النقد كابداع موازي للنص : حول كتاب - الكتابة مشروع انحياز جمالي- للناقد صلاح عوض الله

طارق علي حامد

الحوار المتمدن-العدد: 6007 - 2018 / 9 / 28 - 18:21
المحور: الادب والفن
    

أتحفني القاص والناقد الأستاذ صلاح عوض الله النعمان بنسخة من كتابه الجديد "الكتابة مشروع انحياز جمالي ـ دراسات في الرواية السودانية الحديثة" الصادر عن دار النخيل للنشر، يحتوي الكتاب علي خمسة دراسات حول الرواية السودانية. هي (ذاكرة شرير : خطاب المقموعين و أنسنة الهامش)، (عالم علي الرفاعي الروائي)، (الزندية : نهوض المكان وفانتازيا السرد)، (الطواحين : مأزق المثاقفة وانهيار مشروع التحديث) وأخيرا (صورة المرأة في الرواية السودانية الحديثة) ومن الملاحظ أن الكتاب لا يحتوي علي مقدمة فهل يا تري أن صلاح وهو يعمل علي تنفيذ كتابه كانت تدور في مخيلته ان تلك الكتب التي تحتوي علي مقدمات بها خلل ما في وصول الفكرة الي القارئ العادي.؟؟ وبالتالي لا بد من مقدمة تساعد القارئ علي فهم المتن..؟؟ ربما نعم وربما لاء، ولكن وضع الكاتب لكل دراسة مقدمة صغيرة وخاتمة. وهو تكنيك في الكتابة يجعل القارئ وهو يدلف الي المتن محررا تماما من أي رؤية مسبقة عن الكتاب، وتتخلق فكرته عن الكتاب أثناء فعل القراءة .
**** **** **** ****
التهمت صفحات الكتاب في ليلة واحدة (96) صفحة، تعرفت من خلاله علي ما يمكن ان أسميه بـ(المشروع النقدي) لهذا الكاتب، وهو مشروع فسيح عريض تتهادي فيه الكلمات وعذوبة اللغة مفضية الي تأملات وأجتراحات للغة خاصة جدا وحفريات بعيدة الي أقصي حدود الأبداع في تلك النصوص التي تناولها صلاح عوض الله معملا فيها بمبضعه النقدي ليستخرج لنا من هذه النصوص خطاب نقدي جميل بعيد تماما عما يسمي بـ(النقد الأكاديمي) ويتصدي الكتاب لبعض الأشكاليايات النظرية والمعرفية الخاصة بتجربة السرد والرواية في السودان متناولا تجارب عدد من كتاب الرواية في السودان وعوالمهم ومنابع الهامهم، فضلا عن تخصيص دراسة خاصة ـ الدراسة الأخيرة ـ عن صورة المرأة في الرواية السودانية الحديثة . وننطلق في عرضنا لكتاب الاستاذ صلاح عوض الله من نقطة مركزية وهي ان مهمة الناقد الحداثي لا تشترط بالضرورة ـ كما يقول الناقد العراقي فاضل ثامر في كتابه (المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي) ـ الأجابة علي جميع أسئلة النص الروائي واشكالياتها، لأن هذه مهمة مستحيلة لأن النص الروائي ـ وخاصة اذا كان نصا مفتوحا ـ وليس نصا مغلقا أو قرائيا بتعبير رولان بارت، فيظل النص مفتوحا علي قراءات وتأويلات لا نهائية ووظيفة القراءة النقدية هي تقديم واحدة من هذه القراءات الممكنة والمحتملة والتي يمكن أن تنقضها قراءة تأويلية أو تفكيكية أخري. " فاضل ثامر ـ المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي" ، وبالتالي فأن النص السردي هو نص مشحون بشفرات ووسائل لا نهائية وهو بمثابة جهاز أرسال سردي متواصل يتحول فيه المتلقي (القارئ) الي جهاز استقبال فعال قادر علي أستقبال الرسالة واعادة فك شفراتها وتأويلها وصولا الي انتاج دلالة النص المحتملة وفق سياقات زمنية وثقافية معينة.
**** **** **** ****
يقوم تكنيك الكتابة النقدية لدي صلاح عوض الله علي (الفصل) بين المكان، واللغة، وتقنية السرد، وهذا واضح في دراسته المطولة "ذاكرة شرير ـ خطاب المقموعين وأنسنة الهامش" بينما تتخذ بقية الدراسات منهجا مختلفا تماما، حيث نجد في دراسة " عالم علي الرفاعي الروائ" علي سبيل المثال ـ وهنا يتخذ الناقد من روايته "قبيلة من وارء خط الأفق" ـ موضوعا للدراسة، فنري تعامل الناقد صلاح عوض الله مع هذا النص الروائي علي المستوي التشريحي لأستكناه جماليات هذا العمل الروائي الفذ للكاتب علي الرفاعي يقوم علي منهج جدلي يتفاعل فيه المكان مع تكنيك السرد لينتج في النهاية اللغة الخاصة لتلك الرواية المبدعة، وفي هذه الدراسة تحديد تتجلي أدوات الأستاذ صلاح عوض الله النقدية كاشفا لنا جماليات رواية من أجمل الروايات السودانية لكاتب سوداني لم ينال حظه وتسليط الضوء علي ابداعه، الي ان جاء هذا الكتاب النقدي الجميل للكاتب والقاص صلاح عوض الله لينصفه ويرد الاعتيار اليه. فكتاب صلاح عوض الله الذي نحن بصدد عرضه فضلا عن كونه كتاب في حقل النقد الأدبي هو أيضا (ابداع) في اتجاه موازي للنص الأدبي، والناقد صلاح عوض الله يكتب القصة القصيرة، وله في مجال الكتابة القصصية مجموعة قصص تحت الطبع بعنوان " حكايات صلاح النجار" ودراسة نقدية بعنوان : "جدل الثورة والأرض والانتماء : دراسة في أدب غسان كنفاني وهو عضو مؤسس في جماعة آفاق الثقافية وعضو مؤسس في رابطة الأصدقاء الأدبية بكوستي .
**** **** **** *****
كتاب " الكتابة : مشروع انحياز جمالي ـ دراسات في الرواية السودانية" من الكتب المركزية التي أعتقد انها غطت فراغا كبيرا في الحركة النقدية السودانية ونحن في أشد الحوجة لمثل هذه الكتابات لمواجهة ما يمكن تسميته بـ(الانفجار الروائي) الذي حدث في السنوات الأخيره حيث ظهرت عشرات الأسماء في مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة وفي المقابل لا توجد لدينا حركة نقدية موازية لذلك الانتاج الابدعي الغزير .

#طارق_علي_حامد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات