|
قراءة في العلمانية – 5 – المنظومة الأخلاقية – 3 – القيم الذاتية.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 5523 - 2017 / 5 / 17 - 16:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قراءة في العلمانية – 5 – المنظومة الأخلاقية – 3 – القيم الذاتية.
تعريف و تحديد للإطار العام: للقيمة ------------------------------------- القيمة هي: حكم ٌ ما على موضوع، يؤدي إلى: اتخاذ موقف على شكل تكوين قناعة راسخة، قد يتم ترجمتها إلى سلوك في حال تعرض الشخص لظرف ٍ يفرض عليه سلوكا ً ما باتجاه ذلك الموضوع. بعض ُ القيم تفرض الامتناع عن سلوكٍ مُعين، كأن يتجنب الإنسان: الاختلاط َ بفئات معينة، أو تناول َ أطعمة مُحدَّدة، أو المشاركة َ بنشاطات تتسم بخواص لا تتفق مع قيم أخرى يحملها الشخص.
يبدأ الإنسان باكتساب القيم منذ طفولته، تزرعها فيه: الأسرة و الأقران و المجتمع، و يتم تعزيز بعضها و إضعاف البعض الآخر على أثر تفاعل الفرد مع دوائر محيطه، و بحسب ما تتميز به كل دائرة من درجات تمسُّك و إيلاء اعتبار لقيم ما على حساب قيم ٍ أخرى.
عندما يكون غالبية ُ أعضاء مجتمع ٍ ما منسجمين في تكوين ٍ مُشترك، كأن يكونوا من نفس المذهب، أو الإثنية، فإن قيم الغالبية ستتخذُ الأهمية الكبرى في تحديد هوية ذلك المجتمع كاملاً حتى حينما تحمل الأقليات ُ قيما ً آخرى مختلفة، و هذه الحالة من تضادِّ القيم بين الأغلبية و الأقلية ستفرضُ توجُّها ً ما بالضرورة على الأغلبية تجاه قيم الأقليات، و سيصبحُ هذا التوجه بحدِّ ذاتها قيمة ً من قيم الأغلبية.
قيم الأغلبية و الأقليات أحكام ٌ ملزمة لأعضائها، لكن منشأ هذا الإلزام و ضرورته ليسا نتاج الإجبار إنما بدافع حاجةِ الفرد إلى الانتماء للمجموعة وتلقِّي قبولها و بالتالي الاستفادة من ميزات العضوية فيها، و يصحُّ هذا لكافة المجتمعات المنفتحة و المتقدمة حضارياً، و المُغلقة و الرجعية على حدٍّ سواء.
سلوك الجماعة باتجاه الفرد الذي يقرر الخروج على قيمها يُحدِّد مستويي: انفتاحها و حضارتها، ففي المجتمعات المُنفتحة الحضارية يستطيع الفرد أن يطمئنَّ لفرديته و قيمه الذاتية دون أن يكون للاختلاف عاقبة، و هي الميِّزة الأهم للمجتمعات العلمانية، و عنها تصدرُ توابعها من: تقديسٍ للحريات، و إقبال ٍ على الآداب و الفنون، و تقدُّمٍ علميٍ ثابت، و استحداث ِ حُلول ٍ لتلبية الحاجات الإنسانية، و تحقيق ٍ لكرامة الإنسان واقعا ً مُعاشاً، و بناء ٍ لاقتصاد ٍ متين ٍ مُستدام، و خلق ٍ لكيانِ الدَّولة ِ المُعترَفِ بوزنه و قيمته و قدرته و دوره دوليا ً ،،،
،،، أما في المُجتمعات المغلقة التي: تسود فيها الأفكار الرجعية من جهة، و تتسم بانعدام المُنتج الحضاري كصفة مُستمرة من جهة ثانية، و بالثَّبات و مُعاداة الحداثة و التغير من جهة ٍ ثالثة، و الانشغال الجدلي العقيم المزركش ببهلوانيات لفظية و الغارق في دورات اجترار: إدانة الاختلاف و تمجيد الذات و تبخيس الآخر و استحضار الماضي و ادِّعاء المظلومية و التوجس من المؤامرة من جهة ٍ رابعة، فإن الخروج عن قيم الجماعة يستتبعُ نواتج َ خطيرة أقلُّها عزلُ الفرد عن محيطه، و أوسطها اغتيال ُ شخصيته و تسويد صفحته، و قمَّةُ بؤسها إيقاع ُالأذى الجسدي عليه و الذي قد يصل ُ إلى القتل مع أو بدون التمثيل بالجثة مع ما يصاحب الحالتين من تشفي الجماعة المريض بالضحية بعد عقابها، في نشوةٍ مريضة لا يملك المرءُ إلا أن يقف أمامها حائرا ً مذهولا ً من مدى تملُّك ُ الهمجية الحيوانية من أصحابها.
