سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5908 - 2018 / 6 / 19 - 18:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (92) .
- لماذا نحن متخلفون (57) .
هى تأملات فى المنظومة والفكر والثقافة الدينية التى لم تكتفى بإثبات فشلها فى مجتمعاتنا بل صارت منهج للتشوه والبشاعة الإنسانية لترسى قواعد الخراب والدمار والإنتهاك كأيدلوجيتها فى الحياة .
لا أرى تقدم وتحضر الأمم عند تبنيها لتقنيات تكنوجية متقدمة بل التقدم والتحضر يأتى من ثقافتها ومفردات هذه الثقافة ومدى تغلغها فى جيناتها لتنتج حراك وسلوك وأداء , فهل يتصور أحد أن هناك سلوكيات وفهم وتعاطي مغاير لمكونات الجينات .. لذا أى محاولة لإصلاح المجتمع إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً لن تُجدى أمام جينات الثقافة المستقرة المهيمنة فتكون محاولاتنا للإصلاح كمن يحرث فى البحر.
ثقافتنا لم تكتفي بتصدير الخرافات واللامنطق فهذه يمكن تحملها كفلكلور الشعوب , ولكن المصيبة أنها صدرت لنا أداء ومنهج تفكير وسلوك وطرق علاج فاشلة تصل إلى التخريب وإنتهاك إنسانيتنا .. دعونا من خلال تأملاتي نتلمس ونتحسس مفردات ثقافتنا البائسة المؤسسة للتخلف والجمود , فالثقافة ليست معلومات بل منهجية وسلوك حياة .
- من الأقوال الشهيرة : لا جناح على المجنون فهو لم يفقد عقله بإرادته .. لكن ماذا عن ذلك الذي قرر بعقله أن يفقد عقله؟ وماذا عن الذي يقول أن الانسان لن يستطيع أن يصل إلى كل شيء بعقله .. فهل هناك بدائل أخرى أو أفضل من العقل؟ المؤمنون يرون أنه الإيمان , والإيمان يعني أن تصدق تماما بالشيء كما أُخبِرت به دون سؤال أو تفحيص لتعتمد كلياً على نقل رؤى القدماء والتسليم بها وإلا ما كان إيماناً أى أن الحل هو إلغاء تام للعقل وتخديره فى ظل الحالة الإيمانية .
هذه الحالة الفكرية سقطت كسلوك وأداء على كافة مناحى الحياة بل فى مجال العلوم الطبيعية لنشهد من يحفظون العلم كما هو كما فى الكتاتيب , لترى هذا فى مدارسنا وجامعاتنا حيث يتم شل العقل وحراكه ويصير العقل ناقلاً منبطحاً بدون بحث أو تفحيص فى ظل منهجية ثقافة الإيمان التى تعتمد وتمرر الأشياء كماهى .
- الحالة الإيمانية بالإله ترسخ الإحساس بالعبودية والدونية , فالمؤمنون عبيد الله لتتأسس حالة إنسانية تعتريها فكرة ونهج الخضوع والعبودية , فالإحساس بالعبودية يترسب في الداخل الإنساني ليتواجد كمنظومة فكرية حياتية فلا تكتفى الأمور بالعبودية لإله بل لكل صاحب قوة وسطوة , فنرى الخضوع لأصحاب المال والسلطة والجاه .
- العبودية لا تتحقق من خلال التسجيل فى بطاقة الهوية بأن هذا الإنسان عبد فهى ليست بحاجة أن يتم تقنينها , فالإنسان إحساس وذهنية .. ومن هنا يتم تصدير الإحساس للإنسان بأنه عبد لترويضه تمهيداً لمحو حريته وكرامته.. لذا تجد الشعور بالعبودية مازال رائجاً فى عالمنا العربى بالرغم أننا تجاوزنا مجتمعات العبودية , فهناك مناهج فكرية تخلق العبودية لتتغلغل في نفوس البشر من خلال فكرة الله السيد والإنسان العبد كحجر زاوية لصنمية العبودية ,والتي منها نبقى عبيدا لأصحاب المال والجاه والسلطة ونحن نرتدى حلل أنيقة وفى عصور مغايرة .. عندما تُصر أن لا تسجد لوجود أو فكرة أو أيدلوجية فحينها لن تكون عبداً .
- من المفارقات الغريبة أننا نحترم الإنسان الحر الذى يرفض العبودية والمهانة ولكن ليس فى كل الاحوال فهذا الأمر محفوف بالمخاطر عند جهات سيادية تريدك أن تكون عبدا وتسلك سلوك العبد فهل تفضل أن تعيش حراً أم تنسحق امام سيدك ولسوطه الذى يلوحه بيده .
