أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - ذهان رويدة سالم 4















المزيد.....

ذهان رويدة سالم 4


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 5414 - 2017 / 1 / 27 - 18:09
المحور: الادب والفن
    


د. أنالوتيكا
الفكرة، الأفكار، جوهر القصة. الجوهر مفهوم يرسم حدود القيمة. فإن ثكلت قصة ما فكرتَها، لم يبق لها معتمد تعتمد عليه في كسب قيمتها وبالتالي قدرتها على الانطلاق في رحلة ممتعة عبر الزمن. ثمة من يعتقد أن قيمة القصة في حسن تأليفها سواء أكان فيها فكرة، أم لم يكن فيها فكرة. ولكن منطق الخلود، بقاء الأثر، يستبعد هذا الاعتقاد ساخراً به. فكم من قصة خلدت بفضل حسن تأليفها لا بفضل أفكارها أولاً؟
لا يوجد!
وكم من قصة خلدت بفضل أفكارها أولاً قبل حسن إنشائها؟
لا يكاد المرء يحصي كم قصة خلدت! حسب المرء أن يذكر: المعطف لغوغول، الراهب الأسود لتشيخوف، التحول (المسخ) لكافكا، الشيخ والبحر لهمنغواي، قصة موت معلن لماركيز....
.وإنه لا يكفي أن تحتوي القصة فكرةً لتكتسب قيمتها مع حسن تأليفها؛ بل يجب أن تكون الفكرة مؤثرة قوية جليلة صادقة كالشمس بطاقةٍ داخلية لا تنفد بين يوم وليلة
والفكرة رأيٌ، تصور، مفهوم، قضية، حركة ذهنية يستولدها واقع الأديب. وهي جميعاً لا تزيغ عن إحساساته ومشاعره وخيالاته، بل تظل ملتحمة بها التحام العلة بالمعلول، والعظم باللحم
فأين فكرة، أفكار (الذهان) لرويدة سالم من مبدأ القيمة؟
الفكرة العامة في الذهان: اضطهاد المرأة. واضطهاد المرأة، سلب حقوقها: حقها في التعليم، حقها في العمل، حقها في المساواة مع الرجل في الواجبات، حقها في أن تكون حرة، مستقلة، بلا قيود. ولكي يكون لهذه الفكرة أهمية تستدعي التناول من قلم الأديب، ينبغي أن تكون موجودة في واقعه، وأن تكون مع وجودها خطيرة تستفحل آثارها في حياة المرأة، في مصيرها.
تجري أحداث القصة في تونس بلد رويدة الكاتبة. وتونس مقايسة ببلدان الشرق الأدنى ذي الثقافة العربية الطاغية، بلدٌ أغنُّ، بالنسبة إلى المرأة الشرقية، تحكمه شرائع مدنية لا تكتاد حقوقَها جملةً. فكان ذلك حرياً بأن يطفئ وهج الفكرة العامة، لولا العلم بأن المجتمع التونسي بموروثاته من تقاليد وعادات ومعتقدات دينية... يضرب الشرائع المدنية المنصفة للمرأة عرض الحائط!
هل وقفت رويدة سالم موقف المتفرج اللا مبالي تلقاء هذه الفكرة؟ كلا، بل شالت همّها، غرستها في وجدانها وعقلها، في دمها.
هل عمدت رويدة إلى تزييف واقع هذه الفكرة؟ (وفي تونس كاتبات لسن يتورعن عن تزييف واقع هذه الفكرة!) الجواب: كلا، معاذ الله! رويدة أديبة لا تجترح التزييف عوض العائضين. ولكنها تراخت عزيمة انتصارها لفكرتها في إحدى جزئياتها فجأة، تحت تأثير عاطفتها (ربما) فاستغفرت عقَلها ذنبَ والد بطلتها إذ حرمها حق إتمام تعليمها المدرسي: ((أجبِرت على ترك الدراسة؛ لأن "الماء اللي ماشي للسدرة الزيتونة أولى به". هذا ما كان يردده والدها. حاولت دوماً إقناع نفسها بمنطقية الحيف الذي طالها. المداخيل كانت محدودة، والوالد حين قرر تخصيصها لدراسة الولدين، كان مقتنعا أن لها ما يكفي من جمال ليتقدم لخطبتها كل شبان الحي ثم يختار لها الزوج الأنسب الذي سيتحمل مسؤوليتها مدى الحياة. وجدت سبيلاً لتفهُّم أسبابه، فلم تحمل تجاهه أي ضغينة. )).
إنها تلتمس له الأعذار! تتفهم (جنايته) عليها. ولا أدري لهذا الاعتذار والتفهم مهيعاً! فلو كانت وحيدة، أو ثالثة ثلاث بنات وضاقت يد الوالد عن الإنفاق عليها أو الإنفاق على ثلاث بنات مجتمعات دفعة واحدة فاختار أن يضحي بها دون شقيقاتها بتقدير عادل منه واعتبار، لكان صنيعه مقبولاً. فأما أن يضحي بها لأنها بنت بحجة غير مقنعة هي أن لها جمالاً يعوضها عن الشهادة، ولا يضحي بواحد من شقيقيها، فموقف منه يتمثل فيه تفضيل الذكر على الأنثى. ولا إخال فكرة تفضيل الأب أبناءه بعضهم على بعض وفق معيار الذكورة والأنوثة، فكرة يصح أن تتفهمها كاتبة معروفة بدفاعها الملتهب عن قضايا المرأة.