التماهي مع قيم الجماعة ------------------------- يتبنى الفرد قيم الجماعة عندما يشارك في نشاطاتها. و هي التي تم خلقها و هندستُها و تشكيلها تحديداً بهدف زرع قيم تلك الجماعة عن طريق الاختبار الذاتي. هذا النوع من آليات ِ تشكيل القيم لا يُنتج قيما ً ذاتيةً؛ فهو في جوهره يحملُ قيم الجماعة إلى الفرد، لكن بواسطة قناة ٍ ذاتية هي: الاختبار. هذه القناة ُ الذاتية تضمن ُ ولاء الفرد لقيم الجماعة و الامتثال الدائم لرؤيتها و الانسجام مع طروحاتها و توجهاتها و الانخراط الدَّائم في ترتيباتها و فعَّالياتها، أي بعبارة ٍ أخرى: تضمن ُ استدامة َ الجماعة.
مشاركةُ الفردِ في نشاطات الجماعة و اختبارُه الذاتي التفاعلي سيؤديان بالضرورة ِ أيضا ً لعمليتي: استيعاب ِ فردية ِ الشخص و إذابتِها داخل هويِّة الجماعة، و بالتالي إلى: خنقِ تميِّزِهِ، و قتل ِ قدرته على ابتكار ِ الاختلاف، الأمرُ الذي سيُنتج ُ نُسخا ً متشابهة من الأعضاء تكادُ تكون ُ مُتطابقة، تعمل ُ تروساً تدورفي آلة ِ الجماعة العملاقة، لتحقيقِ هدف ٍ أعلى هو: أن تخدمَ استدامة ُ الجماعة استدامةَ: الثبات، و بالضرورة استدامة َ تخلُّف ِ المجتمع عن المُنتج الحضاري العام لمجموعات ٍ (دول ٍ) أخرى، تحت عناوين َ جميلةٍ برَّاقة كالـ: الأصالة و الاعتزاز بالهُويِّة، بعدَ أن يتم: تفريغُ هذه العناوين من معانيها و جوهرها، وحقنُ قيم الرجعية ِ لملئ الفراغ.
القيم الذاتية ------------- قلنا في بداية هذا المقال أن القيمة هي: حكم ٌ ما على موضوع، ونكمل ُ الآن فنقول: إذا اتَّخذ الفردُ حُكمه بعد تأمُّل ٍ و تفكير، أو لحظيا ً نتيجةً مباشرة من خبرة ٍ حسِّية، و في كلتا الحالتين بانعزال ٍ عن تأثير الجماعة و بتحرُّر ٍ تامٍّ من أدلجتها وسطوتها ورؤيتها، فأنتج َ رؤيته الخاصَّة لذلك الموضوع قلنا عندها أن الفرد يمتلكُ: قيمة ً ذاتيةً.
تولى المُجتمعات ُ العلمانية ُ المُنفتحة الأهمِّية الأعظم للقيم الذاتية، لأنَّها تُدرك أن تلك القيم هي مصدر ُ الاختلاف، و بالتالي مصدر ُ التنوُّع، و المنبع ُ الأساسي للثراء الفكري: علوماً و آداباً و فُنونا ً و ثقافة ً. فكلُّ قيمة ٍ ذاتية ٍ هي درجةٌ من لون ٍ من عدد ٍ لا نهائيٍّ (مجازاً) من الألوان التي تُشكِّلُ منظومة َ الطيف اللوني الشامل للإمكانيات الإنسانية الكامنة في الفرد و ما يُنتجه من كيان ِ الجماعة.