- عندما تصل الأمور لإقناع العاقل بالاعتقاد بأنه عبدٌ يؤدي وظيفة لا يحتاجها سيَِده , فحينها لا تكون للحياة قيمة ولا للوجود معنى بل حالة من الدونية الشديدة تعلن عن إنحدار وتهاوى إنسانية الإنسان وكرامته , فهكذا الحال فى ظل فكرة أن الإله ليس بحاجة لعبودية الإنسان لتمتد صورة التهمييش هذه فى المجتمع فلا يصير له قيمة وهذا هو الماثل فى مجتمعاتنا حيث يُهمش الإنسان ويُحقر عكس المجتمعات الغربية .
- لم نسأل أنفسنا لماذا إختار الإله المُفترض منظومة وعلاقة العبودية مع البشر بالرغم أنه ليس كمثله شيئ ؟ الإجابة أن السادة هم من أدلجوا الدين والإله فى هذا الإطار حتى تتشرعن العبودية كمنهج حياة فهناك سيد فى السماء وسيد على الأرض .
- الإيمان الديني حالة مرضية مازوخية , فالمؤمن يعشق جلاده ويتماهى فى تقديم كل فروض الطاعة والتمجيد والتسبيح ليصل الإنسان إلى عشق السلاسل التي تقيده والإفتخار بقيده وسجنه وعبوديته للسجان , وكلما إزداد إيماناً مارس قهر ونبذ الآخرين الذين يرفضون قيود السجان أو يتحللون منها ليستشاط غضباً على بجاحتهم بعدم الرضوخ أمام السجان .. حالة مرضية غريبة نتجت من مناخ فكر ديني ليمتد حضورها في عصرنا فنشهد عشق لصدام وجلادى الشعوب !.. إذا كانت فكرة الإله صحيحة فيكفى أنه سجان حتى ترفضه .
الخوف .
- لقد بُنى وجدان وضمير الإنسان الدينى والمسلم خاصة على الخوف والرهبة ممن خلقه والشعور فى الوقت ذاته بالإمتنان والشكر لفضله عليه, ومن هنا فيجب عليه الخضوع لصاحب النعمة والجبروت , وقد صار هذا نهجاً وسلوكاً بالمجتمعات التى تتمرغ فى فكرة الإيمان بإله .
- المسلم لا يثق فى ربه ولا يأمن مكره , ولا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخوف , فمن لدن الرحمن الرحيم يَبتلي الإله بالمرض والجوع والخوف كى يختبر طاعتك وصبرك وينال دموع الذل ودعاء التذلل فإن أخطأت ثم عدت فإنه سيتوب عليك ولكن يجب أن تندم ندماً شديداً .. يجب أن تعيش حياتك كلها تتذكر ذنبك وتعيش عقدة الذنب وتتذكر عذاب جهنم فأنت لازلت لا تعلم ولن تعلم هل قبلت توبتك أم لم تقبل وحتى إن قبلت ففى أفضل الأحوال "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا " هذا حين تؤمن بالله حق أيمانه أما لو أشركت به حتى ولو لم تعلم به فأنت خالداً مخلداً فى ناره ..وتزداد فوبيا الذنب والخطيئة فى الإيمان المسيحي , فهل هذا النهج والأداء سينتج نفسية وشخصية متماسكة أم الخوف والإضطراب هو سلوكها .
- عندما يترسب فى نفسية طفل صغير لا حول له ولا قوة مشاعر الخوف والإضطراب والهلع عندما يسمع آية "فَالَذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُود وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ " . ليكتم الهلع والإضطراب فى داخله فهو أمام المقدس ولكن القسوة والصدمة لن تفارقه لتترسب على جدران نفسيته.
- نحن نفكر في أوقات الضعف والجزع والإحباط بأقل منطقية وعقلانية وتكون العاطفة الأكثر تأثيراً فتلك الطبيعة التي يعمل بها عقلنا وجسمنا في إطار تأثره بالمحفزات والمثبطات في الأوقات غير العادية, لكن أن يكون الايمان بديلاً عن العقل والمنطق فهذا أسوأ وأخطر من الجنون ..اذ بعد تغييب العقل لن يكون الخطاب الا للعواطف وهكذا و بدون حياء ولا حتى تفسير علمي مُبسط تصبح الحبة السوداء علاجا للايدز ومضادة للفيروسات وحتى الأورام الخبيثة وكل ما عجز العلم عن شفاءه من أمراض يمكن علاجه بتركيز إشعاعات من الآيات الحكيمة الايمانية جنباً الى جنب مع دواء الاطباء البائس الذي ينصحك المشائخ بعدم تركه ,فالفضل يرجع الى جسيمات الايمان عديمة الكتله .. هذا ما يستحق أكثر من الأسى على هكذا عقول , بالرغم أن شيوخهم وكهنتهم أوائل الذين يرتادون مستشفيات الغرب الكافر .
