زوزان خلف
الحوار المتمدن-العدد: 5546 - 2017 / 6 / 9 - 18:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ينمو الأطفال في الكثير من أنحاء العالم في جو يسوده العنف والإرهاب والنزاعات السياسية والعسكرية، ويتعقد الموقف أكثر في هذا الوقت حيث تعج وسائل الإعلام صباح مساء بأخبار هذه النزاعات والحروب والحوادث الإرهابية، وذلك من خلال النقل المباشر والعاجل لتلك الأحداث، والأصح أن وسائل الإعلام تنقلنا وأطفالنا إلى موقع الحدث أو الإنفجار أو القتل مباشرة، وهذا يستدعي أن تدور في ذهن الكثير من الأطفال أسئلة ملحة عن تلك الحوادث وأسبابها وموقف الإنسان منها. ويمكن لهذه الأسئلة والأفكار أن تؤثر كثيراً على نموهم وفهمهم لأنفسهم وللآخرين وللعالم من حولهم، والذي يشكل بدوره ضغطاً كبيراً على كل أسرة لا تود أن يحيا أطفالها في جو من الخوف، حيث تصيب الأسر الكثير من الحيرة حول كيفية إيصال ما يدور من أحداث للطفل الذي يسأل عن حقيقة ما يجري، فمسألة خوف الطفل من الإرهاب تعد من أهم المشاكل التي يتعرض لها الأهل في هذه الاوقات، والتي تستدعي وقوف الأهل موقفاً إيجابياً لإيجاد العلاج كي لا تتطور هذه المسألة إلى حالة نفسية مرضية لأن الطفل يحمل ذكريات هذه المرحلة العمرية معه حتى يكبر وتبقى مثبتة في ذاكرته ولن ينساها ولن تمحى بل أن كلما زاد نضجه تبقى الذكريات المؤلمة تحفر في ذاكرته ، ويلازمه الخوف المرضي والذي قد يتطور إلى حالة مرضية مربكة له ولأسرته، ولهذا فإن حماية الأطفال من الإرهاب وضمان أمنهم وسلامتهم مسؤولية الأسرة و المجتمع ككل.
من الضروري مساعدة الطفل للتعرف على الوضع الراهن كي يدرك أن ما يجري من أعمال إرهابية هي حقيقة، وليست بفيلم أكشن أو خيال علمي أو ألعاب فيديو وإنما هي أمور أكثر جدية، وهذا ما يستدعي تدخل الأهل لشرح ما يجري للطفل وتوضيح من هم هؤلاء الإرهابيون؟ وما هي أهدافهم؟ ولكن بكلمات بسيطة من دون مبالغة ومع مراعاة عمر ودرجة تفهم الطفل، وعلى الوالدين مراقبة تصرفات الطفل ونظامه الطبيعي، إن كان لا ينام جيداً أو لا يأكل جيدا أو أنه يخاف البقاء وحيداً دائماً، أو أنه يشعر بمخاوف متعددة كالخوف من أمور لم يكن يخافها من قبل كالظلمة والليل، أو قد يخاف الطفل من ركوب الحافلة أو الباص بعد أن رأى في الأخبار باصاً ينفجر، أو الخوف من الذهاب إلى المدرسة بعد أن شاهد مدرسة تتعرض للقصف، وهذه كلها علامات تشكل إنذارا للوالدين بأن هناك خللاً ما في نفسية الطفل ولكنه لا يتمكن من التعبير عنها، وهذا ما يستدعي معرفة الأهل آلية تفكير الطفل وكيف يتفاعل مع الحرب والأحداث الإرهابية.
تفاعل الأطفال مع الحرب والحوادث الإرهابية:
تختلف ردود أفعال الأطفال حول الحروب والحوادث الإرهابية والصور المرافقة لها، بسبب اختلاف عوامل كثيرة كعمر الطفل وطبيعة شخصيته والتجارب التي مر بها في حياته، ونوعية علاقته بالآخرين من حوله كالوالدين وغيرهما.
فإن أكثر ما يزعج الأطفال قبل المرحلة المدرسية هي المناظر المرعبة والمؤلمة وأصوات الدوي والانفجارات، وليس مستغرباً أن يخلط الأطفال في هذا السن بين الحقيقة والخيال، وبين تقديرهم لحجم الأخطار التي قد تلحق بهم أو بغيرهم ، ومن السهل أن تسيطر مشاعر الخوف والقلق على هؤلاء الأطفال حيث يصعب عليهم إدراك البعد الحقيقي للأمر، أو صرف الأفكار المخيفة عن أذهانهم .
بينما يمكن لأطفال المرحلة المدرسية التفريق بين الحقيقة والخيال، إلا أنه قد يصعب عليهم أحياناً الفصل بينهما فقد يخلط الطفل بين مشهد من فيلم مخيف وبين منظر من مناظر الأخبار، وقد لا ينتبه الطفل إلى أن بعض المشاهد الإخبارية يعاد عرضها مرات ومرات وليس أنها تتكرر من جديد، وقد يشعر الطفل وبسبب وضوح الصور المنقولة أن الحدث قريب منه كثيراً وربما في الشارع الذي يسكنه.
أما الأطفال في المرحلة الإعدادية والثانوية أكثر اهتماماً بالنقاشات السياسية المرافقة للحروب والعمليات الإرهابية، ويشعرون بأن عليهم أن يتخذوا موقفاً محدداً من هذه القضايا ولذلك قد نجدهم ينخرطون في بعض الأعمال السياسية أو الخيرية المتعلقة بحالة الحرب والعمليات العسكرية.
