين يُروِّجون لمصطلح ( العولمة ) لتعميم قيم معينة، الهدف منها أن تصبح نموذجاً مُطبَّقاً على كل البشر، أي انصهار الثقافات وإقصاء الخصوصيات . هذه هيمنة هدفها طمْس هويتنا العقائدية .. نحن نتمرَّد على القيم العلمانية المُتَعنِّتة، وإسلامنا يقف سدّاً في وجه هذه الاختراقات.
انبرتْ السيدة الألمانية للرد فقالت :
ــ سأستخدم نفس مفرداتك لتتنبَّهي إلى أن ما قلتِه قبل قليل ينطبق على دينك بحذافيره : المتطرفون يُروِّجون لِ ( عَوْلمة ) الإسلام لتعميم قيم معينة الهدف منها أن تصبح نموذجاً مُطَبَّقاً على كل البشر، أي انصهار الثقافات وإقصاء شرائع الأرض في بوتقة الإسلام . هذه هيمنة هدفها طَمْس الهوية الإنسانية الشامِلة لصالح الهوية الإلهية التمييزيّة، وعلمانيتنا تقف سدّاً في وجه هذا الاختراق الديني . ما رأيكِ؟

ــ أيها الزملاء !
التفتنا إلى صوت السيد الإنكليزي الذي يتكلم بطريقة مسرحية، فقال :
ــ للفيلسوف " برناردشو " عبارة بليغة تعبّر عن الواقع الراهن . يقول :
{ من عيوب الديمقراطية أنها تُجْبِرك على الاستماع إلى رأي الحَمْقَى، وغيابها يجْبرك أن تخضع للحمقى دون نقاش ! }
فأجابه البلجيكي :
ــ ولكن .. من مزايا الديموقراطية، أنها تُجبِر الحَمْقَى على الاستماع إلى رأي الحكماء، وحضورها يُجبِر الحمقى أن يخضعوا للنُبهاء القادرين على دفع الحياة إلى الأمام دون نقاش!
ردَّتْ السيدة الأفغانية :
ــ ليس هناك حَمْقى سواكم !
نظرت السيدة المصرية المحجبة إلى زميلتها الأفغانية وقالت لها :
ــ عزيزتي.. هذه ثمرات العلمانية : النرجسية. الإلحاد. عبادة المال. الشذوذ.... لكن الله معنا.

ضحكت السيدة الأميركية ثم قالت :
ــ نصيحة من أميركية إلى ثرثارة مِهْذار :
اِلْتفِتي إلى ربِّكِ الوهْمي الذي في السماء، الذي لم يتدخَّل يوماً ليردع الكاوبوي الهمجي عن أذِيَّة البشر، ويُبْعِد الشيطان والجان عن العرب ونسائهم، واتْرُكي عالم العلمانية للرب الحقيقي على الأرض، الذي تزحفون على بطونكم للوصول إلى جنّته هرباً من الذلّ والانسحاق، ترْجونه التعطُّف عليكم بفيزا أو جنسية أو شهادة جامعية أو كيس قمح، ثم تنكرون أفضاله .. هنا على الأرض الإله الحقيقي، الذي يرسم أقدار البشر من فقر وتمييز وسعادة ورفاهية، ومن ميلادهم إلى موتهم!

يتبع


للمراجعة :

حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642117


أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642476

حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642776

لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا! 4
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=643505

قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 5
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645213

ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!! 6
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645849



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!!
- قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 4
- لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا!
- حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
- أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟ 2
- حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!
- لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
- الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
- لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
- اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
- جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
- الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
- اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
- كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
- ورحلتْ مينامي في التسونامي
- زوروني .. حرام تنسوني بالمرة..
- طار صواب المتديّنين، وظلّتْ ( هاراجوكو ) متألقة !
- النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.


المزيد.....




- العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب ...
- وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات ...
- احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر ...
- طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا ...
- الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
- بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
- Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى ...
- بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول ...
- إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
- روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - ليندا كبرييل - هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7