- حالة الخوف والإضطراب لا تنتج شخصية واثقة من نفسها بل حالة من الهلع والهشاشة النفسية كامنة في العمق الإنساني لتشكل سلوكه وأداءه في كافة مناحي الحياة .. الخائفون المرتعشون لا يصنعون حضارة .
- تأثير الخوف لا يقف عند هذا الحد , فهناك ما يسمي بــ "متلازمة ستوكهولم" وهي حالة نفسية تصيب الإنسان عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال , أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المَخطوف مع المُختطف , فمن أهم أسبابها وجود الضحية تحت ضغط نفسي كبير فيبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس وذلك بمحاولة الاطمئنان والركون للجاني , خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو توهم الضحية من الجاني بعض الاهتمام , حتى لو كان شيئاً صغيراً جداً , فالضحية يقوم بتضخيمها وتبدو له كالشيء الكبير جداً , ومن هنا يمكن تفسير مشاهد قميئة لشعوبنا وهى تلعق نعال جلاديها وتحتفل بعيد ميلادهم , فمتلازمة استوكهولم سارية من الثقافة والنهج القديم .
- المؤمن لا يمتلك دليلاً على صحة إيمانه , ولا يمكنه الجزم بقبول عمله عند الله ولا ضامن لنجاته وهلاك , ورغم ذلك فهو يدعو غيره ويُعاديهم ويُحاربهم من أجل أن يقتدوا به ويؤمنوا مثله!
المؤمنون بشرٌ صدّقوا بشراً مثلهم وآمنوا بما قيل لهم , ولم يرَ ولم يطلب كل واحدٍ منهم برهاناً بمفرده , وما دعوتهم لغيرهم إلا ليطمئنوا هم لصحة إيمانهم , وما معاداتهم لسواهم إلا لأنهم جاهروا بتكذيبهم وليس لأنهم لم يؤمنوا حقيقةً , لذا تجد هذا الإحتفاء والسرور لمسيحي أسلم أو مسلم تنصر .
- غضب المؤمنين وعداؤهم لغيرهم هو بسبب البرهان الذي يطلبه غير المؤمنين ولا يمتلكه المؤمنون , فمأساة غير المؤمن هي أنه إنسان مَنبوذ مُحتقر في نظر المؤمنين دون أن يعرف ذنبه , ربما كان ذنبه أنه إنسان واقعي إحترم عقله وتمسك بقناعاته وحريته في الاعتقاد طالباً حُجة يفهمها عقله ويطمئن لها قلبه .
- القول بأن الملحدين أو الكافرين يعرفون وجود الله ويُدركون حقيقة البعث والحساب ويعلمون بأن المؤمنين على حق , ولكنهم يُكابرون ويتجاهلون الحقيقة عمداً فيُعادون الله ولا يخافونه.. هو عبث فكري وسُخف ثقافي وتفاهة لغوية وقول لا عقلاني لا أرضية له تعوزه أبسط مقومات الموضوعية والحكمة والمنطق والواقعية ,لأن وصفَ الإنسانِ بأنه يُدرك ما ينبغي عليه فعله لينال السعادة وينجو من العقاب ولا يفعله هو وصف لذلك الإنسان بأنه مجنون غير عاقل .
الزيف والنفاق .
- لا تندهش عندما تجد المجتمعات التى تحفل بفكرة الإيمان بإله مجتمعات يرتع فيها الزيف والنفاق والتدليس , فالفكر الأيماني يؤسس هذا فهو لا يطلب من الإنسان الصدق مع ذاته بقدر تأدية الطقوس والفروض بدون نقاش ولا إحساس ولا معايشة , فالمهم أن تنفذ ما هو مطلوب منك بغض النظر إذا كنت مقتنع به ومتعايش معه بوجدانك أم لا .