لقد كان لتضحية والدها بها وحرمانها من العلم والتعليم، نتيجةٌ سيكون لها دور فاعل في مأساتها: (( إلى أين كان يمكن أن تلجأ، لو تصدت له منذ البدء فطلقها؟ من كان سيحتملها وابنتها عمراً بأكمله ؟ لو أنني أنهيت دراستي وحصلت على شهادة ما، ألم يكن الوضع ليكون أفضل ؟" في الحقيقة، تعجز عن البت في الأمر))
كما لا أدري لماذا "تعجز عن البت في الأمر" والأمر واضح. فإنه لو قد يطلقها، فإنها ستجد في وظيفة ما تؤهلها لها شهادتُها، لوذاً تتحصن به عن ذل الحاجة.
ولست أدري أيضاً، كيف تنكر على النساء والرجال تفضيلهم الذكر على الأنثى، ولا تنكر تفضيلها طفلتها (لين) أنها بنت عذبة، لا ولد: ((ولكن كون لين بنتاً عذبة، أجمل بكثير من كونها ولداً)).
ولكن ماذا إن اعترض معترض ههنا فقال: إن الكاتبة تحدّث بلسان البطلة، وحديث البطلة ليس هو بالضرورة رأي الكاتبة؟
في الرد على هذا الاعتراض أقول: ليس في سياقات القصة، في طواياها، في عطفاتها ما يومئ إلى القارئ أنّ بطلة القصة ليست عقلَ الكاتبة وضميرها.
فإذا جاوز القارئ هذه الفكرة الخفيفة الهينة، ومضى إلى الفكرة الثقيلة المؤرَّبة فكرةِ قتل الزوج:
((اليوم هو يوم جمعة وسيرجع باكراً. حين يصل سيستحم كما اعتاد منذ الثورة، وسيلبس الجبة ويتعطر ويذهب إلى الجامع سيراً على الأقدام من أجل أجر أكبر. تلك الزبيبة التي علت جبينه تعلم جيداً كيف ولدت بين عشية وضحاها. لكنه لن يغادر البيت. سيكون آخر يوم... سيرحل لا إلى الجامع بل إلى الجحيم.))
فإنه حينئذ سيرى نفسه العاقلة الحاسة بإزاء فكرة جليلة! إن فكرة قتل الزوج، ليست قتلاً على الحقيقة، ولو قد كانت قتلاً على الحقيقة، لقرفنا الكاتبةََ بجرم التحريض على القتل العمد. بل هي قتل الاضطهاد، قتل الاستبداد، قتل التنكيل بالحقوق، قتل المصادرات، قتل الخيانة والموبقات الاجتماعية. وما أجلّ قتل كل ذلك!
ويتفرع من آنف الذكر، فكرة (الصولجان). وما الصولجان؟ الصولجان رمز السلطة، إنه رمز الطغيان والتمييز الجنسي. وقد استعارته الكاتبة للذكورة، لعضو الذكر الذي به فضلُ الذكر على الأنثى وتفوّقه عليها، والذي به يُستحلُّ أن يحظى الذكر بحقوق أوسع من حقوق المرأة في الفكر المتخلف الرث.
وإذ تخيلت الكاتبة الزوج يعرض له حادث سيارة، تخيلت مساوئ مجتمعها وقد عرض لها تهورٌ في الوادي، سقوط في الهاوية. وإذ تخيلت (صولجانه) أبتره الحادث، تخيلت سلطة الذكر المكتسبة تنقاضُّ؛ فتنتصر المساواة بين الجنسين: ((فغر فاها حين وجدت ضمادات وآثار دم على كامل خصره. أزالتها قطعة قطعة. كتمت صرخة. غالبها القيء. أسرعت للحمام. خرجت إلى الفناء. تنفست بعمق ثم عادت. أين ذهب صولجانك؟ هل ابتلعته عاهرة ما أم تمسكت السيارة المحطمة ببعض منك وهي تنتقل إلى مصب الخردوات؟
لم يعد من معنى لقتله.))
ولعل فكرة الانتحار التي ختمت بها القصة، أن تكون من أبلغ الأفكار المثيرة فيها. ((ارتفعت في سماء المدينة الساكنة في ذلك الليل البهيم، زغرودة طويلة، تلاها مواء قطط فزعة قطع سيمفونية تزاوجه صدى ارتطام حاد على إسفلت الطريق العام)) ولا أشك في أن عديداً من القراء سيستهجن، للوهلة الأولى، أن تدع الكاتبة بطلتها تنتحر.. سيتوهمون انتحارها عجزاً ويأساً وكمداً. ولكنهم لن يطول بهم أن يدركوا روعة هذه الفكرة وسموها حالما ينزع عنها لحاؤها، حالما يشرق إشراقها المتمثل في انتحار الخنوع والعبودية والضعف.

أهذا كل شيء؟
كلا، فثمة أشياء أخر.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون 3
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون 2
- ذهان رويدة سالم على منهج الأورغانون
- العرقيون
- حلم فرانتس كافكا
- محاورة المؤرخ شلومو زاند
- حديث الروح والمادة
- ديالكتيك الدين والدَّيِّن
- خابية الكنز المفقود 9
- خابية الكنز المفقود 8
- خابية الكنز المفقود 7
- خابية الكنز المفقود 6
- خابية الكنز المفقود 5
- خابية الكنز المفقود 4
- خابية الكنز المفقود 3
- خابية الكنز المفقود 2
- خابية الكنز المفقود 1
- سِخابٌ بجِيْد الزَّمان
- ذكرى جدال
- في الطريق إلى فلاديفوستك. المشهد الأول


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم إيليا - ذهان رويدة سالم 4