محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 5663 - 2017 / 10 / 8 - 15:07
المحور:
الادب والفن
مرة عاد من المدينة ومعه امرأة شقراء، تعرّف عليها في الحي القديم حينما كانت تذهب كل صباح إلى بيوت الموسرين خارج السور الكبير، تمسح لهم أدراج البيوت، وتنظف الزجاج، ثم تغسل أكوام الملابس والثياب، وتعود في المساء، فتجده منتظراً في الطريق، ينتحيان جانباً وسط إحدى الخرائب التي خلّفتها الحرب، يتبادلان العناق والقبلات وقتاً ثم يفترقان.
مرة عاد بها من المدينة حاسرة الرأس عارية الذراعين، فاشرأبت الأعناق من كل الأبواب ومن كل النوافذ. تحلّق من حولهما الأولاد، قال رداً على كل الاستفسارات المتعطشة:
- هذه خطيبتي، وأنا أجيء بها لزيارة أختي التي لم أزرها منذ أشهر طويلة.
الأخت الشقية وزوجها الكتوم اعتقدا أنه يكذب فلم يصدقاه، قالا فيما يشبه الهمس:
- إنها واحدة من الخالعات التقطها صدفة وجاء بها إلينا لكي يلطخ سمعتنا ويجعلنا أضحوكة بين الناس.
وقد اعتبرا بياض وجهها، وضحكتها المجلجلة والفستان الذي ترتديه، أسباباً كافية لإثارة الريبة والظنون، غير أنهما كتما همّهما وقالا هي ليلة ثم تمضي.
الطفل هو الذي سمع الكلام، فقام بنقله إلى الرجل وإلى المرأة الشقراء، التي كانت في هذه الأثناء، تسرح شعرها الطويل أمام المرآة المكسورة، استعداداً لنوم مريح بعد هذا السفر الذي طال.
والرجل الذي له قلب طفل لم يحتمل كل هذا العناء، أمر المرأة أن تلمّ شعرها، فلمته في الحال، ومضت في أثره إلى حيث لا تدري، تحت جنح الظلام.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