فى الحقيقة لن نجد من يتعايش فى صلاته فكيف يتم الإحساس والتواصل مع كيان مجهول الماهية والهوية ذو طبيعة مغايرة ليس كمثله شئ كما يزعمون , ليكون مخاض تلك الحالة المشوشة المزيفة منظومة فكرية تعتني بالمظهر والمنظر دون الجوهر لنرى شيوع مشاهد "صورني فيديو" فأنا أمارس طقوسي وللأسف تتسلل المظهرية لتكون بمثابة منهجية حياة وتعاطي .
- أنت تتشفع بالنبي أو العذراء لدى الله ليتجاوز عن شئ محدد أو تنال حظوة أو مكانة أو رصيد ما .. هذا لا يخرج بحال من الأحوال عن الواسطة والمحسوبية ,لنسأل من أسس الآخر ؟!.
- أنت تُنذر للإله نذراً نظير أن يحقق لك أمنية خاصة لك مستثنياً الآخرين من المشاركة وفى حال عدم تحقيقها لك فأنت فى حِل عن أي شئ ..فألا تمهد وتؤسس هذه الرؤية السلوكية للرشوة والبرجماتية النفعية .
- عندما يسود الإعتقاد بصحة نظرية القضاء والقدر التي مفادها أن كل ما يُقال وما يُفعل وما يَترتب عليها من نتائج ما هو إلا تحصيل حاصل لتتكون فيروسات الكسل والخمول والإتكال , وهذا يفسر لنا لماذا الشعوب التى يرتفع بها الإيمان بألوهية الإله المُقدر هي شعوب كسولة إتكالية قدرية غير مخططة .
- نحن نرفض مبدأ الغاية تبرر الوسيلة كفكر برجماتى إنتهازى , ولكن الفكر الدينى ينحو نحو مبدأ غريب ومقلوب فلديه الوسيلة هى التى تُبرر الغاية .!
الإزدواجية .
-الفكر الدينى يصيب الإنسان بإزدواجية وتناقض بشع , ففى ثقافته السرقة حرام ولكن الغنائم حلالاً طيباً .. الزنا والإغتصاب حرام وقبح ولكن سبي وإغتصاب نساء الآخر حلال .. القتل حرام ولكن قتل الكافر من الوريد للوريد حلال وجهاد .. الخمر حرام ولكن فى الجنه أنهار .. الإستعمار بغيض ولكن الغزوات نصر مبين , هذه الإزدواجية البشعة تمد ظلالها لتصير منهجية حياة وتعاملات وسلوك إزدواجي ليمكنك تلمسها فى كافة تعاملاتنا وسلوكنا .
القداسة .
-الفكر والمنظومة الدينية أسست لأيدلوجية القداسة والتقديس فبدون القداسة ستفقد التابو والصنم الذى يطوف حوله المؤمنين ..ولا تكتفي القداسة بتعظيم وإجلال الأماكن فقط بل تمتد إلى الأشخاص فهناك تقديس للأنبياء والقديسين والأولياء وآل البيت والصحابة ولكل من يمر من أمامهم أو ينصرهم ويعلى من قدرهم .
- لن نناقش هراء المقدسات والقديسين فالحالة الفيزيائية لم تتغير فهي لن تخرج عن إسقاط الإنسان لمشاعر التعظيم والإجلال والتوقير على أشياء أو بشر ,ولكن الخطورة هو الإنبطاح والتسليم للمقدس وقديسيه وإلغاء العقل المُفكر أمام أشياء ونماذج مصنوعة إنسانياً ليمتد منهج التقديس لكافة مناحى الحياة ليشمل الحكام والسلاطين والدعاة والأدعياء بل الدستور والأيدلوجية لخلق المزيد والمزيد من الأوثان والتابوهات .
- الفكر الدينى لا يحمل رسالة إنسانية بل رساله عنصرية بغيضه , فإذا عثرت على آيات وأحاديث تدعو للمحبة والتعاضد والتكافل والتعاون فهي لأخوة الدين فقط وليست موجهة إلى أى إنسان ذو إيمان آخر , وإذا أردت أن تعرف ماهو السلوك تجاه الآخر فيكفيك آيات ونهج آيات البراء .. للحقيقة هناك منهم إنسانيون يعتبرون الأخوة للجميع وهناك الفاهمين الذين يحتفظون بالفهم الحقيقى والقبح الحقيقى !