عن طريق القيم الذاتية يتَّخذُ أفرادٌ مُختلفون في المجتمعات العلمانية مواقف َ متنوعة من ذات الموضوع، و بالتالي يُنتجونَ حُلولاً غنيِّة ً تُصبحُ: مُمكناتٍ و مُتاحات ً و خيارات ٍ واقعية، و هذه بدورها تبرزُ أمام َ الأفراد الآخرين الذين يستخدمُون إراداتهم ليختاروا منها أو لينتجوا قيما ً أخرى تُضيف إلى مجموعة الخيارات، و بذلك َ يُحدِّدُ المجتمع ما يريد و ما يقبل، و تتشكَّل منظومته ُ الأخلاقية لتحتضن َ بداخلها كل الأحكام و السلوكيات المقبولة التي تُصبح: أخلاقا ً له، يُعرفُ و يتميَّزُ بها.
المنظومة الأخلاقية ُ العلمانية منظومة ٌ صلبة مُستدامة نافعة؛ بحكم أن أولى قيمها هي: حُريَّةُ تحديد القيم، أي ذاتـِيـَّـتُـها، و هو المبدأ ُ الذي يؤدي بالضرورة لكل البُنى القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي يتميَّزُ بها مُجتمع ٌ ما، بحسب ِ قانون الطبيعة ِ الأساسي: السبب يؤدي إلى النتيجة، و الذي بتطبيقه - بأن يكون َ السببُ هو: الحرِّية و الفردية - نحصل ُ على النتيجةِ التي هي: الغنى و تجسُّد ُ المقدرة و تجليِّ المُمكنات، و هي التي يمكنُ ترجمتها إلى كلمة واحدة هي: القوَّة.
معالجة بعض الاعتراضات ----------------------------- سأقدِّمُ في هذا الجزء من المقال بعض ما تُواجهُهُ المظومة ُ الأخلاقية العلمانية من اعتراضات مشهورة، كأمثلة على نمط التفكير الذي يرفضُها، مُبيِّنا ً منشأ هذه الاعتراضات وما تحمله من جوهر ٍ تحت كلماتها قد لا يكونُ ظاهرا ً للقارئ الكريم.
الاعتراض الأول: ذاتية ُ القيم و الأخلاق تؤدِّي إلى فقدان الجماعة لهويَّتها.
الرد: عند فحص هذا الاعتراض سيظهر ُ أمامنا أن الهُويَّة المقصودة هي: ما تمت وراثته من قيم قديمة ثابتة، و أن َّ منشأ الاعتراض هو الخوف من فقدان تماسك الجماعة، على اعتبار أن غياب الموروث هو غيابٌ للتماسك. إننا هنا أمام صوت ِ مؤسسي الجماعة و القائمين الأوائل عليها، الذين وجدوا في عصور ٍ قديمة و هم اليوم َ أموات ٌ في قبورهم التي ربما لم تعد موجودة، و لسنا على الإطلاق أمام صوت أفراد الجماعة نفسهم. إن الأدلجة التي تعرض لها أفراد الجماعة منذ صغرهم صورت لهم أن: اجتماعهم يعتمدُ لا على توافُقهم على الاجتماع لكن على ما ورثوه من قيم، وكأن تلك القيم لها قوَّةٌ سحرية تحضر بحضورها وتغيبُ بغيابها، أي بعبارة ٍ أخرى: تم تغيبُ قانون السبب و النتيجة بمعناه الصحيح عن عقول ِ أفراد الجماعة،،،
،،، لكن َّ حقيقة الأمر أن المنظومة ِ العلمانية ستعطي الجماعة هُويَّة ً جديدة هي: المواطنة، و ستحفظ ُ للجماعة اجتماعها، بل و ستزيد في قوَّة ِ و تماسُك ذلك الاجتماع. إننا هنا أمام هويَّة ٍ جديدة متنوعة يرضى عنها الأفراد بِحُكم أنها تحترم فرديتهم و ذاتيَّتهم في ذات الوقت الذي تضمن فيه اجتماعهم، لأنها تنسجمُ تماما ً مع السبب الطبيعي لقوة الجماعة و هو اتفاق ُ أفراد تلك الجماعة على الاجتماع تحت شروط ٍ و حيثيات ٍ يرضونها (و هي هنا المُواطنة في الدولة العلمانية) فتؤدي بالضرورة إلى النتيجة ِ المُتَّفق عليها: أي إلى الاجتماع.
الاعتراض ُ الثاني: ذاتية ُ القيم و الأخلاق تؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع.