وأحياناً يأخذ بعض الأطفال الموقف المعاكس فيصبح غير مبال بما يرى أو يسمع من أخبار الاقتتال والدمار، وقد يكون ذلك بسبب كثرة المعلومات والصور والأخبار التي تعرض لها الأطفال مما يجعلهم يشعرون بحس الخدر وأحياناً وبسبب الألعاب الإلكترونية كالكمبيوتر وغيره فقد لا يشعر الطفل أنه أمام مناظر حقيقية وضحايا ودماء وقتلى.
دور الأسرة في التعامل مع مخاوف الأطفال:
يجب على الأسرة الانتباه إلى خطورة مشاهدة الأطفال للمشاهد المؤلمة للتفجيرات, أو إشعارهم بعدم الأمان, داعياً إلى إحاطتهم بالحنان والرعاية، وفي حال استفسار الطفل عما يحدث من عمليات إرهابية لابد من اختيار الطرق المثلى في التحدث مع أطفالهم بخصوص الحروب والإرهاب، ومن هذه الطرق:
1. اختيار كلمات مناسبة لعمره الصغير، وذلك كي يتسنى له فهم المراد من الحديث، ويجب تبسيط الأمور قدر الإمكان بما يتناسب مع سن الطفل, وإخباره بعدم وجود ما يدعو للخوف, وأن هذه محنة وستزول، لأن الأمور العالقة قد تكون خطيرة للطفل إذ إنها قد تسبب بتشكل مفهوم خاطئ.
2. أن نعطي للطفل الإحساس أنه يستطيع دائما طرح الأسئلة، وعدم الهروب من أسئلته بالصراخ عليه, وإنما طمأنته بأنهم لا يستثقلون منه وهذا بدوره يولد الثقة بالنفس لدى الطفل، كما أنه ينمي الثقة بين الطفل وأهله، ويصبحون مرجعاً له للحصول على معلوماته.
3. ينبغي عدم السخرية من مخاوف الطفل أو الضحك منه أمام الآخرين أو مقارنته بزملائه الشجعان, كما أن على الأم إبعاده عن مثيرات الخوف مثل مشاهدة الأحداث المؤلمة والصور المفزعة.
4. يجب الامتناع عن سرد الروايات والشائعات التي يتداولها الناس خصوصاً أمام الطفل, وحثه على التقرب إلى الله والاستعانة به في وقت الشدة, حتى ينعم بهدوء البال والاستقرار النفسي ويعيش مطمئناً سعيداً.
5. إن أهم أسلوب لمنع خوف الطفل هو عدم رؤيته للتلفاز أو الصحف التي تحتوي صوراً مرعبة بالنسبة له, فيجب إبعاده عن هذا الجو تماماً, وإشعاره بالمحبة ومداعبته ومحادثته وملاطفته؛ ليشعر بالمحبة والاهتمام, فينسى الأحداث المؤلمة.
6. ينبغي إفساح المجال للطفل للعب، والحركة، ومشاركته في لعبه, واختلاط الطفل بالأطفال من سنه؛ ليمارس طفولته ويشعر بأن كل الامور طبيعية ولم يحدث أي تغيير، وإشعاره بقيمته وذاته ودعمه بالمكافآت، سواء كانت مادية بسيطة أو معنوية كالتصفيق له وتقبيله عندما يأتي بشيء جيد أو يبتعد عن فعل سيئ.
قد يلجأ الآباء إلى الصمت وعدم التطرق لأية تفاصيل سياسية محيطة أما الأطفال، ظناً منهم أن هذا يحمي أبنائهم وأن الصمت يصب في مصلحتهم، كون أن الصغار ما يزالون غير مهيأين بعد لمعرفة حقائق ما يحيط بهم من أمور، وكون أن هذا الأمر قد يحرمهم طفولتهم، إلا أن عدم التطرق لأية تفاصيل مع الأطفال هو أمر خاطئ، بل أنه ينصح بعدم ترك الطفل دون معرفة مبسطة للأمور، لأن هذا يجعلهم ضحايا الخيال الخاص بهم، كما أنه يجب عدم ترك الطفل للجوء إلى"الكبت" الذي ينشأ من كثرة الخوف والصراعات النفسية, والتفكير في المجهول حيث تؤثر هذه الفكرة على سلوك الطفل على المدى البعيد من خلال حالة التشتت الذهني الذي يلازمه أثناء وجود مشكلة صعبة ومحاولة كبتها من قبل الطفل, فضلاً عن شرود الذهن المستمر والبال المشغول والخوف والقلق.
وأخيراً من المهم للأهل معرفة أنهم ليسوا فقط المصدر الوحيد لمد الطفل بالمعلومات. فالصمت وعدم التطرق لهذه الأمور من الأهل، لا يوفر بالضرورة حماية له، وإنما سيلجأ الطفل لأحد آخر لمعرفة المعلومات، التي قد تصله بطريقة مشوهة. لذا من الأفضل التحدث مع الطفل لأن فهمه لا زال هشاً جداً، وعلى الأهل توضيح الحقائق للأطفال، فنحن لا نريد أن يشعر الطفل بالفزع والخوف، بل أن يفهم بطريقة صحيحة ما يدور حوله من أحداث لحمايته من تأثيراتها السلبية على نفسيته البريئة والمرهفة الإحساس التي لاتدرك سوى اللعب و المرح في هذه الحياة.
#زوزان_خلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