- لايقوم أى دين إلا بتأجيج الخلاف بين البشر فهى ليست رسالات تعلن عن رؤيتها فى الحياة والوجود وتنصرف بعدها , بل تحرص كل الحرص على مواجهة الآخر المتمثل فى عقيدة أخرى , فمن هذه المواجهة تحصل على هويتها وتجيش التابعين لها وتضمن ولائهم وذوبانهم فى العقيدة , ونرى هذا النهج واضحاً فى الكتاب المقدس والقرآن فهناك مجهود دؤوب لزرع الفرقة والبغضاء وعدم الثقة بين الناس , وهذا هو حال المسلمين اليوم من كره للآخر وعدم ثقة بالمختلف وسيطرة فكرة المؤامرة على وعيهم وتفكيرهم .
الدين أدلجة العنف .
- مبدعى الأديان أدركوا بوعي أو بفطرتهم البدائية المتوحشة أن الإنسان ذو طبيعة متوحشة باحث عن العنف .. وبعد أن أدركت البشرية أن العنف والقتل ليس مفيد للمسيرة الإنسانية أبدع مؤلفي الدين مجال لتنفيس العنف الكامن تحت الجلد , فعندما نهوا عن قتل الفرد في الجماعة المؤمنة فهذا ضار لبقاءها ووجودها ,لكنها فتحت المجال واسعاً لقتل الآخر تحت دعوى الكافر والمشرك والمرتد وبذا حققت الرغبات الجامحة والمكبوتة تحت راية مقدسة ووعود بالمكافأة , ومازالت الرؤية حاضرة حتى عصرنا هذا , فالإرهابيون باحثون عن متعة الذبح والدم والعنف قبل نصرة العقيدة .. الغريب أن الفكر الإيماني يتيح للمؤمن إرتكاب كافة الجرائم مع وعد بمكافأة مجزية بعد الموت. لذا خطورة الأديان أنها تسمح لنا بممارسة العنف والبشاعة والقسوة والإضطهاد بمتعة وضمير مستريح متلذذ .
- الإنسان هو من جعل فكرة إلهه منتقماً لأنه يريد الإنتقام ويبحث عن تحقيقه وعندما يعجز فلا يتخلص من فكرة الإنتقام والثأر فيخلق خيالات للذى سينتقم نيابة عنه .. ليقول للطغاة سواء سراً أو جهراً : الله ينتقم منك .
- عندما تروى الفتاوى والفكر الديني أن أطفال الكفار والمشركين فى النار وإن أطفال الغير مسلمين في جهنم كذا الحال عن أطفال غير المسيحيين فى بحيرة النار والكبريت ,لتمر هذه القسوة والبشاعة فى ذهنية الديني بل يرددها فهنا وصلت الهمجية والبشاعة حداً لا تستطيع بعدها أن تتوسم أى إنسانية فى مجتمع ديني فحتى الخيالات والإفتراضات بشعة قاسية .
- وقال يسوع: (كان رجل غني يلبس الأرجوان والثياب الفاخرة ويقيم الولائم كل يوم. وكان رجل فقير اسمه لعازر, تغطي جسمه القروح. وكان ينطرح عند باب الرجل الغني,
ويشتهي أن يشبع من فضلات مائدته، وكانت الكلاب نفسها تجيء وتلحس قروحه. ومات الفقير فحملته الملائكة إلى جوار إبراهيم. ومات الغني ودفن. ورفع الغني عينيه وهو في الجحيم يقاسي العذاب، فرأى إبراهيم عن بعد ولعازر بجانبه.
فنادى: إرحمني، يا أبـي إبراهيم، وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه في الماء ويبرد لساني، لأني أتعذب كثيرا في هذا اللهيب. فقال له إبراهيم: تذكر، يا ابني، أنك نلت نصيبك من الخيرات في حياتك، ونال لعازر نصيبه من البلايا. وها هو الآن يتعزى هنا، وأنت تتعذب هناك. وفوق كل هذا، فبـيننا وبينكم هوة عميقة لا يقدر أحد أن يجتازها من عندنا إليكم ولا من عندكم إلينا ).
دقق في هذه القصة لتجد نهج شائع فى الفكر الدينى , فالمتعة لا تتحقق من خلال نيل الجنه والنعيم بل من التمتع بمشهد عذاب ومعاناة الآخر فهكذا تكون المتعة لتصعد الإحساس بمتعة السادية داخل الإنسان وتراه أيضا فى تطبيق الحدود لترى مشهد غريب من التهليل والتكبير والحبور عند تطبيق الحدود بدلاً من المشهد الطبيعى المتمثل فى الفزع والجذع ولكنها السادية والقسوة التى أسسها الفكر الديني .