الرد: يقصدُ أنصارُ هذا الاعتراض بأخلاق المجتمع: ما يؤمنون أنه صواب، و هم هنا يرون لأنفسهم حقَّ تحديد الصواب باعتباره ما يقبلونه، و الخطأ باعتباره ما يرفضونه، فلا يعترفون بحق الآخر في تحديد ما يراه صوابا ً أو خطأً، و يذهبون َ إلى أبعد َ من هذا الاستلاب الغريب لحق َّ المختلفين عنهم في تحديد ما يناسبهم في حياتهم من سلوكيات إلى محاولة ِ منع التَّعدُّد و الاختلاف، و العمل على حجب الخيارات تحت ذرائع شتَّى منها الحفاظ على تماسك المجتمع (و قدعالجتها في الاعتراض السابق)، أو الحفاظ على صحِّة المجتمع (وخصوصا ً عند الحديث عن الأخلاق الجنسية بتخويف الناس من الأمراض المنقولة جنسيا ً، على الرغم أن المجتمعات الغربية تنخفضُ فيها نسبة الإصابة بالأمراض الخطيرة بشكل ٍ كبير نتيجة التوعية و استخدام الواقيات الذكرية )،و الحفاظ على الكرامة الإنسانية (مع أن مجتمعاتهم هي أكثر المجتمعات انتهاكا ً لكرامة الإنسان و استعبادا ً لعقله و نفسه و جسده، و على الرغم من الفارق الشاسع في هذا المجال بينهم و بين الغرب الذي يُعطي الإنسان أعلى قُدسية ممكنة و يضمنُ كرامته)،،،
،،، و إنَّك َ عزيزي القارئ لن تجد َ هذه المخاوف في المجتمعات العلمانية، فهي تُدركُ أولا ً أنه لا يوجد شئ إسمه: أخلاق المجتمع بمعناها الذي نعرفه عندنا، إنما هناك: أخلاق فردية متنوعة يُحكمُ عليها بحسب ما تتوافق مع احترامها لحقوق الآخرين و منفعتها بالنسبة للمجتمع، و عليه لا يوجد لدى المجتمعات الغربية: ثوابت للأمة، إنما يوجد ثابت ٌ وحيد هو: حتمية الاختلاف و التغير و التطور في جدلية التفاعل الإنساني الحر مع المُحيط، و هو ما يدافعون عنه الغرب العلماني بكل إمكانياته، و خصوصا ً لأنه احتصل َ عليه بعد َ تاريخ ٍ طويل ٍ من أنهار ٍ من الدماء و هاوياتٍ سحيقات ٍ بلا قيعان من الحماقات، أقلعوا عنها، و لم نقلع نحنُ، و بكل ِّ ألم ٍ أقول أننا نرى شبيهاتِها بكل ِّ وضوح ٍ في مجتمعاتنا، ودونك َ العراق و سوريا و ليبيا و اليمن أمثلةً حاضرة تدمي القلب كل َّ يوم،،،
،،، و ينتجُ عن هذه النظرة العلمانية للأخلاق: انشغال ُ الأفراد بأخلاقهم و بأنفسهم، ضمن نظام اجتماعي اقتصادي مُنتج، مع غياب ٍ تام للفضول القاتل و الرغبة المُتطفِّلة في التدخُّل في شؤون الآخرين و مراقبتهم و محاولة فرض الوصاية عليهم.
تُعطي المنظومة ُ العلمانية ُ الأخلاقية الحُريِّة من الخوف، و الانعتاق َ من الأوهام، حين تُوضِّح بمبادئها و نواتج تلك المبادئ و مُنتجات المنظومة: الفضاءَ اللانهائي من المنافع و المباهج المُستتبعَ بالضرورة من حُرِّية التفاعل الديناميكي للإنسان مع واقعه، و بنبذها التام لأوهام ِ الثبات و الحاجة لاستدامة الموروث، المُفارق للعصر.
الاعتراض الثالث: لا يهدف ُ الغرب إلى تطوير المجتمعات العربية فهو يقدِّم العلمانية كقناع يُخفي تحته استعمارا ً جديداً يسرق فيه الموارد الطبيعية، و يُفتِّتُ الدولة القوية إلى دويلات، ليضمنَ سيادتَه علينا.
