|
عشرة أيام حيّرت العالم
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 5384 - 2016 / 12 / 27 - 20:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عشرة أيام حيّرت العالم د. محمد أحمد الزعبي 24.12.2016 الأيام العشرة المعنية في عنوان هذه المقالة ، والتي حيّرت العالم ، هي تلك الواقعة بين " ثورتين" ، هما الثامن من آذار 1963 والثامن عشرمن آذار 2011 . وكما يبدو للقارئ الكريم فإننا أمام فارقين زمنيين مختلفين ، فارق العشرة ايام ( بين 8 و 18 )، من جهة ، وفارق نصف القرن ( بين 1963 و2011 ) من جهة أخرى . وهذا الفارق الزمني الأخير هو مايجب التوقف عنده وليس العشرة أيام . هذا وقد ذكرتني عشارية آذار السورية و من باب مايسمى بعلم النفس بـ " التداعي بالاقتران اللفظي " ، بعشارية جون ريد السوفييتية ( عشرة أيام هزت العالم ) . ولكني لست متأكدا هنا من أن الثورة السورية يمكن أن تهز العالم كما سبق للثورة اللينينية أن هزته . إن ما شهدناه و نشاهده بأم أعيننا منذ 18 آذار 2011 وحتى غد وربما بعد غد أيضاً ، يشير إلى أن الثورة السورية قد أدخلت العالم كله في حيرة من أمره ، والسبب في ذلك هو أن هذه الثورة إنما هي ثورة الحق على الباطل وهذا سر قوتها ، ولكنها وبنفس الوقت هي ثورة الضعيف على القوي وهذا هو سر ضعفها . والقوي هنا هي دول العالم النووية وشبه النووية التي تحمل طائرات الشبح والسوخوي والميغ بيد ، والكذب والخداع والتضليل وداعش باليد الأخرى . إن مايحدث في سوريا والعراق اليوم ، وهذا مع الأسف الشديد ، تماماً هو العكس ، أي أن العالم هو الذي بدأ يهز سريرالثورة السورية تارة بيديه وتارة برجليه ، كيما يجعلها تخلد إلى النوم ، وينسيها أهداف الحرية والكرامة التي ثارت من أجلها ، ويطفئ بالتالي جذوتها بما هي آخر جزء باق من ثورات الربيع العربي . إن الصورة الفوتوغرافية المؤلمة والمؤسفة لمى جرى ويجري في سوريا " الصغرى " تشير بصورة أساسية هذه الأيام إلى ما يلي : ـ آن سماء سوريا تغص اليوم بمختلف أشكال وآنواع الطائرات الأجنبية الحربية ، التي لم تبق في كافة المدن السورية ، على عائلة واحدة في بيتها ولاعلى طفل واحد في حضن أمه وليس ماجرى بالأمس في داريا ويجري اليوم في حلب ، عنا ببعيد . ـ وأن أرضها تغصّ بدورها بمختلف أشكال الميليشيات (غريبة الوجه واليد واللسان ) ، ـ وأن بحرها الأبيض المتوسط يزخر بحاملات الطائرات وبالغواصات وبمختلف أشكال وأنواع السفن الحربية ، ولكن ليس السفن التي قال عنها عمرو ابن كلثوم ذات يوم في معلقته الشهيرة ( ملأنا البر حتى ضاق عنا وظهر البحر نملؤه سفينا ) وإنما السفن الإيرانية والروسية والفرنسية والإسرائيلية وغيرها ، ـ ولكنه ( البحر الأبيض المتوسط ) يزخر أيضاً بزوارق المهربين المهترئة التي تنقل الهاربين من جحيم نظام عائلة الأسد إلى أوروبا طلبا للأمن والأمان ، والذين غالباً ما انتهى المطاف بالآلاف منهم ليس في أوروبا وإنما في بطن أمواج البحر وبطن أسماكه . ـ إن من يحكم سوريا منذ 1963 وحتى اليوم هم واقعياً جنود وضباط إمام الزمان ، المهدي المنتظرالذين امتطوا صهوة حزب البعث ، وصولا إلى كراسي الحكم ، وجيوب المواطنين وأنهم حفاظا على مكاسبهم غير المشروعة هذه دمروا سوريا ، وقتلوا أطفالها ، وهجّروا أهلها، وعندما لم يفدهم كل هذا العمل الوحشي لجؤوا إلى استدعاء الميليشيات الطائفية ، الإيرانية واللبنانية والعراقية ، وأخيرا وليس آخراً استدعوا روسيا بوتين ليتنازلوا لها عن سلطتهم وعن بلدهم وعن كرامتهم مقابل فقط حمايتهم من أبناء شعبهم الذين لم يطالبوهم في آذار 2011 بأكثر من الحرية والكرامة وحقوق الإنسان . نعم إن ثورة 18 آذار2011 ، تختلف جذريا عن ثورة 8 آذار1963 ففارق العشرة أيام بين " الثورتين !" إنما هو عملياً فارق نصف قرن من الاستبداد والفساد ، ومن الحكم العسكري الديكتاتوري الطائفي ، الأمر الذي معه ـ وهذا من وجهة نظرالكاتب الخاصة ـ لا يستحق انقلاب 1963 حتى اسم" الثورة"، ذلك أنه كان انقلاباً عسكريا، هدفه تثبيت الإنفصال(انقلاب النحلاوي ) ومنع العودة إلى الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) ، والوصول إلى السلطة على ظهر كل من الجيش وحزب البعث ، وبالتالي فهو انقلاب عسكري بامتياز بل و يدخل ـ وهذا من وجهة الكاتب الخاصة أيضاً ـ في باب " الثورة المضادة " وليس في باب " الثورة " . عندما قامت " ثورة " 08.03.1963 ، ظن البعض ( وأنا واحد منهم ) أن الوحدة والحرية والاشتراكية باتت تقف خلف الباب ، ( على حد تعبير سميح شقير ) وعندما فتحنا الباب ، في أحد أيام صيف حكم عسكر إمام الزمان ، لم نجد وراءه لا وحدة ولا حرية ولا إشتراكية بل ولا حزب بعث ، وإنما وجدنا فقط حافظ الأسد يحمل " كرباجاً" ويصيح بأعلى صوته : أيها الناس أيها السوريون اسمعوا وعوا " الأسد أو حرق البلد " وكان على الشعب السوري أن يختار بين أمرين أحلاهما مر ، ومع ذلك فقد قبلوا بأقل الضررين ، حفاظاً على بلدهم وأطفالهم ، ولكن لم يكن يخطرعلى بالهم بحال ، أنه عندما يموت هذا الأسد، سوف يسلم الراية الملطخة بدم أبنا ء مدينة حماة إلى وريثه بشار، الذي فهم رسالة أبيه الطائفية جيداً ، وتحول بقدرة ولي الفقيه إلى نيرون القرن الواحد والعشرين ، وكان حرق البلد هو خياره الوحيد ووسيلته الطائفية المفضلة ، للمحافظة على ذلك الكرسي الذي ورثه عن أبيه .