- المجتمعات الشرقية أو قل المجتمعات الدينية شديدة القسوة والغباء فهم يحكمون على شرف البنت من غشاء بكارتها لتُمارس معاملة قاسية لتلك البنت المُفتقدة لغشاء بكارتها من إضطهاد وإزدراء وعنف وإقصاء يصل للقتل فى بعض الأحيان , ليبرروا أن الإله خلق غشاء البكارة لتبيان من مارست الجنس أم لا , ولم يسألوا أنفسهم أليس ممارسة الجنس تمت مع ذكر فلماذا لم يعترى قضيبه التغيير؟! فهل نسى الإله ذلك ؟!.. بالطبع الأمور لا تتعلق بإله لعدم وجوده أولا إنما تتعامل مع فكر ذكوري قاسى عنيف تجاه المرأة , فمُحرم على المرأة الجنس ومسموح للرجل ليكون أقصى تعنيف له هو المغازلة بشقاوة وطيش الشباب وأحيانا أخرى هكذا الرجولة .
- النظرية الإيمانية تتيح للمؤمن إرتكاب كافة الجرائم مع وعد بالغفران أو بمكافأة مجزية بعد الموت متى كانت جرائمك فى إطار الحفاظ على انتمائك الدينى أما إذا تخليت عن دينك فلا مكان للمغفرة والتعويض كما لا تغفل أنها مشاريع سياسية تتلحف بالدين.
- لماذا لا توجد ديمقراطية فى عالمنا العربى ..لأن الإنسان العربى نفسه وليست أنظمة الحكم لا يحفل ولا يحترم ولا يقدر الديمقراطية والحريات , إنه سيتعارك معك لو تركت دينك ..لو مارست حريتك الشخصية فكراً وسلوكاً فهذه ثقافة الدين الذى يقتح المجال واسعا للتعدي على الحريات .
- الإنسان تطور فى إداراة مجتمعه ليرسى قواعد الحرية والديمقراطية وحرية التعبير والمعارضة لتصبح مشروعية الحاكم فى وجود معارضة قوية ليقبل النظام نشاطها ومحاولة الإستماع إليها والتفاهم حول رؤاها ومطالبها , ولكن الله المُقترض يرفض من يعارضه , ليُجهز كل أدوات التعذيب لمعارضيه ليذيقهم العذاب على يد زبانية جهنم ..فهل المعارضة تنال من حُكمه ومملكته وهل هكذا يكون الحاكم القوى ؟!..فلماذا لا يقتدى بالحداثة كما أبدعنا نظم حكمنا..هناك بعض المغيبين الذين يقولون الحاكمية لله .!
- فكرة الله هى فكرة عصور قديمة لملوك وسلاطين لا يفهمون قصة المعارضة إلا كمنازعة وصراع وسطو على سلطتهم فيلزم يد من حديد وقدرة على البطش بلا هوادة .
- أرى أن ظهور الأديان والمعتقدات فى المجتمعات الإنسانية لم تأتى لتفسير الوجود وإيجاد علاقة مع إله هذا الوجود كما يُسوق أصحاب الفكر الميتافزيقى وإلا أصبحنا أمام فلسفة , ولكن هى مشاريع إجتماعية وتأكيد هويات وقوميات تريد الحضور لم تخلو من مشاريع سياسية لنخب تريد تحقيق هيمنتها ووصايتها ونظامها الخاص تحت ستار المقدس .. أما لو حاولنا التعامل مع الأديان من منظور أنها قدمت فكراً تأملياً للوجود فهى تعبير عن رؤية بشرية لم تكتفى بتفسير الوجود من خلال إله فحسب بل جعلت فكرة الإله تدور نحو تأكيد محورية ومركزية الإنسان فى الوجود ليترجم ما فى داخله من إنطباعات ورؤى ومشاعر عبر القصة والأسطورة .. لن نبذل جهداً كبيراً عند بحثنا فى النص الدينى لنجد أن بناءه قائم على تأكيد وترسيخ فكرة محورية الإنسان وتميزه بحثاً عن إيجاد قيمة ومعنى وإحساس متمايز فى وجود غير مَعنى ولا مُعتنى .
- المصيبة أن الأديان لم تكتفى بخرافتها وسذاجتها بل صدرت لنا همجية وبشاعة إنسان قديم ورؤيته ومنهجيته ليتسلل هذا النهج فى جيناتنا الثقافية لنحظى على الوحشية والجمود والتخلف .
دمتم بخير والمقال يتحمل إضافاتكم ورفضكم .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.
#سامى_لبيب (هاشتاغ)