الرَّد: على الرغم أن الرجعية َ تمثِّل ُ مشكلة ً عويصة ً لمجتمعاتنا تمنعها من تحقيق سلم ٍ مُجتمعيٍّ صحي، و بالتالي تُعرقلها بل و تشلُّها دون الانتقال إلى مرحلة: الإنتاج و بناء الاقتصاد القوي المتين مدخلا ً لتحقيق العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية، إلا أننا لا نستطيع أبدا ً أن نُنكر أن الدول الغربية تستثمرُ في رجعيتنا (و إن كانت لم تخلقها لكن وجدتنا عليها) و تدعم ُ استدامتها بطرق ٍ شتَّى و بل و تذهب ُ أبعد َ من ذلك بحيث تكونُ مسؤولة ً عن إنشاء و دعم جماعات ٍ إرهابية (القاعدة، النصرة، داعش)، و هو الذي يتعارضُ بشكل فاضح ٍ مع ما تدَّعيه من محاولاتها مساعدتنا لتحقيق العلمانية و الديموقراطية. هذا التحليل صحيحٌ أتبناه، لكنَّه ما يزال نصف الحقيقة، و علينا أن نُكمل النصف الأخر لنقول َ ما يلي:
أولا ً: أنا لا أدعو إلى الاستسلام للغرب و الارتماء في أحضانه و استحضاره ليحقِّق لنا العلمانية َ بأفراده و شخوصه و طاقاته، أبداً على الإطلاق، إنما أدعو للاستفادة ِ من ماضيه و حاضره و منهجه، بواسطتنا نحنُ و بطاقات شبابنا و شاباتنا، و بعقولنا و أيدينا، لكي نُحسن تشخيص مشاكلنا أولاً، و نجد َ لها الحلول َ الواقعية َ ثانياً، و نبني اقتصادا ً متينا ً كنتيجة، و تكون َ لنا المكانة ُ الدولية التي بواسطتها نشارك في المُنتج الحضاري العام بوزننا و قيمتنا و منفعتنا التي تُجبر الدول الغربية على الاعتراف بنا، فهذه دولٌ تفهم لغة: الوزن و الثقل، و تقيِّمُ الدول الأخرى على ضوئها لتكون: حلفاء ً لها، أو مجرَّد: توابع يأتمرون بأوامرها.أن مطامع تلك الدول و قدرتها على التحكم فينا يجب أن تقودنا لنرى قوَّتها، و هو ما سيدفعنا للبحث عن سبب تلك القوة، و الذي سنجد أنه: العلمانية، فعلينا إذا ً و بكل ِّ ما فينا من فهم ٍ و إرادة ٍ و مقدرة أن نتبنى العلمانية لنبني نحن أيضا ً قوَّتنا، و التي بواسطتها نحقِّقُ نحنُ لا هم علمانيتنا و استقلالنا الوطني الصادق الذين ينشِئان علاقات ٍ طيبة مع جميع الدول، أندادا ً لأنداد، لا توابع َ لأسياد.
ثانياً: أما من جهة الخوف من تفتيت ِ دولنا إلى دويلات فإنه يجبُ أن يدفعنا نحو العلمانية ِ دفعا ً! تبنِّي العلمانية يعني بالضرورة: و كما بيّنتُ في الرد على الاعتراض ِ الأول إحلالَ هوية المواطنة مكان هويِّات التعصب و الانغلاق، و ضمان َ فصل السلطات عن بعضها، و مأسسة َ الدولة، و قيام َ اقتصادِ الإنتاج و مراقبة الجودة، في مجتمع ٍ حُرّ كريم للجميع، مما سيحفظُ تماسك الدولة، و يمنعها من التفسُّخ، و يحجبُ عنها كارثة الحرب الأهلية و التناحر. تخيَّل معي عزيزي القارئ لو كانت العلمانية ُ كما يعرفها الغرب مطبَّقة ً في العراق و سوريا و اليمن و ليبيا قبل مهزلة الشتاء الكارثي الذي سمُّوه "الربيع العربي"، هل كنا سنشهد ما نحنُ فيه الآن؟ هذه الدول لم تعرف يوما ً العلمانية على الإطلاق، و كانت أنظمتها مزيجا ً عجيبا ً من الاشتراكية ِ و الرأسمالية و الثيوقراطية و البداوة و المزاجية و غياب المأسسة، فجاءت كوارثها مزيجا ً أعجبَ يؤذي نفوسنا و يدمي قلوبنا كلَّما حضرت مشأمةُ أخباره أو ذكراه.