إن تغييب نظام عائلة الأسد لكل من الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ، فرض على الجيل الشاب في سوريا أن يقوم بواجبه في إنقاذ بلده والدفاع عن أرضه وعرضه ، وذلك بوضع حد لهذا العبث الوراثي الطائفي العسكري الدموي ، وهكذا بدأ " الشباب " يتهيؤون للثورة على هذا النظام الفاشي منذئذ ، فكانت ثورة 18 آذار 2011 ، وكان شعارها المعروف " الشعب يريد أسقاط النظام "يمثل الرد الطبيعي على لعبة ولي الفقيه ولعبة التوريث المناقضتان لحرية وكرامة الشعب السوري . إن وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 ، كان يعني تطبيقياً وصول أقليّة بعينها إلى سدة الحكم وعلى حساب الشعب السوري بمختلف طوائفه ومكوناته الوطنية والقومية . بل وعلى حساب الحرية والديموقراطية وصندوق الإقتراع . إن هرولة العالم بيمينه ويساره لدعم هذه " الأقليّة " على حساب " الأكثرية " ، إنما هي هرولة في الإتجاه المعاكس لحركة التاريخ ، و وستبقى ملايين الشهداء والجرحى والمعاقين والمغيبين قسراً والمعتقلين والمهجرين في سوريا وآخرهم في مدينة حلب الشهباء ، دين في رقاب هذا العالم الصامت والمتفرج إلى يوم الدين .
لقد كتبت ذات يوم مقالة بعنوان " بين الخطيئة والخديعة خيط رفيع " ، وإنني الآن أعيد طرح هذا العنوان فقط ،معتبرا أن وقوع بعض " البعثيين" ( وأنا كنت واحداً منهم ) في الخديعة ذات يوم لايبرراستمراروقوعهم في الخطيئة إلى اليوم . وينطبق هذا ليس فقط على الوقوع في فخ حافظ الأسد عام 1970 وإنما أيضاً على الوقوع في فخ الثامن من آذار 1963 ، وأتمنى أن يكون كلامي هذا مفهوما ومقبولاً، من قبل من أعنيهم من " الرفاق " و " الأصدقاء " .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وحي حلب الشهباء
-
الثورة السورية بين رؤيتبن
-
الديموقراطية بين الحل والإشكالية
-
خواطر حول الطائفية وأخواتها
-
الدرس المغربي لثورات الربيع العربي
-
حلف الثوريين في الربيع العربي
-
ماهكذا تورد الإبل ياجون كيري
-
الجيش الحر أو الجيش الوطني السوري
-
الثورة السورية بين العاملين الداخلي والخارجي
-
خاطرة حول بوادر تقسيم سوريا
-
شنفرى داريا : وداعاً بني قومي!
-
داريا بين فك بشار ومخالب بوتين
-
الثورة السورية ولعبة شد الحبل بين إيران وتركيا
-
الأخوان داعش وبشار وأكذوبة الأولوية
-
جدل الدين والسياسة بين الأمس واليوم
-
الذين لايخجلون من الكذب
-
الهجرة من الجنوب إلى الشمال - مقدمة لبحث ميداني
-
الهجرة من الجنوب إلى الشمال
-
بين بشار الأسد ودي مستورا شعرة معاوية
-
البرهان على تحرير الجولان
المزيد.....
-
أمينة خليل والسعدني وشاهين بمسلسل -لام شمسية- في رمضان
-
أحمد الشرع يكشف ما بحثه مع محمد بن سلمان في الرياض: -لمسنا ر
...
-
نعيم قاسم: تشييع حسن نصر الله وهاشم صفي الدين يوم الأحد 23 ف
...
-
إيران تسدل الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
ترامب يقر بتداعيات حرب الجمارك وشولتس ينتقد تقسيم العالم بحو
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعودي في الري
...
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف عن -مدينة صاروخية- جديدة تحت الأر
...
-
إسرائيل تفجر عددا من المنازل في مخيم جنين (فيديو)
-
إعلام: نتنياهو يسعى لإقناع ترامب بتأييد خطته لمواصلة الحرب ع
...
-
وزارة النقل الأمريكية تصف نظامها لمراقبة الحركة الجوية بأنه
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|