خاتمة المقال: ------------- من الصعب ِ بمكان ٍ ان تتخيل َ جماعةٌ ما نفسها و قد أعادت تشكيل حاضرها و رؤيتها للمستقبل، في عملية ٍ ديناميكية ٍ تتطلَّبُ منها التفكير و الإرادة و العمل الذي لا يتوقف، بعد أن تترك َ ما ورثت لتضع َ بدلا ً عنه ما يجبُ أن تتفق عليه. هذه الفكرة مُرعبة بحدِّ ذاتها و تتساوى في مُخيِّلتها مع فكرة: الضياع المُفضي إلى الموت و الفناء النهائي،،،
،،، لذلك فإن الانتقال نحو العلمانية و أخلاقها الذاتية و منظومتها الشاملة لا بدَّ له من انتداب صفوة ِ العُقلاء ِ و الخبراء ِ و المُفكِّرين، للقيام على تخطيط ٍ واعٍ حكيم ٍ مسؤول ٍ مُستدام (أضع خطوطا ً كثيرة تحت كلمة مُستدام لما لها من أهمِّية ٍ قُصوى)، بالتوازي مع تطبيقه على مراحل مدروسة لها جداول زمنية،،،
،،، يتم ُّ تقيم ُ مُخرجاتها (أي المراحل)، ثم َّ تعديلُ خطَّة الطبيق بحسب نتائج التقيم،،،
،،، وصولا ً نحو العلمانية، ثم َّ عملا ً على استدامتها،،،
،،، من أجلنا، من أجل أطفالنا، من أجل أطفال أطفالنا، من أجل مستقبل ٍ كريم لأخوات ٍ و إخوة ٍ كرام، هم: نحنُ، و من سيأتي منَّا،،،
،،، هذه حقُّنا على أنفسنا، و هذا حقُّهم علينا.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في العلمانية – 4 – المنظومة الأخلاقية – 2.
-
قراءة في العلمانية – 3 – المنظومة الأخلاقية.
-
عن فاطمة عفيف.
-
قراءة في العلمانية – 2- المنظومة الشاملة.
-
بوح في جدليات - 20 – دجاجاتٌ على عشاء.
-
لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!
-
قراءة في الوجود – 9– عن الوعي، الإرادة و أصل الأفعال.
-
قراءة في الوجود – 8– عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 2
-
قراءة في الوجود – 7 – عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 1
-
للمرأة في يوم عيدها - تحية المحبة و الإنسانية.
-
شكرا ً أبا أفنان و لنا لقاء ٌ في موعد ٍ مناسب.
-
عن اللغة العربية و دورها في: بناء الهوية و التعبير عن الثقاف
...
-
اعتذار للأستاذ نعيم إيليا - دين ٌ قديم حان َ وقت ُ سداده.
-
قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.
-
قراءة في اللادينية – 9 – القتل بين: الحتمية بدافع الحاجة و ا
...
-
إلى إدارة موقع الحوار المتمدن.
-
عن هزاع ذنيبات
-
قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 10 – ما قبل المسيحية – 5.
-
بوح في جدليات - 19 - خواطرُ في الإجازة.
-
لهؤلاء نكتب.
المزيد.....
-
الجيش الفرنسي يعلن تدمير مسيرة في البحر الأحمر
-
أوربان: الغرب خسر الحرب بالوكالة في أوكرانيا
-
محللون: موقف حماس الجديد يضع نتنياهو في مأزق سياسي
-
17 قتيلا وعشرات المصابين بقصف أميركي لميناء رأس عيسى في اليم
...
-
موقع -السوداني-: إعفاء وزير الخارجية علي يوسف الشريف من منصب
...
-
هل يمكن أن تحسّن دراسات النوم جودة نومنا بشكل أفضل؟
-
Honor تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
-
نيبينزيا: القوات الروسية في سوريا ما تزال في مواقعها وموسكو
...
-
الهلال الأحمر اليمني يعلن مقتل 17 وإصابة العشرات في قصف أمري
...
-
نيبينزيا: هدنة الطاقة في أوكرانيا ليست واقعية بسبب عدم التزا
...
المزيد.....
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
المزيد.....
|